الأحد، 29 يوليو 2012


لماذا رفض «كاك بنك» مشروع ممول خارجياً بأكثر من 4 ملايين يورو لتخفيض الفقر في تعز؟


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
في معظم خطاباتهما وتصريحاتهما، لا يفتئ الرئيس اليمني الجديد، ومثله رئيس الحكومة، من الحديث عن الدعم الخارجي والمساعدات الدولية كضرورة ملحة لإنقاذ البلاد من الفقر المتزايد.

وتلك الدعوات مع أنها في حقيقتها لا تجانب الواقع، إلا أنها على ما يبدو تظل مجرد دعوات نظرية، إذ تصطدم بواقع عملي يشكك بقدرة الحكومة على استيعاب المساعدات الدولية. وحتى نكون منصفين علينا أن نقول: على الأقل حتى الآن..

ولعلنا هنا نمتلك بعض الشواهد العملية التي من شأنها أن تضع الحكومة في موقف صعب أمام استيعاب مساعدات المجتمع الدولي لتلبية الاحتياجات التنموية..

• كاك بنك ومشروع خفض الفقر بمحافظة تعز
حصل موقع «المصدر أونلاين» على وثائق أولية ومعلومات مؤكدة تفيد بأن رئيس بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك)، أوقف العمل بمشروع ممول خارجيا بأكثر من 4 ملايين يورو، كمنحة مالية نقدية عاجلة، وطارئة لمساعدة الحكومة اليمنية في التخفيف من حدة الفقر بمحافظة تعز.

المشروع الذي قررت المفوضية الأوروبية تمويله بمبلغ (4.240.000) يورو، عبر صندوق الرعاية الاجتماعية- مشروع المساعدات النقدية المشروطة، بهدف خفض الفقر في محافظة تعز، كانت مناقصته قد رست على العطاء الأفضل الذي تقدم به بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك) كشريك «مزود للخدمة»، من بين ثلاثة عطاءات، تقدم بهما – إلى جانب كاك بنك - كل من بنكي التضامن الإسلامي، والأمل. وذلك لتقديم خدمات تسليم المبالغ الخاصة بمشروع المساعدات النقدية المشروطة للمستفيدين، مقابل حصول البنك على عمولة لا تزيد عن 3.5% من إجمالي قيمة المبالغ المحولة للمستفيدين في كل دفعة.

وعلى ضوء ذلك، بدأت الإجراءات الأولية لتنفيذ المشروع بالمضي قدما، ولم يتبقى منها سوى توقيع العقد بين الطرفين: صندوق الرعاية الاجتماعية كطرف أول، و«كاك بنك» كطرف ثاني. لكن رئيس البنك، الذي عاد من سفرية خارجية قبل أيام قليلة من توقيع عقد تنفيذ المشروع، فاجئ الجميع برفض التوقيع، بدون إبداء أسباب مقنعة. الأمر الذي – وبحسب مصادر مطلعة لـ«المصدر أونلاين» – جعل المفوضية الأوروبية تفكر بتجميد مبلغ الدعم المخصص للمشروع.

وحصل الموقع على نسخة من صيغة العقد الذي كان يفترض توقيعه الأسبوع قبل الماضي. وتقول تفاصيل العقد أن هذا المشروع كان سيعمل على «تخفيض الفقر في المدى القصير من خلال الحوالات المالية للأسر الفقيرة، وفي المدى الطويل بناء رأس المال البشري للأطفال الفقراء في بعض مديريات محافظة تعز الملحة كمرحلة أولى، وكافة مديريات المحافظة كمرحلة ثانية».

المصادر أكدت أن رئيس كاك بنك كان مطلعا على كافة الإجراءات الأولية، ويتابع العملية أولا بأول. الأمر الذي أثار استغرابا وشكوكا حول الدوافع الحقيقية التي تقف وراء اتخاذ قرار ايقاف التوقيع وتنفيذ المشروع في مثل هذا التوقيت الحرج؛ قبل أيام قليلة من توقيع العقد، حيث كان يفترض أن تقوم الجهة الداعمة بتحويل مبالغ المشروع مباشرة بعد التوقيع..!!

• خسارة فقدان التمويل 
وتلفت المصادر، إلى أن مثل هذا القرار من شأنه أن يحرم فقراء محافظة تعز من معونات مالية عاجلة، كان العقد قد حدد فترة تسليمها بـ13 شهرا من تاريخ توقيع العقد.

وبموجب الاتفاقية، فإن على صندوق الرعاية الاجتماعية (الطرف الأول) إعداد قائمة (وقد فعل ذلك) تشمل المستفيدين والمدارس والمديريات التي كان يفترض على الطرف الثاني (البنك) أن يقوم بصرف المساعدات المالية لها، وفق آلية صرف منظمة ومحددة، لتحقيق ما توقعه معدي المشروع من أن «الاستثمار في رأس المال البشري للأشخاص والأسر سوف يخرجهم من دائرة الفقر». من حيث أن المشروع يشترط على الأسر الفقيرة - التي ستتلقى حوالات مشروع المساعدات النقدية المشروطة - أن «تقوم باستثمار محدد مسبقا في رأس المال البشري لأطفالهم وبالتالي الحد من الفقر اليوم وغدا».

وكان مشروع المساعدات النقدية المشروطة هذا سيسلم حوالات نقدية مشروطة لمستفيدي المشروع المسجلين في 4 مديريات (محافظة تعز) في يوليو 2012، ولـ10 مديريات (شاملة الـ4 مديريات المستهدفة حاليا من مشروع المساعدات النقدية المشروطة) في العام الدراسي 2012/2013: جميع المديريات في محافظة تعز.

هذه الدفع ستكون مشروطة بحضور الطلاب المستفيدين إلى المدارس. وفي الوقت الحالي يقدم مشروع المساعدات النقدية المشروطة، الإعانات لحوالي 8000 طالب وطالبة، بينما يتوقع أن عدد الطلاب المستفيدين سوف يزيد إلى أكثر من 30000 خلال العام الدراسي 2012/2013.

• لماذا رفض المشروع إذن؟
فيما عدى بعض التبريرات التي لا ترقى إلى رفض مشروع خدمي - وطني بهذا الحجم، تفيد مصادرنا أن الأسباب الحقيقية وراء رفض المشروع ما تزال غير واضحة تماما، على الأقل حتى الآن.

وعليه، ذهبت التفسيرات مذاهب تشكيكية عدة، بينها، على سبيل المثال: أن البعض يرجع ذلك إلى التشديد الذي تضمنه بند العقد رقم (11) تحت عنوان «النشاطات الممنوعة تحت هذا العقد»، الذي يفرض على الطرف الثاني: «عدم ربط تأدية الخدمات المنصوص عليها في هذا العقد بأي طرف سياسي أو حركة أو منظمة بواسطة أي من وسائل التواصل الشفوية آو المرئية». وكذا عدم «الارتباط بآي نشاط قد يتداخل مع او يقلل من جودة الخدمات تحت هذا العقد او يعرضها للشبهة».

ولعل مثل هذين الاشتراطين - بحسب بعض المراقبين – قد فرضا صعوبة كبيرة على القبول بالتنفيذ من قبل بنك لطالما عودنا القيام بخدماته بهدف الإعلان والترويج السياسي لطرف بعينه.

وربما يدخل في ذلك، ايضا - بحسب آخرين - أن البنك، الذي مازال محسوبا على طرف بعينه في السلطة، أتخذ قراره بناء على تلك التبعية؛ من حيث أن ثمة من يخشى أن تحسب انجازات المشروع على القيادة الجديدة للبلاد والحكومة، لاسيما إذا تحققت أهداف المشروع في تخفيض نسبة الفقر لما يزيد عن 30 الف مستفيد من محافظة تعز..!!

ولعل هذا أمر يمكن ترجيحه بشكل كبير، طالما وقد تحقق ذلك في ظل هذه القيادة الجديدة، التي أفضت إليها الثورة الشعبية التي اسقطت أهم رموز ورؤوس النظام السابق، التي كان الفساد وزيادة نسبة الفقر والعجز في إحداث تنمية مستدامة، من أهم الأسباب التي قامت لأجلها الثورة.

• قرارات إثبات إضافية 
لعلنا هنا، نورد بعض الحقائق المعززة لما ذهب إليه المفسرون لقرار رئيس البنك برفض تنفيذ المشروع.

فقد أكدت مصادرنا أن رئيس البنك أتخذ قرارات إضافية تتعلق بقراره السابق، من شأنها أن تعزز الاحتمالات التي قال بها البعض، مالم يقدم رئيس البنك توضيحاته ودوافعه لرفض المشروع. ومنها أنه أصدر قرارات بالفصل وأخرى بتغيرات إدارية داخلية شملت الموظفين الذين عملوا على المشروع.

وتؤكد المصادر أن إحدى المديريات اللائي تم فصلهن من العمل، كانت إحدى الناشطات الثائرات في ساحة التغيير بصنعاء.

قبل كتابة هذا التقرير، كنا قد حاولنا التواصل أكثر من مرة مع رئيس البنك لتوضيح الأسباب الحقيقية وراء قراره رفض التوقيع على العقد، لكن تلفونه الشخصي كان مغلقا. وعليه فإن تلك التأويلات السابقة (التي ننوه أننا استقيناها من بعض المصادر المطلعة على تفاصيل المشروع)، تظل احتماليات قائمة، حتى يقدم رئيس البنك تبريراته لدحضها. بضمنها صحة اتخاذ قرارات الفصل والتغير التي أشرنا إليها أنفا..

• وأخيرا..
وحتى يحدث ذلك، وسواء حدث أم لا، فإن الواضح راهنا هو أن الحكومة اليمنية (التي لا تكل ولا تمل من أن تستجدي المساعدات الخارجية في معظم تصريحاتها ولقاءاتها مع الممولين الخارجيين)، تبدو وكأنها قد وضعت رغما عنها في موقف العاجزة عن اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لتصحيح الأخطاء القائمة حتى تكون قادرة على تلبية متطلبات المرحلة الاقتصادية الراهنة، والحرجة.

وإذا كان الأمر كذلك في ظل أن بنك التسليف التعاوني والزراعي يدخل ضمن سلطاتها، فكيف كان الأمر سيكون، فيما لو كانت المناقصة قد رست على أحد البنكين الاخرين..؟

في واقع الحال، سيتوجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات حاسمة تثبت من خلالها جديتها في أن تحوز على ثقة مجتمع المانحين، وقبلهم الشعب الذي ما زال ينتظر منها الكثير لتقوم به في سبيل تحقيق الأهداف الانتقالية التي تقوم عليها شرعيتها، بضمنها التنمية الاقتصادية.
----------------------------


الأربعاء، 18 يوليو 2012

اليمن.. تحديات نموذج الحل المثالي




نظرة نسبية
بؤرة الصراع ومراحلها التصاعدية
أبرز التحديات المؤجلة للانفجار
مهمة بن عمر المعقدة



بعد عام ونصف على انطلاق الثورة الشعبية، مطلع فبراير/شباط 2011، يبدو اليمن اليوم وكأنه قد استكان إلى فترة من الهدوء الإجباري، بفعل ما فرضته مبادرة الحل الخليجية الدولية -لزوما- من مغادرة لمربع الفعل الثوري المضطرب إلى مربع الفعل السياسي المنظم.
ومن بين ثورات ما اصطلح على وصفها بـ"ثورات الربيع العربي"، اعتبر البعض الحل اليمني نموذجا مناسبا لـ"الحكمة" والمثالية. وفي الوقت الذي ظهر فيه من ينادي بتطبيقه على "سوريا"، كانت مشاعر الخذلان التي انتابت بعض ثوار اليمن قد بدأت تتوسع أفقيا، بالنظر إلى ما أنجزته الثورة اليمنية، قياسا بنظيراتها في كل من: تونس، ومصر، بل وربما حتى في ليبيا..!
نظرة نسبية
الواقع أن الحلول التي تضمنتها المبادرة الخليجية كان يمكنها أن تحظى بنسبة كبيرة من التأييد باعتبارها نموذجا مثاليا، ليس لأنها فقط نجحت في انتشال البلاد من حافة حرب أهلية محققة، بل لأنها، أيضا، تضمنت قائمة علاجات ناجعة (إجراءات وآليات نظرية وعملية، أشبه بخريطة طريق مدعمة بإشراف، وضغوط سياسية، مع وعود، دولية باذخة من المساعدات السياسية والاقتصادية التنموية المرافقة..) من شأنها أن تساعد البلاد على تجاوز المخاطر المحدقة، وصولا إلى تحقيق الاستقرار السياسي المنشود.
ومع ذلك، كان يمكن أن ينظر إليها أيضا -من زاوية أخرى– على أنها ليست أكثر من مجرد محاولة -أو حتى مقدمة- لحلول لا ترقى لمرتبة "المثالية، بقدر ما يمكنها أن تكون إطارا لحلول "محفوفة المخاطر": من حيث إنها (افتراضية) تعتمد بدرجة رئيسية على تحقق فرضية التوصل إلى توافق جماعي لحلحلة كل الملفات الأهم، الشائكة والمؤجلة.
وبالنظر إلى مقدار الدمار الذي لحق بالجسد اليمني جراء السياسات التدميرية التي دأب عليها النظام السابق على مدى أكثر من 33 عاما من الحكم الشمولي الأسري العسكري البيروقراطي، ثم مقارنة تلك الفترة الزمنية الكبيرة بفترة السنتين المحددة في المبادرة للتخلص من ذلك الإرث التدميري الهائل كله، فإن النموذج المثالي للحل سيتراجع لمصلحة النموذج اللامثالي "المحفوف بالمخاطر" بفعل مجموعة كبيرة من التحديات الثقيلة.
وبعبارة أخرى، فإن هذا الهدوء قد ينتهي إلى عاصفة تقضي على كل ما أنجزته "المثالية" خلال الفترة السابقة. على أن ذلك قد يحدث فقط عند النقطة الحرجة التي تنفجر عندها الخلافات المؤجلة.
بؤرة الصراع ومراحلها التصاعدية
وفقا للآلية التنفيذية، فإن "الحوار الوطني الشامل" بين كل القوى اليمنية الفاعلة يمثل العمود الفقري الذي ترتكز عليه متطلبات هذه المرحلة الهامة، ويفترض –من خلاله- التوصل إلى توافق سياسي بشأن مجموعة الملفات المؤجلة الثقيلة والشائكة، وأبرزها إعادة هيكلة الجيش، وصياغة دستور وقانون انتخابي جديدين، انتهاء بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
لكن هذا الحوار، كي ينجح، يتوجب عليه تجاوز أربع مراحل إجرائية مرتبة في سياق زمني متصل، تمثل في الوقت نفسه أهم التحديات الرئيسية في مسار الحوار، وهي:
- مرحلة التواصل مع مختلف القوى والأطراف الفاعلة، للحصول على موافقتها المؤكدة على المشاركة في المؤتمر.
- يليها مباشرة تحدي تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، التي ستتولى تحديد متطلبات الحوار الرئيسية (قوامه ومكوناته المشاركة ومحاوره وبرنامجه الزمني، شاملا كل القضايا الرئيسية التي سيتم التحاور حولها).
- ثم يأتي التحدي قبل الأخير وهو تدشين أعمال المؤتمر عمليا (النقاشات والتوصل إلى النتائج والحلول، مع تحديد الضمانات العملية الفاعلة التي تلزم كل الأطراف بالتنفيذ".
- وفي حال تم تجاوز تلك التحديات السابقة بنجاح، فسيكون المحك أو التحدي الأخير التجسيد العملي بالتزام التنفيذ على أرض الواقع.
بالنظر إلى ما حققته لجنة التواصل من إنجازات أولية، يظل الجزء الأكبر والأهم من هذا التحدي إلى جانب ما تبقى من المراحل التحديات المتعلقة بالحوار الوطني مخاطر قائمة بذاتها
حتى الآن، وبعد أربعة أشهر من دخول المرحلة الانتقالية الثانية (من المبادرة)، لم ينجز من ذلك كله سوى المرحلة أو التحدي الأول، وهو تشكيل اللجنة الرئاسية للتواصل مطلع مايو/أيار الماضي، التي أعلنت في 30 يونيو/حزيران الماضي انتهاءها من مهامها التواصلية، وحصولها على وعود بالمشاركة من قبل أبرز الأطراف والقوى المهمة، غير الموقعة على المبادرة، ومنها قيادات بارزة ومهمة في الحراك الجنوبي داخل وخارج اليمن، إلى جانب جماعة الحوثي.
وبعد أن رفعت اللجنة تقريرها النهائي إلى الرئيس تكون قد وضعته وجها لوجه أمام الجزء الأول من التحدي الثاني، وهو البدء بتشكيل اللجنة التحضيرية المكلفة بالإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني.
وعلى أية حال، فحتى بالنظر إلى ما حققته لجنة التواصل من إنجازات أولية، يظل الجزء الأكبر والأهم من هذا التحدي إلى جانب ما تبقى من المراحل التحديات المتعلقة بالحوار الوطني مخاطر قائمة بذاتها، لتمثل مع أخرى غيرها أحجارا ونتوءات على طريق إنجاز متطلبات المرحلة الانتقالية الثانية، من المبادرة الخليجية ككل.
أبرز التحديات المؤجلة للانفجار
- القضية الجنوبية: تعد هي التحدي المصيري الأكبر، ومع أن لجنة التواصل أكدت حصولها على موافقات قيادات جنوبية بارزة في المنفى، أعلن القيادي الجنوبي نائب الرئيس السابق علي سالم البيض رفضه المشاركة في المؤتمر، متمسكا بالحل الوحيد المطالب صراحة بـ"فك الارتباط"، وتفيد المؤشرات الميدانية بأن تيارا عريضا في الجنوب يميل عاطفيا إلى هذا المطلب..!
حتى بفرض أننا تجاهلنا ذلك، فإن التحدي يظل قائما من خلال نظرة أولئك القادة الموافقين على المشاركة في الحوار، فالمؤشرات الأولية القادمة من نتائج مؤتمراتهم الخارجية -التي عقدت في القاهرة وغيرها– حددت الحل بفدرالية من إقليمين (شمالي وجنوبي)، تستمر لخمس سنوات، لتنتهي بعدها إلى استفتاء من أجل تحديد المصير: بالمواصلة أو الانفصال، وهو ما يتعارض مع المبادرة الخليجية القائمة على أساس عدم المساس بسيادة ووحدة اليمن، وتعززها تصريحات الأطراف الموقعة والداعمة للمبادرة الخليجية، الرافضة صراحة للحل الفدرالي على إقليمين.
ومما يزيد من حجم التحدي أكثر تعدد الكيانات التمثيلية باسم القضية، لا سيما بعد أن أعلن مؤخرا عن تشكيل مجالس ثورية جنوبية في أكثر من محافظة هناك، يعتقد أن معظمها تتبنى الوحدة قاعدة للحوار.
وكل تلك التعقيدات وربما غيرها من الواضح أنها ستزيد من حدة الخلافات، وتعقد من إمكانية التوصل لحل توافقي جماعي بشأن القضية الجنوبية.
الفدرالية وتقرير المصير يتعارضان مع المبادرة الخليجية القائمة على أساس عدم المساس بسيادة ووحدة اليمن، وتعززها تصريحات الأطراف المختلفة الرافضة للحل الفدرالي على أساس إقليمين
- صعدة والحوثيون: لعل انتهاء الحرب في صعدة بشكل نهائي في 2010، جعل البعض ينظر إلى هذه القضية بتفاؤل كبير، من حيث إنه لم يتبق أمامها سوى إجراءات ميدانية بسيطة، من السهل التوصل بشأنها إلى توافق سياسي سريع، فمن حيث المبدأ ثمة شبه إجماع على حقوق الحوثيين بحرية ممارسة شعائرهم التعبدية وفق مذهبهم، كما أنه ليس ثمة خلاف حول ضرورة إعادة إعمار ما دمرته الحرب هناك.
بيد أن مثل تلك النظرة تبدو قديمة جدا، إذ تتجاهل الحقائق والمتغيرات الأخيرة، فمطالب الجماعة اليوم لم تعد كما كانت بالأمس!! لقد تطورت وتوسعت مع توسع الحوثي وتمدده -بقوة السلاح- إلى مناطق مجاورة لمعقله الرئيسي في صعدة.
وبالتالي من المؤكد أن يرتفع سقف المطالب لتلبية هذا المتغير الجديد، وفي حال اتفق على فدرالية متعددة الأقاليم، من المرجح أن يطالب بإقليمه الخاص (الذي يضم صعدة، مع محافظتي الجوف وعمران، أو أجزاء منها، ومحافظة حجة). وليس بمستبعد، أيضا، المطالبة بإضافة جزيرة ميدي القريبة كميناء للإقليم.
وفي المحصلة النهائية، فإن الحوثي، الذي من المؤكد أنه لن يتخلى عن حمل السلاح، لن يقبل بما هو أقل من ذلك، تنفيذا لرغبة إيران بتعزيز قوتها على الحدود الجنوبية لعدوهما التقليدي: المملكة السعودية، وهو ما سيواجه برفض كبير من السعودية وحلفائها في الداخل والدول الكبرى.
-هيكلة الجيش.. والعدالة الانتقالية: مع أن هاتين القضيتين قد تعدان أقل أهمية من القضيتين المصيريتين السابقتين أعلاه، فإنها تعد من القضايا المؤجلة المرافقة التي من المرجح أن تنفجر على طاولة الحوار الوطني أو ربما خارجها قبل بلوغها. ومما يزيد من تعقيد الخلافات بشأنها أن الرئيس لم يصدر حتى اللحظة قرارا بتشكيل اللجنة الخاصة المعنية بتفسير بنود الآلية التنفيذية وفقا لما نصت عليه الآلية، وهو ما يجعل الباب مفتوحا على مصراعيه للمزيد من الخلافات، التي قد ترتفع حدتها مع إعلان أسماء لجنة التفسير بداية، ومن ثم وربما بحدة أكبر مع شروع اللجنة بأعمالها.
- خلافات أخرى: ودون تلك الملفات الأكثر ثقلا ثمة خلافات أخرى، قد ينظر إليها في الوقت الراهن على أنها أقل أثرا، لكنها قد تتطور لاحقا وتنفجر على طاولة المؤتمر القادم. منها -على سبيل المثال- اختيار ممثلي الشباب في الحوار، وقد أعلنت اللجنة التحضيرية للثورة الشبابية رفضها لإجراءات لجنة التواصل الحكومية بهذا الشأن، ووضعت شروطا مسبقة لقبولها الدخول في الحوار، على رأسها إعفاء من تبقى من أقارب الرئيس السابق من مواقعهم على رأس الجيش والأمن، ومحاكمتهم، وعدم إشراك المتورطين في قتل الشباب والاعتداء عليهم في الحوار.
مهمة بن عمر المعقدة
قبل نهاية يونيو/حزيران الماضي، عاد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر إلى اليمن، في إطار مهمة أغلب الظن أنها لن تقتصر على الرقابة ورفع التقارير كالسابق، بل ستتجاوز ذلك إلى التخطيط والإعداد والتنفيذ والإشراف على إنجاح ما تبقى من التسوية السياسية، المرتكزة على "مؤتمر الحوار الوطني".
وتعزيزا لذلك، كشف بن عمر عن تشكيل فريق من الخبراء الدوليين، للعمل معه في مكتب الأمم المتحدة بصنعاء، ممن لديهم "تجارب حوارات وطنية في دول مختلفة".
مهمة بن عمر قد لا تكون سهلة، ليس فقط بسبب التحديات بالغة التعقيد، بل أيضا لأنه ما زال سيتوجب عليه البحث أولا عن المعالم والأسس الرئيسية للدولة التي طمرت على مدى ثلاثة عقود 
وهذه المرة، وربما أفضل من سابقاتها، سيكون لدى بن عمر أدوات ضغط أممية أكثر فاعلية لاستخدامها، على شاكلة قرار مجلس الأمن الأخير (رقم 2051) الذي يمنح تفويضا بفرض عقوبات دولية على أي طرف يثبت تورطه في عرقلة التنفيذ.
ومع ذلك، قد لا تكون المهمة أمامه سهلة، ليس فقط عطفا على ما ذهبنا إليه من تلك التحديات بالغة التعقيد، بل أيضا لأنه ما زال سيتوجب عليه البحث أولا عن المعالم والأسس الرئيسية للدولة، التي يفترض أن تساعده على إسقاط مخططات الخبراء عليها، وذلك أمر لن يكون من السهل بلوغه في دولة تعرضت عمدا للتدمير وطمر معالمها الرئيسية لأكثر من ثلاثة عقود كبيسة.
قد يدرك بن عمر –ولكن ربما في وقت لاحق من الآن- أن النوايا الطيبة لا تكفي وحدها لاستعادة دولة حولها الأشرار إلى "خرابة ملغومة"، وفي الوقت الذي لا يملك فيه الأخيار المنقذون سوى خريطة غير واضحة المعالم والحدود، يمتلك المخرب الرئيسي -القابع  بالقرب– كل ما يجعله قادرا على مواصلة التدمير.


المصدر:الجزيرة


الثلاثاء، 17 يوليو 2012


لماذا سرب حزب صالح إلغاء الاحتفال بذكرى الجلوس الـ34؟

عبد الحكيم هلالa.hakeem72@gmail.com
مؤخرا كشف قيادي مؤتمري أن حزبه قرر إلغاء فكرة الاحتفال بالذكرى الـ34 لسيطرة الرئيس السابق على كرسي السلطة في اليمن..!

في الواقع؛ لمجرد أن يوجد من قد يفكر بالاحتفال بتنصيب رئيس أزاحته ثورة شعبية غاضبة، قد يبدو بحد ذاته أمرا غبيا ومستفزا للغاية..!

إلا أن موقع «العربية نت»، الجمعة الماضية نسب تصريحات لشخص أسمه محمد عبد القوى (وصف على أنه «قيادي في حزب المؤتمر الشعبي») جاء في خلاصتها: أن «التيار المعتدل» داخل الحزب – حسب ما وصفهم - نجحوا بإلغاء الاحتفال الذي كان أعد له في يوم (17 يوليو) القادم، بمناسبة الذكرى الـ34 لتولي الرئيس السابق، علي عبدالله صالح السلطة في 1978.

أما السبب، فلان مجلس الأمن الدولي حدد هذا اليوم (17 يوليو) بعينه، لعقد جلسته القادمة بشأن اليمن. وعليه فقد تقرر إلغاء تلك الاحتفالات «حتى لا تفسر على أنها رسالة استفزازية وتحديا للمجتمع الدولي الذي يرعى العملية الانتقالية في اليمن - على أساس المبادرة الخليجية».

ولمزيد من إضفاء المصداقية، قال بأن خلاف حدث بهذا الشأن في إطار قيادات الحزب المنقسمة، لكنه في نهاية المطاف «بات شبه محسوما» لمصلحة القيادة المعتدلة «بعد أن رأت أن إقامة تلك الاحتفالات في نفس اليوم الذي سيعقد فيه مجلس الأمن جلسته القادمة بشأن اليمن»، من شأنه أن يبعث «رسالة مشوشة مفادها أن حزب الرئيس صالح يتحدى الجهود الدولية.. وبالتالي هو من يعيق العملية الانتقالية».

والآن: هل قد يبدو ذلك حقيقيا؟

• لكن..
ماذا لو لاحظنا أن تلك التصريحات المسربة، جاءت بعد يوم واحد فقط من التهديدات التي أطلقها جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للامم المتحدة إلى اليمن، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الخميس (أي قبل يوم واحد من تلك التصريحات) في ختام زيارته الاخيرة، والتي جدد فيها التذكير بأن «مجلس الأمن يتابع الحالة في اليمن عن كثب»، ثم هدد بالقول: «وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2051 لا يوجد مجال للتساهل مع من يعيق عملية الانتقال السلمي للسلطة، وكل من يحاولون إخراج العملية من مسارها، هم الآن قيد الرصد وتحت المجهر».

عمليا، أطلق بن عمر تلك التهديدات، بعد مجموعة لقاءات كان عقدها مع قيادات من مختلف القوى والأطراف السياسية، الحزبية، الشبابية، والمجتمعية...الخ، في إطار ما توجبه مهمته الأممية لتقييم مسار العملية السياسية؛ التي ستنتهي برفع تقريره النهائي إلى مجلس الأمن يوم (17 يوليو) الجاري، بخصوص التطورات الأخيرة في العملية السياسية والجوانب المتصلة بوجود خروقات من أي طرف كان.

• مختبر الفحص والتدقيق السياسي
إن السياق التوضيحي السابق، قد يضع تصريحات القيادي المؤتمري تلك، موضع الريبة والتشكيك، ما يفرض التعامل معها ليس كمجرد تصريحات سياسية عادية، بل ربما كتسريبات موجهة تنطوي على مغاز وأهداف سياسية محددة..!

ولعل مجرد التفكير بإقامة مثل هذا الاحتفال، في ظل المتغيرات الأخيرة، هو بحد ذاته فكرة تنطوي على وقاحة سياسية..! ومن الغباء أن يفكر سياسي بمثلها، ليس لأن مجلس الأمن سيعقد جلسته بشأن اليمن في اليوم ذاته، كما زعم، بل لانتفاء مبرر حدوث مثله بعد قلع من يفترض الاحتفال به من السلطة عبر ثورة شعبية عارمة..!

وحتى بفرض وجود قيادات في المؤتمر تتمتع بهكذا غباء سياسي، فلمَ قد يفكر قيادي في الحزب بتسريب ذلك للصحافة؟ بل لم هذه المرة قد يحدث التسريب بطريقة غبية – غير مألوفة في العمل السياسي – تخالف أبسط قواعد التسريب البديهية: «سرية المصدر».

ليس إذا كان من صرح (أو بالأحرى: سرب)، قد أطمئن – وفق ترتيب مسبق - بأن كشف هويته، لن يترتب عنها أية عواقب مفترضة.

ناهيك عما قد تضفيه حقيقة أن تيار المتشددين الموالي لصالح مازال هو الأقوى وصاحب الكلمة الفصل داخل الحزب – على المستويين: العمودي والأفقي، من تساؤلات إضافية مثيرة؛ لن تقودنا سوى إلى إجابة منطقية واحدة: أن ثمة توجه سياسي – يفترض ان يكون مخطط له – لتحقيق أهداف بعينها من نشر تلك التسريبات.

• الاحتمالات.. التوقيت.. والمؤشرات
وبتتبع بعض المؤشرات المرافقة، والبناء عليها، سيمكننا التوصل إلى اكتشاف ما وراء الأكمة. ولعل توقيت تلك التصريحات الحزبية، بعد يوم واحد من تهديدات المبعوث الأممي، في المؤتمر الصحفي، تأتي لتضعنا في بداية الطريق الصحيح.

قبلها كان بن عمر التقى بقيادات المؤتمر الشعبي العام، وناقش معها ابرز القضايا العالقة، لاسيما تلك التي يصر أصحاب القرار في الحزب على رفضها؛ ابرزها مناقشة مشروع قانون العدالة الانتقالية للمصادقة عليه.

وقبل أيام قليلة فقط، من المؤتمر الصحفي، شدد بن عمر على ضرورة حسم الحكومة لقانون العدالة الانتقالية خلال الأيام المقبلة من أجل تهيئة الأجواء للحوار الوطني. وقال إن قرار مجلس الأمن «واضح وصريح في طلبه من الحكومة حسم موضوع العدالة الاجتماعية»، مؤكدا أنه «لا يعقل ألا تتحقق مطالب الشباب والضحايا في المساءلة وتعويض الضرر وضمان حقهم على المستوى القانوني والمؤسساتي، لمنع حدوث أي خروقات جديدة أو انتهاك لحقوق الإنسان».

لكنه على ما يبدوا، لم يجد تجاوبا من تلك القيادات بهذا الخصوص. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة أخبار اليوم (عدد الأحد) عن مصادر مطلعة، أن الرئيس السابق، علي عبد الله صالح هدد بسحب ممثلي حزبه من حكومة الوفاق الوطني في حال صدور قانون العدالة الانتقالية.

من هنا كان يمكن للمؤتمر الشعبي أن يتأكد بأن المبعوث الأممي كان يلمح إليه - بدرجة رئيسية – بكونه هو الطرف المعرقل. الأمر الذي من المرجح فرض عليه التخطيط لإطلاق تلك التسريبات، كمحاولة لتغيير ما علق في ذهن الرجل المهم، قبل أن يبدأ بكتابة تقريره.

وهنا يمكننا ببساطة ملاحظة أن المؤتمر - من خلال تلك التسريبات – أراد أن يوصل رسالتين تطمينيتين. الأولى: أن الحزب ما زال حريصا على التعاون مع المجتمع الدولي لإنجاح عملية الانتقال السياسي، لدرجة انه يحرص حتى على عدم إرسال رسائل قد توحي بالاستفزاز والتحدي..الخ.

أما الثانية: أن التيار المعتدل داخل الحزب هو الذي – في نهاية المطاف – القادر على اتخاذ القرار الداخلي، وفرضه وتمريره، ما يعني انه من يمتلك القوة التأثيرية وكلمة الفصل الأخيرة، ما سيجعله قادرا على التعاون مع المجتمع الدولي لإنجاح ما تبقى من متطلبات العملية الانتقالية.

• لكن هل ستنجح المحاولة..؟
في الواقع، لطالما اعتاد الحزب ان يتخذ مسار التهدئة هذا قبل انعقاد جلسات مجلس الأمن. لكن السؤال: هل سينجح هذه المرة أيضا؟

ربما بات حزب الرئيس السابق ومستشاريه السياسيين المقربين، يدركون أن بن عمر، هو أيضا، يعمل وفق قاعدة تهدئة الأجواء لإنجاح مهمته. وتدعوه هذه القاعدة إلى ترخية الحبل وعدم سحبه من جهته بقوة حتى لا ينقطع. ما يفرض عليه أيضا ليس فقط إتاحة الفرصة مجددا، بل ايضا خلقها بقدر ما يمكنه ذلك.

والسؤال هنا: هل مازال بن عمر قادرا اليوم على مواصلة العمل وفق تلك القواعد؟

لعل المؤشرات الأخيرة، تقدم نسبة لا بأس بها لترجيح الإجابة: (لا). في كلا الحالتين: سواء نجاح «تهدئة» المؤتمر في اللحظات الأخيرة، أم قدرة بن عمر على مواصلة العمل وفق قواعد النجاح الخاصة به.

فمؤخرا شدد بن عمر على مسألة «الوقت» الذي لم يعد كافيا لإنجاز بقية المتطلبات.

والأحد، نقلت صحيفة الخليج الإماراتية عن دبلوماسيين غربيين توقعاتهم أن يقدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، توصية – مرفقة بتقريره – تتضمن مقترحات بفرض عقوبات على عدد من الشخصيات اليمنية المعرقلة لمسار التسوية السياسية.

وكشفت الصحيفة، على لسان الدبلوماسيين، قولهم إن بن عمر ناقش مع ممثلي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وسفراء دول الاتحاد الأوروبي، خريطة التحديات القائمة أمام اليمن، بينها «إسهام بعض الأطراف في تأجيج الاضطرابات وخلق تعقيدات إضافية، بهدف إفشال مساعي الحكومة الرامية إلى استعادة الاستقرار المنشود، والمضي قدماً في تطبيق بقية بنود المبادرة الخليجية».

وأشارت المصادر إلى أنه تم التوافق على ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بدور فاعل في مساعدة اليمن على مجابهة هذه التحديات، من خلال اتخاذ إجراءات عقابية مؤثرة ضد المتهمين بالوقوف وراء محاولات عرقلة التسوية السياسية القائمة في البلاد.

ومع ذلك، فقد تدخل هذه التسريبات الدبلوماسية الأخيرة، هي الأخرى، في سياق الضغط الذي غالبا ما ظل يسبق جلسات مجلس الامن بشأن اليمن، بهدف الحصول على تنازلات من الطرف المتشدد في بعض القضايا.

أو ربما كانت الحجر ذاتها التي اعتادت الدول الثلاث دائمة العضوية الداعمة بقوة للمبادرة، رميها قبل الجلسة، بهدف قياس ردة فعل ومواقف روسيا والصين، الأولية، لفرض خيارات ضغط أخرى تكون أكثر فاعلية من سابقاتها..

---------------------------------
نشر في صحيفة الجمهورية الثلاثاء: 17 يوليو 2012


الاثنين، 21 مايو 2012

مصير أهداف ثورة التغيير بعيدا عن مأساة أطفال اليمن


 في قلب اليونيسيف..ولم يدخلوا بعد عقل الحكومة


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
على مدى عام ونصف – تقريبا – من الثورة الشعبية السلمية في بلادنا، قتل ما يقارب (3000) يمني، عند أفضل التقديرات..

أمام هذا الرقم - يزيد أو ينقص قليلا - يستميت الكثيرين في وجه من يستهينون به، فيما أن الجميع تقريبا لا يأبهون بوفاة (69,000) طفل يمني كل عام، قبل بلوغهم سن الخامسة.

إن هذا الرقم المفزع، الذي مازال يرد، حتى اليوم، في تقارير منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، تم إحتسابه تقريبيا على أساس أن (77) حالة وفاة تحدث بين كل (1000) حالة ولادة حية. ووفقا لمنظمة الدولية فذلك يعد"واحدا من أعلى معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."

عاطفيا، يمكن تبرير ذلك الغضب الجماعي العارم، وتلك الحالة النفسية المفعمة بالحزن، نتيجة لما أحدثته رصاصة قناص قاسي القلب، إذ اخترقت قلب الطفل أنس السعيدي (10 أشهر) في شارع هائل (19 سبتمبر 2011 )..

لكن، منطقيا، لا يمكن تفسير عدم التأثر جماعيا بموت (190) طفلا يمنيا بشكل يومي (هذا الرقم تقريبي محسوب رياضيا على أساس معدل الوفيات السنوية) نتيجة لمرض صحي أو غيره من المسببات الأخرى لهذا العدد الكبير من الوفيات.

• الثورة غيرت في المشهد السياسي فقط
قبل عام وبضعة أشهر خرج اليمنيون إلى الساحات يحدوهم أمل تغيير أوضاعهم المزرية.. في وقت، كانت الأرقام والإحصاءات الحيوية، تضع اليمن واليمنيين في أسوء المراتب العالمية.

وبعد مرور عام وبضعة أشهر، على انطلاقة ثورة التغيير، أصبح من الممكن الحديث عن تقدم وتغييرات ملموسة شهدها الواقع السياسي، فيما أن الحقائق الإحصائية والأرقام الحيوية لم تشهد أي تغييرا إيجابيا. بل على العكس كان يمكن – هنا - ملاحظة حدوث تغييرات سلبية نحو الأسوأ دائما.

وحتى الآن، يبدو أن رأسمال اليمنيين في تغير واقعهم المزري نحو الأفضل ليس اكثر من وعود دولية تجسدها تصريحات أشبه ما تكون بالتوقيع على شيكات مؤجلة الدفع.

• نتيجة أن يظل جيل المستقبل عرضة للخطر
إن الأرقام التي مازالت تقارير منظمة اليونسيف توردها بشأن سوء أوضاع الطفولة في اليمن، تؤكد بأن الخطر المستقبلي مازال قائما، من ناحية، ومن ناحية آخرى، فهي تقرر – في سياق ذلك – أن البلاد ستكون عاجزة عن تحقيق أهداف التنمية. وعلى هذا النحو، قد يصل بنا الحال – إفتراضيا - إلى الحديث عن فشل الثورة في تغيير الواقع..!

في أحد تقاريرها التي نشرتها مؤخرا تحت عنوان "سوء التغذية في اليمن"، تقرر منظمة اليونيسيف هذه الحقائق: "تعتبر اليمن من الدول الأقل نمواً والتي قد لا تستطيع تحقيق أهداف الألفية التنموية بحلول 2015م. ويعيش أكثر من نصف السكان على أقل من دولارين في اليوم ولدى اليمن أعلى معدلات وفيات الأطفال دون سن خمس سنوات في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."، وأستشهد التقرير بتلك الأرقام المفزعة التي أشرنا إليها في المقدمة.

وعليه يعتقد المسئول الإعلامي في المنظمة، محمد الأسعدي، في تصريحات خاصة بموقع المصدر أونلاين، أنه مالم تشمل وعود المساعدات الدولية حزمة من المساعدات العاجلة، تركز على معالجة الأوضاع السيئة والمتدهورة للطفولة في اليمن، لما من شأنه العمل على خفض المعدل الكبير في وفيات الأطفال، فإن الأهداف الإنمائية التي تسعى بلادنا والمجتمع الدولي إلى تحقيقها، لن تحقق نجاحا كبيرا، وقد تفشل على المدى البعيد طالما ظل جيل المستقبل في اليمن – المعني الأول من التغيير – معرضا إما للموت، وإما لكوارث صحية تبقيه معتلا على الدوام، ما سيجعله غير قادر على أن يكون هو جيل الإنفاذ، الذي من المفترض أن تسند إليه مهمة مواصلة عملية التغيير بنجاح، استثمارا للتغيير الحاصل اليوم على المدى الطويل.

• مستقبل البلاد مهدد 
عندما خرج الشباب والكهول إلى الشوارع في فبراير 2011، إحتجاجا على سوء الأوضاع، مطالبين بتغير النظام الفاسد، فقد كانوا – دون شك - يضعون مستقبل أولادهم في أعلى قائمة أولويات الأهداف المنشودة من التغيير. ذلك من حيث انهم كانوا يدركون جيدا أن التغيير بحاجة إلى تضحيات كبيرة، وعليه فقد كانوا مستعدين على الدوام للتضحية بأغلى ما لديهم، أرواحهم، من أجل خلق مستقبل أفضل لأبنائهم..

لقد أستشهد الألاف وهم ينشدون تحقيق تلك الأهداف المشروعة للثورة السلمية. وشهد من تبقى على قيد الحياة تغييرات جوهرية طالت شخوص ومراكز قوة النظام السابق، لكنهم ما زالوا ينتظرون أن تحقق ثورتهم المزيد من الإنتصارات العملية على أرض الواقع، بما فيها إحداث تغييرات جذرية تطال عمق وبنية النظام السابق وصولا إلى التنمية المستدامة..

لكن التنمية المستدامة، لن تتحقق مالم تركز على المحور الرئيسي فيها: الإنسان. وبحسب التقارير الرسمية المحلية والدولية، فإن الأطفال في اليمن يمثلون أكثر من نصف عدد السكان.

وإذا كان حوالي (69,000) طفل يمني يموتون كل عام في بلادنا، قبل بلوغهم سن الخامسة، فإن ثمة أسباب تقف خلف تلك الكارثة الإنسانية، تتوزع وتتداخل بين أسباب صحية وثقافية تعليمية، وقانونية إجرائية، وغيرها..وقبلها ومعها وبعدها، يمثل السبب الإقتصادي والفقر أكثر العوامل المسببة للوفاة.

ومع هذه الظروف القاسية، لا أحد يمكنه أن يجزم، ان الطفل الشهيد أنس السعيدي، كان سينجوا من الموت بسوء التغذية مثلا، فيما لو كان قد نجا من تلك الرصاصة القاتلة.

• سوء التغذية 
"هناك ما يقرب من مليون طفل في اليمن يعانون من سؤ التغذية المتوسط والحاد والمتمثل في الهزال والتقزم"، طبقا لأخر تقرير أصدرته منظمة اليونسيف بهذا الشأن. كما يؤكد التقرير "أن هناك أكثر من 260 ألف طفل في اليمن يعانون من الهزال الشديد والذي قد يعرضهم للموت هذا العام بسبب سوء التغذية أو قد يعانون مدى الحياة من تأثيره على نموهم الجسدي والذهني، إذا لم نتخذ الإجراءات المناسبة".

وإذ تلفت المنظمة إلى أن "سوء التغذية أمر يمكن الوقاية منه، .."، فإنها تعتبر "إن النزاعات والفقر والجفاف، إضافة إلى الاضطرابات الحاصلة في البلاد منذ العام الماضي وارتفاع أسعار الغذاء والوقود وانهيار الخدمات الاجتماعية، كلها عوامل تهدد صحة الأطفال وبقائهم."

وسؤ التغذية هنا ليست مرتبطة بالتغذية فقط، حسب تقرير المنظمة، فهناك مجموعة عوامل تسهم في وصول إلى الأطفال إلى مرحلة سؤ التغذية منها: عدم توفر المكونات الغذائية اللازمة في الطعام الذي يتناوله الطفل، وعدم توفر المعادن اللازمة لعملية بناء الجسم، إضافة إلى عدم توفر المياه الآمنة للشرب – وغياب الصرف الصحي، وتراجع وربما إنقطاع الخدمات الصحية والرعاية الأسرية في معظم أرجاء البلاد جراء الأزمة وطوال عام 2011.

وهنا تضع المنظمة اليمن كثاني دولة في العالم، بعد أفغانستان، من حيث ارتفاع معدل سوء التغذية المزمن بين الأطفال. إذ تصل نسبة النمو المتعثر فيها إلى 58 بالمائة. ويعاني حوالي 30 بالمائة من الأطفال في بعض المناطق من سوء التغذية الحاد، وهي نسبة تشابه ما يشهده جنوب الصومال حاليا وتصل إلى ضعف الحدود المعترف بها دولياً والتي تنذر بوجود حالة طوارئ.

وفي الواقع، فإن الأطفال المصابون بسوء التغذية، يكونون أكثر عرضة لخطر الموت عند تعرضهم لأمراض وإصابات أخرى أقل خطر. وعلى سبيل المثال فإن مرض الحصبة يتعافى منه معظم الأطفال في غضون أسبوعين أو ثلاثة، لكنه يتحول إلى مرض خطير وفتاك عندما يصاب به الأطفال المصابين بسوء التغذية، لأنهم في مثل هذه الحالة سيعانون من مضاعفات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى الموت.

وهذا ما أدى إلى إرتفاع نسبة الوفيات من الأطفال دون سن الخامسة بسبب مرض الحصبة إلى 126 طفلا، من بين 3600 حالة حصبة تم التبليغ عنها خلال الأشهر القليلة الماضية.

• الاضطرابات المدنية 
إن اطفال اليمن، لا تقتصر مشاكلهم على الفقر والصحة وسوء العناية والإهتمام، بل تتجاوز ذلك – وربما دونا عن معظم نظرائهم في الدول الفقيرة - لتتضاعف أكثر بفعل الاضطرابات والنزاعات المسلحة.

ويقول تقرير بهذا الشأن لمنظمة اليونسيف أن إجمالي عدد النازحين في المحافظات الشمالية والجنوبية والوسطى، بفعل الإضطرابات والمواجهات المسلحة والحروب بلغ (420.000) نسمة، منهم حوالي (80.000) من الأطفال دون سن الخامسة، و (80.000) امرأة حامل أو مرضع في مواقع الطوارئ وحدها. وأدى نقص المياه الصالحة للشرب إلى زيادة تفشي الأمراض المنقولة عن طريق المياه، مثل الكوليرا والاسهال المائي الحاد.

كما أن تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة في أجزاء أخرى من البلاد يثير مخاوف متزايدة. وقد أثرت الاضطرابات على رفاه الأطفال نفسياً واجتماعياً، وزادت عمالة الأطفال والإتجار بالأطفال واحتمالات الزواج القسري المبكر للفتيات كإحدى آليات التكيف الاقتصادي. تقول المنظمة الدولية.

إضافة إلى تلك الكوارث، تشير اليونسيف إلى كوارث ومأس إضافية، تخلفها الإضطرابات والنزعات المسلحة والحروب البينية، مثل تلك التي تخلفها الألغام الأرضية. وبهذا الصدد أعربت المنظمة – في أبريل الماضي - عن قلقها البالغ حول تزايد عدد القتلى بين الأطفال نتيجة حوادث الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة خلال الفترة الماضية.

وقالت أنه "تم الإبلاغ عن مقتل 13 طفلا وتشويه 12 اخرين بسبب إنفجار الألغام الأرضية ومخلفات الصراعات المسلحة في 12 حادث خلال الثلاثة الأشهر الأولى فقط من العام الجاري. ووقعت تلك الحوادث في أبين وعدن ولحج (جنوب البلاد) وحجة وصنعاء (شمال البلاد).

وأضافت "لقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في مقتل 28 طفلاً وتشويه تسعة اخرين عام 2011، بمن فيهم ضحايا حادث إنفجار مصنع الذخيرة في محافظة أبين، في مارس من العام الماضي، والذي أودى بحياة 18 طفلاً وإصابة أربعة اخرين".

ويعتبر السيد جيرت كابيليري، ممثل منظمة اليونيسف في اليمن أن هذه الإحصائيات مثيرة جداً للقلق، ويقول: "أن عدد الضحايا من الأطفال في الثلاثة الأشهر الأولى من عام 2012 يقترب كثيراً من مجموع الضحايا لعام 2011 وهذا أمر مقلق للغاية."

بل أن الاضطرابات المدنية، تتعدى نتائجها لتزيد من سوء الأوضاع الصحية. وبحسب المنظمة اليونسيف، فإنه وكنتيجة مباشرة للنزاع في عام 2011، انخفضت معدلات التحصين بشكل كبير، بنسبة تصل إلى 60٪ في بعض المناطق. وهذا الانخفاض في تغطية التحصين يعرض الأطفال إلى أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة مثل شلل الأطفال والحصبة.

• احتياجات الإنقاذ وتحذير من الفشل
تسعى منظمة اليونسيف في اليمن، وفق خطة طموحة للعام 2012، إلى معالجة تلك المشاكل وإنقاذ جيل اليمن القادم، محاولة إخراجه من أزماته المتكالبة والمتراكمة، حتى يكون قادرا على إستثمار التغيير الحاصل اليوم ومواصلة بناء مستقبل اليمن الجديد بنجاح وقدرات عالية.

وبالتوافق مع متطلبات عملية النداءات الموحدة (CAP)، تطلب اليونيسيف (49) مليون، و(807) ألف دولار أمريكي لشراء اللوازم الأساسية وتنفيذ التدخلات المقترحة في جميع المحافظات اليمنية.

لكن المنظمة الدولية، تحذر من أن نقص التمويل سيؤدي إلى إضعاف حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإهمال وسوء المعاملة والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة بصورة خطيرة. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون حوالي 53000 طفل معرضين لمخاطر سوء التغذية ونقص المياه والصرف الصحي وزيادة الوفيات والأمراض.

وحتى الأن، نجحت اليونيسف في الحصول على تمويل بنسبة 30% من المبلغ المطلوب حتى الآن من عدد من المانحين، وسط مخاوف من عدم توفر المبلغ اللازم لمساعدة ملايين الأطفال سواء باللقاحات والتغذية العلاجية ودعم التعليم والحماية والتأهيل النفسي للمتضررين من النزاعات المسلحة والنزوح وتوفير مياه الشرب لألاف الأسر المتضررة.

ويبقى السؤال: إذا كانت منظمة اليونيسيف تحمل في قلبها هم إنقاذ مستقبل اليمن على المدى المنظور والبعيد، من خلال تركيزها على معالجة كوارث وأزمات الطفولة (جيل المستقبل)..فأين يتموضع هذا الجيل بمشاكله وكوارثة بالنسبة لهموم حكومة التوافق الوطني نفسها؟

في الوقت الراهن، ستظل الإجابة معلقة، لكنها ربما لن تكون كذلك بعد ثلاثة أيام بالكثير. وسيتوجب علينا أن ننتظر حتى ينفض مؤتمر أصدقاء اليمن المقرر إنعقاده في الرياض، الأربعاء 23 مايو الجاري..لنعرف الإجابة من خلال نوعية المشاريع والمطالب التي ستقدمها الحكومة للمؤتمر.
----------------------------------
نشرت على موقع المصدر أونلاين بتاريخ 20 مايو 2012

الأربعاء، 9 مايو 2012

هادي يخوض مواجهة مزدوجة المصالح





يواجه الرئيس اليمني الجديد، عبد ربه منصور هادي، رزمة كبيرة من المشاكل المعقدة، المتداخلة والمتنوعة بين سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، كان قد ورث معظمها –إن لم يكن جلها- من النظام السابق.

وورث هادي بلدا شبه فاشل, فهو إلى جانب أنه أصبح في حكم المنهار اقتصاديا، مازالت الاختلافات والتوترات السياسية محكومة –حتى اليوم- بانعدام الثقة، مع توسع ملحوظ للتشظيات الاجتماعية، في وقت مازالت فيه المؤسسة العسكرية منقسمة إلى جبهتين شبه متكافئتين بالقوة: الأولى تتبع عائلة رأس النظام السابق، بينما الأخرى تتبع القيادات العسكرية المناصرة للثورة الشعبية.في الواقع، ربما كان هادي –قبل انتخابه رئيسا توافقيا في 21 فبراير/شباط الماضي– يدرك تماما أنه سيرث تركة ثقيلة من نظام كان هو نفسه جزءا منه، إلا أن المرجح أنه حين قبل بذلك، ربما كان ينظر إلى مستقبل البلاد بعيون المجتمع الدولي، الذي قدم وعودا مغرية والتزامات كبيرة بالمساعدة والوقوف إلى جانبه خطوة بخطوة، في سبيل حلحلة كافة تلك القضايا، وبشكل خاص خلال فترته الرئاسية المحددة بعامين من بداية انتخابه.
غير أن جزءا مما يحدث اليوم، قد يضع هادي أمام أعباء إضافية، من حيث مواجهة مصالح دولة عظمى، أكثر تأثيرا كأميركا, سواء تجاوب كليا مع رغباتها في توسيع نطاق عملياتها في محاربة الإرهاب، أم حتى في حال أبدى تجاوبا جزئيا مشروطا، لكنه قد يخرج عن السيطرة، تبعا لما قد تفرضه حاجته الماسة إليها للمساعدة في التخلص من التحدي الأكبر والمشترك، القادم من تنظيم القاعدة.


مع انتخاب هادي رئيسا، لوحظ تصاعد سيطرة القاعدة على عدة مناطق جنوبية، تركزت معظمها في محافظة أبين التي ينتمي إليها الرئيس، وهو ما يعد تحديا شخصيا له
مواجهة القاعدة.. أكثر الأولويات الملحة 
مع أنه كان جزءا من النظام السابق، الذي خاض اليمنيون ثورة عارمة لإزاحة رموزه عن السلطة مع مطلع عام 2011، إلا أن رجلا هادئا، كـ "هادي"، كان هو الخيار الوحيد المتاح –كحل توافقي- أمام إتمام الصفقة السياسية، التي قادها المجتمع الدولي، عبر المبادرة الخليجية.
ولقد قبل الرجل بأن يكون هو المنقذ، بكونه الأنسب، مدركا في حينه أن المرحلة التي أسندت إليه، ستكون هي الأخطر في تاريخ البلاد. طبقا لتصريحات متكررة أصدرها في مناسبات مختلفة. ومع ذلك، فربما أصبح من الممكن القول: إن "هادي"، اليوم، ربما بات يدرك –أكثر من السابق- حجم وعظم المخاطر والصعوبات، والعوائق التي سيتوجب عليه مواجهتها، وتجاوزها لإنقاذ البلاد.
ومع انتخابه رئيسا، لوحظ تصاعد سيطرة هذا الفرع الإرهابي على عدة مناطق جنوبية، تركزت معظمها في محافظة أبين التي ينتمي إليها "هادي"، ما اعتبر بمثابة التحدي له شخصيا. وبدا أن مثل هذا المتغير، انعكس على تحديد الأولويات الأكثر أهمية على المدى القصير في أجندة الرئيس الجديد. وبحيث بات من الملاحظ أن المسألة الاقتصادية العويصة، أو إشكالية الخلافات والتجاذبات السياسية، القائمة على أساس من انعدام الثقة بين طرفي المعادلة السياسية المورثة من الماضي، وربما، في السياق أيضا، تلك التشظيات الاجتماعية المتوسعة، لم تعد هي القضايا الرئيسية الهامة التي يفترض بها أن تثير اهتمام ومخاوف الرجل بقدر ما كانت تقلقه أكثر مسألة توسع وانتشار وطغيان حضور فرع تنظيم القاعدة في اليمن، المعروف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وحتى حين كانت تحضر تلك القضايا الأخرى، باعتبارها رئيسية في مجال اهتماماته.. كان يمكننا –بقليل من التركيز- أن نتأكد، غالبا، من حضور قضية الحرب على القاعدة، بشكل أو بآخر، باعتبارها -في نهاية المطاف– هي القضية الأكثر أولوية.
وعلي سبيل المثال، كان قرار إقالة قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، مهدي مقولة، الموالي لرئيس النظام السابق، والذي أصدره "هادي" مباشرة كأول قرار بعد انتخابه، قد اعتبر على أنه يجسد أحد أهم الأهداف الملحة للثورة (المتمثل بإزاحة وإقالة أتباع وأنصار النظام السابق).
فيما اعتبر بالنسبة للرئيس هادي والداعمين الغربيين له، قرارا ملحا يدخل في سياق الترتيب لمواجهة تنظيم القاعدة هناك. لاسيما بعد التشكيكات المتواترة والاتهامات المتكررة بوجود تعاون وإسناد للقاعدة هناك من جهة قيادة تلك المنطقة العسكرية.
ناهيك عن أنه قد لوحظ تحسن واضح في تصاعد وتيرة وقوة ونجاحات العمليات العسكرية في مواجهة المجموعات الإرهابية المسلحة في المناطق والمساحات التابعة لتلك المنطقة العسكرية، والتي كان التنظيم سيطر عليها بسهولة.


القرارات الرئاسية الأخيرة
وفي 6 أبريل/ نيسان الماضي، أصدر الرئيس الجديد حزمة قرارات رئاسية -وصفت بالهامة والجريئة– استهدف بها إقالة واستبدال رموز وقيادات عسكرية بارزة. ومع أنه كان يدرك مسبقا أن معظمها ستثير حفيظة مراكز القوى التي مازالت قابضة على مفاصل المؤسسة العسكرية، وبالتالي من المتوقع جدا أنها (أي تلك القرارات) سترمي به إلى بداية المواجهة في أتون معركة داخلية يدرك أنها لن تكون سهلة, إلا أنه ربما كان قد أدرك، أيضا، أن هذه المعركة -حتمية الحدوث- سيتوجب عليه البدء بخوضها الآن، لتعزيز قوته وسيطرته على مفاصل الجيش كرئيس شرعي منتخب وقائد أعلى للقوات المسلحة.
وبدون ذلك، أو في حال تأخر الأمر، فإن "أنصار الشريعة"، الجماعة "الإرهابية" التابعة للقاعدة، والتي أعلنت نفسها بهذا الاسم في محافظة أبين وما جاورها، سيتاح لها المجال لتنجح أكثر في تعزيز حضورها هناك، وربما إلى الحد الذي قد يصعب عنده النجاح في فكفكتها لاحقا، لاسيما مع إعلانها إحراز المزيد من النجاحات ضد القوات العسكرية المرابطة، في الوقت الذي كان يزداد فيه ضعف الجيش وانكساراته في ظل استمرار الانقسام والتشتت وتعدد الولاءات بين القيادات العسكرية التي يتبع بعضها –وأهمها- المعسكر المحسوب على النظام السابق.
أصدر الرئيس هادي حزمة قرارات رئاسية كان يدرك أنها لا بد منها لتعزيز قوته وسيطرته على مفاصل الجيش كرئيس شرعي منتخب وقائد أعلى للقوات المسلحة 
الواقع أن تلك القرارات لم تنفذ كاملة، وبشكل خاص من جهة الطرف التابع للرئيس السابق. وبصورة أكثر تحديدا، فقد تمرد عليها قائد القوات الجوية اليمنية، محمد صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق لصالح، وكذا طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق صالح، والذي كان عين قائدا للواء الثالث حرس جمهوري مدرع (أكبر الألوية العسكرية المحيطة بالعاصمة صنعاء) بقرار أصدره مؤخرا أحمد علي، نجل صالح، وقائد الحرس الجمهوري (القوة العسكرية الأكثر عددا وعتادا وتدريبا في اليمن).
وكان قرار أحمد علي، هذا، فسر على أنه إجراء احترازي هدف إلى محاولة تأمين قيادة هذا اللواء الضارب، بإسناده إلى إمرة ابن عمه، والذي كان أصدره بعد أيام من انتخاب هادي، وقراره الأول بإقالة قائد المنطقة الجنوبية. لكن هادي اعتبر ذلك التصريف تحديا لسلطاته العليا على القوات المسلحة، ليعمل لاحقا على تغييره في سياق قراراته الأخيرة.
وحتى الآن، ما زال نجل شقيق الرئيس يرفض تنفيذ القرار، فيما رضخ الأول، مؤخرا، ووافق على تسليم قيادة القوات الجوية، في 24 أبريل/نيسان، أي بعد 18 يوما من التمرد، تحت ضغوطات وتهديدات المجتمع الدولي بإمكانية فرض عقوبات دولية في حال استمر التمرد.
وقبل يومين فقط، من إعلان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، جمال بن عمر (الذي حضر في 18 أبريل/نيسان، لحل الإشكالية) عن نجاحه في إقناع صالح وأخيه غير الشقيق على التنفيذ والتسليم، بعث السفير الأميركي بصنعاء، برسالة واضحة –في مؤتمر صحفي مصغر، الأحد 22 أبريل/نيسان– حين أكد أن التغييرات الرئاسية الأخيرة انعكست بشكل إيجابي على عمليات الجيش في أبين ضد تنظيم القاعدة، وأن قرارات الرئيس يجب أن تنفذ كاملة، موصيا بعدم التراجع عنها.


توسيع الضربات الجوية الأميركية
لعل من المناسب أن تقرأ تصريحات السفير الأميركي السابقة في إطار التحركات الأميركية الأخيرة في اليمن لتوسيع إستراتيجيتها بشأن الضربات الجوية للطائرات بدون طيار التابعة لها. حينها ربما يمكننا القول إن السفير كان يبعث رسالة مزدوجة، بحيث كان الجزء الواضح والمباشر فيها تهديدا موجها إلى المتمردين على شرعية الرئيس، بضرورة الانصياع. بيد أن الجزء الأخر، غير المباشر، قصد به إبلاغ الرئيس هادي، أن الحكومة الأميركية تعلن بقوة وقوفها مع قراراته الرئاسية.
وبالنظر إلى الحوارات الجانبية التي تواصلها الإدارة الأميركية مع الرئيس هادي، وأخذا بالاعتبار تركيز وحاجة هذا الأخير إلى محاربة تنظيم القاعدة، فإنه سيمكننا القول بأن تصريحات السفير الأميركي تلك، كانت تصب في مصلحة تقوية سلطات هادي الرئاسية، طالما أنها ستفضي إلى تحقيق مصالح الطرفين.
وفي 26 أبريل/نيسان نشرت وكالة أسوشيتد برس –مقرها الرئيسي في نيويورك– تقريرا ضمنت فيه تصريحات على لسان مسؤولين أميركين ويمنيين، أكدت على حاجة الرئيس اليمني "هادي" للدعم والمساندة الأميركية في القضاء على القاعدة. ومع أنها قالت إنه منح الضوء الأخضر لوكالة الـ(CIA) لتنفيذ ضربات جوية عبر الطائرات بدون طيار، إلا أنها أكدت أيضا على أنه قصرها على ما يسمى بـ"الضربات المفوضة"، أي تلك التي يتم الموافقة عليها مسبقا. كما يجري الأمر في باكستان. وذلك خوفا من تعرض المدنيين للقتل، مما قد يؤدي إلى المزيد من العداء القبلي العشائري ضد الحكومة اليمنية.
يأتي ذلك، فيما كانت تقارير نشرت –في اليوم نفسه– بواسطة وسائل إعلام أميركية –بشكل خاص– تحدثت عن مصادقة البيت الأبيض –في وقت سابق من هذا الشهر- على قرار توسيع نطاق ضربات الطائرات الأميركية –بدون طيار– في اليمن. وإن كانت نوهت إلى أن المسؤولين الأميركيين أكدوا "على أن الغارات الأميركية في اليمن ستظل مفروضة عليها الكثير من القيود، بشكل أكبر مما هو الحال عليه في باكستان" حسب واشنطن بوست.
وبحسب المعلومات المنشورة في الصحافة الأميركية، فإن المحادثات بخصوص توسيع نطاق البرنامج كانت قد بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي. أي بعد توقيع الرئيس اليمني السابق على المبادرة الخليجية، التي قضت بتفويض هادي في معظم صلاحياته الرئاسية، مع بقاء صالح رئيسا لمدة ثلاثة أشهر تنتهي بانتخاب هادي رئيسا توافقيا.


رغبة الولايات المتحدة في توسيع ضربات طائراتها -بدون طيار- ضد أهداف إرهابية, تشكل مبررا قويا للإدارة الأميركية في الانحياز الواضح والمعلن لدعم الرئيس هادي وقراراته 
أعباء إضافية في حضن الرئيس
إجمالا، يمكن القول إن رغبة الولايات المتحدة في توسيع ضربات طائراتها -بدون طيار- ضد أهداف إرهابية وأفراد بمجرد الشك بأنهم على علاقة بتنظيم القاعدة في اليمن، حتى دون أن يكون قد تم التأكد تماما من هويتهم وانتمائهم للقاعدة، تبرز -جنبا إلى جنب مع رغبة الرئيس هادي في توسيع التعاون والدعم الأميركي للتخلص من سيطرة وحضور تنظيم القاعدة في اليمن- لتشكل مبررا قويا للإدارة الأميركية في الانحياز الواضح والمعلن لدعم الرئيس هادي وقراراته. كما قد يشكل الأمر ذاته، مع رفع وتيرة الدعم والتأييد الأميركي المعلن، مبررا لرضوخ هادي وتجاوبه اللاحق مع الرغبات والمصالح الأميركية.
على أن ذلك، يعتقد بأنه في الوقت الذي يمكن أن يمثل قوة إضافية للرئيس هادي تمكنه من مواصلة إصدار قرارات أخرى، أكثر قوة وجراءة، في سبيل فرض سيطرته وشرعيته الرئاسية على المؤسسة العسكرية، بداية، ثم وصولا إلى إعادة السيطرة على كامل البلاد، والنجاح في إضعاف تنظيم القاعدة واستعادة المناطق التي خرجت عن السيطرة. فإنها –ومن زاوية أخرى- قد تمثل عبئا إضافيا عليه، لاسيما في حال انعكست إستراتيجية توسيع نطاق عمليات الضربات الأميركية الجوية سلبا على المدنيين من غير المقاتلين في تلك المناطق. وأن مثل تلك الانعكاسات السالبة، لن تطال فقط ولاءات رجال القبائل المتضررين، بل أكثر من هذا، فهي ربما تتجاوز ذلك لما هو أبعد بحيث تطال عملية الحوار الوطني القادم الذي بدأ الشروع في التحضير له هذه الأيام.
وأخيرا، ربما كان من المهم التأكيد على أن احتمال كهذا، مازالت نسبة ترجيح حدوثه مرتفعة بشكل كبير جدا، طالما وأن أجزاء كبيرة ومهمة من المؤسسة العسكرية، والأمنية في اليمن، بما فيها قوات مكافحة الإرهاب، مازالت تحت سيطرة وقيادة عائلة رئيس النظام السابق. وبشكل أكثر تحديدا يمكن تخصيص الحديث أكثر على الاستخبارات اليمنية التي مازالت كلية تحت سيطرة عمار محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، ووكيل جهاز الأمن القومي، المعني بتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجانب الأميركي.
المصدر:الجزيرة