الأربعاء، 14 أبريل 2010

الخوض في مسألة “الوقود الأزرق” بين اليمن وقطر



مؤخراً، دشنت اليمن خط الإنتاج الثاني لمشروع الغاز. وبعد يومين منه، غادر الرئيس إلى قطر، استجابة لدعوة من أميرها.. بينما كانت اليمن في الوقت نفسه تشهد حركة دؤوبة عبر مسئوليها المعنيين بالثروة النفطية والغازية.. لكن حين عاد الرئيس توجّه بعد ساعات قليلة إلى حضرموت، ومن هناك تحدث عن "شحة" مواردنا النفطية، والغازية.. هناك عدة تفسيرات وبعض التكهنات حول هذا الأمر.

  في 2 أبريل الجاري، دشن وزير النفط والمعادن أمير العيدروس، الإنتاج التجريبي من خط الانتاج الثاني لمشروع الغاز الطبيعي المسال في بلحاف-محافظة شبوة. ويعد ثاني أكبر مشروع في المنطقة –حسب وصف المسئولين اليمنيين. واعتبره وزير النفط، "أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ اليمن المعاصر.."، حيث بلغت تكلفته الاجمالية 5ر4 مليار دولار".
- وفي 4 أبريل، توجه رئيس الجمهورية إلى دولة قطر (التي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم). وبحسب التصريحات الرسمية، كانت الزيارة تلبية لدعوة الأمير، وتم خلال اللقاء مناقشة مختلف القضايا، وانتهت – ما وصفها الإعلام اليمني بـ"القمة"-  بإذابة الجليد بين البلدين الشقيقيين، بعد أن كان اعتراها [ذلك الجليد البارد] بسبب بعض المواقف خلال العامين الأخيرين.
- وفي اليوم ذاته (4 ابريل)، كان عبد ربه منصور - نائب رئيس الجمهورية- في زيارة لوزارة النفط والمعادن. وقال موقع 26 سبتمبر الحكومي، إن النائب أبدا "ارتياحه للنشاطات الجارية في هذا المجال والتباشير الجديدة بزيادة الإنتاج بكميات تجارية خلال النصف الثاني من هذا العام".
وأضاف الموقع، أنه وخلال الزيارة "أكد وزير النفط والمعادن أن هناك تطورات كبيرة في مجال إنتاج الغاز، وأسواق جديدة تم الاتفاق معها، وإنتاج نفطي جديد سيبدأ قريباً، وبما يعزز من رفد المسار التنموي وفتح مجالات أقتصادية جديدة ستكون جيدة ومثمرة".
وربما ليس من قبيل المصادفة، أنه - وفي اليوم نفسه أيضاً-  كان مجلس الشورى اليمني قد قرر مناقشة موضوع "الغاز" وأهميته في تطوير الاقتصاد اليمني. حيث قدمت اللجنة الاقتصادية بالمجلس تقريرها الخاص بالموضوع للنقاش والإثراء.
وكان نائب وزير النفط والمعادن، أحمد عبد الله دارس، حاضراً، وبحسب وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، فقد أكد  الرجل "حرص الوزارة على تطوير الاستثمارات المستقبلية في مجال الغاز"، لافتاً إلى "وجود مؤشرات إيجابية في بعض القطاعات النفطية بشأن الغاز". وقال إنه "قد تم إدراج الغاز ضمن الاتفاقيات الجديدة التي تبرمها الوزارة مع الشركات النفطية، كما يجري الإعداد والترتيب لإنزال مناقصة لدراسة الاحتياطي النفطي والغازي لكافة القطاعات في الجمهورية اليمنية للقطاعات الاستكشافية والإنتاجية".
وهل من قبيل الصدفة أيضاً، أنه وفي اليوم ذاته، بدأت في العاصمة الاردنية "عمان" اجتماعات اللجنة الفنية اليمنية - الاردنية المشتركة في مجال النفط والغاز والمعادن. وذلك – كما يقول الخبر الرسمي لـ"سبا" – من أجل بحث مجالات التعاون القائم بين البلدين في مجالات النفط والغاز والمعادن،  والاستفادة من فرص الاستثمار في المجالات التعدينية والنفط والغاز، والفرص المتاحةفي هذا المجال.
ماذا أريد أن أقول؟ انتظرو قليلاً..بعد ساعات من زيارته لدولة قطر، عاد رئيس الجمهورية مباشرة إلى محافظة حضرموت (الغنية بالثروة المعدنية)، ليستقر فيها، قرابة أسبوع، حيث لم يعد إلى صنعاء إلا يوم أمس الأثنين.
ومن هناك - وبعد ثلاثة أيام من تصريحات المسئولين المبشرة بالخير– ظهر الرئيس متشائماً. لكنه وبطريقة هادئة، حاول تدارك مسألة إسهاب مسئوليه بالتفاؤل. ليقول لنا إن موارد اليمن "شحيحة"، وإن صادراته من النفط "زهيدة"، بالنسبة لبلد يبلغ تعداد سكانه حوالي 24 مليون نسمة. لكنه حمل الأمر لما وصفها بـ"القوى السياسية"، التي اتهمها بتضخيم تلك الثروة. واعتبر أن ما يقال عن ثروتنا النفطية مجرد"مزاعم".
 وأضاف، في كلمة ألقاها الأربعاء(7 أبريل)، أمام قيادات نسائية في المكلا: "إن إنتاج القطاعات النفطية في اليمن محدود جدا ويبلغ حوالي 270 ألف برميل يوميا". واستدرك قائلاً: "فكم سيكون منها للشركات وكم للاستهلاك المحلي وكم سيتبقى للتصدير؟".
ولم ينسى أن يتطرق لـ"الغاز" أيضاً، في مثل هذه الظروف، مشيراً إلى البدء في تصديره منذ حوالي العام عن طريق ميناء بلحاف في شبوة، لافتاً إلى أن عائدات الغاز من هذه السنة أي السنة الأولى حوالي 229 مليون دولار فقط. وتساءل: إذا كانت قيمة صادرات الغاز تقدر بـ 229مليون دولار، فكم إجمالي الموازنة العامة للدولة ؟
ما وراء الأكمة..
بغض النظر عما إذا كان مقصد الرئيس من تلك التصريحات هو التخفيف من حدة التوتر والاندفاع في بعض المناطق الجنوبية (لما يعتقد أنها تستند في حراكها المتواصل –منذ سنوات– على فكرة أن المناطق الجنوبية هي "الأرض والثروة"، وأن فكرة الانفصال -على ذلك الأساس- تعد مغرية)..
 أم أنه كان يستند إلى حقائق واقعية أوردتها الإحصاءات الدولية قبل الرسمية، عن وضع الثروة النفطية في البلاد، والتي تؤكد أنها باتت تتجه نحو النضوب خلال مدة أقصاها خمسة أعوام من الآن "تقريباً"، وأدناها ثلاثة أعوام فقط (أي ربما في 2013). وبالمناسبة فإن آخر الأحصاءات الرسمية تقدر أن مستوى الإنتاج انخفض إلى ما بين 300 – 320 الف برميل/ يوم.
أم – وبشكل تخميني أيضاً– كانت وجهة الرئيس من خلال تلك التصريحات تستهدف الدول والمنظمات الدولية المانحة التي وعدت بدعم سخي للبلاد، وإن كنا لم نطل منها سوى الاجتماعات المتتالية والوعود (على الأقل حتى الآن).
قد تكون إحدى تلك المقاصد صحيحة أو ربما جميعها بنسب متفاوتة، أو لا شيء منها البتة. إلا أن الأمر الذي أوقفني في تلك التصريحات هو: أن القوى السياسية التي وجه إليها الرئيس تهمة "التضخيم"، لم يتم تحديدها. وبعد البحث والتدقيق، تنامى إلى اعتقادي أنه لم يكن يقصد فيها قوى أحزاب "المعارضة" السلمية. تلك التي لم تصدر عنها دراسات أو تقارير، أو تصريحات تتحدث عن وجود ثروة نفطية هائلة في اليمن. بل على العكس، فقد تمسكت المعارضة بحديث السلطات والمسئولين، والتقارير الدولية التي تؤكد استمرار تدهور الإنتاج النفطي، خلال الفترة الأخيرة، لتجعل منها حجة قوية للحديث عن الأوضاع السيئة التي تتجه إليها البلاد، وضرورة تداركها من خلال إحداث عملية توافق سياسية للإنقاذ.
وبشكل يقيني قطعي، فالتهمة ذاتها لم تكن موجهة نحو المسئولين الحكومين (ألئك الذين أسهبوا قبل أيام بتفائلهم). كونهم بالطبع كانوا يؤدون دوراً وطنياً –كما تقتضيه المسئولية-  في محاولة إحداث نوع من التفاؤل من خلال تصريحاتهم تلك، بهدف طمأنة الشعب: أن اليمن واعدة بالخير والثروات خلال الفترة القادمة. وأن الأزمة التي تمر بها البلاد، ما هي إلا "سحابة صيف". وهو الدور ذاته الذي ظل الرئيس يقوم به على الدوام. حتى بعد العام 2005 الذي كشف في أحد صباحاته السيئة أن النفط اليمني سيبدأ منحنى الهبوط حتى النضوب. وكم تحدث في خطاباته الرئاسية أثناء انتخابات 2006 عن بشائر الخير النفطية التي تكمن في بطن الأرض السعيدة، حتى أنه سمي بـ "بشير الخير"..
في الواقع، لم يعد هناك سوى جهة واحدة، يمكن أن تليق عليها تلك التهمة. إنها القوى السياسية للحراك الجنوبي. منذ زمن ظهرت بعض الكتابات التي رافقت بدايات التململ، لتتحدث عن مخزون النفط والغاز الكبير الذي تقف عليه المحافظات الجنوبية. وذهبت تلك التفسيرات إلى القول أن "الشماليين" –وهذا وصف غير حضاري ونرفضه بشكل قاطع– ينهبون ثرواتهم من باطن أرضهم! لقد قدم مثل هؤلاء ضمن تلك الدراسات تفاصيل وأرقام للمساحات والآبار، وحجم تلك الثروة، وربطت الأمر بعدد السكان القليل والمساحة الجغرافية الشاسعة … الخ. وهو –ربما- ما حدا برئيسنا لتحمل عناء التوضيح للجميع ويتكفل بدحض تلك "الشائعات"..!! وإن كان لم يكن بحاجة إليها في مثل هذا الوقت العصيب. لكنه قد فعل.
ماذا بشأن الخلافات اليمنية-القطرية؟
تلك كانت مجرد تفسيرات قابلة للأخذ والرد، وحتى الإضافة لمن يريد. لكن، هل يمكن تصور الأمر على نحو آخر؟ مثلاً: كأن نتحرر من أسار المحلية وننطلق للمحيط الأقليمي، ونربط الأمر بسفرية الرئيس إلى دولة قطر، ومن ثم عودته إلى حضرموت، وإطلاقه تلك التصريحات..!
كيف؟ في الحقيقة لقد قام البعض بتلك العملية. من جمع للمؤشرات والدلائل الداعمة لإثبات وجود تلك العلاقة. ومنها أن تسألوا: لماذا جاءت تلك الدعوة القطرية بعد يومين من تدشين خط الإنتاج الثاني لمشروع الغاز الطبيعي المسال؟ خصوصاً وأن هناك معلومات متداولة –أغلب الظن أنها مجرد تخمينات-  أن "قطر"، وهي أكبر دولة مصدرة للغاز، لم يرقها أن تقوم اليمن ببيع الغاز بأسعار متدنية "جداً"، معتقدة أن مثل هذا الأمر من شأنه أن يسحب عملاءها الرئيسيين، أو كما يقال: من شأنه إحداث هزة في سوق الغاز، حيث تعتمد تلك الدولة عليه بشكل شبه رئيسي في كل شيء حتى في منحها مكانة دولية مرموقة.
إن بدأنا في مثل ذلك –وهو أمر في نظري قد يكون مجافياً للصواب لعدة أسباب سنوردها لاحقاً- فعلينا مسايرة هؤلاء في تسويغاتهم على النحو التالي: أن ترافق زيارة الرئيس إلى قطر مع تكثيف المسئولين اليمنيين لزياراتهم النفطية والغازية، وإدلائهم بتصريحات حول الغاز –بشكل خاص– قد يكون أمراً مرتباً، وهو ما يعد مؤشراً لتعزيز تلك التفسيرات كما يؤمن البعض.
إذ ليس من قبيل الصدفة، أيضاً، أن يناقش مجلس الشورى تقريراً خاصاً بتطور قطاع الغاز، ولا أن يقرر نائب رئيس الجمهورية زيارة وزارة النفط، في اليوم ذاته الذي حملت فيه الطائرة الرئاسية رئيسنا إلى أكبر دولة مصدرة للغاز(منذ العام الماضي أصبحت قطر هي الأولى عالميا)! وعليه، فإن تصريحات نائب الرئيس اليمني، ووزير النفط، ونائبه، حول المستقبل الواعد والمبشر بالغاز والنفط، يمكن القول أنها أعدت لهذا الغرض. يعتقد البعض ذلك.
بل ويحب هؤلاء ربط الأمور والتحركات، وتفسيرها بشكل تشكيكي بتصريحات وزير النفط اليمني التي أدلى بها أثناء المؤتمر الصحفي عقب تدشين خط الانتاج الثاني (2 أبريل) (التي قال فيها: "إن مستقبل اليمن في مجال الغاز واعد، طبقا للدراسات والمؤشرات الجديدة، والاستكشافات ‏بوجود كميات من الغاز في عدد من الحقول". وكذا حديثه عن أن "الوزارة عملت على إضافة استكشاف الغاز ضمن اتفاقيات المشاركة في الانتاج، الخاصة باستكشاف النفط ‏السابقة" كما، وتأكيده بأن اليمن أبرمت"سبع اتفاقيات في العام الماضي تضمنت جميعها استكشاف الغاز الى جانب النفط"، بل وإشارته الى أن "الوزارة تعمل على استقطاب مستثمرين وشركاء لاستغلال الاكتشافات الغازية الجديدة" ، واالتأكيد – كذلك – "أن هناك اقبالا كبيراً من قبل الشركات لاستغلال ‏الكميات المكتشفة". وأخيراً ما كشفه من أنه "سيتم دخول عدد من القطاعات النفطية من خلال التفاوض والتنافس المحدود مع شركات عالمية ‏سيعلن عنها قريبا".
إن كل ذلك، كان من شأنه أن يدخل القلق إلى دولة "قطر". هذا ما يعتقده البعض. مما حدا بأميرها إلى دعوة رئيس الجمهورية اليمنية على وجه السرعة. ليس لشيء، سوى لإسدائه النصح، الذي –غالباً– ما يعتقد أنه سيترافق مع عقد صفقة غير مباشرة من شأنها أن تزيل الجليد حول القضايا الخلافية السابقة.
ويتساءلون: وإلا لماذا عاد الرئيس مباشرة إلى حضرموت وقال إن ثروة بلادنا النفطية "شحيحة" بعد تصريحات مسئولية بالعكس..! هل نجح الأمر لكلا الطرفان، وحقق كل منهما ما أراده، وأبرمت الصفقة؟
أم أن الأمر برمته مجرد تفسيرات وتهويمات جوفاء، لا يقوم بها سوى المصابين بداء التشكيك، أولئك الذين يفسرون كل حركة أو سكنه على أنها لا تخلو من هدف ما؟ قد أميل كثيراً لاعتباره كذلك. وإن كنت لا أستطيع تأكيده إلا عبر إيراد سبب وحيد هو: أن قطر أعلنت منذ فترة أنها باعت كميات الغاز التي لديها وما ستنتجه لاحقاً، وبعقود بعضها طويلة الأمد.
فقبل أسابيع من هذا كله (وتحديداً يوم الاثنين، الموافق 22/3/2010 )، قالت قطر إنها تنتج حاليا 62 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، وإن الإنتاج سيزيد إلى 77 مليون طن بدءا من أكتوبر/تشرين الأول القادم. حسب ما نشره موقع الجزيرة نت في يومه.
ليس ما سبق هو التفسير الذي يعزز ما قلت أني أميل إليه، بل تلك كانت المقدمة. وإليكم المعنى. أضاف الخبر: "وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة والصناعة القطري عبد الله بن حمد العطية، أثناء زيارة للهند، إن السبعة والسبعين مليون طن بيعت بأكملها بالفعل بموجب عقود طويلة الأمد، لكن يمكن تحويل وجهتها إذا عرض مشتر جديد سعرا أعلى".
وأضاف: "لدينا بعض الشحنات المشروطة المتاحة من الولايات المتحدة وأوروبا، نأمل أن نجلبها إلى الهند إذا كان السعر مناسبا".
هل هذا يكفي لإنهاء الخوض في هذه المسألة، أم أن ما قمت به يزيد من تعقيدها؟ علي هنا أن أتوقف وأترك الإجابة لمن يريد أن يفكر.
أرقام وفوارق فلكية بين غاز اليمن وقطر
أعتقد أنه من غير اللائق أن يكتب شخص كلاما كثيراً حول قضية ما ليوصل قارئيه لى نقطة معقدة ثم يقول لهم: دعونا من كل هذا..! لم أرد أن أكون ذلك الشخص، لكن عليا الأن أن أقول لكم: دعونا ننتقل إلى تفاصيل أخرى، بعيدة عن التكهنات.
المعروف أن بلادنا لم تستفد كثيراً من الغاز الذي اكتشفته منذ العام 1986 حين بدأت بإنتاج وتصديرأول شحنة نفط. كون معظم آبار النفط يأتي الغاز مصاحباً لها. وقد أكد الرئيس في كلمة لاحقة –قبل ثلاثة أيام تقريباً، وفي حضرموت أيضاً– بقوله إن بلادنا كانت تحرق الغاز المصاحب للنفط، لكننا أصبحنا اليوم نستغله لإنتاج الطاقة الكهربائية.
والمؤسف، أن الشركة التي حصلت على عقد امتياز إنتاجه، ظلت على مدى سنوات طويلة تسوف الأمر من عام إلى آخر، حسبما يقال. ويقال أيضاً أن ذلك التسويف كان بسبب تدني أسعار الغاز مقارنة بما يمكن أن تجنيه من إنتاج النفط. وأنه حين بدأت أسعار الغاز ترتفع خلال الفترة الأخيرة، فقط، قررت الشركة استغلاله وتصديره. وأرجعت بعض المصادر الرسمية السبب الرئيسي: لعدم الجدوى الاقتصادية، وصعوبة العمل على إيصال الغاز إلى الأماكن المناسبة للتصدير، وكبر تلكفة تلك العملية.
لكن المؤسف أكثر، أننا حين قررنا ذلك، أو بالاحرى قررت الشركة، واستطعنا تجاوز العقبات، بعناه بأسعار "زهيدة" جداً، يقال أنها تقل عن السعر الحقيقي بنسبة تصل إلى 50%. ولمدة 25 عاماً..! وحول هذا الموضوع حدثت هزة داخلية كبيرة، لانعرف لماذا انتهت بصمت مريع.
وبحسب الخبراء –ضمن تقارير دولية- فإن اليمن لا يمكنها أن تعوض التدني الحاصل في المخزون النفطي، من خلال إنتاج وتصدير الغاز، بهدف إحداث التوازن المطلوب لمعالجة الاختلال الحاصل في الميزانية والذي أحدثه تدني إنتاجية النفط خلال الأعوام الأخيرة (كان خبراء يحذرون من أن العمل على إنتاج الغاز بكميات تجارية وبيعها، سيؤدي حتماً على خفض معدلات إنتاج النفط).
ويقدر احتياطي الغاز في مأرب المخصص للمشروع 9.2 تريليون قدم مكعب من الكميات المؤكدة. خصص منها ‏تريليون قدم مكعب للسوق المحلية لانتاج الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى 0,7 تريليون قدم مكعب، كميات إضافية ‏محتملة .
ومن باب المقارنة فقط: يبلغ الاحتياطي المثبت والقابل للاستخراج لحقل الشمال في دولة قطر حوالي 900 تريليون قدم مكعب. وإضافة إلى الحقول البحرية، فإن لدى قطر احتياطاً وفيراً في حقولها البرية، حيث يقدر مخزونها بنحو 8 تريليونات قدم مكعبة. ويتيح هذا الاحتياط الضخم لدولة قطر أن تبقى منتجاً عالمياً للغاز بمعدل 11 مليار قدم مكعبة يومياً، أو ما يعادل 70 مليون طن سنوياً من الغاز المسال، ولمدة زمنية تصل إلى 260 عاماً.
وكان مدير عام الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال فرانسوا رافان، أوضح أن عملية الانتاج –بعد دخول خط الانتاج الثاني- ستبدأ بطريقة ‏تصاعدية الى أن يصل الانتاج الكلي الى 6.7 مليون طن متري سنويا. وهنا علينا أن نلاحظ الفرق مع دولة قطر التي سيصل إنتاجها إلى 77 مليون طن سنوياً، بدءاً من أكتوبر القادم.
لكن ومع ذلك، باعت اليمن كل مليون وحدة حرارية بـسعر (3.2 دولار) لمدة 25 عاماً، بينما أكد مسئول قطري –في وقت سابق- أن أسعار بيع الغاز القطري خلال العام 2008 بلغت 16 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية. إذا كنت تمتلك آلة حاسبة فحاول الوصول إلى الفرق بنفسك.
في نهاية المطاف، فإنّ مشروع الغاز هذا، قيل أنه سيدر على بلادنا ما بين 30 و40 مليار دولار خلال 25 ‏سنة بحسب تصريحات رافان (بالمناسبة يعني ذلك – وبحسبة بسيطة - أن بلادنا ستحصل على مليار وستمائة مليون دولار سنوياً. وهو ما يضعني في حيرة حول الرقم الذي تحدث به الرئيس في خطابه بحضرموت حين أورد الرقم (229 مليون دولار للعام الماضي) وهو مبلغ أقل بستة اضعاف تقريباً ما قاله رافان .
بينما يمكن التأكيد - واستناداً إلى جهاز الاحصاء القطري- أن نصيب الغاز خلال العام (2008) بلغ 112 ملياراً و612 مليون ريال قطري. إذا شأتم تحويل المبلغ إلى الدولار فافعلوا، لكن يجب عليكم التنبه أن ذلك المبلغ هو –فقط– لعام واحد.
خاتمة قطرية بامتياز
في مقابلته مع صحيفة الوطن السعودية على هامش لقائه بقناة العربية الشهر الماضي،  اعتبر الرئيس علي عبدالله صالح، أن انشغال الشعب اليمني بالسياسة هو بسبب عدم وجود المال لديه. وحين سأل: من أين يأتي المال؟ أجاب: "الله سبحانه وتعالى. شوف قطر وما لديها الآن، قبل عشرين سنة أنا أجرت لهم طائرتين من الأسطول اليمني، الآن الله فتح على قطر..".
ومن قطر –قبل أيام– عاد الرئيس إلى حضرموت. ومن هناك، أكد أن الثروة النفطية اليمنية "شحيحة"، متهماً بعض القوى السياسية بتضخيم تلك الثروة. فيما كانت ورقة يمنية صدرت باسم "الورقة القطرية -بضم القاف- للجمهورية اليمنية" حول النفط والغاز والطاقة حتى نهاية العام 2005، تؤكد أن اليمن لم تستخرج ثرواتها النفطية سوى من حوضين من بين سبعة أحواض رسوبية. وأضافت الورقة مستدركة بالقول:"وتعتبر الأحواض الأخرى واعدة بدليل وجود مؤشرات وظواهر هيدروكربونية متعددة تم التأكد منها من خلال ‏أعمال الحفر الاستكشافي" .
بالنسبة لدولة قطر التي تمتلك كل تلك الأموال، فتؤكد المعلومات أنها سعت بشكل حثيث لاستكشاف النفط في البحر، منذ الستينات، لكن وبعد كل تلك السنوات فإن إنتاجها منه لم يتجاوز أكثر من 850 الف برميل يومياً.
لكن، وبفضل توجيهات أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، نحو الاستغلال الأمثل لثروات البلاد الطبيعية، بذل المسئولون وفريق العمل في "قطر للبترول" الجهود المتواصلة التي مكنتهم من الوصول إلى المستوى المتقدم عالميا من خلال الإنجازات الهائلة في صناعات الغازالمسال ومختلف الصناعات البترولية الأخرى المرتبطة بها.
حيث بدأت منذ عقد التسعينات بعمليات كبيرة لتأهيل البنية التحتية لإنتاج الغاز وسط تخوف كبير من عدم جدواه، قياسا بتكاليفه الباهضة، ورخص أسعاره، إلا أنها لم تيأس وواصلت الاستكشافات والبناء. وخلال السنوات القليلة الماضية (التسعينات) تزايد الطلب على الغاز، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعاره، لتجني المحصول من استثماره بشكل صحيح، حتى أصبحت اليوم أكبر دولة مصدرة للغاز بعد أن كانت في المرتبة الثالثة بعد روسيا وطهران قبل عامين فقط.
وفي الحقيقة، لا يمكن إهمال مقولة الرئيس اليمني أن الله فتح عليها. والمعنى الجوهري لتلك المقولة هو: أن ننتظر حتى يفتح الله علينا نحن أيضاً. إلا أن هناك أمراً آخر يجب توضحيه حتى تكتمل الأسباب الحقيقية لما آلت إليه دولة قطر.
فإلى جانب الثروة الغازية الضخمة التي عملت على استكشافها بجهد ومثابرة، امتلكت قطر استراتيجية عمل ناجحة، جعلتها في مقدمة الدول الغنية. وهنا يروقني الاستشهاد بما كتبه البروفسيور سيف العسلي –أستاذ الاقتصاد، ووزير المالية السابق– قبل عامين (تقريباً)، إذ كان قد دعا -في سياق مقالته تلك- المسئولين اليمنيين إلى الاحتذاء بدولة قطر في تعاملها مع مسألة الغاز. حيث أوضح أن تلك الدولة الخليجية الصغيرة امتلكت استراتيجية ممتازة في إنتاج وبيع الغاز. فهي لم تقم بمشاركة شركات الإنتاج وفق نسب ضئيلة، لكنها عمدت إلى امتلاك غازها من خلال الاقتراض البنكي لمبالغ طائلة من أجل استكشافه وإنتاجه وبناء البنى التحتية المكلفة لتلك العملية، لتمتلك ثروتها وبيعها بالأسعار التي تتناسب مع ما تريده هي. ومن ثم -وبعد سنوات قليلة فقط- قضت ديونها. وكما أشرنا سابقاً، تمتلك دولة قطر شركتين لإنتاج الغاز المسال هما: "قطر للغاز" و"رأس غاز"، وتملك شركة قطر للبترول حصة أغلبية في كل منهما.
وبحسب تصريحات مسئولين قطريين معنيين بالأمر، فإن قطر تنتهج طريقتين لبيع الغاز، الأولى عن طريق العقود طويلة الأجل، والتي تبلغ 25 عاماً، مع ملاحظة أن هذه العقود تتمتع بالمرونة، أما الطريقة الثانية فتكون من خلال العرض والطلب وتختلف الأسعار بموجبها من سوق إلى آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق