الخميس، 11 نوفمبر 2010

تقرير رسمي عمره 33 عاماً يروي بدايات قضية الجعاشن


حسم الرئيس الحمدي قضيتهم مبكراً، لكنها عادت مجدداً مع قدوم صالح



المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال

حين تمر على مخيم أبناء الجعاشن المهجرين في العاصمة صنعاء، تبدو لك القصة مليئة بالتراجيديا الإنسانية المستوحاة من غابر العصور المندثرة. تلك الحقبة البشرية التي ميزت بين إنسان قوي مستند على مقومات اجتماعية واقتصادية وسياسية مرتفعة وكان اسمه (السيد)، وآخر ضعيف مفتقد كل ذلك، أطلق عليه صفة (العبد)، وجعلت من الثاني سخرة للأول..
 
ومع ما حملته تلك الحقبة من مآس إنسانية مخالفة للإرادة الإلهية التي خلقت الناس على قاعدة المساواة، إلا أنها جسدت الضرورة المعيارية لما يجب أن تكون عليه المجتمعات الحديثة المستوحاة من الشكل المناقض لما قد سلف. وكان القانون بداية هو الاحتياج الأولي، الناظم لحياة البشر وفقاً للصيغ التوافقية على قاعدة المصالح العامة التي تجعل من الحياة أمراً ممكناً: للضعيف أمام القوي، والفقير أمام الغني، والمحكوم أمام الحاكم..
 
وعلى أنقاض الحروب العالمية الكبيرة والصغيرة، الساخنة والباردة، وصلت البشرية لما يعتقد – حتى الآن - أنه أفضل صياغة عالمية من القانون والتحاكم الدولي والمحلي. وكانت الدولة المدنية الحديثة، التي نهضت على جماجم ودماء ملايين الضحايا، تزحف في كل اتجاهات الأرض، بقوة تجسدها رغبة الإنسان بحريته وكرامته قادراً على الوقوف بجسارة في وجه كل من يحاول مواصلة الحط من مكانته، وتضييق المجالات المتاحة لاختياراته المختلفة.
 
على أن مجاميع قليلة من جيل عشرينيات القرن الماضي، وفتات من جيل الثلاثينيات المتخلف، ظلوا خارج نسق مدافعة الحياة المتغيرة، حينما ظلوا يعكفون على مواصلة تطويع أذهان وإرادات وكيانات محيطهم الاجتماعي وفقاً للنسق الموروث ليس فقط من قانون الدولة الدكتاتورية المتخلفة، بل أبعد من ذلك بكثير لما قبل دولة القانون المندثرة.
ماذا بشأن الجعاشن
 
في أحد بياناتهم الكثيرة، يقول أبناء الجعاشن المهجرين (هجرة الجعاشن الثالثة، منذ مطلع يناير الماضي) أن لديهم "توجيهات ووثائق من عام 74م حتى الآن تقدر بحدود عشرين ألف وثيقة". منها ما تدين شيخهم، ومنها ما تتحدث عن ظلمه المسرف لهم.
 
- تتساءل: من هذا الشيخ الذي ما برح يسومهم سوء العذاب منذ 36 عاماً؟ 
- ربما من قبيل المبالغة التي تسيطر على كل إنسان مظلوم يريد أن يلفت الإنتباه لمظلوميته. تقول لنفسك..
 
- ولكن: ماذا لو أنها فعلاً تعود لذلك التاريخ؟ هنا تتوسع المأساة لتبلغ عمق المجتمع والسلطة والدولة المدنية الحديثة.
- حسناً: في 5 أبريل 1977، بعث الرئيس الحمدي مذكرة إلى محافظ إب، يأمره فيها بـ"العمل بمقتضى ما نص عليه قرار
اللجنة، وطلب الشيخ محمد أحمد منصور وإلزامه بالتعهد بعدم التدخل في شؤون المواطنين.. وأفيدوا..". هذه العبارة نشرت في تقرير لصحفي فرنسي جاء إلى اليمن قبل أشهر ونفذ تحقيقاً استقصائيا حول مأساة أبناء الجعاشن. ويؤكد الصحفي الفرنسي المستقل أنه حصل على نسخة من رسالة الرئيس الحمدي عبر أحد أبناء الجعاشن المهجرين.
 
- حديث الرئيس الحمدي عن العمل بمقتضى ما نص عليه قرار "اللجنة"، يدل على أن القضية أقدم من هذا التاريخ، وقد تم تشكيل لجنة بخصوصها أقرت إلزام الشيخ بالتعهد بعدم التدخل بشؤون المواطنين.
-  بعدها بعام ونصف أي في 16 أكتوبر، 1978 رفع تقريراً من قبل لجنة رئاسية تم تشكيلها من جهة المقدم علي عبد الله صالح - رئيس الجمهورية العربية اليمنية الجديد - بخصوص ما توصلت إليه من تحقيقات بموجب الشكوى التي رفعت إلى مكتب الرئاسة من قبل مواطنين في منطقتي الجعاشن والقاعدة على خلفية انتهاكات الشيخ محمد أحمد منصور.
 
- حينها لم يكن قد اكتمل الشهران على تولي الرئيس الجديد كرسي الرئاسة، ليواجه امتحانا صعباً يمس سيادة القانون. القانون الذي كان الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي قد شكل أطره وفقاً لمعطيات الحركة التصحيحية التي وصل عبرها للحكم، وما فتئ يجهد لتنفيذه بزخم اتسم به الحمدي ليغدو الرئيس الأكثر شهرة وحباً – على الرغم من قصر فترة رئاسته - في مسار الدولة اليمنية منذ قيام الثورة وحتى اليوم.
 
- كان يجب على المقدم علي عبد الله صالح، الوارث الجديد للرئاسة، أن يعمل على تجاوز تلك المشكلة وحسمها بشكل سريع ليثبت قدراته على إدارة البلاد، وإنفاذ القانون. لاسيما وهو الذي تعهد في خطاب التنصيب على مواصلة أهداف الحركة التصحيحية التي بدأها الرئيس الحمدي. وعليه، في 3 أكتوبر، وجه الرئيس "صالح" أمراً لرئيس الوزراء (عبد العزيز عبد الغني)، تضمن التوجيه بتشكيل لجنة تحقيق حدد أسماء ومواقع أعضائها، على النحو التالي: وكيل الجهاز المركزي للأمن الوطني، قائد لواء إب ، مندوب عن المحافظة، ومدير فرع الجهاز المركزي للأمن الوطني بإب.
 
- فما الذي حدث مع اللجنة الرئاسية؟ وما هي النتائج والتوصيات المهمة التي خلصت غليها؟ ثم: ما الذي حدث بعد تلك التوصيات؟ في هذه التناولة ربما تجدون أجزاء مهمة من الإجابة.
 
• خلفية القضية
من مضمون تقرير اللجنة أمكن معرفة خلفية الشكوى المرفوعة من المواطنين. فالشيخ محمد احمد منصور قام أتباعه بمداهمة منزل المواطن (عبده الحاج عماد) في قرية مُعاين الجعاشن. كان رب المنزل غائباً، فتسن للأتباع عمل ما يلزم من تفتيش وتكسير وتمزيق ومصادرة. ولأن المطلوب الرئيسي لم يكن موجوداً فقد قام أتباع الشيخ بملاحقته في كل مكان حتى تم القبض عليه، وإيداعه سجن الشيخ بداية ثم نقله إلى سجن "الزاجر" بمدينة إب.
 
أما الحجة فكانت ملاحقته وحبسه بتهمة "التخريب". أعد الشيخ محرزات الجريمة من أسلحة (بازوكا، ست دانات، لغم) قال أن أتباعه وجدوها في منزل المعتقل.
 
وبدعوى إلقاء القبض على المخربين أيضا، نفذ أتباع الشيخ عملية أخرى داهموا فيها منزل المواطن (محمد عبده سعيد ) بمدينة القاعدة، وحين لم يجدوا فيه – إلى جانب الأطفال والنساء - سوى والده الكهل، اقتادوه إلى السجن، وأستمر الشيخ وأتباعه في مطاردة الابن والإبلاغ عنه كمخرب فار من وجه العدالة.
 
لكن وبطريقة ما، تمكن أقارب ومعارف ومناصري المعتقلين والمطاردين من إيصال شكواهم إلى مكتب رئيس الجمهورية الجديد، ليتم بموجبها تشكيل لجنة التحقيق وفقاً للتفاصيل التي قدمناها أعلاه.
 
وبناء على أوامر الرئيس تلك، أصدر رئيس الوزراء مذكرة رقم (8026) وتاريخ 4/10/1978، قضت بتشكيل اللجنة وسرعة التحقيق وتقصي كل الحقائق حول موضوع الشكاوى بالشيخ المذكور. وفي 9 أكتوبر 1978م، بدأت اللجنة بممارسة أعمالها ووصلت الجعاشن للتحقيق في القضية.
 
• سير إجراءات اللجنة
تقول اللجنة في تقريرها النهائي، أنها التقت بمواطنين في المنطقة ممن هم غير مرتبطين بالقضية حتى تضمن الحقيقة، وأنها استفسرتهم حول ما حدث باعتبارهم شهود محايدين، وأنها لاحقت الشيخ "منصور" إلى محافظة تعز التي غادر إليها فور وصول اللجنة. وتم الإشارة إلى مثل هذا في جزء من مقدمة التقرير على النحو التالي: " وحيال ذلك فقد قررت اللجنة تحرك قائد لواء إب ورئيس اللجنة مع مندوب القيادة إلى تعز للاتصال بالأخ قائد لواء تعز نظراً لتواجد الشيخ محمد أحمد منصور ليتم إلزامه بالحضور إلى اللجنة حيث كان منقطعاً عن الحضور إلى إب زاعماً أن له خلاف مع بعض المسئولين". وبعد أن نجح التنسيق تم إيصال الشيخ إلى فرع الجهاز المركزي للأمن الوطني بتعز وتم لقائه برئيس اللجنة مساء يوم الجمعة الموافق 12/10/78م ، وفي اللقاء تم إلزام الشيخ بالحضور إلى لواء إب ليتسنى أخذ أقواله من قبل كافة أعضاء اللجنة. وهو ما تم بالفعل
 
• ملخص ما تضمنه تقرير اللجنة: تبرئة المواطنين وإدانة الشيخ
حتى لا نسهب في سرد وتوضيح تفاصيل التقرير كاملة على هذا النحو، ارتأينا أنه من الأنسب لنا وللقارئ أن نتوقف هنا لنحيلكم إلى نص التقرير الأصلي، الذي حصلت المصدر على نسخة منه، كون التقرير ممتلئ بالتفاصيل التي توضح نفسها بنفسها. على أنه من اللازم علينا توضيح أمرين قبل الإحالة.
 
- الأول: أننا فضلنا اجتزاء التفاصيل السابقة من مقدمة التقرير لتوضيح خلفية القضية على النحو الموضح أعلاه، وعليه فقد فضلنا تجاوز نشر مقدمة التقرير لتضمنه ذات المعلومات، وأكتفينا بنشر النتائج التي توصلت إليها اللجنة.
-  الأمر الثاني: أننا فضلنا عدم نشر بعض الأسماء والترميز لها بالحروف بسبب حساسية الموضوع لاسيما وأن معظم الأسماء الواردة في التقرير مازالوا على قيد الحياة. كما أننا قمنا بوضع نقاط عند بعض الكلمات التي لم تكن واضحة.
فإلى نص نتائج التقرير:
 
...وبعد ذلك ومن خلال هذه الأعمال التي قامت بها اللجنة وبعد التقصي الكامل والتأمل الممعن في كل ما ورد وثبت للجنة، [فقد] توصلت إلى النتائج التالية:
أولاً: ما يخص موضوع عبده الحاج محمد عماد - الجعاشن:
1- لقد شهد له المواطنون الذين حضروا إلى اللجنة وحققوا بصلاحه وحسن سيرته وسلوكه مع كل المواطنين وأنه من أعيان القرية ونفى ما لصقت به من التهم وأن بينه وبين الشيخ منصور خلافاً قديماً على قطعة أرض.
 
2- قيام الشيخ منصور بإرسال العسكر لتفتيش منزل عبده الحاج عماد وإلقاء القبض عليه وإرساله إلى سجن إب كان بناءً على ما تلقاه الشيخ من بلاغ ومعلومات من: ...........، بأن عماد مأوياً للمخربين ياوييهم في بيته ويمرون عن طريقه إلى جهات أخرى.
 
3- اعترف الشيخ منصور بأنه لم يكن لديه مما أدعى به عبده الحاج أُخذ من بيته من قبل خبرة الشيخ محمد سوى بندقية أبو عيار ومسدس وجنبيته وأنكر عن باقي المدعى به من ذهب أو نقود أو أوراق وطلب يمين زوجة عبده الحاج وإخوانه على ما أُخذ من منزل عبده الحاج وأخذ العهد على يد السيد مطهر عيسى وعلى أن يعوض ذلك.
 
4- لم يثبت لدى اللجنة بأن البازوكة والست الدانات واللغم أخرجت من منزل عبده الحاج أو عثر عليها في منزله فالتحقيق الذي قام به فرع الجهاز مع سائق السيارة التي حملت ذلك يثبت أن البازوكة والست القذائف واللغم تم نقلها من بيت الشيخ منصور من العنسيين على سيارة السائق المذكور (ع. م.) إلى فندق عبده مرعي بالقاعدة ويدلل أن تلك الأسلحة نقلها السائق من بيت الشيخ منصور بعد ثلاثة أيام من تفتيش منزل عبده الحاج ومما ثبت للجنة من اعترافات السائق المذكور والمحتفظة بفرع الجهاز كما يثبت ذلك المواطنون الذين شهدوا بحسن سلوك عبده الحاج أنهم لم يشاهدوا خروج شيء من ذلك من منزله عند التفتيش سوى سلاحه الشخصي بندقية أبو عيار.
 
5- تبين للجنة من خلال شهادة مواطني معاين وبعض من أهالي ذي الحود المجاورة أنهم شاهدوا جماعة الشيخ منصور الذين قاموا بتفتيش المنزل خارجين من منزل المواطن المذكور ومعهم شنطة يد مليئة لم يعرفوا ما فيها كما شاهدوا أن بيد (ر. ح. م.) أحد المكلفين بالتفتيش مسودة حافظة بممتلكات المواطن عبده الحاج وإخوانه من أراضي.
 
6- كما ثبت للجنة من خلال إفادة الشيخ منصور أنه كلف ستة أشخاص من جماعته بتفتيش منزل المواطن عبده الحاج دون أن تشاركه الجهات المختصة بذلك في اللواء ويبرر ذلك أن لديه أوامر بمطاردة المخربين ..الخ، من الأخ الرئيس والقائد.
 
7- بعد عملية تفتيش منزل المواطن المذكور شهد بعض الشهود أنهم دخلوا إلى منزل المذكور عبده الحاج وشاهدوا مجموعة من الشناط والصناديق عدد(4) شناط و(2) صناديق قد أكسرت أقفالها وبعثرت الملابس والأوراق وما بداخلهن في قاعة الغرفة كما أنهم وجدوا ضجيج من الأسرة وصراخ بأن القائمين بالتفتيش قد نهبوا عليهم نقود وذهب وأوراق تخص ممتلكاتهم ولكن الشهود لم يحددوا ذلك، وفي يوم الاثنين الموافق 9/10/78م بعد أن توجهت اللجنة إلى منطقة المعاين لتقصي الحقائق أقرت الانتقال لمعاينة المنزل المذكور وقد وجدت بالمشاهدة 4 شناط مكسرة أقفالها مع اثنين صناديق وكذا تكسير مغلقة البوابة العمومية وإحدى غرف المنزل والأدوات مبعثرة حيث تفيد أسرة عبده الحاج عماد للجنة بأن ما شاهدته اللجنة عن المعاينة هو باق على أصله ووضعه التي تركت عليه بعد عملية التفتيش.
 
8-  بعد أخذ العهد من قبل اللجنة من عبده الحاج وولده أحمد أن يقول الحق في سرد ما أخذ من منزله من المكلفين بالتفتيش من قبل الشيخ منصور وبناءً على ذلك فقد سرد المأخوذات عليه من المنزل الأشياء التالية:
1)  بندقية أبو عيار – مسدس نصف وجنبيته، وجنبيه التي لم يحترمها أثناء القبض عليه وهذه الأشياء معترف بها من قبل الشيخ منصور.
 
2) مبلغ(96000) ألف ريال كانت بإحدى شنطاته منها ودايع لديه أمانه خاصة من فئة (50 و 100) بالإضافة إلى أخذ مبلغ آخر قدره (20000) عشرون ألف ريال خاصة بولده أحمد كذلك (12) اثنا عشر جنيه (....) وأنه أخذ عليهم من شنطة زوجته أربعة خواتم ذهب كبير، وخمس دبل ومريتين ذهب وساعة رولكس وساعة صليب.
 
3) شنطه بداخلها وثائق أي بصائر ممتلكات أرضه الخاصة وشنطه فيها وثائق أي بصائر مشتركة بينه وبين أخوته من بعد والدهم مع (.......) وهذا ما أنكره الشيخ منصور لكنه طالب العهد من زوجة المدعي عبده الحاج على يد السيد مطهر عيسى وكذا من إخوانه بعد ذلك مستعد وضامن بالتعويض بالمضاعف.
 
•  أما بخصوص موضوع محمد عبده سعيد (القاعدة) فإن اللجنة توصلت إلى ما يلي:
1-  إن الشيخ منصور وصل إلى جانب بيته مع مرافقين لغرض البحث عنه والقبض عليه وإيصاله إلى اللواء للتحقيق معه بحسب ما تلقاه من المعلومات من العدول والأعيان أنه مخرب بشهادة مدير ناحية ذي سفال ومدير الأمن والمحرر عليها منهم. وكان وصول الشيخ منصور إلى جوار منزل المذكور لعدم تمكن جنود الأمن من القبض عليه بحسب أمر المحافظ ومدير أمن اللواء المحرر إلى الرائد (غ. ع. ي.) وكلف الشيخ محمد شخصين من عساكره بالانتقال إلى منزل المذكور للقبض عليه حيث فر إلى صنعاء ليشتكي بالشيخ.
 
2- ومن خلال تقصي الحقائق بالنسبة لتشكي المدعي ضد الشيخ والذي ورد موضوعه تبين لهيئة اللجنة من الأخوة قائد اللواء ومحافظ اللواء وفرع الجهاز المركزي للأمن الوطني والاستطلاع للأمن الحربي موافاة اللجنة بما لديهم من أولويات من تهمة المذكور وقد اطلعت اللجنة على التهمة وموضوع التشكي بالشيخ بالقيام بتكليف عساكره بمهاجمة منزل الشاكي وادعاء نهب ذهب زوجة الشاكي وفلوس(96000) ألف ريال وأخذ مكينة الخياطة ورميها إلى باب المنزل وذلك بإسناد التهم إلى محمد عبده سعيد بأنه مخرب وهذه التهمة نتيجة لممارسة الشيخ المذكور (........) لذا فقد قامت اللجنة بتقصي الحقائق حيث استدعت محمد عبده وحققت معه ثم انتقلت اللجنة إلى منزله للمعاينة وكذلك طُلب منه إحضار ما لديه من براهين وأدلة من أن عساكر الشيخ المذكور قد دخلوا إلى منزله وفي غيابه وأخذوا ما أدعى به كما ذكر آنفاً وكذلك تم استدعاء والده عبده سعيد وتوصلت اللجنة إلى الآتي:
 
1) أن محمد عبده سعيد لم يحضر أدلة قاطعة تثبت صحة دعواه بما أخذ عليه من المنزل من قبل عساكر الشيخ منصور وحيث أن الشهود الذين أحضرهم وهم (م. أ. م.) أحد مواطني القاعدة والمجاور لمنزل محمد عبده لم يثبت الشاهد إخراج ....أي أشياء من منزل المذكور من قبل عساكر الشيخ منصور سوى ما أثبت من وصول الشيخ إلى جوار منزله ومشاهدتهما للجنود يدقون باب منزل محمد عبده سعيد وسماع الشاهد الثاني لصراخ عائلة محمد عبده سعيد إن العساكر قاموا بالدخول إلى المنزل وكسر الشناط وأخذ ما فيهن مع كسر مكينة الخياطة وهذا لم يثبت للجنة.
 
2) ثبت للجنة أن محمد عبده سعيد بذيء لسان ويتدخل فيما لا يعنيه بالنسبة للمواطنين باعتباره وكيل للشريعة ومعارضته للشيخ وللمواطنين فيلزم وضع حد حازم حتى يكف عن مشاغلة الناس.
 
3) كما ثبت للجنة أن الشيخ منصور قد فرض على والد محمد عبده سعيد خمسة آلاف ريال والذي يبلغ من العمر خمسة وثمانون سنه وذلك أجرة الطقم الذي تنفذ إلى المجزف للقبض على محمد عبده ودفع المبلغ على أساس تخلية سبيل الأب حيث كان سيحجز بالزاجر حتى يحضر ابنه وقد ثبت هذا أيضاً بحسب إفادة الشيخ منصور ويلزم ضبط محمد عبده سعيد بدفع المبلغ المذكور لوالده تعويضاً عما دفعه بسببه.
 
• الرأي بخصوص موضوع عبده الحاج عماد:
- بما أن اللجنة تأكدت من عدم صحة ثبوت المعلومات التي تبلغ بها الشيخ منصور فإنه لا يعد أن تكون تلك المعلومات صادرة من جوانب مغرضة تحاول إثارة الاستياء من الدولة بين صفوف المواطنين فإن اللجنة ترى:
 
أولاً: الإفراج عن المواطن السجين عبده الحاج عماد وإعادة بندقيته وجنبيته ومسدسه الموجودات حالياً بحوزة الشيخ منصور بحسب اعترافه للجنة.
 
ثانياً : التقصي بأخذ اليمين المطلوبة التي طلبها الشيخ منصور وزوجته وإخوانه عما أخذ من منزل عبده الحاج بصدق وعن يد متولي أخذ العهد حسب طلب الشيخ المذكور من قبل (أ. م. ع.) المقيم في المعاين وذي الحود ذي سفال وبعد ذلك ينفذ ما التزم به الشيخ أمام اللجنة بدفع ما ثبت أخذه من منزل عبده الحاج في أيدي عساكر الشيخ المذكور.
 
ثالثاً: بخصوص ما لصقت من تهمة بالمواطن المذكور وسمعة، لم تثبت ضده، فترى اللجنة بأن على الدولة رد اعتبار المذكور كمواطن ليس له تدخل في أي شيء مما لصق به، وكانت الأسباب هي نتيجة أن الجهات التي وجهت إليه تهمة التخريب قد أصدرت ذلك دون رؤية وقبل أن تستقي المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوقة وهذه الجهات هي: مدير ناحية ذي سفال (......)، ومدير أمن ذي سفال (النقيب.......)
 
رابعاً: بما أن الدولة قائمة وقوية هناك جهات مختصة مسئولة عن أمن وسلامة المواطنين في حماية حقوقهم وفروضهم وحيال ذلك فإن اللجنة ترى عدم إسناد أي إجراءات أو مهام إلى جهة غير مسئولة في الدولة وإذا كان ضرورياً والأمر يستدعي ذلك فلها المشاركة حيث توصلت اللجنة أن مثل هذه الأعمال تستغل وتؤدي إلى متاهات وأمور تشغل الدولة عن مهامها الأساسية.
 
خامساً: تود اللجنة أن تلفت الانتباه إلى أن المواطنين الذين شهدوا بالحقيقة يخشون التعرض مستقبلاً للانتقام منهم نتيجة لما أوضحوه للجنة من مآسي ومآثم سيتحصلونها من الشيخ منصور عقب مغادرة اللجنة من المنطقة خصوصاً عندما تعرض أسماؤهم ولما فيه الصالح العام للجنة ترى الاهتمام والحرص على حمايتهم من أي شيء قد يحدث لهم كما سبق الإشارة بذلك.
 
وكما ترى اللجنة أن تأخذ الضمانات اللازمة من المواطنين السجين عبده الحاج عماد و محمد عبده سعيد وذلك بعدم استغلالهم لما قامت به الدولة برد اعتبارهم واهتمام الدولة بمواطنيها وهكذا بالنسبة للشيخ منصور حيال المواطنين.
 
سابعاً: الرأي بخصوص موضوع محمد عبده سعيد مع والده:
أخذ اليمين البالغ من الشيخ ( ) أن جماعته لم يقوموا بالدخول إلى منزل المواطن المذكور وأخذهم بما ادعى به والموضح سابقاً لسبب أن اللجنة لم تتوصل من خلال تقصي الحقيقة وشهادة الشهود من أن عساكر الشيخ/ قاموا بنهب منزل المذكور، كما تود اللجنة أن تشير إلى أن المواطن المذكور ثبت لديها تدخله في أشياء لا تعنيه مثل قيامه بالوكالات من المواطنين الأمر الذي يؤدي إلى إثارة المشاكل الشرعية والفتن كما أن اللجنة لم تتوصل إلى أي أدلة تدين المواطن المذكور بأنه مخرب بحسب التهمة التي ألصقت إليه من قبل الشيخ المذكور ولذلك ترى اللجنة براءته.
 
وعلى أن يلتزم المذكور بعدم التدخل في شئون المواطنين وإثارة المشاكل الشرعية التي بينهم كما ترى اللجنة سحب بطاقة المحاماة منه التي منحته وزارة العدل.
 
هذا أهم ما تراه اللجنة حسماً للقضية بين الأطراف المذكورة وترجوا الاهتمام بالتنفيذ بعمل ما يلزم بعدم تكرار مثل ما حدث وما يحدث مستقبلاً ولتكن الإجراءات عبرة للآخرين ورادعة.
 
ذلك هو رأي اللجنة لما توصلت إليه من نتائج والرأي الأول والأخير متروك لسيادتكم.
 
مفارقات الـ 33 عاماً المأساوية
           المفارقة (1) - ما بين: أبريل الرئيس الحمدي 1977، وأبريل 2010
-           المشهد الأول
-           في عهد الرئيس الحمدي: شيخ الجعاشن ممنوع من التدخل في شؤون المواطنين
-           الزمن: 5 أبريل 1977
-           المكان: العاصمة صنعاء
- الحدث: رئيس الجمهورية العربية اليمنية الرئيس إبراهيم الحمدي يوجه رسالة خطية إلى محافظ محافظة إب.
جاء فيها: "الأخ المحافظ ليكن منكم العمل بمقتضى ما نص عليه قرار اللجنة، وطلب الشيخ محمد أحمد منصور وإلزامه بالتعهد بعدم التدخل في شؤون المواطنين.. وأفيدوا. وتقبلوا تحياتنا". التوقيع: الرئيس إبراهيم الحمدي.
 
-           المشهد الثاني
-           الوضع بعد 33 عاماً على رسالة الرئيس الحمدي الحاسمة
-           الزمن: 5 أبريل 2010. بعد 33 عاماً كاملة من الحدث السابق
-           المكان: خيمة كبيرة في عاصمة الجمهورية اليمنية (صنعاء)
-  الحدث: أكثر من 145 مواطن يمني من منطقة الجعاشن ما زالوا يفترشون أرض خيمة كبيرة وسط العاصمة صنعاء.
-           التفاصيل
-  في حالة يرثى لها، ما زال: 45 طالبا، و 33 امرأة، و 33 طفلا دون سن الدراسة، و 68 شاباً وكهلاً، يتواجدون حاليا في مخيم المهجرين. فاقدين أي أمل يمكن أن يأتيهم من السلطة وأجهزتها المختلفة التي لم تعر مأساتهم أي اهتمام منذ حوالي ثلاثة اشهر على نزوحهم الثالث من المنطقة مطلع يناير 2010 هرباً من بطش شيخهم (إنه الشيخ نفسه الذي وجه الرئيس الحمدي – قبل ثلاثة وثلاثون سنة – محافظ إب بإلزامه بعدم التدخل في شؤون المواطنين). وزاد المأساة سوءً حين فشلت آخر لجنة شكلت من مجلس النواب للنزول الميداني إلى المنطقة لتقصي الحقائق. لكن اللجنة عادت إلى صنعاء دون أن تنجز شيئاً من مهامها بسبب منعها من دخول المنطقة مطلع مارس من العام.
 
- وفي يوم 27 من شهر أبريل نفسه، وبينما كانت الحزب الحاكم، وسلطاته يحتفلون بيوم الديمقراطية (ذكرى إجراء أول انتخابات نيابية أجريت في 27 أبريل 1993)، قرر المهجرون المشاركة للفت السلطات والمجتمع المدني لقضيتهم المنسية. وعبر بيان وجه لرئيس البلاد وأكثر من 20 مليون يمني، وجهوا نداء استغاثة تحت عنوان: "وااايمناااه...واااعلياااه...وااامؤتمراااه..".
 
- بعد كل تلك السنوات العجاف – لمذكرة الرئيس الحمدي القوية والشديدة والحاسمة – تبدو المأساة بتجلياتها التراجيدية وكأنها ما تزال طرية، مؤلمة، وأكثر قساوة كما تضمنها بيان الاستغاثة:"لقد قيدنا في سجون طغيان (......) وعصابته بل لم يسلم منا حتى الأطفال، وليس هذا فحسب بل هذا الشخص أصبح سوطاً فوق رؤوسنا ولديه مئات الميلشيات وكذ العديد من الطقومات وعنده مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة.." وإلى جانب ذلك تضمن البيان إتهامات مختلفة لما يمتلكه الشيخ من نفوذ وقوات مدنية وعسكرية وأسلحة خفيفة وثقيلة وتأثير على المنطقة..الخ
 
           المفارقة (2) - ما بين: أكتوبر 1978، و أكتوبر 2010
            المشهد الأول
            شيخ الجعاشن بعد أقل من شهرين من اعتلاء الرئيس كرسي الحكم
-           الزمن: 12 أكتوبر 1978
-           المكان: جهاز الأمن الوطني بمحافظة تعز
-           الحدث: في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس الموافق 12 أكتوبر 1978 أحضر الشيخ محمد أحمد منصور إلى فرع جهاز الأمن الوطني بتعز للتحقيق معه بخصوص الإنتهاكات التي أرتكبها بحق بعض مواطني منطقة الجعاشن، ومدينة القاعدة.
 
-           التفاصيل
- لم يمر حتى شهران على وصول المقدم على عبد الله صالح، لكرسي رئاسة الجمهورية العربية اليمنية، ليواجه اختبارا صعباً.
 
لقد تمكن مواطنين يمنيين ينتمون لمنطقة الجعاشن والقاعدة - القريبة منها - من إيصال شكاوهم إلى مكتب الرئيس الجديد.
 
تضمنت الشكوى أسم شيخ الجعاشن محمد أحمد منصور. وفي يوم 3 من شهر أكتوبر 1978م، قرر الرئيس الجديد تطبيق القانون، وخط أمراً وجهه إلى رئيس الوزراء عبد العزيز عبد الغني، لتشكيل لجنة رئاسية تضمنت شخصيات ومواقع كبيرة للتحقيق في الشكاوى المرفوعة ضد الشيخ منصور من قبل بعض المواطنين من الجعاشن والقاعدة.
 
- بعد التوجيه الرئاسي بيوم واحد، أصدر رئيس الوزراء قراراً قضى بتشكيل اللجنة من الأسماء المحددة. وفي 9 أكتوبر 1978م، عقدت اللجنة اجتماعها الأول في مدينة إب، بحضور المحافظ وقائد اللواء، واختارت رئيساً لها وأقرت ضرورة التحرك الفوري إلى الجعاشن للبدء في تنفيذ مهاما. وفعلاً تحركت اللجنة عقب الاجتماع مباشرة إلى قريتي معاين وذي الحود بالجعاشن، وشرعت بالتحقيق.
 
- لكن الشيخ حين علم بأمر اللجنة، غادر إلى محافظة تعز، قبل أن تصل إليه. على ضوء ذلك عقدت اللجنة اجتماعاً طارئاً في الجعاشن وقررت تكليف رئيسها الرائد حميد الصاحب،وقائد اللواء محمد عبد الخالق بالتحرك إلى لواء تعز للتنسيق مع قائد اللواء هناك لإحضار الشيخ،وبعد البحث والتحري عن المكان الذي يتواجد فيه، أََََََُحضر الشيخ محمد أحمد منصور في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس الموافق 12 أكتوبر 1978 إلى فرع جهاز الأمن الوطني بتعز للتحقيق معه.
 
- لكن الرائد حميد الصاحب – رئيس اللجنة الرئاسية المكلفة بالتحقيق معه – والذي كان بإنتظاره هناك، قرر أن يتم التحقيق مع الشيخ في محافظة إب أمام بقية أعضاء اللجنة وعليه فقد ألزم الشيخ بالحضور إلى إب للتحقيق معه، وفعلاً أذعن الشيخ وحضر إلى مدينة القاعدة بتاريخ 14 أكتوبر 1978 وتم التحقيق معه.
 
- لم تمر أكثر من ستة أيام فقط، على بدء العمل الميداني للجنة في 9 أكتوبر، حتى استوفت التحقيق في 14 اكتوبر. وبعد يوم واحد فقط (أي في 15 أكتوبر) رفعت تقريرها الذي أدان الشيخ على ضوء ما تبين لها من التحقيقات مع المواطنين وأصحاب الشكوى، والشيخ نفسه.
 
- تقرير اللجنة – الذي تنشر «المصدر» نصه منفرداً – تضمن مجموعة من التوصيات نقتبس منها هنا التوصية التالية: " بما أن الدولة قائمة و قوية، وهناك جهات مختصة ومسئولة عن أمن وسلامة المواطنين في حماية حقوقهم وأعراضهم، فإن اللجنة ترى عدم إسناد أي إجراءات أو مهام إلى جهة غير مسئولة، حيث توصلت اللجنة إلى أن مثل هذه الأعمال تُستغل وتؤدي إلى متاهات وأمور تشغل الدولة عن مهامها الأساسية".
 
-           المشهد الثاني
-           الوضع بعد مرور 32 سنة
-           - الزمن: 12 أكتوبر 2010
-           المكان: أمانة العاصمة
-           الحدث: قوات الأمن بأمانة العاصمة تداهم إعتصاماً نظمته منظمات حقوقية لأبناء الجعاشن المهجرين، وتعتقل مجموعة منهم، وتودعهم السجون.
 
-           التفاصيل
-  32 عاماً كاملة انقضت على حادثة التحقيق مع شيخ الجعاشن من قبل لجنة رئاسية في الانتهاكات التي مارسها ضد مجموعة من المواطنين واعتقالهم خارج نطاق القانون. وقرابة 10 أشهر وبضعة أيام، مرت على آخر نزوح لأسر بأطفالها ونسائها وشيوخها من منطقة الجعاشن فراراً من أعمال التنكيل التي قام ويقوم بها ضدهم شيخ المنطقة محمد أحمد منصور. وذلك وفقاً للأسباب والإتهامات التي يقول بها المهجرون.
 
- في مثل هذا اليوم: 12 أكتوبر (الذي طبق فيه القانون قبل 32 عاماً ضد شيخ أقرت اللجنة الرئاسية حينها أنه يمارس أعماله خارج القانون) داهمت قوات الأمن اعتصاما جماهيرياً في العاصمة صنعاء نفذته منظمات حقوقية مع مهجري الجعاشن لتفعيل قضيتهم، واستخدمت القوة لاعتقالهم بعد جرجرتهم إلى الأطقم العسكرية، واقتادت 35 مهجراً إلى السجون. دون إبداء الأسباب حسب البيانات الصادرة من منظمات المجتمع المدني الحقوقية التي أدانت العملية.
 
- بعد ساعات أطلقت السلطات سراح مجموعة منهم، بينما أبقت على 13 آخرين في خمسة سجون مختلفة بالأمانة. وبعد اعتصامات وإدانات حقوقية واسعة، أفرجت السلطات عنهم لاحقاً، لكن منظمات حقوقية اتهمت السلطات الأمنية بتعذيب مجموعة من المهجرين المعتقلين لديها.
 
-  .....حتى الآن ما يزال قرابة العشرات من أطفال ونساء وشيوخ أبناء الجعاشن المهجرين (الهجرة الثالثة إلى أمانة العاصمة) يعيشون في مخيمات في العاصمة منذ مطلع شهر يناير هذا العام..
 
- مع نهاية شهر أكتوبر المنصرم، ومطلع هذا الشهر، كشر البرد القارس عن أنيابة وهجم على العاصمة بقسوة لم يسبق لها مثيل.


ما بعد التقرير..!
 بداية علينا الحديث عن القضية من زاوية تتعلق بمواصلة قيام الشيخ محمد أحمد منصور بتلك الأعمال في الجعاشن. إن الأمر قد يعود إلى السلطة والقوة والجاه، وأحياناً قد يعود إلى النظرة التمايزية القائمة على تصنيف الناس إلى أسياد وأتباع. بيد أنه حين يواجه كل ذلك بالقانون وصحوة شعبية مناسبة، فإن مثل هؤلاء يمكنهم أن يجدوا حججاً ومبررات مختلفة لمواصلة تصرفاتهم المريضة.
 
فعلى سبيل المثال: حين كاد القانون – في العام 1978– يصل إلى عنق الشيخ، وجد مبرراً يقوم على مخاطبة الدفاع عن الوطن وحمايته من المخربين. كون مثل هذا الواقع كان هو الواقع المعاش في تلك الفترة، حين كانت أجهزة الدولة تطارد جبهة التخريب في المناطق الوسطى وما جاورها. وهي حجة مع أنها لامست مطلب ورغبات السلطة، إلا أنها استغلت للفتك وتصفية الحسابات الخاصة كما أوضح التقرير الذي أكد أن من أنتهكت حقوقهم لم يكونوا ينتمون لا من قريب أو من بعيد لجبهة التخريب. وأن المشكلة القائمة مع الشيخ تعود لخلاف سابق مع أحدهم، ولكون الآخر يقوم بتبني قضايا المواطنين كونه يمتهن الشريعة والمشارعة أمام المحاكم..
 
وفي يومنا، تتواصل الانتهاكات على النسق ذاته، ولكن عبر حجة أكثر مواكبة للواقع الحالي، في ضرورة الدفاع عن الوطن، ليس بمطاردة المخربين، ونهب ممتلكاتهم، ولكن بالحفاظ على صناديق الاقتراع من الاختراق وحتى لا تصبح متعارضة مع رغبات السلطة القائمة.
 
ليس ثمة فرق، بين الأمرين، حين يتعلق المعنى بممارسات خارج إطار القانون. وفي كل الأحوال، تبدو التوصية الثالثة من اللجنة، ذات قيمة جوهرية ومعنوية لو تم الالتزام بها سواء في السابق أم اليوم: إنها تلك التي تتحدث عن ضرورة قيام الدولة برد اعتبار من شوهت سمعتهم بسبب ما لصق بهم من تهم كيدية، ثبت أنهم أبرياء منها.
 
 وفي سياق مماثل، لو أن السلطة ألتزمت بتنفيذ تلك التوصيات التي قدمتها اللجنة الرئاسية في العام 1978، فلربما كان أبناء الجعاشن اليوم ينعمون بخيرات منطقتهم الخصبة، ولما كانت السلطة قد واجهت ما تواجهه اليوم من إحراج يثقل كاهلها أمام التزاماتها بأسس ومعايير الدولة اليمنية الحديثة. إن هذا كان ليحدث، في واقع الأمر، لو أنها [أي السلطة] تحمل تلك الالتزامات على محمل المسؤولية والجدية.
 
وهنا يأتي المثال منسجماً مع التوصيتين: الرابعة والخامسة، التي تحدثت أولاها عن قوة الدولة تفرض على الجهات المختصة تحمل مسئوليتها عن أمن وسلامة المواطنين في حماية حقوقهم وفروضهم، الأمر الذي يفرض عليها هنا: "عدم إسناد أي إجراءات أو مهام إلى جهة غير مسئولة في الدولة ".. حيث توصلت اللجنة أن مثل هذه الأعمال تستغل وتؤدي إلى متاهات وأمور تشغل الدولة عن مهامها الأساسية"
 
أما الأخرى، فتحدثت عن مسئولية الدولة في ضمان حماية المواطنين الذين شهدوا بالحقيقة. كونهم، كما تلفت اللجنة الانتباه: "يخشون التعرض مستقبلاً للانتقام منهم نتيجة لما أوضحوه للجنة من مآسي ومآثم سيتحصلونها من الشيخ منصور عقب مغادرة اللجنة من المنطقة خصوصاً عندما تعرض أسماؤهم ولما فيه الصالح العام للجنة ترى الاهتمام والحرص على حمايتهم من أي شيء قد يحدث لهم كما سبق الإشارة بذلك".
 
إن هذا بحد ذاته، ليقودنا إلى الحديث عن حقيقة ما يحدث اليوم من انتهاكات تطال المواطنين، ليس لكونهم قدموا شهاداتهم ضد الشيخ، بل لكون من شهدوا يعرفون جيداً: طبائع الاستبداد التي تقطن شيخهم، وما يمكن أن يقوم به معهم عقب رحيل اللجنة.
 
وهو ما يحمل في المعنى الجوهري معاناتهم القائمة اليوم. لاسيما وأن السلطة تجاهلت كلياً تنفيذ تلك التوصيات (حتى أن متابعة مراسل الصحيفة بمحافظة إب للمصير الذي آل إليه حال المواطن: عبده الحاج عماد، الذي أوصت اللجنة بإطلاق سراحه، فقد تأكد لنا أنه لم يتم الإفراج عنه إلا بعد تدخل (م . ع ) وهو أحد الشخصيات الاجتماعية في المحافظة وذلك عقب قيام أولاده وأقاربه بوصلة هذا الأخير، وهو ما تفهمه القاضي ( ع . ز ). وتحتفظ الصحيفة بالأسماء الكاملة لحساسية الأمر) . كما اتضح لنا أن المواطن المذكور انتقل بعد صراع طويل مع الشيخ المذكور إلى رحمة الله تعالى.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق