الأحد، 21 نوفمبر 2010

قراءة في تفاصيل التسجيل الوثائقي الجديد للقاعدة في اليمن



هل نجحت محاولة تبرير المعركة الداخلية ضد قوات الأمن، أم عززت شهية القتل والدمار؟!  

المصدر أونلاين- خاص -عبدالحكيم هلال
 دنت سيارة الشبح، ذات اللون الصحرواي، وعليها أربعة مسلحين من تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، من نقطة عسكرية نائية تتبع مديرية "جعار" – أبين، ولما لم يعد أمامها سوى أمتار قليلة، بدأ صوت أحدهم يلهج بالدعاء: "اللهم سدد الرمي يا رب العالمين..". وفجأة.. بعد لحظات، أنهمر سيل من الرصاص الكثيف على جنود النقطة الأمنية، وسط أصوات التكبير المرتفعة تدريجياً من حناجر المسلحين الذين قفزوا من ظهر سيارتهم إلى الأرض مواصلين إفراغ عبوات آلياتهم على صدور ورؤوس الجنود الذين تم مباغتتهم، لتسقط جثثهم على الأرض مضرجة بالدماء.
لم ينته المشهد، فلقد اختلطت التكبيرات مع هدير القذائف وصوت الرصاص، بينما كانت كاميرا التصوير تهتز وهي تحاول التركيز على أحد "مقاتلي القاعدة" وهو يصوب قاذفة الـ "آر بي جي" من على كتفه، بإتجاه الطقم العسكري القابع جوار النقطة، لتندلع منه النيران في كل اتجاه، ومباشرة توجهت قذيفة أخرى لتسكن مبنى إدارة النقطة المجاور، فشبت فيه النيران هو الآخر.
وحينما بدا وكأن كل شيء قد انتهى، وجاء أمر المغادرة، شوهد مسلح آخر، لم يشبع غريزته بعد، وهو يتوجه إلى أحد الجنود الملقين على الأرض كانت ندت منه حركة صغيرة وهو ينازع سكرات الموت الأخيرة، ليجهز عليه بما تبقى من ذخيرته. لحقه آخر وباشر معه بإطلاق سيل من الرصاص التأكيدية على جثث الجنود القتلى. أرتفع صوت أحدهم "لقد أنذرناكم مراراً وتكرارا، وقلنا لكم أبتعدوا..."، بعدها التقط المسلحون أسلحة الجنود وعادوا أدراجهم..
 أقفلت السيارة عائدة بالغنائم، مخلفة جثث الجنود ومبنى وطقم ما زالت النيران تأتي على ما تبقى منها. وعلى ظهر السيارة التقطت الكاميرا مشهداً "لمقاتلي القاعدة" وهم يضمدون جراح بسيطة على يد أحدهم. حينها ظهر صوت المعلق في تسجيل مرئي، وهو يقول "ويمضي الأبطال ليعيدوا الحقوق إلى أهلها، ويرفعوا الظلم عن المظلومين، ويحكموا الشريعة، وينشروا العدل ويبسطوا الشورى ويصونوا الحرمات، ويحرروا المقدسات محطمين كل القيود..". ثم يظهر أسامة بن لادن في خطابه التبشيري لمدد اليمن: " ونبشركم أن مدد الإسلام قادم، وأن مدد اليمن سيتواصل بإذن الله الواحد الأحد".
 أمس الجمعة، بث تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، فيلماً وثائقياً مدته 31 دقيقة و22 ثانية، تضمن توضيحات وإيحاءات لما يريده التنظيم في اليمن، والعالم. وفي الفيلم قدم التنظيم مجموعة موجهة بعناية من اقتباسات وتصريحات لمسئولين، وحقوقيين، ومواطنين، هدف من خلالها في الوصول إلى تبرير ما قام ويقوم به من عمليات ضد ضباط وجنود ومنشآت أمنية كان نفذها في اليمن، وقام الفيلم بسردها خلال الفترة من 9 رمضان الماضي، وحتى منتصف شوال. وقد تضمن توثيقاً ميدانياً لبعض تلك العمليات وبينها عملية الاقتحام السابقة للنقطة العسكرية في جعار..
 لماذا هذا الفيلم؟
ليست المرة الأولى التي يقوم فيها تنظيم القاعدة بتوثيق عملياته في أشرطة مرئية مسجلة من أرض المعركة مباشرة، ومن ثم نشرها على مواقع الإنترنت. إذ أن التنظيم - قديماً في أفغانستان، وحديثاً في العراق – قد دأب على مثل هذا الأمر. وحتى في اليمن وثقت القاعدة بعض عملياتها في مأرب، وغيرها، وبثتها على الإنترنت. غير أن هذا التسجيل ربما يكون هو الأول من نوعه على هذا النحو المتضمن مونتاجاً إعلامياً حديثاً رتبت فيه العناصر بشكل فلم وثائقي شمل: مقدمة عاطفية مؤدلجة، وجسماً مفصلاً للأحداث يمهد فيه لما يريد أن يصل إليه من أهداف، ورسائل، إلى جانب خاتمة مبرمجة تعزز الفكرة الرئيسية للتسجيل.
 وبشكل أكثر إيجازاً، يمكننا بسهولة بلوغ رسالة التنظيم الرئيسية من هذا العمل على أنها: محاولة تبريرية لاستهدافهم الجنود وضباط الأمن اليمنيين. بما يوحي أنها محاولة لحسم جدلاً ربما ما زال يدور حول شرعية مثل هذا الفعل. يأتي ذلك مع أن تنظيرات أصوليي التنظيم حسمت هذا الأمر في أوقات سابقة، حينما اعتبرتهم عملاء أو يدافعون عن العملاء – من رؤوسا الأنظمة العربية والإسلامية – الذين يتعاملون مع الصليبيين والنصارى قاتلي المسلمين في كل بقاع الأرض. وخلصت فتاويهم إلى أن الواجب الشرعي يأتي بقتلهم بداية وإعتبار أن الجهاد الأكبر بقتل هؤلاء الذين يسمونهم بـ"الطواغيت".
 بل ربما كان الأمر – من زاوية أخرى – عبارة عن محاولة تبريرية أمام المجتمع المتدين، اليمني خصوصاً - والعالمي عموماً، والذي تتوخى القاعدة جعله محايداً في المعركة، إن لم يكن مناصراً أو مؤيداً لما تقوم به. وتتعز مثل هذه المحاولة في التسجيل الجديد عند وصم السلطة اليمنية بأنها ظالمة وقاتلة للأبرياء، ومنتهكة للحقوق وفاسدة، بل وخارجة عن تطبيق الشريعة الإسلامية، ناهيك عن كونها عميلة للغرب الكافر..الخ. فكل ذلك ونحوه، يمكن أن يأتي في سياق المحاولة لتبرير: أن المعركة يجب أن تبدأ داخلية. وعليه فإن من يدافع عن تلك السلطة، من ضباط وجنود، يضعون أنفسهم في طائلة الاستهداف والقتل. على أن الثمرة الأخرى من هذا هي أن: إزالة هؤلاء سيتيح تنمية التنظيم بشرياً وجغرافياً، ليتسنى له الانطلاق إلى تحرير فلسطين. كما يقولون في أدبياتهم، ويتجسد مثل ذلك، في أمكان وأجزاء عدة في التسجيل. بل يمكن القول أن محور الشريط الوثائقي يدور حول هذه المحاولة برمتها. وهذا ما سنحاول هنا توضيحه.
 محتوى الفلم الوثائقي:
الخلاصة التمهيدية الأولى: عدوان لا بد من ردعه
أفتتح التسجيل بقراءة آيات تحث على الدفاع عن المستضعفين، وتحرض على الجهاد والقتال في سبيل الله. بعدها يعرض مجموعة من مقاطع مسجلة مقتبسة من برامج وتقارير إخبارية مختلفة لقنوات فضائية محلية ودولية، اختير منها – على نحو ربما يكون منسجما إلى حد ما – مع ما يؤكد القول أن السلطة القائمة تمارس الظلم والاعتقالات والانتهاكات ضد الشعب المسلم. يعزز ذلك اقتباسات من تصريحات لأعضاء مجلس نواب خلال جلسة برلمانية ركزت على الانتهاكات التي تمارسها السلطة ضد المواطنين، ومداهمات واعتقالات تقوم بها خارج أطر القانون. وأخرى لمواطنين يتحدثون عن مداهمات قوات الأمن لقراهم ومناطقهم واستخدامها القوة القاتلة والمفرطة بالقتل دون هوادة.
 وعطفاً على ماسبق، يدخل المونتاج، صوت المعلق الخارجي وهو يقدم الخلاصة التمهيدية الأولى للرسالة المطلوبة، قائلاً: "حقوق مسلوبة..قهر وظلم..فساد واستبداد..كل ذلك عندما يطغى العدوان على الحق، ولابد للحق من قوة تحميه وتردع هذا العدوان". ليظهر عنوان التسجيل مكتوباً "ردع العدوان"..محدداً فيه الزمن: ذي القعدة 1431 هـ
 الخلاصة التمهيدية الثانية: دور مشبوه للجيش يجب مواجهته
يلي ذلك مباشرة، مقاطع مقتبسة لصور استعراض آليات عسكرية وجنود رسميين يمنيين.. يترافق معها شرحاً توضيحياً للمعلق، يقرر فيه "أن هذه الترسانة العسكرية تدعم وتصرف عليها الأموال الطائلة وتدعم وتدرب من قبل الصليبيين الذين مازالوا يقتلون المسلمين ويحتلون أراضيهم وينهبون ثرواتهم". يتم تعزز ذلك مباشرة بإقتباس تصريحات مسجلة للسفير الأمريكي الجديد "جيرالد فايرستين" وهو يتحدث عن تركيز إدارته على دعم القوات اليمنية لمواجهة تهديد القاعدة في جزيرة العرب. وانسجاما مع ذلك تظهر مباشرة صورة للعميد يحيى محمد عبد الله صالح – أركان حرب الأمن المركزي – ببزته العسكرية ومرافقيه وهو يشير بيده اليسرى إلى مجموعة من الآليات العسكرية في أحد هناجر معسكر ما، قائلاً "هذا كله من عند الأمريكان.." ثم وهو يشير إلى سيارات الهامر الأمريكية الحديثة يواصل القول: " وهذا الهامر من الأمريكان".
 بعدها يظهر تسجيلاً للشيخ أنور العولقي، ليعزز ذلك كله، بالحديث عن آلية تعامل الإدارة الأمريكية مع السلطات اليمنية حول رغبة الأولى في تصفية من تريدهم في اليمن، بدون حاجتها لتقديم الأدلة، مستشهداً بما حدث مؤخراً من قتل عبد الله المحضار في الحوطة بمحافظة شبوة. يأتي ذلك مع عرض لصور المنزل المهدم للمحضار مع صورة جانبية صغيرة له. ثم يظهر تسجيلا مقتبسا من تقرير قناة فضائية لمواطن من المنطقة يتحدث عن 200 طقم عسكري حضروا لمحاصرة المنزل وقتل عبد الله المحضار.
 يعقب ذلك، تصريحات لوزير يمني سابق، اقتبست من مقابلة مع قناة فضائية يمنية خاصة، وهو يستنكر فيها قتل المواطنين خارج القانون بدون محاكمة، متسائلاً: كيف يمكن السماح للآخرين باستخدام طائراتهم لقتل المواطنين اليمنيين؟، ومحذراً من انعكاس مثل ذلك على زيادة نمو القاعدة وكسبها المزيد من الأنصار، وتحولها لتصبح جزء من نسيج اجتماعي كما حصل في أفغانستان.
 تعقبها مقاطع لصور أخرى لما جرى في حوطة شبوة من تدمير واستهداف للمواطنين الآمنين وفقاً لما يرد في التعليق التوضيحي للمعلق الخارجي، وتصريح أحد المواطنين في المنطقة. وعلى النسق ذاته يستغل تنظيم القاعدة تصريحات لمسئول سياسي في المعارضة اقتبست من مؤتمر صحفي أثناء حديثه عن تحول دور الجيش لحماية النظام وقياداته، وإقحامه في القتالات والنزاعات المختلفة التي تدور في البلاد، إلى جانب استخدامه في قمع الشعب.
 ويختتم المعلق هذا الجزء ببلوغه الخلاصة التمهيدية الثانية التي تمهد للرسالة التي أرادها التسجيل، بقوله "ولقد بدا واضحاً أكثر من أي وقت مضى الدور المشبوه الذي تقوم به هذه القوات حتى أصبحت كمثال آخر للجيش الباكستاني العميل الذي يقاتل شعبه في باكستان". وللتعزيز يورد مقاطع مسجلة لتصريحات مشايخ من مأرب حول ما جرى هناك من قبل قوات الأمن. ويتم تعزيز نتيجة هذه الخلاصة بجزء من خطاب للشيخ أيمن الظواهري – المسئول الثاني لتنظيم القاعدة الدولي – وهو يخاطب عاطفة قبائل اليمن "العزيزة الشريفة" ويحثهم على عدم قبول أن تصبح بلادهم مركز إمداد للحملة الصليبية على بلاد المسلمين..
وإذا ما افترضنا أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يعمل بمفرده دون دعم لوجيستي من أي جهة أو طرف سواء داخلي أم خارجي، فإننا هنا علينا أن نجزم أن لدى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحدة رصد وتوثيق متكاملة، ترصد وتوثق كل ما يدور في القنوات الفضائية حول اليمن من تصريحات ومؤتمرات صحفية لمسئولين ومعارضين ومتذمرين. كما أن لديها كاميرات ووحدة إنتاج حديثة متكاملة وفنيين وخبراء يعملون عليها. وهو أمر ربما من المسلمات القول به، إلا أن السؤال هنا يبقى: حول قدراتهم في الوصول إلى بعض تلك التسجيلات التي عرضت في الفلم بينما أنها لم تنشر على الملا بواسطة الإعلام..!
 الخلاصة التمهيدية الثالثة: طغيان أدى إلى مواجهة وانتقام
إن ما سبق تقديمه خلال مدة اقتربت من نصف مدة الشريط، لم يكن أكثر من مقدمات وأجزاء تمهيدية مهمة لما أراد التنظيم أن يقوله ويؤكده. وما بعد ذلك يفترض أنه سيكون مبرراً لما حدث لاحقاً من انتفاضة للقاعدة في المناطق الجنوبية من البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية..
 لهذا الجزء، يمهد التسجيل، لما أقدم عليه من تكثيف للاغتيالات وعمليات الاقتحام والقتل الأخرى التي طالت ضباطاً وجنوداً يمنيين مسلمين، بذكر ما يعتقد أنه السبب الأعظم. ذلك أنه أعتبر أن النقطة التحولية الفاصلة جاءت بعد أن أقدمت قوات الأمن في التاسع من رمضان الماضي بحملة عسكرية إلى مدينة لودر – محافظة أبين، ضد معاقل التنظيم. غير أن المعلق يصف تلك الحملة أنها نفذت ضد المواطنين في المنطقة.
 من هذه النقطة الفاصلة، سيمكننا ملاحظة أن التنظيم استغنى كلياً عن الاقتباسات الأخرى، مكتفياً بما تلتقطه وتوثقه عدسات كاميراته. حيث يتضح من التسجيل أنه قام بجولة صحفية حول المنطقة (لودر)، ربما لم يستطع أحد من الصحفيين القيام بها هناك، وقام بتصوير وتوثيق الدمار الذي لحق بالمنطقة، مع أخذ تصريحات من المواطنين حول خلفية ما حدث. ليس هذا فقط، بل إنه قام بأخذ تصريحات من قياديين في التنظيم يشرحون الدرس الذي لقنوه لقوات الأمن ويهددون بالمزيد. وهو يقوم بكل ذلك، كان يعمل على تمويه وإخفاء وجوه كل من أدلى بتصريح أو توجهت عدسة الكاميرا نحوه، سواء أولئك الذين كانوا يتحدثون باسم أنهم مواطنين أم أولئك الذين تحدثوا باسم تنظيم القاعدة.
 على أن هذا قد يؤكد أمراً ما يتركز حول حقيقة أن تنظيم القاعدة يسيطر فعلياً على تلك المنطقة، الأمر الذي يتضح من حرية تحركاتهم هناك دون أي خوف من مضايقات، حيث أظهرت الكاميرا مجموعة ملثمين حاملين أسلحتهم بين قاعد ووافق، يكبرون ويتحدثون عن تكبيدهم الجيش خسائر فادحة بالأرواح والعتاد. والأهم هنا أن بعض من وقف منهم متحدثا أمام الكاميرا لم يكونوا ملثمين غير أن المونتاج عمل على إخفاء وجوههم. والمعنى هنا أنهم لم يكونوا حريصين على إخفاء هويتهم أمام عدسة كاميرا (صديقة). أضف إلى ذلك، أن مضمون تلك الأحاديث التي أدلى بها بعض من يفترض أنهم مواطنون عاديون هناك (تحت أسم شهود عيان)، أشاروا فيها للبطولات التي واجه بها أعضاء تنظيم القاعدة لتلك الحملة الأمنية، مكللة بدعوات النصر لهم من رب العالمين..!
ظلت الكاميرا تجول كثيراً هناك، حتى أنها سجلت جلسة زامل خاصة لمسلحي القاعدة بينما كانوا يجلسون مع أسلحتهم على الأرض على شكل حلقة وهم يرددون الزامل خلف منشدهم. "وراحوا يحدون، ويتذاكرون النصر الذي حباهم الله" بحسب ما جاء على لسان المعلق الخارجي. لقد كانت لهجة بعض المتحدثين تشي بأنهم من خارج المنطقة. ربما هي أقرب إلى لهجة معروفة يتسم بها أعضاء تنظيم القاعدة القادمين من خارج اليمن.
 إن الخلاصة التي قالها المعلق هنا، بلغت الهدف والرسالة المهمة التي أراد التنظيم قولها بعد ذلك كله: "فلم يسكت المجاهدون على هذا الظلم، ولم يقعدوا مكتوفي الأيدي، ودافعوا عن أعراض الناس وبيوتهم، وقاموا بما أوجبه الله عليهم من دفع الصائل المعتدي على الدين والحرمات..". وهنا جاءت الصورة لتعزز ما قاموا به بعرض أطقم عسكرية ومصفحات محترقة، وجثث مكومة لجنود متفحمين ومجندلين على الأرض بملابسهم العسكرية..
 ومن هنا فصاعداً، سينتقل الفلم الوثائقي إلى نقطة فاصلة، ليكتفي بتقديم شروحاً وعروضاً لبطولات المجاهدين، رداً على ما أفترض أن يكون عدواناً – بحسب وصفهم – على المواطنين الأبرياء وحرماتهم. ويمكننا في السياق ملاحظة ذلك من خلال محاولة تكريس فكرة أن ما حدث وسيحدث لاحقاً بعد 9 رمضان، ما هو إلا رداً على ما قامت به السلطة، وردعاً لعدوانها. 
ولقد بدأ معلق الفلم، يتحدث عن ذلك، قائلاً: "وأنتفض جند اليمن في جميع الولايات منقضين على أوكار العدو العميل..". أما الحصيلة التي جاءت بعد ذلك، فتم تقديمها بالتفصيل منذ تلك النقطة الفاصلة (من التاسع من رمضان) وحتى 16 شوال. وهي على النحو التالي:-
-     في صعدة: أسر نائب مدير الأمن السياسي علي محمد صلاح الحسام.
-     في مأرب: اغتيال نائب مدير البحث محمد فارع، وهجوم بقذائف الـ (أر بي جي) والأسلحة الخفيفة على مقر القيادة العسكرية داخل المجمع الحكومي، وهجوم على نقطة عسكرية للجيش.
-     في شبوة: تدمير طقم للأمن المركزي في مدينة "عتق "، وتفجير أنبوب الغاز التابع لشركة توتال الممتد إلى ميناء بلحاف.
-     في لحج: استهداف مبنى الأمن السياسي في الحوطة ومقتل 8 من الضباط والجنود، اغتيال القائم بأعمال نائب مدير الأمن السياسي ومدير التحقيقات العقيد علي عبد الكريم البان، وتفجير في مبنى الأمن العام في مدينة الحوطة بعبوتين ناسفتين.
-     في أبين: تفجير عبوة ناسفة على عربة عسكرية للأمن المركزي، الهجوم على عربة عسكرية وقتل من فيها وغنيمة أسلحتهم، وكمين على عربة عسكرية وقتل جندي وإصابة آخر. وفي مدينة جعار: اقتحام نقطة عسكرية وإحراقها كاملة وغنيمة الأسلحة.
-     في صنعاء: كمين على حافلة للأمن السياسي وقتل 14 ضابط فيها من الأمن السياسي شعبة مكافحة الإرهاب وإصابة آخرين.
  استعراض للقوة:
بعد كل تلك المقدمات والتمهيدات التبريرية التي قدمها التسجيل، ربما أنه بات مطمئناً لعرض عملياته القتالية وبطولاته لقتل الجنود والضباط، دون أن يخالجه شكا أو شعورا بأن أحداً يمكنه أن يحمل في نفسه السوية عتاباً أو لوماً أو ربما إستنكاراً، لشهيته المفتوحة على إزهاق الأرواح ورؤية الدماء وجثث الجنود المتفحمة، واستعراضاته المختلفة في ذلك كله باعتبارها بطولات لا ثلمات يمكن أن تأخذ على انحراف مسار الجهاد وتشويه أهدافه ومبادئه الإسلامية السامية والسمحة.
 ففي التسجيل يظهر مجموعة مسلحين ملثمين وهم يجلسون حول قائدهم الذي يلقي عليهم توجيهات ويحرضهم على قتال "هؤلاء الطواغيت لأخذ الثأر لإخوانهم وأخواتهم الذين أهينوا من هؤلاء المرتدين". ويقرر دون هوادة: أن أفضل جهاد اليوم هو "جهاد هؤلاء الطواغيت".
 تتواصل الصورة، وقائدهم ممسكاً بعصا صغيرة يخط بها على الأرض شارحاً المخطط القادم لاستهداف جنود في إحدى النقاط العسكرية في جعار. يتواصل التوثيق الميداني، عارضاً تفاصيل العملية من خلف تلة صغيرة وأشجار، حينما بداءو بالتنفيذ. سيل من الرصاص باتجاه النقطة التي لم يظهرها التوثيق واكتفى بإظهار أربعة مسلحين يتناوبون على إطلاق الرصاص الغزير على الهدف لفترة طويلة. تلاها مباشرة عرض توثيقي لعملية استهداف أخرى لطقم عسكري بعبوتين ناسفتين، بجعار. بعد إنفجارين متعاقبين شوهد الدخان وهو يتصاعد في الهواء. ثم ينتقل الفلم ليستعرض تلك العملية الكبيرة التي أوردناها في المقدمة (الاقتحام الذي نفذ على نقطة عسكرية في جعار وإحراقها كاملة بالياتها وقتل جنودها وغنم أسلحتهم..)
 الخاتمة: فلسطين.. نحن قادمون..
الشريط لم ينته بعد، إذ لا بد له من نهاية عاطفية مؤثرة. كان صوت "أبو هاجر عبد العزيز المقرن" يرتفع حاداً من خطبة تحريضية على القتال والبطولة. ولقد ظلت الكاميرا تواصل توثيق عودة الحملة إلى مكامنها في الجبال البعيدة، وفي الفضاء كانت تتناوب خلفية مكثفة من الزوامل تحث على النهوض والجهاد والصحوة بينما كانت الكاميرا مصوبة على سيارات الشبح والحبة - بدون أرقام - وهي تمخر طريقها بين الوديان الوعرة المحاطة بالجبال القاسية، وعليها مجموعة من المسلحين يحملون راية سوداء كتب عليها بخط أبيض كبير:"لا إله إلا الله" وفي الدائرة البيضاء في منتصفها كتب بداخلها: "محمد رسول الله". كان الركب يمضي وهم يرددون كلمات الزامل: "اصحى يا مسلم لا تغفل، فلدينا بشرى نبوية..أن فلسطين ستتحرر..والبشرى بشرى يمنية..سنهب اسودا وسنثأر.. ثورة من أبين عدنية..".
 وفي منطقة وعرة كان في استقبالهم مجموعة من المسلحين بعضهم كان يلبس الفانلة العسكرية المموهة، حيث يختتم المشهد بإبراز حديث الرسول "يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم) مكتوب باللغتين العربية والإنجليزية.
 وقبل أن يتوقف الفلم عن الحركة معلناً نهايته تبرز هذه العبارة: قادمون يا أقصى، مع ترجمة لها بالإنجليزية: Aqsa, We are Coming
انتهى الفلم. لكن علامات الاستفهام حلت مكانه: هل فعلاً، نجحت القاعدة في توصيل رسائلها بالشكل المطلوب؟ أم أنها عززت فكرة شهيتها المفتوحة على الدماء والجثث والدمار، وخدمة ما تسميهم بالصليبين والطواغيت؟
---------------------------
نشر في المصدر أونلاين بتاريخ 2010-11-12

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق