الاثنين، 24 سبتمبر 2007

في ذكراها الـ(45) .. أهداف الثورة اليمنية وتقييم خط توجهها الثوري


ضد الظلم والقهر والاستبداد، قامت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م. وضد الظلم والقهر والاستبداد في أي مكان وزمان تقوم الثورات الشعبية.

لـ 45 عاما خلت تطورت الحضارة العمرانية بشكل كبير ومعها تطورت المفاهيم ربما بشكل أكبر. فالظلم الذي كان قبل 45 عاما يقوم به حاكم مطلق يحبس ويقتل وينكل لأتفه الأسباب أو بدونها أحياناً، تطور هو أيضاً ضمن سياقه التاريخي التقدمي.. بل أن الأنكى في هذا الأخير أنه يتم في ظل وجود قوانين وتشريعات يفترض أنه تم صياغتها للتخلص منه أو حتى التقليل منه. كما أن الاستبداد الذي كان نموذجاً لواقع الحال المعاش في أغلبه تحت سلاح سلطة أحتلالية جبرية خارجية تحاول الحفاظ به على بقائها، أم داخلية تجهيلية تقمع كل ما من شأنه أن يفضي الى إزاحتها.. هو الآخر تطور ليصبح مقتصراً -في الغالب- على الداخل، وإن تلبس – أحيانا- لباس الحرية والتقدمية، غير أنه أنتقل من مرحلة الفوضى الى مرحلة التنظيم المقيت والأكثر قهراً.

نجاح الثورات ليس فقط مجرد تنفيذ المرحلة الأولى منه وهو الانقلاب على الظالم المستبد فرداً كان أو أسرة أو نظام.. بل يحكم على نجاح هذه الثورة أم تلك بتحقيق الأهداف التي قامت على أساسها هذه الثورة وهو ما يسميه المفكر العربي مالك بن نبي بـ"خط التوجه الثوري" أي السير في اتجاه ما بعد الثورة وتحقيق أهدافها.
والثورة اليمنية التي قامت قبل (45) عاما على يد مجموعة متنورة من الثوار الأحرار قامت لتحقيق ستة أهداف سميت بأهداف ومبادئ ثورة الـ 26 من سبتمبر المجيدة. وإذا ما أردنا محاكمة تلك الأهداف والمبادئ للواقع اليمني بعد هذه المدة الطويلة فلن تسعفنا فترة ما بعد الثورة على مدى عقدين من الزمن لتكوين حكم منطقي عليها بسبب الاضطرابات التي لحقت بها طوال تلك المدة والتي تعاقب عليها خمسة رؤساء بعضهم لم تتجاوز فترة رئاستهم أيام والبعض أشهر ومنهم سنوات.. غير أن ما بعد تلك الفترة وحتى الآن هي المدى التي يمكن أحالة أهداف الثورة إليها لإدراك مدى تحققها أو جزء منها من عدمه لنستطيع الوصول الى تكوين راي أولي يساعدنا في الحكم على نجاح الثورة من عدمه أخذا بالقياس لخط مسارها وتوجهها الثوري الذي قامت من أجله بداية.

إن قراءة أهداف الثورة الستة وربطها بالواقع المعاش اليوم بشكل دقيق وبعيدا عن المجاملات ذات الطابع الوظائفي والتزلفي الذي يعد من أهم أسباب تقوقعنا في دائرة التخلف عن ركب دول مجاورة وغير مجاورة سبقتنا بأشهر أو سنوات، وبعضها تبعتنا بأشهر أو سنوات.. لوجدنا أن تلك الأهداف الستة ما زالت بحاجة الى جهد شعبي لفرض تنفيذ ما هو تحت الاستطاعة في الوقت الحالي.

قد تتباين الآراء حول مدى تحقق بعض تلك الأهداف بين يمني وآخر، ويظل هذا التفاوت محكوما بالفعل السياسي المسيطر بين السلطة والمعارضة. غير أن المراقب الخارجي للأوضاع اليمنية لاسيما أولئك الذين تفرض عليهم رقابتهم لهذه الأوضاع تقديم مصلحة للبلاد كالمساعدات والمنح والقروض حينما يرتبط هذا الأمر بعمل إصلاحات مشروطة.. حتما سيكون لهذا المراقب – في الغالب - تقييمه العادل، وإن كان هناك تفاوت أيضاً من جهة الى أخرى إذا ما وضعنا في الحسبان قضية تبادل المصالح التي لكل طرف فيها طريقته في الحساب ومراعاة النتائج.
وسيكون من الظلم والإجحاف القول أن اليمن لم تحقق إنجازات مشهودة طوال هذه المدة في مختلف ألأصعدة. غير أن هناك من يعتبر أن هذا التطور هو أقل بكثير مما يجب أن يكون في سياق الفترة التاريخية التطورية التي شهدها العالم  خلال النصف القرن الأخير. وأن أي نظام آخر توفرت له الظروف التي توفرت لهذا النظام، ربما كان - بوطنية مناسبة – سيقدم أكثر مما قدم للبلاد خلال هذه الفترة التي تطاول عمر جيل.

 الهدف الأول .. إزالة أم تكريس الفوارق الطبقية 
وحتى نكون دقيقين علينا أن نشير الى أهداف الثورة الستة هدفا هدفا للوصول الى معرفة نسبة نجاح الثورة قياساً بخط توجهها الثوري..  

بالنسبة للهدف الأول وهو "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات". تشير التقارير الى نسبة نجاح لا بأس بها بالنسبة للشق الأول من الهدف، لكن معظم تلك التقارير تؤكد تحول البلاد الى فرض مزيد من الفوارق والامتيازات بين الطبقات، وتقول أن حوالي(10%) من الشعب يحصل على (80%) من الثروة. بينما يتصارع الـ(90%) على النسبة المتبقية من الثروة وهي(20%). ويتضح هذا الأمر جلياً من خلال الفرز الموجود في سلم وظائف الدولة حيث يزداد الأغنياء تصاعدياً من فوق درجة و كيل وزارة. بينما يزداد الفقراء تنازليا من عند نفس الدرجة. بل أن الأشد وضوحاً هو الفرز الجغرافي لهذه الفوارق والامتيازات الطبقية مثلا بين صنعاء والحديدة أو بين صنعاء ومناطق أخرى مثل أبين ولحج وغيرها..
  الهدف الثاني.. بناء جيش لحماية مكاسب الثورة أم لحماية النظام  
يؤكد الهدف الثاني على "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها ".
والواقع أن الجيش اليمني يتم بنائه بعيدا عن الوطنية التي يعنى بها الولاء للوطن..!! ومن عاما الى آخر يتضح أن كافة مؤسسات الجيش تتحول الى مؤسسات أسرية تسيطر عليها قيادات أسرية/عصبوية/قبلية. وهي بذلك تنحرف عن هدف الثورة لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها الى حماية أسرة واحدة وحراسة مكاسبها. وقد أصبح اليوم لا يخفى على أحد أن كافة مفاصل القوات المسلحة والأمن الإستراتيجية الهامة  يقف على رأسها أحد أبناء الرئيس أو أبناء عمومته أو أولاد أبناء عمومته أو أحد أفراد الأسرة وصولا الى المنطقة والقبيلة. بل أن الرئيس نفسه كلما شعر بخطر الشعب تجاه سياسة حكومته ونظامه يلجأ الى تثوير وتحريض هذه المؤسسات ضد الشعب والأحزاب والصحافة. والتي كان أخرها الخطاب الذي ألقاه قبل أسابيع في إحدى الكليات العسكرية وحرض فيه المؤسسة العسكرية ضد المعارضة بشكل واضح.
 الهدف الثالث .. رفع مستوى الشعب اقتصاديا .. الخ
يسعى الهدف الثالث من أهداف الثورة المجيدة الى "رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً وثقافيا".
أياً كانت الأسباب فالسير بعكس هذا الهدف  هو الواقع الذي تعيشه البلاد، سيما الجانب الاقتصادي ويمكن أن يكون الجانب الثقافي أيضاً ولكن بنسبة محددة. ونشير هنا الى آخر تقرير أمريكي صدر حديثاً عن الكونجرس الأمريكي، وهو بصدد مناقشته تقديم دعم لليمن عبر صندوق تحدي الألفية.. يشير التقرير الى اليمن قائلا "..  بمصادرها الطبيعية المحدودة، ونسبة الأمية الكبيرة، والنمو السكاني المرتفع، تواجه اليمن مصفوفة تحديات تنمية مرعبة، فبعض المراقبين يعتقدون أنها واقعة تحت خطر أن تصبح دولة فاشلة في العقود القليلة القادمة. ويضيف التقرير"..حالياً، هي مصنفة في المرتبة 151 بين 177 بلدا في دليل الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية، وهي مرتبة قريبة من أفقر البلدان الصحراوية الأفريقية، إذ أن أكثر من 43 % من السكان يعيشون دون خط الفقر.."..!! أما بالنسبة للجانب الثقافي يمضي التقرير قائلا "..في اليمن تصل نسبة المتعلمين الى 49 % للذكور و33 % للإناث. وطبقاً لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن ثلث الأطفال اليمنيين لا يذهبون المدرسة الابتدائية، وسيصل الاحتياج الى أكثر من عشرة آلاف مدرسة جديدة في السنوات القادمة فقط.."..!!.

بهذا الخصوص قد يكون ماتحقق مناسباً، غير أن الحديث عن مثل هذه الفوارق في التعليم ينسب غالباً للدول المتخلفة جداً إذ أن الحديث عن ضعف التعليم هذه الأيام يعد من الأمور المهينة في العالم..!! في وقت يتحدث فيه العالم عن محو في أمية الحواسب الألية.
 الهدف الرابع .. إنشاء مجتمع ديمقراطي..
يتجه هذا الهدف نحو "إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف".

لن نتمدد كثيرا في هذه النقطة بحكم غياب توفرها فعلياً وليس نظرياً. برغم ما يشار الى أن بلادنا تعد البلد الديمقراطي من بين دول المنطقة المجاورة. سنشير هنا الى ما استخلصته الباحثة الأسترالية سارة فليبس في تقريرها الأخير المقدم الى مؤسسة "كارنيغي" في فبراير 2007م، حول تقييم الإصلاح السياسي في اليمن.. وخلصت فليبس الى أن "التغييرات التي تحققت في اليمن منذ العام 1990، لا تمثل عملية انتقال واضحة وصريحة نحو الديمقراطية، إلا أنها تتضمن عناصر من أنماط متعددة وعريضة مماثلة لها من التغيرات السياسية في العالم العربي، حيث تتسنى فرص مفتوحة وتعددية تبقى تحت السيطرة، وأنظمة يواصل تحملها، وكل هذه الأنماط تكون بمثابة عمليات مترابطة، وحيث غالباً ما تعقب فترات تخفيف حدة السيطرة، فترات من قمع الحريات..".

 وكما تحدثت بعض التقارير الدولية عن الديمقراطية اليمنية بشكل جيد قصد به التشجيع لاستمرارها على ما هي عليه من تخلف.. إلا أن الكثير من تلك التقارير أيضا أنتقد بوضوح هذه الديمقراطية ووصفها بالضعيفة وأتهمها بأنها فقط مستمرة بضغوط دولية بغرض التحصل على المساعدات التي تقدم للدول التي تقدم إصلاحات في الجانب الديمقراطي.

وأي يكن الأمر فإن الديمقراطية في بلادنا لا يمكن تجاهل وجودها لكن مع وجود تلك الممارسات    
 التي تشوهها وغالبا ما تنتج من قلق النظام على فقدان السيطرة عليها والخروج من خلالها الى خارج السلطة.
 الهدف الخامس.. الوحدة الوطنية
يتجه الهدف لـ"العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة".

ربما كان ت الجزء الأول من هذا الهدف هو الذي تحقق بشكل واضح وعكس ما يمكن الافتخار به بين العالم. غير أن الممارسات المتهورة والخاطئة منذ ما بعد حرب صيف 1994م، أوصلت هذا الهدف وبعد (17) عاما من الوحدة، الى أن يصبح مهدداً ويخشى على ثباته واستمراره بعد الأحداث الأخيرة وظهور أصوات جنوبية تنادي بالانفصال. الأمر الذي يعيد الحديث عن مدى استقرار الوحدة بعد أن كان الحديث عن ذلك من المحرمات. وبعيداً عن أسلوب التخوين والتخويف وكيل الاتهامات فالأمر قد تعاظم وأصبح يستحق النقاش وتصحيح ألأخطاء التي تطال الوحدة من أي طرف كان. وليس هناك طرف معصوم حتى وإن كان يمارس الخروقات الوحدوية بشكل غير مباشر. وطرف آخر تكال اليه الاتهامات دائماٍ حتى وإن كان يتحدث ويطالب بحقائق أعترف بها مؤخرا بعض أقوياء النظام.

وبوجه عام فإن هذا الهدف السامي المتحقق من أهداف الثورة مهدد بأن يتحول الى هدف يسعى لتحقيقه مرة أخرى إذا لم تتصرف الحكومة بعقلانية وتوازن بعيداً عن التحدي وأسلوب القوة والجبر والقهر والاستبداد الظالم.
  الهدف السادس.. احترام المواثيق الدولية..    
يعد هذا الهدف هو الأخير من أهداف الثورة السبتمبرية المجيدة، وهو أيضا من أطول الأهداف صياغة وأصعبها تحقيقاً. يدعو الهدف الى " احترام مواثيق ألأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الايجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم".

غالباً ما توصف بلادنا بأنها من أكثر البلدان مصادقة على المواثيق والعهود الدولية، لكنها من أقل البلدان عملا بها. تكاد تسمه هذه العبارة في كل مؤتمر أو ندوة تتحدث عن حقوق الإنسان والحرية العامة وحرية الرأي والتعبير والمرأة والطفولة ووو.. ألخ.

وهنا نضرب مثلا بسيطاً، حول قانون الصحافة النافذ أو مشروع القانون الجديد.. أظهر بعض القانونيين مخالفات عديدة لموادهما تتعارض مع بعض تلك المواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها بلادنا. ولن نطيل كثرا في هذا الجانب ويكفي لمن يريد المواصلة أن يطلع على مواد القوانين اليمنية ويقارنها مع تلك العهود والمواثيق. ومدى تطبيقها واحترامها على أرض الواقع.   

أما بالنسبة لمبدأ الحياد الايجابي، فإن السياسية الخارجية لبلادنا أنهكت اقتصادنا بسبب عدم السير على هدى هذا المبدأ في كثير من الأحيان. وهي حتى ألآن تعمل جاهدة على ترميم وترقيع بعض تلك السياسات المتهورة التي تم اتخاذها على مبدأ المحابة والمجاملة والصداقات الثنائية..!!

ولعل الشطر ألأخير من هذا الهدف هو الشيء الوحيد الذي تحشر بلادنا أنفها فيه حتى وإن تقدم نفسها مسخرة للعالم. مثل تقديمها مبادرات دولية لإصلاح الأمم المتحدة والجامعة العربية، القوانين النووية والمصالحات بين المتحاربين وغيرها من الأمور التي تسعى بلادنا من خلالها الى تحقيق هذا الهدف من خلال أقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم. 
  وأخيرا.. ضرورة تقييم خط التوجه الثوري
تلك هي أهداف ومبادئ ثورة 26 سبتمبر.. نجد في كل واحد منها اختلالات تنفيذية تدعونا الى مراجعة ما يمكن وصفه بنجاح الثورة اليمنية ضد الظلم والقهر والاستبداد وتبعاتها من مخلفات الأمامية البائدة. وينطلق حكمنا هذا على قاعدة النظر في "خط التوجه الثوري" للمفكر مالك بن نبي. الذي يفرض على الشعوب متابعة ومراقبة هذا الخط من الانحرافات التي قد تطاله أثناء السير في طريق ما بعد الثورة. وهذا ما نحن اليوم بحاجة ماسة اليه تقييما وتجذيراً لبناء الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون.

--------------------
سبتمبر 2007


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق