الأحد، 30 سبتمبر 2007

لا وقت للتلاعب بمصير البلاد


هكذا دائماً.. كلما حاول المجتمع السياسي اليمني بلوغ أجزاء مهمة – ولو كانت بسيطة- لحلحلة أوضاعه السياسية المقلقة.. يكون هناك دائما تصرفات تراجعية ينتجها الطرف المتخوف من تلك الإصلاحات السياسية.
الوقت المتبقي لإنقاذ البلاد -اليوم- لا يساعد على التلاعب وانتهاج سياسة المواربة واللف والدوران. البلاد اليوم في مفترق طرق.. إما التغيير عبر مزيد من تكثيف الثورات السلمية، أو الرضوخ لتنفيذ إصلاح سياسي توافقي ينقذ البلاد من انفجار تبدو مقدماته خطيرة ونتائجه كارثية..!!
اليوم لم تعد الحذلقة السياسية -التي دأبت على انتهاجها السلطة- مفيدة كما كانت قبل أن تسوء الأوضاع في كافة مناحي الحياة الداخلية والخارجية.. فلم يعد من الحصافة السياسية اليوم مثلا : الدعوة إلى حوار يتم التوقيع على مبادئه من قبل الأحزاب السياسية والسلطة، ثم تفرض شروطه ومواده من الأعلى على الجميع..!!
مبادئ الحوار التي اتفقت ووقعت عليها الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، وأمين عام المؤتمر في يونيو الماضي يجب الالتزام بها من قبل الجميع وهو ما كان يفترض قبل إطلاق أية مبادرة ( تعديلات دستورية وقانونية ) عبر الصحافة والأعلام، دون أن يتم التشاور بشأنها أو الموافقة عليها من قبل كافة الأحزاب الموقعة على مبادئ الحوار التي تنص على هذا الأمر.
واليوم توجب السياسة الحكيمة وليست المتهورة، لجم جماح "التوسيح" اللاقانوني للصحافة الحكومية. على الأقل يجب ذلك من باب إشعار الآخرين بحسن نية محاولة "تطبيق القانون" الذي يفرض على مؤسسات الأعلام الحكومية تمثل موقف "الحياد"، ناهيك عن ضرورة تخليها عن الكذب والافتراء المحرم شرعاً وقانوناً.
اليوم.. ليس من النباهة أن تطبل وسائل الإعلام الحكومية لتوسيع رقعة الخرق أو العمل كـ"زيت" تزيد من نار الأشتعالات والأحتقانات..!! بل على العكس يفترض عليها أن تعمل كـ"ماء" يطفي تلك الأشتعالات. وما تفرضه السياسة الحكيمة اليوم أن تخبر رؤساء ومحرري تلك الوسائل - الذين يستلمون مخصصاتهم ومكافئاتهم المبالغ بها من قوت الشعب المغلوب على أمره – أن التقرب لرأس النظام بهذه القرابين الزائفة.. ليس هذا هو التوقيت المناسب له اليوم. ذلك وإن ليس أخذاً بالاعتبار ردة الفعل الغاضبة للشعب، بل على الأقل احتراما لمسمياتها(الثورة، الجمهورية، 22 مايو، 14 أكتوبر،26 سبتمبر..) التي حلت وتحل ذكراها علينا هذه الأيام. أما إن كان الأمر مرتبط بتقديس النظام القائم على حساب عظمة الثورة (التي جاءت لتقضي على الاستبداد وتغيير مفهوم تقديس الفرد والأسرة، إلى الجمهورية ورأي الشعب )، فإن الأمر بحاجة إلى إعادة نظر يشترك فيها كافة أفراد الشعب "سلمياً"، إن لم يكن هناك إنصاف عبر القانون.
قد يكون نظام اليوم متيقناً تمام اليقين أن لا مخرج لهذه الأزمات المتلاحقة إلا بالحوار الذي يفضي إلى تنفيذ إصلاحات حقيقية على أرض الواقع من شانها إعادة الثقة بينه والشعب.. غير أن طبعه المتقلب نتيجة تخوفه من زوال الامتيازات غير المشروعة التي يهبها لنفسه.. قد تكون سبباً رئيسياً في تصرفاته غير المعقولة، والتي قد تقود إلى ذات النتيجة التي يتخوف منها لكن مع دفع الثمن غالياً من قبل الوطن والشعب.
إن رفض أحزاب المشترك اللقاء برئيس الجمهورية – الاثنين الماضي – لم يكن هدفه الأساس رفض دعوة الرئيس، لوضعه في صورة الأزمة لوحدة، بل كما أكد بيان المشترك بأن هدف ذلك هو فرض احترام الحوار ومبادئه التي تم التوقيع عليها مسبقاً في يونيو الماضي. وحين أدرك المشترك اللعبة التي حاولت أطراف في السلطة فرضها عليه بتحويل اللقاء الودي الذي دعا إليه الرئيس إلى لقاء حوار مفتوح.. توجب على أحزاب المشترك رفض الدعوة احتراما للحوار ومبادئه.. من حيث الالتزام بشفافية الاتفاقات ووضوح الدعوة إليها مسبقاً حتى لا تنكسر الجرة من جديد، وتلام المعارضة – كما هي طبيعة النظام بتوجيه الاتهامات – وسيقال أن المعارضة كانت السبب في فشل الحوار.
إن ظروف اليوم توجب ضرورة التعامل مع الحوار كضرورة وطنية ليس فقط للخروج من أزمة الاحتقانات والجوع المتكالب على الضعفاء والفقراء اليوم، بل يجب التعامل معه باعتباره ضرورة حقيقية للمستقبل متمثلا مصلحة كافة الأجيال اليمنية القادمة. وليس كما تعكسه حقائق اليوم : أن النظام يسعى لتكسب مكاسب إضافية من هذا الحوار. وقد يبدوا جليا للمتابع أنه نظام يحاول أن يجعل من الحوار تكتيك سياسي يسعى من خلاله إلى قلب المعادلة لمصلحته، في الوقت الذي تأكد أنه متهم عبر سياساته الخاطئة –التي حذرت منها المعارضة مرارا- بقيادة البلاد إلى نفق مظلم بدأ الشعب يلمح مدخله من بعيد.
غير أنه ما زال بيد الحكماء في الحزب الحاكم أن يقدموا نصائحهم لحزبهم، وإن لم يستطيعوا عبر تكويناتهم الداخلية بسبب وجود طبقة مصالحيه سميكة تحول بينهم وبين صانعي القرار، فعليهم توصيل تلك النصائح عبر الصحافة الحرة والمستقلة كما فعل بعض إسلافهم.. وبالإصرار والاستمرار، بعيداً عن اليأس، تخبرنا التجارب أنه لا بد أن ينبلج ضوء الفجر وإن تأخر الليل قليلا.

---------------------
سبتمبر 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق