الخميس، 4 أكتوبر 2007

اليمن .. تحويل النظام



مفارقات ومقاربات في الحلول:

 النظام الرئاسي .. تكريس سيطرة الفرد هروبا من شؤم المستقبل

  المفارقة رقم(1) 
- في نوفمبر 2005م، حين أعلنت أحزاب اللقاء المشترك مشروع الإصلاح الوطني،.. تصدرت وسائل الإعلام الحكومية مع إعلام الحزب الحاكم، حملة اتهامات كبيرة ضد "المشترك" أتهمته بالعمالة للخارج والخيانة الوطنية، وسفهت مشروع الإصلاحات واعتبرته استهدافاً للرئيس.

- اليوم وبعد عامين تقريباً، بلغت تلك الوسائل الإعلامية الحقائق التي كان المشترك ينادي بها، لكن مع إبقاء ذات التهم لصيقة بالمشترك. إذ تقول أن المبادرة التي عرضها الرئيس مطلع الأسبوع قبل الماضي تشابه الى حد كبير مشروع اللقاء المشترك في الإصلاح السياسي (ذلك المشروع الذي سُفه وأتهم بالعمالة والخيانة)..!!

الشاهد أنه وفي كلا الحالتين كان الغرض من تلك الحملات الإعلامية هو استهداف اللقاء المشترك، واعتباره خائنا ويستهدف الرئيس مباشرة.. !! مع فارق أنه في الحالة الأولى : كان خائناً وعميلا إذ بادر وقدم مشروع الإصلاح الوطني والسياسي من جهته. أما في الحالة الثانية: فهو عميل وخائن لأنه رفض دعوة الرئيس لحضور مراسم إعلان مبادرته – الشبيه الى حد ما بمشروع المشترك !! غير أنها هنا  بدت أشبه ما تكون بـ"خواطر رمضانية" حد وصف محمد الصبري – الناطق باسم اللقاء المشترك- في تصريحات لقناة الجزيرة بهذا الشأن.
 المفارقة رقم (2) 
- في نوفمبر 2005م طرح المشترك مشروعه الإصلاحي للحوار والمناقشة. وحينها رفضت دعوته تلك وقال الرئيس ما معناه أنه من حق أي طرف أن يقدم مبادراته للإصلاح السياسي غير انه ليس مفروضاً على المؤتمر "الحاكم" قبولها..!! أو مناقشتها. بمعنى واضح إعلانه رفض الحوار بهذا الشأن.

- أما اليوم فالمفارقة تكمن أن مجرد رفض المشترك لدعوة خرجت عن الاتفاق المسبق لها، جلبت عليه ويلات النظام وتلك التهم المتنوعة، مع أنه هنا لم يرفض الدعوة الى الحوار بل زاد أنه أكد عليه  وأعتبره الطريق الأسلم لمناقشة مثل هذه القضايا. ولذلك أعتبر في بيانه الأخير (الصادر صباح الاثنين الماضي) أن ما جاء في تلك المبادرة الرئاسية "احتوته قضايا مطروحة على أجندة الحوار وقد تم التوقيع عليها في الوثيقة التي أعلنتها الأحزاب وكل وسائل الإعلام في 16 يونيو الماضي".  وأعاد التأكيد على تمسكه بالحوار الجاد والصادق والنزيه وفي إطار القضايا والضوابط التي تم التوقيع عليها, وجدد مواقفه السابقة المطالبة بأن تقدم كل الرؤى والأفكار والمبادرات إلى طاولة الحوار, وانه يتعامل مع ما قدم أو ما سيقدم من ناحية مسئوليته الوطنية واحترام التزاماته ودفاعه عن الحقوق والمطالب الشعبية والجماهيرية.
  المفارقة رقم (3)
- في 16 يونيو 2007م وقعت أحزاب اللقاء المشترك مع الحزب الحاكم ما سمي بـ "وثيقة ضوابط الحوار" كانت خلاصة لاجتماعات مطولة توقفت ثم استأنفت بعد دعوة الرئيس الى استئنافها تحت رعايته الشخصية في خطابه بمناسبة عيد الوحدة الماضي. وفي الاتفاقية الموقع عليها ذكرت كافة بنود الحوار المتفقة، وكان المحور الثاني وهو الضوابط الناظمة للحوار وجاء في البند الأول : تقديم مواضيع وقضايا الحوار المقدمة من أيٍ من أطراف الحوار في وقت مسبق وتحديد ما يتطلب الوقوف عليه في الحوار في كل قضية أو مشروع مقدم سواءً بصورة عامة أو جزء منه يتعلق بجانب معين وإقرار ذلك وتضمينه في جدول الأعمال.

الرئيس الذي وعد برعاية الحوار كان أول المخالفين للاتفاقية إذ قدم مبادرته تلك في 25 من الشهر الماضي، بمخالفة هذه المادة ودون وضع أي اعتبار للعهد والاتفاق المبرم بين الأطراف، فيما كان يتوجب عليه التزام الضابط بتقديم أية مقترحات عبر طاولة الحوار وضمها في جدول ألأعمال..

والمفارقة هنا تكمن بأن الرئيس – الذي خالف ضوابط الحوار بطرح القضايا خارج أطرها المحددة- ليس متهما، بل أنه قدم ثورة من خلال تلك المبادرة..!! بينما أن اللقاء المشترك الذي تمسك بالضوابط ورفض مخالفتها.. متهم برفض الحوار واللا مسئولية. بل أنه وعندما أعلن المشترك حقيقة رفضه تلك الدعوة عبر بيانه الصادر بهذا الخصوص في حينه.. قيل: لماذا لم يحضر ويطرح تلك الحقائق والمبررات عبر طاولة الحوار..!!. والحقيقة أن هذا السؤال كان يجب أن يوجه الى الرئيس وليس الى المشترك. إذ كان يجب على الرئيس أن يمثل القدوة في التزام ضوابط ما يتم التوقيع عليه بين الأحزاب وطرح كافة القضايا والمواضيع التي يريد إدراجها في الحوار ضمن جدول أعمال مسبق بحسب ما نصت عليه أول مادة في تلك الضوابط.
 النتيجة 
- مما سبق يمكننا الوصول الى حقيقة أن: النظام الحاكم بوسائل إعلامه الخاصة(الحزبية) والعامة(التي يفترض أن تكون مملوكة لعامة الشعب) يتعامل مع قضايا الوطن المصيرية بـ"برغماتية" عالية..!! الى جانب انه ليس فقط يتقمص بل ويسعى الى خلق سلوكيات سياسية اجتماعية شاذة في الحياة السياسية تمثلها"الدوغمائية"، و"الديماغوجيا". وهما مصطلحان سياسيان سلبيان تفضل تتعامل بهما الأنظمة الاستبدادية الفردية، أو تلك الأنظمة التي تدعي أنها ديمقراطية لكن تفرض فيها سيطرة الحزب الواحد على مقومات الأمة وتشريعاتها بغرض تطويل أمد بقائه على رأس الحكم.  

- فالدوغمائية وهي كلمة يونانية تعني التأييد الأعمى لمبادئ مذهب أخلاقي ما أو مطالبه, بدون إمعان النظر فيها, ومن دون تفهم قيمتها الاجتماعية ومن دون دراسة الحالة الملموسة ومن دون مراعاة العواقب الاجتماعية التي قد تنجم عنها. وهي الحالة التي يفرضها النظام على الأعلام الحكومي اليومي تحت فعل الارتباط الوظيفي به. ويتجسد ذلك بعدة أمور نستشهد بآخرها هنا حينما أعتبر ذلك الإعلام أم مبادرة الرئيس عبارة عن ثورة إصلاحية. في الوقت الذي أعتبر فيه ذات الأفكار حينما جاءت من المعارضة أنها خيانة وطنية وعمالة للخارج ووو..الخ 
والدوغمائية كظاهرة اجتماعية  تميز بصورة خاصة الأخلاق المسيطرة في المجتمع الاستغلالي والتي تبذل شتى الجهود للتستر على مغزاها الاجتماعي والتي تقف ضد التقدم الاجتماعي والتمويل الثوري للمجتمع.

- أما الديماغوجيا وهي كلمة يونانية تعني شعبا أو قائدا أو سياسيا متلاعبا، وهو مصطلح يدل على التقييم الأخلاقي السلبي لنمط من الأفعال والتصرفات التي تشكل لونا من الرياء والنفاق في السياسة والتي تهدف إلى الاستحواذ على وعي الجمـاهير باسم أغراض أنانية. ومن بين أهدافها خلق الإيمان الكاذب بالإخلاص للشعب. وقد تمثل ذلك بمعظم تصرفات النظام الذي يوقع الاتفاقيات تلو الأخرى مع شركاء العمل السياسي ثم يتلاعب بها إذا ما حصحص الحق أثناء تنفيذها، وهو بأفعاله تلك لا يتوخى مصلحة الوطن بقدر ما يبحث عن مصالحة الأنانية المتمثلة بفئة بعينها على حساب الفئة العظمى من الشعب.
   أساليب ملتوية نتائجها لم تعد مجدية
إن التجارب المجتمعية السياسية تخلص الى أن أمد تلك الأساليب لا يمكن أن يكون طويلا لا سيما في المجتمعات التي تعاني من حقائق اقتصادية متخلفة تمس معيشة غالبية المواطنين. ويزداد الأمر وضوحا حينما تترافق تلك الحقائق مع أخرى تعمل على سلب حق التغيير مع تضييق حق التعبير. وبالمجمل تتكشف الحقائق سريعاً بتعطيل  الحقوق السياسية التي كانت تمثل الأمل بالتغير السلمي نحو الأفضل. فتصبح الممكنات السياسية مستحيلات بفعل تعطيل الأنظمة الحاكمة لآلياتها. وبالتالي تتساوى الخيارات لتصبح شيئا واحد يتجاوز مسميات التقديس أو ما يمكن تسميتها بالخطوط الحمراء. وتتكسر تلك الخطوط تدريجياً في العقل الاجتماعي وتتوسع أكثر كلما ازدادت حدة المواجهة بين تلك الأنظمة وشعوبها.  

- كما إن أسلوب المناورات السياسية عند مفترقات الطرق لن يكون مجدياً على الدوام، سيما إذا لم تفضي تلك المناورات الى مزيد من الوقت لحلحلة المشاكل وليس لتأخير تفاقمها وانفجارها بقوة أكبر مما كانت ستكون عليه من قبل.

حتى أن أسلوب لفت الانتباه من المركز الرئيسي الى الفروع عبر صناعة أحداث جديدة قد تساعد على قلب المعادلة من التركيز على لب المشاكل الى قشورها.. هو الآخر أسلوب ليس من شأنه أن ينجح دائما في الهروب من الالتزامات بشكل نهائي، خصوصاً تلك التي تظل باستمرار على السطح وتمس ثواني ودقائق وساعات غالبية المواطنين.

كما إن الحلول التي تأتي من أجل تسجيل المواقف ضد طرف ما دون وضع الاعتبار لجذور المشكلة وتاريخها ومترتباتها المستقبلية ستكون بمثابة زراعة الألغام في طريق العودة الوحيد.
  جوهر الحل ليس بتغير الشكل
إذا ما انتقلنا هنا الى الحديث عن مبادرة الرئيس التي لم تأت بجديد لم يأت بها مشروع المشترك من حيث الإجمال بعيداً عن التفاصيل التي ربما ستشكل نقاط خلافية إذ ما أدركنا أن القبول بوضع تلك الإصلاحات على طاولة الحوار إنما جاء من كل طرف لتحقيق مصالح بعينها. يتضح من خلال المناورة السياسية الأخيرة أن الحزب الحاكم يسعى من خلال وضع المبادرة الى الهروب من المشاكل التي صنعتها سياساته، مع حرصه الشديد بعدم التنازل عن مصالحة الشخصية التي ظل يبنيها على مدى أكثر من عقد ونصف، حتى وإن كان الحل يكمن أساساً بذلك التخلي.

خطاب الرئيس الذي أعلن فيه مبادرته للإصلاح يفسر نفسه بنفسه، فهو تحدث عن أن موجبات الانتقال الى النظام الرئاسي مؤداها أن تتحول تلك التهم - التي ترمي عليه بأسباب ارتفاع أسعار الطماطم - الى واقع، ويصبح هو المسئول الأول في كل شيء وكل تهمة.. بيد أن الإشكالية الحقيقية ليست بمعرفة من هو المتسبب في ارتفاع الأسعار هل هو الرئيس أم رئيس الوزراء أم وزير الاقتصاد أم التاجر. فهذه المشكلة حلها بسيط جداً وهو تحميل الحزب الذي يحكم تلك المسئولية. وهذا ما يفرضه المنطق وليس أكثر من ذلك ولا أقل. وفي الأنظمة البرلمانية يخضع رئيس الحكومة للمسائلة والذي غالباً ما يكون هو رئيس الحزب الحاكم. بينما في الأنظمة الرئاسية يخضع الرئيس وهو أيضا يكون رئيس الحزب الحاكم. وحتى في النظام المختلط الذي نعيشه يتحمل المسئولية الحزب الذي يحكم. هذه الأمور لا تمثل مشكلة حقيقية مستعصية الفهم. بل أن المشكلة الحقيقية تكمن بالإجراءات التي يجب أن تتخذ بشأن كل متهم سواء الحزب أو الرئيس أو رئيس الوزراء أو أو أو .. الخ. ففي كافة الأنظمة يمكن التملص والتخلص من كل التهم إذا كانت القوانين مجرد عبارات للتفاخر والتطبيق بالمزاج الشخصي أو الحزبي
. إذ لا فائدة من تغيير شكل النظام إذا كانت الثقافة السياسية متخلفة، والقوانين التي بموجبها يجب إحالة الفاسدين والمتلاعبين بمصير الشعب والأمة تحت قبضة رأس النظام. وباختصار شديد: إذا كانت المشكلة تكمن في ثقافة الأشخاص الذين يسيطرون على الحكم، فهل سيكون تغيير شكل النظام حلا؟  


وهنا يمكن التذكير بأن شارون –رئيس وزراء إسرائيل السابق- في نهاية العام 2005م حين أراد أن يحل مشكلته مع الأحزاب فكر في تغيير نظام الحكم الى نظام رئاسي ( إذ – حينها- أكد مصدر مقرب من شارون أنه معني بتطبيق نظام الحكم الرئاسي من اجل تقليص قوة الأحزاب السياسية. وقال المصدر أن شارون معني بالنظام الرئاسي لتخفيف وطأة القيود التي يفرضها البرلمان على قيادة الدولة).

وقياسا على ما سبق فإنه وعلى أرض الواقع، ما الذي سيفيد في حل مشكلة الجنوب –مثلاً- حينما يتحول النظام الى رئاسي؟ لا شيء. لأن المشكلة حلها هنا يتطلب عملا تنفيذيا يبدأ بإزالة آثار حرب 94م وليس بتغير شكل النظام..!!

إذا نستطيع القول أن أهم نقاط الخلاف في تلك المبادرة إنما جاءت لتحل مشكلة الرئيس مع حزبه وليست حلا لمشاكل الوطن المتزايدة بفعل سياسات تزايد الخطأ.!! ربما بصورة أوضح يمكن القول أن المشكلة الأساسية هي عدم وجود نظام كلي للبلاد. وبالتالي فإن ما يمهد له سيكون عبارة عن انتقال اللا نظام الى لا نظام آخر.

وعلى ذلك فإن الحل الأفضل الذي كان يتوجب المضي فيه توافقاً يتمثل أولا السير في بناء نظام برلماني حقيقي لتظهير صورة الديمقراطية أولاً ونقلها من "المزحة" السياسية الى "الفعل" السياسي عبر الفصل بين السلطات والاحتكام الى الشرعية الدستورية والقوانين النافذة فعلا لا تمثيلاً. ومن ثم وبعد ترسيخ ثقافة القانون وتظهير الديمقراطية بصورتها الحقيقية يمكن بعدها الحديث عن تغير شكل نظام الحكم كحل لابد منه لمواجهة الإشكاليات الجزئية التي تنجم تراتبية النظام البرلماني وتداخلاته. إن الحقيقة التي يعدمها بعض المهرولين تؤكد أن نظام الحكم الرئاسي لا يصلح أن يكون مثالا فعالا للديمقراطيات الناشئة ناهيك عن الديمقراطيات الكاذبة.

فالنظام الرئاسي لا يمكن أن ينجح إلا  في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكامله والتي يكون فيها مستوى النضوج والوعي السياسيين عالياً. (. ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغير الديمقراطي في الوطن العربي، بيروت، مركز الدراسات الوحدة العربية،1997).

ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون التغير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية. (يحيى الجمل،1984، 363).
 ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.
   النظام الأمريكي في واقع متخلف
دائما ما يضرب المثل بنجاح الأنظمة الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية. غير أن هذا القياس لا يستقيم دون النظر الى التجربة الأمريكية تاريخيا وثقافياً. وكما أشرنا مسبقا فإن الأمر منوط بالوعي الثقافي السياسي وترسيخ التجربة الديمقراطية كما هو الحال في أمريكا.

ولكن..دعونا نترك تلك النظريات والأفكار المعقدة حول نظام الحكم الرئاسي. ودعونا نتساير مع ما يمكننا اعتباره دائما ضرورة"الأمر واقع".. مع أن مثل هذه الضرورة غير علمية أوعملية في الأنظمة الديمقراطية التي تمكنها آلياتها من العمل ضد هذا المعنى الاستسلامي..

فلو تسايرنا مع مبادرة الرئيس برغبته تغيير شكل نظام الحكم الى رئاسي بعيداً عن الإمكانية من عدمها.. فسيتوجب علينا مع هذا الافتراض أن نتساءل : هل سيعمل هذا التغيير على إصلاح البلاد والقضاء على الازدواجية القائمة بين اتخاذ القرارات والمحاسبة الناجمة عنها؟

- وبالإشارة الى أن هناك من السلطة من يشبه مبادرة الرئيس بتحويل النظام الى رئاسي إقتداء بالنظام الأمريكي.. فهل سيقبل الرئيس بكامل شروط النظام الرئاسي أم أنه سيتخير منها المناسب لفرض مزيد من السيطرة؟ هل مثلاً سيقبل الرئيس أن يحدد مجلسي النواب والشورى ميزانية الدولة وإقرارها ومتابعة تنفيذها، ومراقبة الصرفيات بحيث لا يحق للرئيس أن يتخذ قرارات الصرف الكبرى إلا بعد موافقة المجلسين؟ وهل سيوافق الرئيس على أن تكون هناك محكمة عليا تشرف على الرئاسة والمجلسين ومحاسبتهما والفصل بينهما ويكون أعضاء هذه المحكمة منتخبون وليسوا معينين.

إن تلك الأمور هي بعض ما يستدعيه العمل بالنظام الرئاسي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات. لذلك نجد الدستور الأمريكي يجعل اختيار القضاة بالانتخاب وينص على عدم إمكانية تعديل نظام المحكمة الاتحادية العليا إلا وفقاً للأوضاع الخاصة بتعديل الدستور نفسه، وكذلك عدم إمكانية الجمع بين العضوية البرلمانية والمنصب الوزاري في مقابل عدم مسؤولية الرئيس والوزراء –سياسياً وليس تنفيذياً-ً أمام البرلمان.  وبالمقابل لا يحق للرئيس- في النظام الرئاسي الأمريكي- حل البرلمان سواء بالنسبة لمجلس الشيوخ أو لمجلس النواب، وليس للوزراء أن يحضروا جلسات مجلس البرلمان بهذه الصفه. (ثروت بدوي، النظم السياسية، القاهرة، دار النهضة العربية،1975).

 كما ويقر يقر الدستور الأمريكي بعض الامتيازات لمجلس الشيوخ يمارسها تجاه السلطة التنفيذية فيستلزم موافقة مجلس الشيوخ لتعيين بعض كبار موظفي الدولة مثل السفراء وقضاة المحكمة الاتحادية العليا وكذلك ضرورة موافقته في مسألة المعاهدات والاتفاقات الدولية. ( عبد الغني بسيوني، النظم السياسية- أسس التنظيم السياسي الدولة والحكومة الحقوق الحريات، الإسكندرية، الدار الجامعية،1985).

- وبشكل عام تقول الدراسات بأن "التجربة العالمية تدل على فشل النظام الديمقراطي الرئاسي في خلق استقرار سياسي في الدولة, ولا يمكن تعميم الحالة الأمريكية على سياقات سياسية أخرى. ففي أمريكا اللاتينية, معظم الدول التي تبنت نظاما ديمقراطيا رئاسيا انتهى بها الأمر إلى دكتاتوريات, أو أزمات سياسية وانتهاكات لحقوق الإنسان, وتشير الأدبيات السياسية التي تدرس النظام الديمقراطي وأنماطه أن النظام الديمقراطي البرلماني هو أكثر الأنظمة استقرارا بين الأنماط الأخرى" ويعتبر نجاح الديموقراطية الرئاسية الأمريكية, نجاحا خاصا ينبع من وجود «كونغرس» قوي ونوعي يراقب ويكبح جماح مؤسسة الرئاسة ووجود ثقافة سياسية متقدمة.

إن بلادنا ليست بحاجة الى نظام يزيد من استبداد الدولة ويوسع من أزماتنا السياسية ويكرس مزيدا من انتهاكات حقوق الإنسان .. على العكس من ذلك كله إننا بحاجة الى التخلص من هذه السلبيات المتجذرة في البلاد.
  نظام رئاسي .. لماذا؟
الحديث عن أن النظام الرئاسي يمكن أن يكون حلا ، يجلب معه تخمينات وتحليلات عدة في الإجابة على تساؤل : لماذا؟

إنه لمن الضروري الربط بين هذه المبادرة وأهوال المرحلة التي تقدم عليها بلادنا.
تتشبه الأوضاع في بلادنا هذه الأيام بمخاض لمولود جديد ليس بالضرورة أن يكون هذا المولود "ثورة" حمراء. ربما أنها "ثورة" برتقالية. وذلك منوط برد فعل النظام

وقد يكون الأمر قد أوصل الى أفكار عديدة لاستقبال هذا المولود من جهة النظام كطرف متسبب بالحمل، ومن جهة غالبية أبناء الوطن كطرف متحمل لتلك المخاضات.

على أن فكرة الهروب من تحمل المسئولية كعادة الطرف القوي دائماً ليست بالفكرة المجدية في مثل هذه المواجهات التي تصل نهايتها لمصلحة المجموع كقوة مقابلة في مواجهة القوة التقليدية.
وفي مثل هذا على النظام أن يتخلص من أخطائه بتصحيحها وليس بمزيد من الأخطاء.

لماذا؟ السؤال الذي يجب الإجابة عليه لمقاربة حقيقة اللجوء الى تغيير النظام الى رئاسي لمواجهة المشكلة.
 هناك من يعتقد أن ألأمر ما يزال مجرد هروباً تكتيكياً من مواجهة الأخطاء وهو ما ستسفر عنه لواحق الأيام. المثل المصري يقول"مصير الحي يتلاقى"

هناك من يرى أنها أخطاء استشارية لا تدرك الواقع وإمكانياته في استواء الفكرة وتلقيحها بشكل ناجح.
وهناك من ينظر الى الأمر بنظرة سياسية بحته، ويرى أن المعطيات الحالية تنبأ عن فشل قريب يجب محاولة توجيهه مع أقل الأضرار. فالتذمر الذي بدأ بسيطاً توسع سريعاً وقد يوصل الى نتائج فشل في الانتخابات البرلمانية القادمة، وبالتالي فإن برلمان بأغلبية معارضة ونظام غير واضح المعالم سيتسبب في إشكاليات تنفيذية ومواجهة صلاحيات بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية كطرف والمؤسسة الرئاسية طرف (النموذج الفلسطيني نموذجاً).

لذلك كانت فكرة تغيير نظام الحكم الى رئاسي واسع الصلاحيات من شأنه أن يضعف سلطة البرلمان. كما أن النظام الحالي إذا ما فازت المعارضة بالأغلبية النيابية سيوصلها الى تشكيل الحكومة فيما أن ذلك الفوز في حالة النظام الرئاسي لن يمكنها من ذلك، لأن الوزراء سيتبعون رئيس الجمهورية مباشرة.

فالأنظمة الرئاسية أنواع منها ما يؤدي إلى السلطة التنفيذية(الرئاسية) وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.

ومنها ما يدخل ضمن عيوبه إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسئول الحقيقي عن الخطأ. لا سيما في دول الديمقراطيات الناشئة التي تتعدد فيها القوانين وسيطرة مراكز القوى على مفاصلها.

ويشير الى هذا الأمر د. جهاد عودة في مقالة له بعنوان "نحو تطوير النظام الرئاسي" وهو يتحدث عن مصر (بلاده) إذ يقول :".. وبالمقابل فإننا الآن نعيش في ظل شكل من أشكال نظام رئاسي معطلة فيه آليات المحاسبة البرلمانية والمحاسبة السياسية بحيث قزمت الإرادة البرلمانية في الممارسة اليومية‏,‏ وربما هناك وقائع عديدة تشير إلي أن نظاما بهذا الشكل لا يساعد علي حياة اقتصادية وسياسية سليمة حيث إن تعطيل رئة البرلمان لا تساعد الجسد السياسي علي الصحة والحياة بقوة‏.‏" د.جهاد عودة – الحديث عن مصر مقال بعنوان "نحو تطوير النظام الرئاسي.
  الغرابة في تجديد الولاية 
على أن ما يمكن أن يخرجنا من مرحلة التفكير الى الاستغراب في مبادرة الرئيس هو الرأي الذي يقول أن الرئيس من خلال هذه المبادرة والتعديلات الدستورية يهدف الى تجديد ولايته فترات قادمة..!!

داعي الغرابة أن الرئيس قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة كان مقتنعاً بالتخلي عن ترشيح نفسه لولايته الرئاسية الحالية،وكان حينها يقول أن قراره هذا ليس مسرحية للمزايدة بل أنه أقتنع كلياَ من الجلوس على كرسي من نار. ولولا أن الشعب خرج لثنية عن قراره لكان الآن يسمع العبارة التي قال ذات لقاء أنه يحب سماعها وهي "الرئيس السابق".

---------------------
أكتوبر 2007


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق