الجمعة، 12 أكتوبر 2007

اليمن..جبل الطير يتفجر.. وحوار مخيط بـ"صميل"


انتقلت مرحلة الحوار بين المختلفين السياسيين في بلادنا من الحوار الجاد الى ما يمكن أن يطلق عليه - في ظل ما يحدث حالياً – بـ"الخوار"..

فمن الطاولات والكراسي المتجاورة الى الصحف والتصريحات المتباعدة. ومن تربع باجمال - أمين عام المؤتمر الحاكم – لرئاستها، الى تسيد المصادر الإعلامية والمقربة من اللجنة العامة..!!
هكذا انفرطت المسبحة لتكشف عن هشاشة تأكيدات الرئيس المستمرة في خطاباته (كانآخرها خطابه الأخير بمناسبة ذكرى الثورات اليمنية) بأنه لا غنى عن الحوار باعتباره  الوسيلة الوحيدة لمواجهة كافة الإشكاليات.

- لماذا لم يلبي اللقاء المشترك دعوة الرئيس للاستماع الى مبادرته الأخيرة؟ تقول تصريحات المؤتمرين.
- لماذا لم يلتزم المؤتمر بضوابط الحوار الموقع عليها في 16 يونيو2007م؟ ترد تصريحات المشترك.

نعم هناك اختلافات ساقتها مبادرة الرئيس الأخيرة في وضع نحن بأمس الحاجة فيه الى الحوار إن على مستوى إتمام الاتفاقات السابقة، أو على مستوى ما أستجد.
ليست الصحافة مكانا جيداً للحوار حول قضايا الوطن المصيرية. إنها على العكس  تصنع مناخاً حاراً يفسد كل شيء.
  جبل الطير.. الطبيعة تحذر
الوطن على صفيح ساخن.. وهناك على جزيرة "جبل الطير" سبقت الأرض وأفرغت حممها البركانية.. وكأنها ترشدنا الى شدة المصير المحتوم لكل شيء يغلي ولا يجد متنفساً لتصريف حرارته.

من حسن حظ الرئيس أنه شاهد من علو حمم الانفجار حين تواجه شدة الحرارة شدة الضغط عليها. ولعل الأمر مر عليه وكأنه مجرد منظر مبهر من على طائرة لا تتسع الى جواره إلا لصديق ومرافق وطيار. لكن.. ماذا لو أن الصديق كان له من العلم ما ينظر به الى المستقبل؟ أيتمعن ويتساءل: لماذا الآن بعد هدوء دام لمئات السنوات؟ ولماذا أحياناً يشعر العلماء بنشاطات البراكين لكنهم أبداً لا يستطيعون تحديد ساعة انفجارها؟ كم مرة خدع هدوء بركان متابعيه لينفجر دون سابق إنذار؟ ما وجه التشابه بين ما يحدث في الطبيعة وما يحدث في النفس والمجتمع؟ هل ترشدنا الطبيعة لشيء ما؟ لماذا الآن ينفجر بركان ظل هادئاً لقرون؟ محض مصادفة.!! ربما. وربما لا.

فسر جيولوجيون الأمر أن ما حدث سيعمل على زحزحة الجزيرة العربية الى شمال شرق. وإن صدقوا فإن ذلك يعني أن الطبيعة – حتى - تنفجر لتغيير من أوضاعها الجغرافية. ويشير البعض الى أن انفجار بركان قد يكشف عن ثروات معدنية كبيرة. وهذا أيضاً قد يدخل في معنى أن الانفجار يوصل الى تحسين الأوضاع المعيشية.

قد يكون ذلك برمته غير مهم وإن كانت الأرض   تسبق الإنسان في كل شيء (ربما لأنها خلقت قبله وبالتالي حسب المثل الشائع : أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة).
المهم أن الإنفجارات تحدث دائماً عندما يعيش كلٌ من الضغط والحرارة في مكان واحد ويرفض كل منهما أن يتحاور مع الآخر. ويساعد على تسريع الانفجار وجودهما في مناخ حار متزايد. أما إذا تحاورا وخرجا بصيغة مشتركة يقتنع بموجبها الضغط أن يتراجع الى الخلف ويسمح لذرات الحرارة أن تتحرر بهدوء فإنها حتما ستتبخر في الهواء. على الضغط أن لا يستمع الى صوت القوة عندما يواجه اشتعالا شديدا في مساحة ضيقة لا توجد فيها خيارات متعددة. عليه أن لا يندفع في الاتجاه المضاد لحركة الذرات المثارة.

كأن ذلك يقول: على الحزب الحاكم كما على المشترك أن ينظرا الى المناخ الحار من حولهما وضيق المساحة التي يتحركان فيها. الحرارة تزداد يوماً بعد آخر، هذا شيء معلوم. وهناك تراجع طفيف لحركة الضغط الى الخلف (معالجة وإصلاحات) لكنه يترافق مع فترات من الحركة في الاتجاه المعاكس(قتل، حبس، تضييق).

الصحافة غالباً تساعد في تسخين الأجواء وتجعل من الجو حارا معظم الوقت، فتزداد الحرارة ويزداد الضغط فتقل مساحة الحركة وفي أي لحظة قد يحدث الانفجار عند النقطة الحرجة.

كل شيء موزون بدقة وحكمة الاهية بالغة. ما يحدث في الطبيعة يحدث في النفوس والمجتمعات.
كل الحوارات السابقة لم تنجح لكنها ربما تكون قد منحت الأحزاب ما يمكن تسميته بقوة الإصرار على تصحيح خطوات التجربة الأخيرة. وهذا بحد ذاته جعلها في حالة مثارة من الحذر والخوف من الوقوع في الخطأ. وبالمقابل كان يتم مواجهتها من الحزب الحاكم بالقوة العددية والقوة المادية والقوة العسكرية.

اليوم دخلت عوامل جديدة يجب على الطرفين التنبه لها كـ "قوة الشارع" و "قوة الجوع" و"قوة الحقوق"، و"قوة الوعي".
ليس الحاكم وحده المعني بالحذر وحسن التعامل، فالمواجهة إن وصلت نقطتها الحرجة ستصيب حمم الانفجار كل من في مدى قوته.
  دعوة الى الحذر
هذا صحيح. المعني بالدرجة الأولى هو الحاكم، وعليه أن يتخلى عن خطاب الأستقواء.. سواء بنتائج الانتخابات الأخيرة في خطابه مع المعارضة، أو بالرصاصة والمدفع والسجن  في خطابه مع جمهرة الشارع. فالأمر الأول يجب التخلي عنه لسببين: أولاً لأن الرئيس والحزب الحاكم كانا قد حصدا أصوات دوائر المحافظات الجنوبية –بحسب النتائج المعلنة-
،غير أننا اليوم نلحظ أن من خرج ليهتف بإسقاطه هم أبناء تلك المحافظات أكثر من غيرهم. وثانياً: لأن تقارير المنظمات والجهات الدولية التي راقبت الانتخابات شككت بتلك النتائج وأشارت بوضوح الى أسباب ذلك الفوز. وهو الشيء الذي يؤمن به جيداً الرئيس وقيادات المؤتمر. وإلا لم الخوف من اشتراطات إصلاح العملية الانتخابية على ضوء النقاط التي أوصت بها بعثة الإتحاد الأوروبي.؟

أما ضرورة التخلي عن الأستقواء بالرصاصة والسجن ضد جمهرة الشارع.. فذلك من الحكمة التي يجب الأفتطان إليها من خلال الأحداث الأخيرة. فالرصاص الذي قتل بعض المتظاهرين لم يمنع أو حتى يقلل لا من عدد المظاهرات ولا من عدد المتظاهرين، على العكس زاد من درجة التعاطف مع الضحايا والتعصب ضد الجلاد. ومثله السجن لم يردع أحد وأحال المسجونين الى شخصيات أسطورية ترفض الرضوخ والقبول بالذل والمهانة.
هذا ليس من عندي. على الحاكم أن يجيد قراءة النتائج كما يجيد التسبب بها.

أما المشترك فهناك أمران عليه أن لا ينجر للإستقواء بهما وإن بدا أنها ستكون مكاسب لا مضار.

الأول: أن لا يندفع وراء  موجة الغضب المنفلت أو تعزيز الفوضى الخلاقة ليستمد منها قوة يواجه بها قوة وصلف الحزب الحاكم وينتزع بواسطتها ما يعتقد أنه لا يستطيع انتزاعه منه بدونها.

الأمر الثاني: أن لا يندفع وراء ردود أفعال تدفعه للتعامل مع ما يخالف معتقداته أملا في زيادة إضعاف الحزب الحاكم بفتح مزيد من الجبهات ضده للوصول الى نفس النتيجة السابقة.

صحيح. قد تكون من الفرص النادرة للمشترك اقتناص مثل هذه الأحداث لمواجهة خصمه السياسي الذي لا يألوا جهدا من أجل تفكيكه والقضاء عليه دون النظر الى الطريقة التي يستخدمها في ذلك. وإن فعل المشترك هذه الأمور بذكاء دون أن يواجه نتائج عكسية، فإن ذلك يدخل سياسياً في المعركة التي فتحها الحزب الحاكم على مصراعيها دون ضوابط أخلاقية يلتزم بها ليجعل منها عرفا في التعامل بعين تتجاهل النظر الى المستقبل.

غير أن ردة الفعل تلك ستوقع المشترك في نفس الشراك مستقبلاً. وبدلا من أن يعمل على تصحيح الأخطاء وغرس مبادئ المعارضة الوطنية الملتزمة والفعالة في مواجهة سلطة فاسدة وفاشلة، سيعمل على توعية عكسية في المدافعة والمواجهة تلغي الحدود والضوابط وتعتمد على القنص والتثعلب.
هذه ليست دعوة للتحول الى نعامة أو عرض الخد الأيسر بعد الأيمن أو تسليم الروح الى الجوع وتحويل منظر براميل النفط التي تغادر الميناء الى مشهد غروب ممتع وشاعري.

قد تكون دعوة الى مزيد من التبصر في الاستغلال الحذر والنظر في العواقب أكثر من فرص الانتقام العمياء. النضال السلمي من أجل توسيع الوعي التراكمي هدف لا يمكن أن يخيب وإن تأخر تحقيقه.
   كلهم سواء ولكن
عدم قبول دعوة الرئيس كان خطاء، على الأقل من ناحية عدم إجابة دعوة "ولي الأمر". إنما عدم التعامل مع مبادرته ليس بالضرورة أن يكون خطاء في ظل وجود شروط وبنود لاتفاقات موقعة لم يكن قد أعلن عن توقفها بعد. وكان من الممكن الجمع بين الاثنين : حضور الدعوة وعدم التعامل مع المبادرة.

طرح المبادرة الرئاسية بهذا الشكل كان خطاء.. على الأقل من حيث عدم احترام الاتفاقات والعهود الموقعة مع "الرعية".  أنما طرح المبادرة للحوار والنقاش لكافة القوى السياسية والمنظمات المدنية ليس بالضرورة أن يكون خطاء سعياً لتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المصيرية. وكان من الممكن الجمع بين الاثنين: عرض المبادرة على طاولة الحوار، ومن ثم الاتفاق على توسيع أفق الحوار بشأنها بعد الوصول الى قاعدة اتفاق مشتركة بخصوصها.

ليس هناك مشكلة حقيقية تستدعي هذا التمترس وتبادل الاتهامات عبر الصحافة والوصول الى وضع المبادرة بكفة والحوار بكفة أخرى. ضوابط الحوار تطرقت لكل شيء وعملت حساب لكل ما يمكن أن يحدث في المستقبل، حتى الأعلام حين كاد يقضي على الحوار في بدايته، أكدت الوثيقة على ضبطه بين الجانبين وأفردت له باباً خاصاً به.
 قرار إيقاف الحوار بهذا الشكل وهذه المبررات الواهية.. قد يذهب الى إثبات اتهامات المشترك منذ بداية الحوار بوجود جناح في المؤتمر يرفض استمرار الحوار.
  تذكير ونصيحة 
في مواجهة بين الطرفين نشرت في صحيفة السياسية، عقب التوقيع على الضوابط، اتفق باجمال – أمين عام المؤتمر- والدكتور ياسين – رئيس المجلس الأعلى للمشترك- على أن الحوار هو السبيل للاتفاق. ولو لم توجد خلافات لما اجتمعوا على طاولة واحدة لحلها. بل زاد الاثنان على أن المخرج الوحيد من الوصول الى الاضطرابات والأحترابات هو الحوار. وقال باجمال أن المؤتمر الشعبي منهجه قائم أساسا على الحوار منذ تأسيسه في 1986م. ورفض ياسين الحديث عن شيء اسمه "فشل الحوار" لأن الحوار شيء مستمر ولا يمكن أن يتوقف أو يفشل.

إذن هو الحوار ولا شيء غيره يمكن أن يخرج الحزب الحاكم من مأزقه، ويحقق للمشترك أهدافه في إصلاح آليات العملية الانتخابية. وهو الذي سيخرج الوطن من الغليان والضغط والانفجار.

وليس من مصلحة الحزب الحاكم أن يثبت للشعب أنه يعمل من أجل فرد أو أسرة أو قبيلة..  ولذا لا يتوجب عليه أن يربط بين حوار لإنقاذ الوطن وتصحيح جسده الديمقراطي. وحوار لإنقاذ حزب أو شخص أو أسرة أو فئة، ويقايض هذا بذاك.
فقط على الحزب الحاكم أن يؤمن أن مصالحه الحقيقية الدائمة وليست الآنية تقع خلف:
- مصلحة أبناء الوطن- كافة أبناء الوطن دون تفريق على أساس الحزب أو المنطقة أو المذهب.

- المناخ السياسي الجيد لنمو الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
- وجود معارضة قوية تمتلك آليات مواجهة ألأخطاء والفساد.
----------------------------
أكتوبر 2007


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق