الأربعاء، 18 مايو 2011

هل تتغير "جيوبوليتيكية" السعودية "الشفافة" تجاه اليمن؟


ضرورة التعامل مع الدور السعودي بوسائل واقعية لا تاريخية


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مجددا، لم يتوان الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني، من أن يستقل طائرته، السبت الماضي، صوب مطار صنعاء. هذه المرة يظهر أن حجم المهمة أكبر لتطول قليلاً -ثلاثة أيام– ما يعني ضرورة التوصل إلى نتائج نهائية حاسمة فيما يتعلق بالموافقة أو الرفض النهائي والصريح للتوقيع على المبادرة الخليجية.
وعليه فقد أكدت مصادر دبلوماسية خليجية أمس، لوكالة فرانس برس، أن الرسالة التي يحملها "الزياني" تخاطب الرئيس اليمني فقط، لمعرفة ما إذا كان سيوقع المبادرة "صراحة" أم لا..! وأضافت: "هذه المبادرة فرصة أخيرة لا يوجد بعدها أي شي".

ومع ذلك، ترجح المعطيات أن الدكتور الزياني الحاصل على شهادة دكتوراه في بحوث العمليات من كلية الدراسات العليا للبحرية الأميركية بامتياز مع مرتبة الشرف عام 1986، لن يحظى بالنجاح المطلوب في أولى مهامه منذ تسلمه منصب الأمين العام مع مطلع شهر أبريل الماضي.

من يعرف تقلبات ومراوغات الرئيس علي صالح، يدرك سلفا أنه سيواصل مناوراته المكشوفة مع أنه –كالعادة- قد يبدي تجاوباً إيجابيا مع مهمة الأمين العام الأخيرة. عوضاً عن أن موقف أحزاب المشترك الأخير –هو بداية- تحول من رفض أي تعديلات جديدة، ليستقر –مؤخراً- عند الحديث عن "موت المبادرة"، مع تصريحات لبعض قادتها تذهب باتجاه التأكيد أنها "لم تعد معنية بمبادرة حريصة على الرئيس صالح وليس الشعب اليمني".

وحتى أمس الاثنين الذي يفترض أن يكون اليوم الأخير للزيارة، لم يعلن رسميا أن الرجل التقى بالرئيس. وحتى، مع أنه أنجز لقائين منفصلين مع قيادات الحزب الحاكم والمعارضة، إلا أن المعلومات الأولية تؤكد أنه لم يخرج بشيء يعتد به. بل المزيد من التعقيدات.

وتؤكد أخبار صحفية أن قيادات في الحزب الحاكم أبلغت الزياني أن الرئيس الذي اشترط جدولا زمنيا لتنفيذ المبادرة كـ"منظومة متكاملة" ورفع الاعتصامات، اشترط أيضاً إدراج "مشكلة الجنوب ومشكلة صعدة مع الحوثيين" في إطار الحلول التي يجب أن تقدمها المبادرة.

إصرار خليجي.. لماذا؟
لقد انتهت صلاحية المبادرة الخليجية بمجرد أن رفض صالح توقيعها في حينه قبل أسبوعين. ساعة أن كانت أحزاب المعارضة اليمنية تحت الضغط الخارجي والإقليمي مرغمة على حسم الأمر دبلوماسيا. بيد أن هناك من يجزم أن المبادرة أصلاً لم تكن أكثر من مجرد تجربة فاشلة لاختبار حقيقة مدركة سلفا. وعلى الرغم من بلوغ منتهاها مبكرا، إلا أن المساعي اللاحقة ظلت تواصل محاولاتها وفق نسق أشبه بـ"ماكنة خياطة" تفصل المبادرة على مقاس شخص الرئيس. وعلى مدى شهر ونيف، ما كان لتلك المحاولات إلا أن تثبت مزيدا من الفشل إذ تحاول عبثا قسر تلك الحقيقة.

على ضوء ذلك، برزت أهم التساؤلات: لماذا؟ وعند الإجابة كانت معظم الأنظار تتجه صوب الإرث التاريخي الذي تحمله الجارة الشمالية (المملكة العربية السعودية) كلما لزمها التعامل مع جارتها الجنوبية (اليمن). حتى مع أن تلك المبادرات الخليجية جاءت في إطار تكتل دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الكثيرين ما كانوا قادرين على تجاوز الحقيقة المفترضة أن المملكة هي الطرف، ليس الأكثر تأثيراً وحسب، بل الأكثر احتياجا لحدوث ذلك كله.

فيما يتعلق باليمن، يؤمن الكثيرون أن السعودية، أكثر من غيرها من دول الخليج، تحاول توجيه الثورة الشبابية الشعبية في طريق آخر تتوخى فيه حرفها عن مسارها الذي باتت تتجه إليه بعزيمة ثابتة منذ ثلاثة أشهر. ذلك أن أبسط التفسيرات المنطقية تقف عند حقيقة القول إن أي نظام "ملكي" لن يكون في مصلحته تعزيز وتقوية توجهات الشعوب الراغبة في إحداث تغيرات بنيوية في شكل النظام الديمقراطي بحيث يصبح أكثر تعددية تسهل معها عملية التداول السلمي للسلطة.

إن السماح بحدوث ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تأثيرات انعكاسية من المرجح أن تسوق معها اضطرابات داخلية تطال منظومة الحكم السلالي الملكي المتعارض مع الطبيعة البشرية.
ناهيك عن أن حدوث مثل ذلك بفعل العدوى الثورية التي طالت المنطقة العربية سيعمل أكثر على جعل التهديد أقوى من أي وقت مضى. ولعل التوجه الأخير لدول المجلس بسعيها ضم مملكتي الأردن والمغرب إلى التكتل الخليجي يأتي في هذا الاتجاه. ومع أن مثل هذا القرار قد يرتبط بالمقام الأول بمخاوف خليجية جماعية من سياسات وتوجهات دولة إيران، إلا أن ربيع الثورات العربية جاء ليكون العامل المساعد للتسريع في اتخاذه.

ذراع المملكة في اليمن جيوبوليتيكيا
منذ تأسيسها مطلع القرن الماضي، اتسمت المملكة السعودية بديناميكية حيوية في التطور والنمو وفقاً لأحد المبادئ التقليدية القديمة لعلم الجيوبوليتك الذي ينظر إلى الدولة باعتبارها "كائنا عضويا في حركة متطورة". وأن أي كائن حي لا ينمو، فإن مصيره الهلاك أو الزوال.

لقد اتجه النصيب الأكبر من هذا التوسع والنمو العضوي ليطال الجانب الحدودي اليمني أكثر من غيره. مع أن ذلك كان يتم عبر اتفاقيات ومعاهدات أبرزها اتفاقيتي "الطائف" في العهد الإمامي، و"جدة" في عهد الرئيس صالح.

وعلى مدى خمسين عاما تقريباً، احتفظت السعودية بسياسة خاصة في اليمن على قاعدة "تأثير وسيطرة الأقوى". ومع أن مثل هذا السلوك ظل –وما زال- يثير حفيظة وغضب شريحة واسعة من الشعب اليمني، إلا أنه بالنسبة للمملكة –كأي دولة قوية- لم يكن أكثر من حاجة سياسية طبيعية تفرضها مبادئ الجغرافيا السياسة (تأثير الجغرافيا وفقاً لخصائصها الطبيعية والبشرية في السياسة). وفي المقام التالي، فهو لا يخرج عن كونه تجسيدا طبيعيا آخر لأحد المعاني "الجيوبوليتكية" بجزئه المعني بالبحث "عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة لتنمو حتى ولو كان وراء الحدود".

ممارسة المفهوم التقليدي القديم لعلم الجيوبوليتك عبر التوسع والنمو بالاحتلال العسكري أو حتى الخديعة برسم خرائط حدودية جديدة، نحا به ليصبح علما لا أخلاقيا منبوذا حتى كاد يختفي من الميدان. لكن ومع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية، ظهر على المسرح الجغرافي مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو "الحدود الشفافة"، بمعنى الهيمنة الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة.

وفي عصرنا الحديث المكدس بالقوانين الدولية المانعة والمعيقة للتوسع العضوي عبر الاحتلال الجغرافي، فإن فكرة السيطرة "من على بعد" بدت هي الطريقة الفضلى تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية. ومنذ الثورة اليمنية الأولى في العصر الحديث (ثورة 26 سبتمبر 1962) امتدت ذراع المملكة "البعيدة" لتوجه مسار السياسات الداخلية للبلاد. فتارة بدعم الملكيين، وأخرى بدعم الجمهورين، وثالثة بدعم الشمال ضد الجنوب، ورابعة العكس..الخ
ولقد بات من شبه المؤكد لدى الكثيرين، أن التخلف القائم هنا تقف وراءه الجارة القوية. فعوضاً عن المخصصات المالية الكبيرة التي تمنحها شهرياً لمعظم المشائخ، لكسب ولائهم، فهي قد ظلت تخصص أضعافها لصناع القرار اليمني بأعلى مستوياتهم.

التحولات الأخيرة للمواقف
لا تؤثر المملكة على مسار الأحداث في اليمن وحسب، بل باتت تملك أذرعا "شفافة" تمتد إلى دول عربية عدة. حتى أنها أصبحت من أهم حلفاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، لسببين: الأول: لحجم ثرواتها النفطية، والآخر لنفوذها في المنطقة.

غير أنه ومع ذلك كله يبدو الأمر بحاجة إلى التريث وعدم المبالغة بالأحكام النهائية لتبدو هي الحقيقة الوحيدة المتاحة لا غيرها. من وجهة نظر عاطفية، لا ضير أن تملأ الكراهية قلوبنا لهذه الجارة. أما من وجهة نظر العقلية السياسية، فما يحدث بحده الأدنى سيفرض على أي دولة –بغض النظر عن طبيعة نظامها، ملكيا كان أم جمهوريا، ديكتاتوريا أم ديمقراطياً– التعامل مع جيرانها الضعفاء الفاشلين وفق مسارين. الأول يتعلق بالشهية والأطماع، والآخر بالتخوف من آثار ونتائج الاضطرابات.

وفي اعتقادي أن ما يحدث اليوم إزاء اليمن انتقل من المسار الأول، وباتت العلاقة محكومة بالمسار الثاني. لقد أخذت المملكة معظم ما تريده من المساحات الجغرافية الحدودية عبر الاتفاقيات مدفوعة الثمن. بيد أنها اليوم باتت تخشى من آثار الاضطرابات والصراعات في اليمن من حيث أنها ستؤدي إلى تقوية أعدائها الجدد من تنظيم القاعدة وحركة التمرد الحوثي على حدودها.

وخلال العقد الأخير، خاطب الرئيس بشكل تدريجي متصاعد تلك المخاوف من خلال دعم تلك الأطراف وتقويتها، وإن بطرق وأساليب غير مباشرة، ليكسب المزيد من الأموال والدعم والثقة. غير أن الخاتمة لم تكن تشبه النتيجة التي خطط لها. لاسيما بعد أن كشفت وثائق ويكيليكس تشكيكات أمراء القرار السعوديين بنوايا ومصداقية الرئيس "صالح".

ومع ذلك، انقسم القرار السعودي باتجاهين. الأول يتزعمه العاهل السعودي الذي ما زال متجملا من تساهل "صالح" معه بالتوقيع على تجديد اتفاقية "الطائف" بصيغتها التوسعية الجديدة تحت اسم اتفاقية "جدة". والآخر، يتوحد عليه المختلفون على العرش (سلطان ونائف) باعتبار "صالح" شخصا مخادعا و"ألعبانا" كبيرا، يتوجب عدم التعامل معه بثقة مطلقة.

إمكانية التحول السعودي نحو دعم الثورة
على هذا الأساس المتغير، مضافا إليه مسألة التعامل مع كون التأثير السعودي في اليمن أمراً واقعاً لا يمكن التخلص منه على المدى القريب على الأقل، فمن اللازم التعامل مع أي تدخل سعودي قادم في البلاد بطرق ووسائل تتناسب مع الواقع لا مع الإرث التاريخي لكل مكون من مكونات الفعل السياسي.

لا تتمتع المملكة بعلاقات تاريخية جيدة مع مختلف التيارات الحزبية للمعارضة. ومن يتحدث عن علاقات جيدة مع حزب الإصلاح مثلاً، فهو لا يفقه شيئا في تاريخ المملكة السيئ مع الإخوان المسلمين. ومع تلك الحقيقة الناصعة، إلا أن إمكانية التعامل مع الأعداء التاريخين لن يكون مستحيلا لدولة تسعى للتخلص من مخاوفها وفق أي صيغة ممكنة مبنية على تحقيق مصالح متبادلة بما فيها رحيل "صالح" الذي تدرك المملكة أن المراهنة عليه باتت أمراً خارج التاريخ والجغرافيا والسياسة وحتى مفاهيم الجيوبوليتيك التقليدية والحديثة.

ما يعزز ذلك، أن سياسة الأمر الواقع التي ظلت هذه الجارة تتعامل وفقها، جعلتها تبدل مواقفها –حتى تلك الأيديولوجية– وفقاً لبوصلة المصلحة، بدرجات وزوايا متعددة، وصلت بعضها التحول 180 درجة. فمن دعمها للملكيين، إلى التخلي عنهم، ودعم الجمهوريين في وقت لاحق. ثم من دعمها للشمال ضد الجنوب الاشتراكي قبل الوحدة، إلى دعمها هذا الأخير في حرب 1994.

وبالأمس فقط، برزت نبرة أكثر حدية إزاء الرئيس "صالح" من قبل مصادر دبلوماسية خليجية أكدت عبر الصحافة أن زيارة الزياني الأخيرة إنما تأتي فقط لتنتزع من "صالح" قراره النهائي من المبادرة بنعم أو لا. وألمحت إلى أن نتائج هذه الزيارة ستحدد طبيعة التعامل القادم مع النظام. وقبلها بيومين قال مصدر مقرب من دوائر الدبلوماسية الخليجية في صنعاء أن دول الخليج –وعلى ضوء نتائج زيارة أمينها العام- ستتخذ موقفاً قد يصل إلى حد سحب المبادرة ودعوة صالح إلى التنحي الفوري.

لعل مثل تلك التصريحات، التي سبقتها كتابات وانتقادات لاذعة لصالح ونظامه خلال الأيام الماضية، لاسيما في صحف سعودية ومن قبل كتاب سعوديين مرموقين ومقربين من أصحاب القرار، لتدل في معانيها على التوجه الخليجي والسعودي القادم إزاء هذا النظام الذي بات من يوم إلى آخر يفقد ثقة المجتمع الخليجي بعد المجتمع الدولي.

الحوثي ورسم ملامح اليمن الحديث
تتبدل المواقف السياسية وفقا للمصلحة العامة. وعليه فليس من الحصافة تكريس العداء بشكل مطلق، كما أن بعثه لن يكون هو السبيل الصحيح لدعم توجهات الثورة الشعبية، سواء في تحقيق إنجازها التاريخي، أم بعد إنجازه. الأمر بحاجة إلى خطاب تطميني أكثر منه خطاباً متهوراً، يستقوي بخيار الثورة وفق نبرة تهديدية سمجة.

ومن هنا، قد يكون من اللازم أن يفكر المحسوبون على جماعة الحوثي –إعلامياً– بطريقة سياسية أفضل من تسويق جماعة الحوثي على أنها القوة العاتية التي أذلت المملكة والتي ستهد أركان الإمبراطورية السعودية.
إن مثل هذا الخطاب القتالي الاستعدائي المترافق أصلا مع واقع قتالي توسعي نحو محافظات أخرى، لن يتمترس ضده من هم خارج الحدود اليمنية فحسب، بل من شأنه أن يخيف شركاء الثورة من المستقبل الدامي الذي يرسمه هؤلاء لما هو قادم أسوأ.

وإذا كان البعض في هذه الثورة العظيمة قد بدأ يشهد تحولا في نظرته إزاء مستقبل تلك الجماعة حينما انضوت في إطار العمل السلمي للثورة، إلا أن استمرار بعض النخبة المحسوبين على هذا التيار في بعث وتكريس حديث العداء الأيديولوجي للفكر الآخر، جنباً إلى جنب في سياقات الحديث عن الفعل الثوري، لهي حماقات سمجة تجر هذا الحدث الثوري العظيم بنقاوته وسلميته إلى مربعات الذاكرة التاريخية الأكثر بعثا على القلق.

في النهاية سيتوجب على قادة الحركة الحوثية أن يثبتوا حسن نواياهم بإعلان تخليهم عن العمل المسلح كخيار حتمي والانضواء في العمل السياسي المدني لاسيما وقد زالت مسببات حمل السلاح مع خروج معظم أبناء الشعب سلميا لإسقاط النظام الذي أذاق الجميع ويلات سياساته العمياء.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق