الجمعة، 27 مايو 2011

معارك صالح الوهمية


هل بدأت الحرب الأهلية في اليمن؟ لا لم تبدأ بعد، وما حدث ويحدث الآن ماهي إلا مجرد محاولات لحرف مسار معركة بين شعب ونظام غير شرعي إلى معركة ضغائن وأحقاد..


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
بعد يوم واحد فقط من رفضه التوقيع على اتفاقية المبادرة الخليجية وتهديده المعارضة بأنه صامد وسيواجههم ".. بكل الوسائل الممكنة في كل مكان.. إذا لم ينصاعوا.."، ها هو "علي صالح" قد أقدم على تنفيذ وعيده حين حاولت قوات جيشه من الحرس الجمهوري والنجدة اقتحام منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الواقع في الحصبة، مساء قبل أمس الاثنين (23 مايو)، أثناء ما كانت قيادات المعارضة متواجدة فيه.

وقال القيادي في المشترك سلطان العتواني : "كنا في بيت الشيخ صادق وكنا نسمع إطلاق نار من مناطق قريبة من البيت ولم نكن نتوقع أن يستهدفوا منزل الشيخ صادق الأحمر". ويعتقد العتواني أن قادة المعارضة كانوا "بلا شك" مستهدفون من الهجوم.

في وقت متأخر من مساء الاثنين توقفت المواجهات إثر تدخل وساطة قبلية. واليوم (الثلاثاء) تجددت الاشتباكات بصورة أعنف، حين عاودت قوات صالح قصف المنزل مستخدمة هذه المرة الصواريخ إلى جانب الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة.

وفي الهجوم، قتل مشايخ وجرح آخرون ممن تواجدوا في المنزل بعضهم كانوا ضمن لجنة الوساطة والبعض الآخر من المشايخ الذي حضروا للتضامن.

لماذا؟
وإذا كان السؤال الآن هو: لماذا لجأ صالح إلى التصعيد وجر الأوضاع إلى مربع العنف وربما الحرب الأهلية؟ فإن الإجابة عليه تبدو أنها بحاجة إلى استرجاع بعض التفاصيل والتصريحات والمواقف، وربطها بالمعطيات والمؤشرات بهدف تفسير الأحداث واستخلاص الإجابة الأكثر احتمالية.

قبل الخوض في تلك العملية، دعونا هنا نقوم بعملية فرز أولية لأهم الاحتمالات، ومن ثم اختيار ما أعتقد أنه الاحتمال الأكثر منطقية عطفاً على قياسه بالمعطيات والمؤشرات التي تنظر في مدى دقته.

- أن هذا التصعيد يأتي وفقا لمخطط معد مسبقاً من أجل جر البلد إلى مربع العنف الذي يبرع فيه. الأمر الذي سيمكنه من السيطرة على الأحداث وقمع الثورة كونه مازال يمتلك أدوات القوة التي يستطيع من خلالها حسم الأمور.

- أن صالح لجأ مضطراً إلى هذا الخيار بعد أن نفذت كافة الخيارات السلمية الممكنة لتجنيب البلد حرب أهلية.
- ربما خطط فقط للقيام بعملية خاطفة وسريعة يمكنه إيقافها متى شاء. قد يكون الغرض من ذلك توصيل رسائل قوية إلى كافة الأطراف: الوسطاء الإقليميين والدوليين، المعارضة، وشباب الثورة. يقول لهم فيها إنه ما زال قوياً ويمتلك أدوات القوة والقدرة على الحسم بطريقته. كما أنه، بالنسبة لدول الخليج ومعهم الوسطاء الدوليين أيضاً، ربما حملت الرسالة معنى آخر، أبلغ. تتعلق بإثارة مخاوفهم من نشوب حرب أهلية في اليمن تؤثر على مستقبل الخليج والمنطقة والمصالح الغربية.

- أن صالح لم يخطط لشيء من ذلك كله، وأن ما حدث كان محض صدفة تطورت حتى بلغت هذا المنحى الخطير. أو أن بيت الأحمر هم الذين أطلقوا شرارة المواجهات وفق مخطط معد سلفاً للإطاحة بنظام صالح، ما أضطره للرد حفاظاً على الأمن والسكينة وهيبة الدولة.

تثبيت أهم الاحتمالات
بالطبع ليست تلك هي كافة الاحتمالات المهمة. بل قد تكون هناك أخرى، كما قد يكون هناك احتمالات لا يمكن بلوغها أو إثباتها كتلك التي تتعلق بالمواجهات اللفظية بين الأطراف والتي تدار من وراء الكواليس بعيداً عن الإعلام والنشر.

في البداية، دعوني استثني كلاً من الاحتمالين الثاني والأخير. فالثاني لأنه يأتي بعكس الحقيقة إذ أن خيارات السلم وتجنيب البلاد العنف والحرب الأهلية ظلت مفتوحة لصالح على مدى الأشهر الماضية التي يكاد الشهر الرابع منها ينقضي بعد أيام، ومع ذلك كان يرفضها ويتجنبها مع أنها بلغت حد منحه ضمانات تعفيه من المسألة القانونية على الجرائم التي ارتكبها في حق المتظاهرين السلميين هو وأفراد أسرته ونافذوه المقربون.

أما الأخير، فهو خيار لا يستقيم مع حقيقتين. الأولى: أن الهجوم جاء بعد يوم واحد من رفض صالح التوقيع على المبادرة وتهديده للمعارضة بأنه سيستخدم معها كافة الوسائل الممكنة لإخضاعها. أضف إلى ذلك أنه جاء في الوقت الذي كانت تتواجد فيه قيادات المعارضة في منزل الشيخ الأحمر. وأما الحقيقة الثانية: أن المعارك والمواجهات منحصرة في محيط منزل بيت الأحمر في الحصبة وما يجاورها. وهنا دعوني أنقل لكم تعليقاً ساخراً أعجبت به من إحدى الزميلات على الشبكة الاجتماعية "تويتر" حين علقت عند الحديث حول "من الذي بدأ؟"، ردت بشكل ساخر بالقول: ".. يعني مثلا كانوا بالصدفة ماشين بالسبعين جنب الحصبة فقالوا نشرب كلاشنكوف عند الأحمر.."!!

بالنسبة لي يمكن حصر التفسيرات على بقية الاحتمالين، وهما الأول والثالث. وقد يمكن المزج بينهما في سياق تفصيلي واحد.

التخطيط والمسوغات
وحتى نبدأ بعملية الإثبات والربط بين احتمال أن يكون الأمر جاء وفق خطة معدة مسبقاً لتحقيق أهداف محددة، وبين التفاصيل وفقاً للمعطيات والمؤشرات، دعونا نتحدث عن مسار الأحداث وطبيعتها بشكل موجز من زاويتين. الأولى: مسار الثورة الشعبية، والمحافظة على سلميتها وما ترتب عن ذلك. والأخرى: مسار الطرق والأساليب التي واجه بها صالح ونظامه الثورة وما ترتب عن ذلك.

حين حققت ثورتا تونس ومصر أهدافها بنجاح بطريقة سلمية، فرض الخيار السلمي نفسه على اليمنيين –على الرغم من حجم السلاح الذي يمتلكونه- باعتباره الخيار الأنسب والأقوى لإنجاز أهداف ثورتهم الشبيهة بأهداف ثورتي شباب تونس ومصر. ومع أنه يمكننا التأكيد أن المعارضة اليمنية كانت السباقة في التزام الخيار السلمي على مدى العقد ونصف الماضية، إلا أن كافة المحاولات كانت تصاب بخيبة أمل بسبب طغيان النظام وجبروته. فقد استخدم هذا النظام كافة الوسائل العنيفة والناعمة، واللاخلاقية لقمع أي ثورة شعبية سلمية، حتى مع أنها كانت ما تزال تنشد تحقيق أهداف إصلاحية سياسية ومعيشية بسيطة.

طوال سنوات حكمه الـ(33)، عمد "صالح" إلى بناء نظام عائلي ذي طبيعة عسكرية بوليسية للسيطرة على البلاد مدى الحياة، وتوريثه من بعده لنجليه. وطوال تلك الفترة عجزت المعارضة ومعها الأنصار ومعظم أفراد الشعب المسحوق، من تحقيق مكاسب هامة تحدث نقلة نوعية للبلاد.

وبعد ثورتي تونس ومصر، أستهلهم اليمنيين إرادتهم القوية لإنجاز ثورتهم، فخرجوا للاعتصام في الشوارع متحدين القمع والاعتقالات. ولأن نظام صالح يبرع في القمع واستخدام العنف، فقد مثل التزام وإصرار شباب الثورة بمبادئ العمل السلمي كابحاً قوياً لإحباط محاولات النظام بجرهم إلى مربع العنف. وحين خشي صالح وأعوانه من هذه القوة سارعوا بعمل مخططات تفتقر للحد الأدنى من الوطنية والمسئولية في سبيل إخراج الثورة من سلميتها. كانت البداية بتعبئة القبائل، والأنصار، لكن الأمر باء بالفشل. فجاءت مجزرة جمعة الكرامة (18 مارس) كمحاولة أخرى لإطلاق زمام العنف. غير أن المخطط انقلب على المخططين حين انعكست النتائج وأدت إلى انشقاق علي محسن ومعه قادة وضباط كبار.
حينها أوقف صالح وأعوانه مواصلة مخططهم وتريثوا لتغيره وفقا لتلك المعطيات الجديدة.

تحولات معيقة ومحاولات مستمرة
بعد أن أعلن نصف الجيش تقريباً تأييده للثورة والتزامه حماية الثوار، اضطر النظام إلى البحث عن تعزيز قوته عن طريق الحصول على دعم العاهل السعودي. لكن المحاولة نقلت المعركة إلى المفاوضات والحوارات لبلوغ تسوية سلمية تجنب اليمن العنف والحرب الأهلية التي تعتقد دول الجوار والفاعلين الدوليين أنها ستؤثر على مصالحهم الحيوية في المنطقة.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ظل صالح يبحث عن تسوية غير عادلة محاولاً تغيير مسارات الأحداث لمصلحته ومصلحة حزبه من بعده. لكن الثورة كانت قد قطعت شوطاً كبيراً من خلال التضحيات والانتشار الكبير في الساحات. ما فرض على الوسطاء عدم تجاهلها، وبات جل مطلبهم فقط هو تجنيب البلاد أي حرب داخلية مهما كان الثمن باهظاً بالتخلي عن حليفهم. نقض صالح الاتفاق تلو الآخر، ليتحول إلى معيق للتسوية في نظر الوسطاء، لا هم له إلا تحقيق مصالحه حتى على حساب تجاهل مصالحهم.

أثناء المفاوضات حقق الوسطاء الدوليون إنجازاً بالحصول على وعود من صالح بعدم جر البلد إلى العنف. لكن صالح استغل ذلك لتحسين شروط تنحيه، فضل بين الحين والآخر يحاول إرسال رسائله عبر استخدامه العنف ليحقق بعض المطالب لمصلحته في التسوية السياسية.

ما بعد انهيار المحاولة الأخيرة
الأحد الماضي وصلت المفاوضات –كالعادة- إلى طريق مسدود حين تنصل صالح عن التزامه التوقيع على آخر مبادرة خليجية مع أنه كان تم تسويتها وتفصيلها وفقاً للاشتراطات التي كان يصر على تضمينها. وإذاك خاض صالح معركة دبلوماسية معيبة بحق الوسطاء الذين كان هاجمهم واتهمهم بالانقلاب على الشرعية في يوم التوقيع ذاته أثناء اجتماعه بأعضاء اللجنة الدائمة لحزبه. وهو اليوم الذي أطلق فيه تهديداته تلك للمعارضة. واليوم التالي فجر الأوضاع بمهاجمة منزل الشيخ الأحمر.

في الواقع، كان صالح حين دخل مع الوسطاء الخليجيين والدوليين، وينكث بتعهداته معهم كلما حان وقت التوقيع، يستغل الوقت للتخطيط المدمر. وبحسب المعلومات فقد كان يرمي -من خلال حصوله على المزيد من الوقت– إلى إنجاز مخططه العسكري وقيل إنه أعاد توزيع الجيش وأحدث تنقلات كبيرة في المعسكرات التي تتبع الحرس الجمهوري وتلك التابعة له، في الوقت الذي ظل فيه يواصل عملية توزيع الأسلحة لأنصاره في المحافظات والمديريات.

يعتقد البعض أن دخول الرئيس في حرب أهلية لن تكون في مصلحته لاسيما في ظل المستجدات الأخيرة على المستويين الداخلي والخارجي. لكن آخرون يرون أن خيار الحرب بالنسبة للرئيس هو خيار الرجل المنتحر، والذي ربما اعتقد صالح أنه الأنقى تأثيراً على قناعة الوسطاء من جهة قلقهم من نتائجها التي ستطال مصالحهم الحيوية عبر تهيئة المناخ لتنظيم القاعدة وربما دعمه. لاسيما بعد أن اعتبر أن خيار المفاوضات لن يكون قادراً على تجنيبه المسائلة القانونية على مجازره البشعة في حق شعبه المسالم والأعزل، حتى وإن تضمنت المبادرة مادة صريحة بذلك. فالقانون المحلي الذي سيصدره الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى الذي سيمنحه ضمانات عدم المسألة القانونية، يبدو أن المعلومات التي حصل عليها مؤخراً تقول إن مثل هذا الإجراء المحلي لن يكون ملزماً للمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنظمات والمؤسسات الحقوقية العالمية.

وإذا كان ذلك هو القرار الأخير الذي قرر صالح المضي فيه، فإنه سيكون خياراً غير ناضج كون بعض المسئولين الدوليين في أمريكا وأوربا يتحدثون اليوم عن ضرورة استخدام مجلس الأمن لإيقاف صالح من تقتيل شعبه والزج بالبلاد في أتون حرب أهلية. هذا ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أمس.

• مجرد مناورة باهضة الثمن
على أن هناك من يفضل الانحياز للاحتمال القائل بأن المواجهات الأخيرة تندرج ضمن مخطط يقوم على توجيه ضربة خاطفة وسريعة مع إمكانية التراجع عنها لاحقاً، الهدف منه هو فقط توصيل رسائله لمناوئيه وللوسطاء وفقاً للاحتمال رقم ثلاثة. غير أن مسار الأحداث نحت بالمخطط نحو التصعيد بسبب المواجهة الشرسة التي أبدتها القبائل وكبدت الجيش والحكومة خسائر كبيرة على نطاق واسع من المواجهات. الأمر الذي اضطر صالح وأبناءه إلى استخدام أسلحة متطورة جداً مثل الصواريخ التي عادة ما تستخدم في الحروب فقط.

ناهيك عن ذلك التطور الآخر يأتي بسبب مقتل بعض المشايخ الوسطاء وإصابة آخرين بسبب القصف أثناء تواجدهم في منزل الشيخ صادق. وهو ما يعني "عيباً أسود" في العرف القبلي من شأنه أن يؤدي إلى تكالب القبائل ضد صالح بما فيها بعض تلك التي ظلت مناصرة له حتى الأمس واليوم.

هناك احتمال آخر يقول به البعض: أن صالح بمهاجمته منزل الشيخ الأحمر، إنما هي محاولة لحرف مسار الثورة من خلال تصوير الصراع على أنه بين أشخاص وليس بين شعب ورئيس فقد شرعيته. ربما كان لمثل هذا الاحتمال ما يعززه من حقائق هامة. فصالح وآلته الإعلامية حاولوا منذ الأيام الأولى للثورة الشبابية حرف طبيعة الثورة باتجاه تصويرها على أنها صراع بين بيت الأحمر بقيادة الشيخ حميد، مع صالح وأسرته الحاكمة. غير أن الحقيقة هنا تؤكد الفشل ذاته الذي ترافق مع كافة تلك المحاولات السابقة.

في جميع الأحوال، الحقيقة المؤكدة هي أن صالح يواصل -يوماً إثر آخر- خسارة أنصاره الداخليين وحلفائه الخارجيين، بسبب سياساته المتخبطة ومواقفه المتقلبة.
وهو اليوم يبدو أضعف ما يكون. وسيكون ندمه أكثر حين يجد أن الفرصة التي منحت له في السابق لن تكون متوفرة بعد أيام، أو ربما بعد يوم، بل قد يكون بعد ساعات..
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق