الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

جار الله عمر، الشيخ الأحمر، بن شملان..لحظات وفاء مع الخالدين في مسار التحولات التراكمية لليمن الكبير


في مثل هذا الشهر، واليوم، وبعد أيام قليلة فقط، تهل علينا ذكرى رحيل ثلاثة من أبرز شخصيات اليمن المؤثرين في مسارها السياسي والحزبي والإجتماعي. تلك المسارات التي مهدت لبلوغ التغيير والتحول السياسي الذي تعيشه بلادنا اليوم، بعد 33 سنة من حكم الفرد، والعائلة، والقبيلة..
الشيخ عبد الله الأحمر، الذي وافته المنية في 28 ديسمبر 2007، الأستاذ جار الله عمر، الذي اغتيل في 28 ديسمبر 2002، والمهندس فيصل بن شملان، الذي غادرنا في أول يناير 2010.
ما كان لنا أن ننسى عظمة مثل تلك القامات في خضم هذه التحولات الإيجابية التي تمر بها البلد اليوم، وهم الذين وضعوا بصمات واضحة ومؤثرة، في مسار هذا التحول السياسي التراكمي.
ومع هذه الأفراح التي بدأت تغشى الشعب اليمني الذي ناضل بجساره في طريق تحقيق الحلم وقطف الثمرة، لربما شعرنا أنه لحري بنا أن نتذكرهم طائفين على ثراهم الطاهر، محاولين، بالقدر الذي تستوجبه اللحظة التاريخية ويفرضه علينا الوفاء، الإحاطة بأعمالهم العظيمة.
عبد الحكيم هلال

-------------------------------

في الذكرى التاسعة لرحيله

جار الله عمر: مهندس اللقاء المشترك .. ومرسي أسس التغيير


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
الأربعاء 28 ديسمبر، تحل الذكرى التاسعة لاغتيال رجل السياسة الفذ، المنقذ لحزبه ومؤسس الحوار الداخلي بين المختلفين، مهندس أقوى كيان للمعارضة اليمنية المتمثل باللقاء المشترك.

اغتيل جار الله عمر في المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح في 28 ديسمبر 2002، بعد دقائق قليلة من نزوله من المنصة عقب انتهائه من إلقاء كلمته التاريخية بالمناسبة. وقد اعتبر مراقبون أن تدبير تصفية عمر في هذا المؤتمر بشكل خاص لتحقيق هدفين:

-الأول: التخلص من رجل لطالما ظل يشكل خطورة سياسية تمثلت بمترافقين: تبنيه مواقف تسامحية مستنيرة تدعو إلى ركل الماضي والتقارب بين أحزاب المعارضة لتشكيل قوة معارضة مؤثرة تكون قادرة على التغيير. ولمواقفة القوية والشجاعة المناهضة لنظام صالح وفساده.
-الثاني: محاولة لوأد الجنين المتمثل بتحالف المعارضة - الذي كان قد بدأ يتشكل من خلال مجهوداته - بجره إلى دوامة الخلافات والصراعات البينية.

بدأت خطورة جار الله عمر تتجلى، بداية، من خلال دوره البارز في إعادة بناء الحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب صيف 1994، حين كان ما يزال عضواً في مكتبه السياسي، رئيسا لدائرته السياسية. ومن ثم برز أكثر بعد انتخابه أميناً عاماً مساعداً للحزب في دورته الثانية عام 2000، ليواصل تبنيه حوارات سياسية مع أحزاب المعارضة الأخرى ذات القوة والتأثير في الساحة بهدف توحيد جهودها في كيان واحد يكون أكثر قوة وتأثيراً، وهو ما تم لاحقاً بإعلان تشكيل هذا الكيان تحت اسم «اللقاء المشترك».

كانت نظرة جار الله عمر ليست مستقبلية عميقة فحسب، بل ذات أبعاد وطنية خالصة ترمي إلى إنقاذ الوطن - في وقت مبكر – من وهدة السقوط في براثن الصراعات والتفكك والانهيار. حيث كانت تجليات المشكلة اليمنية – بكافة جوانبها - قد بدأت تنتقل تدريجيا من التشكل لتتحول إلى أزمة معقدة بشكل أكثر وضوحاً.

ولقد كان يمكننا أن نقف أمام عمق تلك النظرة، في كثير من مواقف وتصريحات وكتابات المفكر السياسي ومناضل التغيير الفذ، هذا. بيد أننا هنا نفضل نستعرض تلك النظرة من خلال بعض ما تناولته مضامين كلمته الأخيرة التي ألقاها في مؤتمر الإصلاح، قبل دقائق من اغتياله:
في تسع نقاط، لخص الشهيد «أهم العبر ذات الصلة بالأوضاع الراهنة». ومع أن جميعها تستحق أن تعرض كأجندة عمل متكاملة، إلا أننا – نظرا لطبيعة هذه التناولة – سنكتفي بعرض أهم ما يتعلق بنظرته الخاصة لمستوجبات تأسيس كيان معارضة موحد لإنقاذ البلاد.

في النقطة الخامسة، أعتبر «أن تقوية النظام السياسي للبلاد يفترض وجود معارضة قوية مستندة إلى مجتمع زاخر بالحراك والفعالية والمنظمات الأهلية المستقلة بعيداً عن السيطرة الرسمية وبالصحافة الحرة المؤثرة والإبداع الحر ولا شك أن قيام اللقاء المشترك يشكل خطوة على هذا الطريق بعد أن أصبح اليوم إحدى حقائق الحياة السياسية في اليمن».

وبعد أن سرد تجارب مشتركة سابقة بين أحزاب المعارضة قال أنها أثبتت «الاتفاق على مواقف مشتركة لصالح توفير الشروط لتسوية المسرح السياسي الوطني الذي يسمح بالتنافس الحزبي الحر في ظل الظروف الراهنة ومقاومة نزوع بعض الأوساط الحاكمة نحو مزيد من الهيمنة والسيطرة على إرادة الناخبين واكتساح الساحة السياسية الوطنية برمتها وتوزيع حصص ضئيلة على بقية الأحزاب كهبات».

بعد ذلك، أنتقل إلى البؤرة بعرض المبررات التي تفرض على الجميع في المعارضة العمل على مواصلة هذه التجربة من خلال تأسيس كيان موحد، واضعاً الجميع أمام استحقاقات المرحلة القادمة، من حيث «إن اليمن بحاجة إلى إرساء دولة النظام والقانون، دولة المؤسسات كي نتفرغ لمواجهة التحديات الكبرى في المجالات المختلفة وأهمها تعثر التنمية وشح المياه وتكاثر السكان وتفشي الفقر والفساد والأمية وتهميش المرأة وتراجع الهامش الديمقراطي وسيادة التخلف العلمي والمعرفي حتى بمقاييس البلدان المتخلفة إلى جانب العجز أمام تحديات العولمة وقادها المؤثرة التي ستفرض مصالحها ورؤاها وسياستها وقيمها على الآخرين دون اكتراث باحتجاجاتهم الصاخبة.

إن هذه التحديات الكبيرة الداخلية والخارجية تفرض على كل القوى السياسية الحية والفعاليات الاجتماعية في السلطة والمعارضة النهوض بواجباتها والدخول بدون تردد في حوار جاد ومسؤول وصولاً إلى بلورة ما يمكن الاتفاق عليه من أهداف مشتركة والسعي إلى تحقيق تلك الأهداف ولو بأساليب متباينة حسب موقع كل طرف داخل المجتمع وتأثيره وسط فئاته المختلفة، ذلك أن النجاح في الوصول بالحوار الوطني إلى أهداف مشتركة أنفع للوطن والمواطنين من استمرار الاختلاف على كل شيء مع الاحتفاظ لكل طرف بالحق بالتمسك بما يراد حيوياً من أهداف ورؤى وبرامج خاصة»...وكانت تلك هي أبرز معالم تشكل اللقاء المشترك، لاحقاً، وفقا لتلك المحددات التي قدمها.

واليوم، وبعد مرور تسع عجاف على اغتياله، هاهو الجنين الذي كان ينصح الآباء بضرورة رعايته في رحم الحوار السياسي، من أجل إنقاذ البلاد ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية..هاهو قد ارتوى بدمائه وتخلق ونما وترعرع ونشأ في ظل الحوار الذي أسسه الراحل، حتى بلغ مرحلة الشباب، مرحلة الفتوة والقوة والاستعصاء ليقود مع شباب اليمن «ثورة تغيير شعبية».

ولما كان جار الله عمر يعلن رفضه القاطع للعنف، وينادي بالنضال السلمي لإحداث التغيير، حفاظاً على المواطن والوطن، فقد حدث ذلك بالفعل. وهاهو نظام صالح قد بدأ ينكسر ويتهاوى قطعة قطعة أمام صدور فتية عارية فضلت أن تواجه بها الرصاص والمدافع والقوة الغاشمة.

أما الآن، فقد حق لنا أن نعلمك وأنت في ثراك الطاهر: أن المسار الذي رسمته، كان خريطة للثورة الشعبية السلمية، وأن النتيجة التي حلمت بها، باتت أقرب ألينا من مجرد حلم.
---------------------------------

في الذكرى الرابعة لوفاته

الفقيد الأحمر: حكمة الشيخ لم تمنع جسارته في المواجهة


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
قبل أذان مغرب عقد من الزمان، يوم مقتل الشهيد جار الله عمر، كنت في ديوان الشيخ المرحوم عبد الله بن حسين الأحمر. اليوم الذي كانت تمر فيه البلاد بواحد من أخطر التحديات السياسية في تاريخها السياسي الحديث. فلقد كانت تجربة تحالف المعارضة – التي لم تكن سوى في بدايتها – على المحك. عكس خطورة الأمر، هذا الحشد الكبير الذي اكتظ به ديوان الشيخ بأهم قيادات أحزاب اللقاء المشترك، لمناقشة تداعيات الحادث وموجبات التصرف المفترض والمطلوب فيه التصرف بشكل دقيق وحساس يتماشى وحجم الكارثة..

وفي خضم النقاشات، استقبل الشيخ عبد الله اتصالاً مهماً، جعله يرفع يديه لتهدئة الأصوات التي خفتت بشكل آلي. كان الاتصال من الرئيس علي صالح. ومن خلال الأخذ والرد أدرك الجميع أن صالح كان يطلب من الشيخ تسليمه التسجيل المصور لاعترافات القاتل. رفض الشيخ الطلب بشكل غير قابل للتراجع، قائلا: هذا الأمر لا يخصني وحدي بل يخص جميع قيادات اللقاء المشترك وبالأخص حزبي الإصلاح والاشتراكي، المتضررين الرئيسيين من عملية الاغتيال المدبرة. لدقائق متواصلة من الحديث التلفوني كان إصرار الشيخ واضحاً على الرفض، أمام محاولات وتهديدات الرئيس، التي اتضح لاحقاً – عبر حديث الشيخ للحاضرين - أنه هدد بتحميل الشيخ وأولاده وحزب الإصلاح جريمة التدخل في أعمال الدولة وانتهاك القانون.

كان ذلك التسجيل، الذي تضمن اعترافات المتهم بالجهة التي أوعزت إليه بتنفيذ العملية، نتيجة التحقيق مباشرة معه بعد ارتكاب العملية من قبل قيادات مشتركة في الحزب الاشتراكي، الإصلاح، وبعض أولاد الشيخ، هو الدليل القاطع والمنقذ الذي حافظ على تماسك وحدة المعارضة بعد أن استهدفت بشكل واضح من قبل النظام.

واليوم، ومع حلول الذكرى الرابعة لرحيل حكيم اليمن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، الذي توفى في 28 ديسمبر من العام 2007، في الرياض، بعد معاناة طويلة مع المرض استمرت سنتين تقريبا...في مثل هذا اليوم استهوتني مثل تلك الشجون لتوعز لي ما يستوجب الإنصاف فيما أثاره الشيخ من جدل في حياته.

 وخلال تاريخه السياسي والاجتماعي الطويل والحافل، تعرض الشيخ عبد الله الأحمر – شيخ قبائل حاشد القوية – لمضايقات شخصية كثيرة استهدفت إضعاف قوته وتأثيره الاستثنائي والواضح على الحياة السياسية. لكن ومع ذلك، ظل هناك من يكن له عداوة كبيرة، من خارج النظام، معتبرا إياه أحد حلفاء الرئيس، وعده البعض سببا رئيسيا في تقوية نظامه المتداعي. وفي المقابل كان كثيرون يعدونه رمزا للقوة والبسالة والشجاعة. ما جعله ذلك التناقض مثار جدل أثناء حياته وبعد مماته.

والأرجح، أن التيار العقلاني، ممن عرفوا وعايشوا الشيخ، ظلوا يضعونه موضع تقدير دائم قياسا بمعظم مواقفه التي أتسمت بالوطنية، تباعا لأدواره النضالية التي بدأت قبل ثورة سبتمبر 1962، وتواصلت إلى ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية (1990). وعليه فإن مثل هؤلاء ينظرون حتى إلى تلك المواقف التي يراها البعض منحازة للرئيس، على أنها مواقف طبيعية غلبت عليها الحكمة والتسامح والوطنية وغيرها من الصفات التي تطبع عليها الشيخ وبلغها من طول التجربة والخبرة.

وفي الواقع، ومن خلال تلك المواقف، فإن النسبية تؤكد أن الشيخ عبد الله الأحمر لم يكن منحازا للرئيس، أكثر من انحيازه للوطن. ويدرك السياسيون الحصيفون، ارتكازا على حجم الشيخ وقوته وتأثيره، أن حكمة الشيخ أنقذت اليمن من صراعات كبيرة مبكرة، كتلك التي واجهها الوطن بعد وفاته حتى بلغت ما يشبه الحرب الأهلية في الحصبة خلال الأشهر الماضية. وأغلب الظن أن هذا التيار العقلاني المتعاظم، في الوقت الذي يؤمن فيه بشكل راسخ أن معظم مواقف الشيخ عبد الله المتسامحة والحكيمة جنبت اليمن صراعات كبيرة، إلا أنه لم يتوانَ لحظة في معارضة تجبر وتسلط الرئيس ونظامه بشكل صريح وقوي، لاسيما في تلك القضايا المصيرية التي لا تتعلق بالعلاقات الشخصية الحميمية. كما أن الشيخ، الذي ظل محافظا على خصلة الوفاء في المواقف التي لا تتعدى تأثيراتها الحياة العامة، إلا أنه كان يعمل بخبره وذكاء على تفكيك منظومة القوة الخاصة للرئيس صالح في إطار حزبه التجمع اليمني للإصلاح، لاسيما بعد أن شعر بجنونية الرغبة في توريث الوطن، ما جعل صالح يتعامل معه كرجل خطير يتوجب إزاحته، ولكن بحرص شديد كان يتوخى فيه أن لا يفقده كحليف بشكل صريح. وفي الوقت الذي كان يحاول فيه إضعافه وقصقصة أجنحته، كان الشيخ عبد الله، يدرك ذلك تماما، ليتعامل معه بالطريقة ذاتها عبر عدة محاور كان بضمنها (إلى جانب الاندماج غالبا مع سياسة حزبه التجمع اليمني للإصلاح في إطار قرارات تحالف اللقاء المشترك)، تأليب القبائل ضده، وتشجيع نجله الشيخ حميد في مواصلة منهجه المناوئ لصالح. لكن، وفيما كانت مواقف الشيخ المخالفة لرغبات صالح تتشكل وتتضح أكثر أثناء وبعد انتخابات 2003 النيابية، وما بعدها، إلا أن المرض الذي أقعده الفراش وغادر به إلى العلاج في الخارج والتغيب عن العمل السياسي لقرابة عامين، كان فرض عليه تهدئة المواجهة من جهته فقط، دون حزبه ونجله وأنصاره من شيوخ القبائل. وذلك ربما في أغلب الظن، خشيته من أن ينشب صالح – الذي عرفه تماما – أظافره في الحياة السياسية العامة وفي أسرته أثناء ضعفه ومن بعد رحيله.

ومع ذلك، فإنه وأولئك الذين اقتربوا منه، وكذا أولئك العارفين أكثر بطبيعته الجسورة، يجزمون أن موقف الشيخ - بعموميته - من حكم صالح لم يكن ليتجاوز ما قام به أبناؤه من بعد وفاته. إذ أن ذلك العداء الذي برز مع الأحداث الأخيرة بشكل جلي وكبير، ليدل أصلاً على ما كان الشيخ يرغب به في حياته، غير أن الفرصة المواتية لم تكن قد سنحت له بعد كما سنحت لأبنائه، مع قدوم «الربيع العربي» وإصرار الشعب اليمني على إزاحة صالح ونظامه.

على أن الاختلاف هنا ربما كان أكبر من حيث قدرة الشيخ المرحوم في التأثير على القبائل وجعلها تواجه بقوة أكبر جبروت وصلف هذا النظام العسكري الأسري. وثمة حقيقة أخرى، تأتي من الإجابة على السؤال التالي: إذا كان أولاد الشيخ عبد الله قد واجهوا تلك العنترية غير المبررة بتلك البسالة والشجاعة، فكيف كان سيكون الأمر فيما لو كان الشيخ موجودا؟

أغلب الظن لربما ما كان لصالح وأنجاله وأولاد أخيه أن يقومون بما قاموا به مؤخراً من استهداف منزل الشيخ على ذلك النحو الاستقوائي البغيض. وإن حصل فربما كانت العاقبة أشد وطأة من تلك التي تعرضت لها قوات الأسرة الحاكمة من هزائم متكررة، لم تزد إلا أن أعادت هيبة الشيخ وقوته من بعد رحيله.
------------------------------

في الذكرى الثانية لرحيله

بن شملان والتضحية من أجل اليمن.. رأس حربة التغيير


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
 1 يناير من هذا العام، تحل الذكرى الثانية لوفاة المهندس فيصل بن شملان الذي توفى الجمعة أول يناير 2010، «أول رئيس من أجل اليمن.. رئيس للمقهورين». ومع أنه لم يفز بالرئاسة، إلا أنه وعلى هذا النحو يفضل تسميته قرابة أكثر من مليون ونصف يمني، هم قوام من منحوه أصواتهم في أول انتخابات رئاسية (في سبتمبر 2006) يجد فيها الرئيس صالح منافساً وخصماً شرساً.

لقد خاض فيصل بن شملان أول منافسة انتخابية حقيقة ضد صالح، تحت شعار«رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس». وكان اعتبر قبوله المنافسة والترشح في ظل تلك الظروف الصعبة والحرجة والمعقدة، بمثابة «التضحية» من أجل اليمن. ولإنقاذ اليمن من الانهيار، ولكسر حاجز الرهبة، ولإرساء مداميك التغيير.

فبعد مسرحية صالح الشهيرة حين عاد وأعلن قبوله الترشح مجددا للرئاسة في 24 يونيو، (استجابة لـ«دموع النساء والأطفال والمسنين» بحسب ما قال)، ناكثاً العهد الذي كان قطعه قبل عام تقريبا (في يوليو 2005) بأنه لن يترشح، قررت المعارضة أن تبدأ مرحلة العمل الجدي وكسر الرهبة والجمود الذي سيطر على الحالة السياسية اليمنية لأكثر من عقد ونصف (منذ قيام الوحدة اليمنية 1990) بسبب سيطرته على مفاصل وأجهزة الدولة. وحين قررت ذلك، لم يكن أمامها رجل أقدر وأقوى وأجسر غير المهندس فيصل بن شملان. ولهذا، ولأنه قبل الترشح للرئاسة بعد محاولات إقناع عديدة، فقد وصفه البعض أنه قبل القيام بعمل جبار أن يكون «رأس حربة التغيير».

ليس ثمة شك من ذلك. فآنذاك، ومذاك، كُسر «صنم التقديس» للرجل الوحيد. ولقد شُرخت الرهبة التي سادت المعترك السياسي لسنوات. الرهبة من مواجهة «سوبرمان» اليمن، الذي ينام و«يمدد» جسده وأطرافه ملء عرش الدولة، ثم يصحو دون أن يجد حتى مجرد ريح طفيفة تلفحه. بجسارة خاض المهندس المنافسة، وحقق ما هو أكثر من المتوقع. وعوضاً عن جسارته، بكلماته الشجاعة والصريحة التي هزت عرش «السوبر مان»، كان الطاؤوس يفرد ريشه المزهنق بالألوان، أمام الحشود المليونية، في التلفاز (للمرة الأولى)، خلال المقابلات الصحفية...الخ، كاشفاً أسراراً وفظائع لم يكن ليجرؤ أن يقول بمثلها أحد من قبل، في ظل تلك الظروف التي كانت ما تزال تمنح صالح كل مفاصل القوة والبطش. لكن، هاهو، كل ذلك التاريخ السابق، بات جزءاً من الماضي، وبدأ الناس – بعده – يصرخون أكثر، يرفعون رؤوسهم أعلى، يقولون بالعلن ما كانوا يتهامسون به بالسر.

لقد بدأت المعارضة بتدشين مرحلة جديدة من العمل السياسي عبر بن شملان، وحظي المهندس الخلوق بخاتمة «المسك» لحياته الزاخرة بالنزاهة والعفة والوطنية.

دعونا من ذلك التعميم، ولنتحدث عن مبادئ بن شملان في التغيير. نظرته لما يجب أن يكون عليه الحال في دولة ديمقراطية، مدنية، رشيدة، ترغب في تجاوز أزماتها. نظرته في الحل الذي يجب أن يكون للخروج من النفق المظلم الذي أدخلنا فيه رئيس بصلاحيات خارقة.

ومع أنه لم يكن ليهدأ بخصوص الحديث عن المشاكل الاقتصادية المتكالبة على البلاد، إلا أنه كان كثيرا ما يركز على أن المشكلة الرئيسية التي تواجه اليمن تنبع أساساً من المشكلة السياسية، ومن دون إصلاح النظام السياسي «لا يمكن تحقيق أي شيء»، هكذا بدأ بن شملان تدشين العملية السياسية الاستثنائية في أول مؤتمر صحفي (في 8/7/2006) عقده بعد قبول أوراق ترشحه. وفي لقاء مع قناة الجزيرة (30/8/2006) أكد الفكرة ذاتها، وزاد فيها: أن تأتي البداية بالانتقال إلى نظام سياسي «يكون فيه الرئيس شبيه برمز البلد ولكن السلطة الحقيقية نريد أن ننقلها إلى الأجهزة الحقيقية مجلس الوزراء والنواب والشورى والقضاء».

ألم تكن تلك هي المشكلة حقاً؟ بلى. وهل بلغنا هذا الحد من التخلف المجانب لكل نظريات التحول السياسي في البلدان الديمقراطية، إن لم يكن الحال كذلك. بل أكثر من ذلك، في مقابلة مع جريدة الرياض السعودية في 18 يوليو 2006، طالب بن شملان بإخضاع رئيس الجمهورية للمحاسبة والحد من صلاحياته.

ولاحقاً، سمعنا أن أحزاب المعارضة بدأت تتحدث بمثل تلك الأفكار. ومن تلك الأفكار، وبعد أن فتح المهندس الباب، تدحرجت الصخرة الضخمة لتستقر وسط الغرفة. ودخلت المعارضة في حوار شديد الخصوصية، شديد الصرامة حول مبادئ النظام السياسي المطلوب لإدارة البلاد خلال المرحلة القادمة، كانت تضع تغيير شكل النظام في مقدمة اشتراطاتها. وبعد عام من وفاة المهندس، كانت الصخرة تواصل تدحرجها إلى الأمام، حتى توقفت قبل مسافات من الهدف. حينها (أواخر العام 2010) مزق صالح مسودة الاتفاق ووضع نفسه في فوهة البركان. في هذه الأثناء، لم تكن المعارضة لتقبل التراجع عن ضعف. واصلت التصعيد واستقبلت نفحات الربيع العربي على ذلك النحو، لتجدف في الاتجاه الذي فرضه شباب الثورة، مع أنها من صنعت المركب بداية.

كان اللقاء المشترك، بنضاله الطويل والمتواصل، جزءاً من العملية من قبل ومن بعد. ولقد كان لابن شملان تصريحات سابقة تؤكد أن هذا الكيان هو من بيده إنقاذ اليمن. وطالب الجميع بالعمل معه، وقال: إن المشترك «بكل تأكيد سيواصل تواصله وتقاربه لإنجاح مشروعه في الإصلاح السياسي والوطني». لقد كان، فعلاً، يؤمن - بنظرته الثاقبة - أن اللقاء المشترك هو الرافعة التي من المفترض أن تحمل التغيير، من حيث «أن إصلاح الوطن –أي وطن- يتم عبر تنفيذ برنامج يحمل مشروعا متفقاً عليه، يشخص المشكلات ويضع الحلول، وهذا هو برنامج اللقاء المشترك، والذي يحتاج أيضا ليكون وثيقة وطنية بدلا من كونه برنامجا حزبيا. وفي الحقيقة نريد حتى الناس الآخرين أن يدخلوا فيه، لأنه خطوط عامة في الأساس». (مقابلة مع النداء، 5 يوليو 2006م). في نفس الوقت، الذي كان يحفز الشباب على التغيير وعدم السلبية، قائلا: أرجو أن يكون ذلك حافزاً لكل الشباب أن يتجمعوا للمعترك السياسي الاجتماعي دون خوف أو وجل وأن يوقنوا من أن حالة البلد في خطر حقيقي من حيث الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وأن الفساد السياسي القائم أصل كل فساد وعليهم ألا يتفرجوا فقط على مستقبل بلادهم وأولادهم.

وبشكل عام، أكد على ضرورة النضال من أجل التغيير «وفي النهاية ليس أمام الناس إلا أن يناضلوا حتى يتغير الوضع، وهذا التغيير لن يحدث تلقائياً. ومشكلة اليمن ليست الرئاسة فقط، لكنها في توجه الحكم والسلطة؛ لذا لا بد أن يتحرك الناس من أجل التغيير، لأن هذه الأوضاع ليست دستورية وليست قانونية وليست وطنية وليست دينية». (مقابلة النداء:5 يوليو 2006م).

لقد ظل رأس حربة التغيير هذا، يتحلى، كما هو اليوم حال شباب الثورة الشعبية، بموقف أكثر عدائية من رأس النظام، لا سيما بعد استمرار هذا الأخير السعي لتأميم الحياة السياسية بالقوة. فبعد انتهاء الانتخابات، ظل مصرا على رفضه تهنئة صالح على الفوز، من حيث أن التراجع عن موقفه سـ«يعتبر خذلاناً للناس»، معتبرا «أن هذا الحكم مغتصب»، حسب مقابلة أجرتها معه صحيفة النداء بعد الانتخابات، أواخر العام 2006. وقال إن «النظام يريد أن يستمر الناس في الطاعة العمياء، وفي اعتقادي هذه هي المشكلة الحقيقية».

واليوم، هاهم الشباب اليمني الطامحون للتغيير، ومعهم في المقدمة أحزاب اللقاء المشترك، قد كسروا كل تلك القيود، لينتصروا على الظلم والطغيان.
-----------------------
نشرت في صحيفة المصدر الأسبوعية: الثلاثاء 27 ديسمبر 2011 - العدد 186






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق