الجمعة، 21 يونيو 2013

حرب المؤتمر على الرئيس هادي

تعرض لهجوم شرس من صحف مقرّبة من صالح وحزبه يشكل لجنة داخلية لرأب الصدع

صالح وهادي في صورة ارشيفية اثناء ما كان الأخير نائباً للأول

صالح وهادي في صورة ارشيفية اثناء ما كان الأخير نائباً للأول
فشلت لجنة داخلية في حزب المؤتمر الشعبي العام، على الأقل حتى الآن، في التوصل إلى حلول مناسبة تنهي المشاكل الداخلية في الحزب وتحافظ على تماسكه الداخلي، عبر محاولة رأب الصدع بين رئيس البلاد عبد ربه منصور هادي، ورئيس المؤتمر الشعبي العام، الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

وتدور خلافات قويّة في كواليس الحزب، على خلفية محاولة السيطرة على قيادته العليا. حيث ارتفعت حدّة معارك "كسر العظم" بين طرفي الصراع الرئيسيين، الأمر الذي رفع بدوره من حدة الاستقطابات الداخلية بهدف كسب الولاءات داخل الأطر القيادية العليا، لاسيما بين أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر.

وبرزت حدّة الخلافات بشكل أكبر وأشد وضوحاً، خلال الأيام القليلة الماضية، بين "صالح" باعتباره رئيس المؤتمر الشعبي العام، والرئيس "هادي" نائبه الأول في الحزب، والذي يتولى أيضا منصب الأمين العام للمؤتمر، وذلك إثر قرارات حاسمة اتخذها الأخير بتقليص بعض امتيازات الأول الشخصية الموروثة من عهد رئاسته، ما عرّضه إلى استهداف كبير تمثل بهجوم لاذع لشخصه من صحف ووسائل إعلامية تابعة ومقربة من صالح.

ونقلت صحيفة "الوسط" الأسبوعية المستقلة، في عددها الأخير (الأربعاء)، تصريحات لمصادر قالت إنها موثوقة، أكدت أن اللجنة العامة للحزب شكلت لجنة قيادية مكوّنة من النائب الثاني لرئيس المؤتمر الدكتور عبدالكريم الإرياني والأمناء العامين المساعدين، للقيام بمهمة رأب الصدع بين الرئيس هادي وصالح. وأكدت الصحيفة أن اللجنة التقت هادي، صباح الثلاثاء، بغرض سماع رأيه حول مجمل الخلافات التي أدت إلى القطيعة مع صالح..

وأكدت مصادر الصحيفة أن أهم قضايا الخلاف الرئيسة تتمثل من جانب رئيس المؤتمر بتخفيض الرئيس لحراسة صالح من 3000 فرد إلى 600، وكذا إطلاق المتهمين على ذمة تفجير دار الرئاسة، ومحاباة المشترك على حساب المؤتمر، وتعطيل أدائه التنظيمي. فيما يطرح هادي قضايا التطاول عليه من قبل وسائل إعلامية ممولة ومحسوبة على المؤتمر ورئيسه، وكذا التهديد بالدعوة لانتخابات قيادية في المؤتمر، واستبعاده من الأمانة العامة والتحريض عليه..

وتعرّض الرئيس هادي، مؤخراً، لهجمة إعلامية شرسة من قبل وسائل إعلام تابعة أو ممولة للرئيس السابق ومحسوبين عليه، كان آخرها الهجوم اللاذع الذي طاله من قبل صحيفة "المنتصف" الأسبوعية، التي تُوصف بأنها مقرّبة من نجل الرئيس السابق أحمد علي، والتي اتهمته بالسعي إلى تدمير حزب المؤتمر الشعبي العام وإقصاء "صالح" ومواليه وزمرته وتياره (الذين أطلقت الصحيفة عليهم بـ"الصالحيين") من قيادة الحزب، جاء فيها: "إن هدف هادي ليس فقط ترؤس المؤتمر وإنما الإجهاز عليه وبصورة حيوية تضمن له ولمن حوله من الحلفاء إسكات وإخراس الصالحيين نهائياً"، طبقا لما ورد في عدد صحيفة "المنتصف" الأخير، التي اعتبرت هادي مصدر خطر على المؤتمر.

وفي وسط الهجوم على هادي، خاطبت الصحيفة المؤتمريين بصيغة تحريضية: "..ادفعوا الثمن أياً كان، ولو كان الرئيس هادي شخصياً.. المؤتمر أهم وأثمن وأضمن". بل أكثر من ذلك، وجهت الصحيفة تهديداً صريحاً للرئيس هادي باستبعاده من المؤتمر نهائياً؛ لأنه صعد إلى منصب أمين عام بقرار كبديل عن عبدالقادر باجمال وبالإمكان الإطاحة به بقرار مماثل..!! متهمة إياه بالتآمر على قرار تعيين الدكتور علي مجور أميناً عاماً للمؤتمر، حينما صدر قرار بتعيينه سفيراً لليمن في الاتحاد الأوربي.

وكان واضحاً أن الصحيفة أخذت على عاتقها القيام بمهمة الهجوم على الرئيس هادي. إذ نشرت في العدد نفسه موضوعاً آخر، تضمن اتهامات لهادي؛ بدءاً بالعنوان الرئيسي للموضوع: "الرئيس الثوري وفن صناعة الفوضى.. الانتقام من الشرعية الدستورية، وتفتيت الحرس، أبرز نجاحات الرئاسة".

وكان من اللافت أن هذا الاستهداف لشخص الرئيس جاء إثر قرار اللجنة العامة تشكيل لجنة التواصل لرأب الصدع بين الطرفين، ما يُوحي بمحاولة الضغط على هادي من جهة، ومحاولة إضعاف موقفه داخل الأطر القيادية في الحزب من جهة أخرى، عبر تخوينه بالإشارة إلى أنه يعمل على كيل الضربات الموجعة "في رأس وجسد المؤتمر.."؛ وإيعازها – في سياق المقال الهجومي على هادي - بأن صالح هو الضمانة الوحيدة لبقاء المؤتمر: "المؤتمر من دون صالح سيكون أضحية للذبح والمقايضة باللحم والجلد". هكذا تقرر الصحيفة، التي اعتبرت في الوقت ذاته أن هادي "يمثل مركز تحالف صفقة الفوضى والسلطة".

 وبعد اشتداد المواجهات، وفقاً للنسق المشار إليه آنفاً، نقلت صحيفة "الوسط" في تقريرها بهذا الشأن، المنشور يوم الأربعاء، أن مصادرها أكدت أن اللجنة طرحت مقترحاً بأن يتخلى رئيس المؤتمر ونائبه عن صلاحياتهما لصالح لجنة تنفيذية تقوم هي بقيادة وإدارة المؤتمر في المرحلة القادمة، وحتى انعقاد مؤتمره العام، وبغرض إيجاد قيادة موحّدة للمؤتمر بعيداً عن تجاذبات الرجلين..

وأوضحت أن هادي وافق مبدئياً على مقترح اللجنة، إلا أنه اشترط موافقة صالح، الذي تؤكد الصحيفة أن اللجنة التقت به في اليوم ذاته في مقيله، وناقشت معه كل مواضيع الخلاف. وقالت مصادر الصحيفة إن الأخير قدم مجموعة شروط، على رأسها "إعادة حراسته بكامل قوامها"..

وكان تردد في وقت سابق أن صالح هدد بجمع اللجنة العامة للحزب لإعادة ترشيحه على رأس قيادة الحزب، وذلك رداً على دعوة هادي له بالتنحي عن منصبه في رئاسة الحزب، حيث اكتشف الرئيس هادي أن صالح ما يزال قادراً على التأثير في مهامه كرئيس للبلاد من خلال استغلاله سلطته العليا في الحزب المشارك في السلطة مناصفة ومجريات مؤتمر الحوار عبر ممثلي الحزب، فضلاً عن هذا الموقع ما زال يمنحه سلطات عليا على منتسبي الحزب في المحافظات من القيادات الثانوية والوسطية، ما يجعله يمسك في يديه قوة ضغط كبيرة تؤثر على رغبة الرئيس في إصلاح الأوضاع، لاسيما ما يتعلق بالتخريب وتدمير البنية التحتية للبلاد.

كما أن الرئيس هادي ما يزال أيضاً عُرضة للابتزاز من قبل صالح عبر مناصريه ومواليه في القيادة العليا للحزب، بخصوص التجديد له كمرشح للمؤتمر في الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى في ما يتردد من حديث حول إمكانية التمديد لولايته الحالية. 

وبحسب ما نشرته "الوسط"، فقد رفض سلطان البركاني مناقشة هذه الفكرة مع سُفراء الدول العشر، في الاجتماع الذي عقدته اللجنة العامة للمؤتمر مع السفراء، الأحد الماضي.

وقال مصدر الصحيفة إن الأمين العام المساعد سلطان البركاني رد بحدّة أنه لا يمكن التمديد لهادي بأي حال، وأن هناك انتخاباً لقيادة جديدة للمؤتمر..!!

ومثل هذه الرسالة الواضحة كان الهدف منها أن تصل إلى الرئيس هادي عبر مواليه من أعضاء اللجنة العامة، حتى يدرك أنه ما يزال ضعيفاً داخل حزبه، بهدف محاولة تغيير نهجه في التعامل الجاد والمسؤول مع قرارات وأجهزة الدولة والتعيينات كرئيس للجمهورية وليس كعضو في حزب.

وبحسب الصحيفة، فإن رد البركاني هذا أثار عدداً من أعضاء العامة، وأدى إلى انسحاب بن دغر، ورشاد العليمي، ويحيى الشعيبي، من اللقاء، تعبيراً عن رفضهم لتلك التصريحات.

ويعتقد بأن مثل هذه الخلافات، بشأن رفض التمديد لهادي، تُدار من داخل حزبه من جهة قيادات موالية لصالح تتبنّى هذا الرأي الصريح والواضح وفق مخطط يهدف إلى إركاع هادي وتغيير مفهومه لمسؤليته كرئيس للبلاد، بعيداً عن تأثيرات وضغوطات حزبه. ومع ذلك يؤكد ثقات أن الرئيس هادي لا يفكِّر - في الوقت الراهن على الأقل – بمسألة تمديد فترته الرئاسية الحالية.    

ورداً على مثل تلك التناولات، نفى محبوب علي مستشار رئيس الجمهورية الإعلامي لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، الثلاثاء الماضي، تلك الشائعات، موضحاً أن الرئيس عبدربه منصور هادي لم يسع برغبة شخصية لتولّي رئاسة البلاد بل فرضت عليه في ظروف استثنائية وخطيرة كادت أن تعصف بالبلاد وتدفعها إلى شفير حرب أهلية طاحنة لا تُحمد عقباها. على أن الرئيس هادي، وهو يخوض معركته تلك، مع الراغبين في إرضاخه وحرمانه من التحكم والسيطرة والاستناد والركون إلى قوة الحزب المتبقية، قد يشغله الأمر عن التركيز على مهامه الكبرى في بناء وتأسيس الدولة اليمنية الجديدة في الوقت القصير المتاح له، ولم يتبق منه سوى بضعة أشهر.

وهذا ربما هو المعول عليه من قبل تلك القوى القديمة التي يتواجه معها.  غير أن المستشار الإعلامي أكد في سياق نفيه أن الرئيس هادي يضع في أولويات اهتماماته إنجاح التسوية السياسية على قاعدة المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية التي ترعاها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وبموجب قراري مجلس الأمن رقم 2014 و 2051، والذي يمثل الحوار الوطني والشامل جوهرها لبناء مستقبل جديد لليمن  يقوم على أساس تأسيس نظام سياسي جديد وإقامة دولة مدنية حديثة بمشاركة كل أبنائه وفئاته بلا تمييز أو تغييب أو إقصاء.

ويعزز ذلك تلك الإرادة التي اتسم بها مؤخراً باعتباره رئيس إنقاذ في مرحلة انتقالية حرجة ومتوترة، التي ستوصله إلى مراميه الصادقة، فيما لو استمر فقط في تركيز جهوده أكثر على إنجاح هذه المرحلة الانتقالية في تحقيق أهدافها بإيصال اليمن إلى بر الأمان.

لقد كانت البداية بإزاحة رؤوس تلك القوى المهددة للأمن والاستقرار، والاستمرار في هذا المنوال سيُساعد كثيراً على تمهيد الطريق وإزاحة كافة العقبات.

أما النهاية المطلوبة فستتأتّى بمواصلة هذا النهج وصولاً إلى النجاح في تقوية وتعزيز مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لتأسيس اليمن الجديد؛ حينها ستكون تلك التهديدات مجرد رماد ترمي به رياح التغيير بعيداً، وسيكون الرئيس هادي مرشحاً للشعب وليس لحزب. 
---------------------------------------------------------
نشرت المادة في صحيفة "المصدر" اليومية بتاريخ 20 يونيو 2013
رابط نشر المادة على موقع "المصدر أونلاين":
http://almasdaronline.com/article/47183

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق