السبت، 12 يناير 2008

اليمن.. كذبة نضوب النفط ( 1- 2 )


حقيقة النفط اليمني.. من تصريحات المسئولين ووثائق الجهات المعنية
في كل مرة، كان الرئيس على عبد الله صالح - كبقية المسئولين - يتركوننا بعد خطاباتهم، على بحر من الأحلام وآمال من العيش الرغيد.. من أن سنوات قليلة فقط تفصلنا عن تحسن أوضاعنا المعيشية، وتعويض عذابات سنوات من الفقر والحرمان..!!

فجأة وبدون مقدمات في  19 فبراير من عام 2005م.. – وبعد 27 عاما من حكمه، و 21 عاما من اكتشاف النفط في 1984م،  قلب الرئيس الطاولة حين أعلن أمام أعمال الدورة الرابعة لـ " اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام (حزبه) .."  بان احتياطات النفط المكتشف سوف تواجه النضوب في العام  2012م . ليضع الشعب اليمني، في صراع، لكن هذه المرة، مع علامات استفهام بحجم  السنوات التي عاشها، دون أن يكون له نصيبا من الرخاء – كالشعوب الخليجية المجاورة، أو النصف مما تمتعت به على مدى سنوات أكثر بكثير من سراب عقدين، لم يشهد فيهما سوى الأماني، والأحلام الوردية..!! وأخيرا .. الكارثة التي بشر بها بقلي بارد..

على أن التفكير في سنوات الخدمة الرئاسية، وسنوات الخدمة النفطية، تجعلنا نعتقد أمرين. الأول: يجعل من تلك التصريحات محاولة لإبعاد الآخرين من كنزه الثمين، الذي ظل وفيا له وحده منذ اكتشافه. أما الأمر الثاني يجعلنا نعتقد أنه ربما حاز على دعوة والدين صالحين لم تخب دعوتهما، لتظهر تلك ألاكتشافات الثمينة،بعد توليه الحكم بسنوات، وتنتهي قبل انتهاء مدته الدستورية بسنة واحدة فقط.
   تشكيك وتساؤلات 
كانت الصدمة مروعة، بحجم المفاجأة، سيما وأن تصريحات المسئولين عن الثروة النفطية والمعدنية، ظلت ومنذ ما قبل الوحدة، وحتى أسابيع من هذا الإعلان، وهي تتحدث عن اكتشافات نفطية كبيرة، ستؤدي الى زيادة الإنتاج اليومي.. عدى تصريح واحد لوزير النفط  د.رشيد صالح بارباع - في 3 فبراير 2005م –، ومع ذلك فقد  أرجع أسباب انخفاض الإنتاج الى مشكلة فنية هي  الماء المصاحب للنفط بكميات كبير. لكنه أكد - في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة 26 سبتمبر، في 3 فبراير 2005م، امتلاك وزارته،  رؤى " للحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي مع إمكانية زيادته بالمستقبل من خلال الآبار الكثيرة القديمة المغلقة التي تعرضت لمشاكل فنية ولابد من فتحها مرة أخرى لإنتاج أي كمية منها لرفع الإنتاج النفطي."

وقبلها في 16 يناير 2005م، قام الرئيس بزيارة تفقدية الى وزارة النفط.. وفي صدر صفحتها الأولى اليوم التالي، ظهرت صحيفة الثورة الرسمية بالعناوين البارزة التالية :
- الإعلان قريباً عن اكتشافات نفطية جديدة والبدء بتصدير الغاز المسال وافتتاح منجم للرصاص والزنك.
- سيتم خلال أيام الإعلان تجارياً عن كمية الاكتشافات في عدد من البلكات النفطية الجديدة وهي البلك 43 والبلك 9 والبلك 20.

وطوال السنوات الـ (15) منذ قيام الوحدة وحتى 2005م، لم تكن التصريحات تتحدث عن تراجع الإنتاج النفطي، بل على العكس، كانت تتحدث عن زياداته التدريجية، حتى أن بعض تلك التصريحات ذهبت الى إمكانية ارتفاع المنتوج النفطي الى مليون برميل في اليوم.

وإذا ما استعرضنا تلك التصريحات منذ العام 1991م، وحتى اليوم، سنجد أنها تشير بكل صراحة الى تزايد الاكتشافات، والآبار الإنتاجية، وكمية المستخرج، وعدد الشركات العاملة، وهو الأمر الذي يتناقض كليا مع فكرة تدني الإنتاجية والوصول الى النضوب في ظرف سنوات قليلة لا تزيد عن خمس سنوات، حسب تصريحات الأخ الرئيس.
لقد شكك اقتصاديون بالأرقام التي تضخها وزارة النفط، وعد الكثير منهم، أن مشكلة الأرقام الصحيحة لما تستخرجه بلادنا وتصدره من النفط، هي المشكلة الأكبر منذ اكتشافه وحتى اليوم.. !! ولذلك كانت تصريحات المسئولين طوال تلك الفترة، والى اليوم، مشوبة بالتناقض بين الحين والآخر. وفي إحدى المحاضرات التي أقيمت في المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية 18(في 18/مايو/2005 )، حول "مستقبل إنتاج النفط في اليمن" شكك  الخبير الاقتصادي عبد العزيز الترب بدقة الأرقام الحكومية، التي أوردها وزير النفط، حول انخفاض  الإنتاج في الحوضين النفطيين مأرب – شبوة وسيئون - المسيلة.لافتا الى وجود سوء إدارة في القطاع النفطي .. وأن هناك سياسة غير واقعية في التعامل مع الثروة النفطية. وقال " أن المنطقة تتمتع بكميات هائلة من المخزون، وأن الأرقام المعلنة بحاجة إلى إعادة نظر وأن الإنتاج المعلن عنه ليس دقيقاً.." وتساءل  "إذا كانت المؤشرات كما تتناقلها عدد من الدراسات والمقالات والتصريحات فلماذا قامت استثمارات خارجية في ضخ أموالها لبناء مصفاة حضرموت..؟؟".
   تناقض بين التقارير الرسمية، والتصريحات 
استندت معلومات النضوب أمرين : الأول تقرير للبنك الدولي، أكد فيه أن بلادنا استنزفت ثلثي المخزون النفطي حتى العام، 2003م، وأن الناتج المستخرج من النفط، سيتدني الى النصف. بينما الأمر الثاني، بدأت بتأكيده تقارير البنك المركزي اليمني وبشكل واضح منذ بداية العام الحالي. إذ كشف البنك المركزي عن انخفاض عائدات النفط المصدر(حصة الحكومة ) خــلال الفترة : يناير- ابريل 2007 وصل الى 789.48 مليون دولار مقارنة بـ مليار و (488 ) مليون دولار خلال يناير- ابريل 2006م، أي  بانخفاض قدره 43.32% في الكمية و 46.97% في القيمة.
وعزا ذلك إلى تراجع الإنتاج النفطي إلى (13.46) مليون برميل في الفترة يناير – ابريل المنصرم ,مقارنة بـ   ( 23.74) مليون برميل في الفترة المقابله له من العام الماضي، وتراجع معدل سعر البرميل الى (58.66) دولار مقارنة بـسعره السابق ( 62.71 ) دولار في الفترة المقابلة له من العام الماضي.
والشيء الغريب أن هذا التقرير الرسمي، جاء ليؤكد توقعات البنك الدولي، ويكذب بوضوح تصريحات المسؤلين اليمنيين، من أصحاب الشأن، الذين ظلوا حتى أسابيع قريبة من الآن يصرون على وجود اكتشافات نفطية جديدة، وكبيرة، سترفع من كمية الإنتاج اليومي، وليس العكس، كما جاء في تقرير البنك المركزي الأخير، الذي اشرنا اليه قبل قليل.

ففي 15 يناير- كانون الثاني 2007م، توقع رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط اليمنية الدكتور أحمد عبد اللاه – في تصريحات لصحيفة 26 سبتمبر،  ان يشهد العام 2007 ارتفاعا في عدد القطاعات النفطية الاستكشافية من 26 الى 47 قطاعا تديرها شركات عالمية من مختلف الجنسيات .

وبحسب نص الخبر : قال رئيس الهيئة أن خطة الهيئة ستتركز على التنقيب عن النفط في البحر ووضع عدد من الامتيازات في المنافسة الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر , مشيرا الى وجود حقول غير مستغلة حتى الآن ومنها قطاع ( اس 1) في محافظة شبوة الذي تشير الأرقام الى أنه يحتوي على نصف مليار برميل من النفط الثقيل . وأوضح أن الاحتياطي النفطي لليمن يقدر حاليا بحوالي 9.7 مليار برميل والإنتاج بـ (370)ألف برميل يوميا ..متوقعا زيادة قريبة في الإنتاج بعد دخول عشرة آبار جديدة خطة الإنتاج.."

وأكد أن الهيئة تهدف لإعادة الإنتاج الى ما كان عليه في حدود 400 ألف برميل يوميا. ..!!
مثل هذه التناقضات، الى جانب ما سنورده في بعض تصريحات المسئولين هنا (منذ 1990 وحتى 2007م)، جعلت الكثير من المراقبين يؤمنون أن وراء الأكمة ما ورائها. خصوصا إذا ما ربطنا ظهور قصة النضوب، عقب بروز أصوات تنادي بضرورة معرفة الأرقام الحقيقية للناتج والمصدر، وضرورة احتساب فوارق الأسعار العالمية ( بعد ارتفاعها بشكل كبير) وضمها الى الميزانية..!! الى جانب بعض تلك الأصوات التي نادت بضرورة، إخضاع الشركات النفطية اليمنية المشاركة، للتنافس الحقيقي، في الحصول على امتيازات المشاركة مع الشركات الأجنبية. خصوصا إذا ما عرفنا أن معظم تلك الشركات اليمنية، يمتلكها مسئولون أو أبناء مسئولين كبار في الدولة. 
   ما نشتات متوالية نحو الاطراد لا النزيف 
على عكس ما يتم إعلانه مؤخرا، زخرت السنوات الأخيرة (1995 – 2007 )، باكتشافات نفطية، وغازية كبيرة.. حتى العامين الأخيرين الذين تليا تصريحات النضوب، أكدت تصريحات المسئولين أنهما زخرا بمزيد من تلك الاكتشافات ( يلاحظ أن البنك الدولي ربط أمر النضوب، مع انعدام الاكتشافات النفطية المستقبلية)..

 ولما كنا قد قررنا تتبع التصريحات منذ العام 1995م.. لن نحرم القارئ من تصريحات مهمة صدرت في العام 1993م، وأهمية تلك التصريحات تكمن في كونها أشارت الى حجم الناتج السنوي، وأسقطت، توقعاتها لما سيصل اليه الناتج اليومي خلال العام 2000م..

-  بمناسبة أعياد سبتمبر..نشرت صحيفة الثورة الرسمية يوم 26 سبتمبر 1993، تقريرا عن الاستكشافات النفطية في اليمن خلال ثلاث سنوات 1990 – 1993، وأحتوى التقرير على المانشيتات والعناوين التالية:
- ما نشت : " تطورات متسارعة في مجال الاستكشافات النفطية. - بعد تدشين إنتاج المسيلة.. الإنتاج اليومي من النفط 300 ألف برميل" .. لاحظوا هنا أن هذا الرقم كان قبل 14 سنة تقريبا، وهو نفس الرقم الذي تتراوح تصريحا المسئولين حوله وأكثر بقليل هذه الأيام..!!

- مانشت : " من المتوقع أن يصل حجم الإنتاج السنوي إلى 850 مليون برميل نهاية العام الجاري."
-  ما نشت : "الإنتاج اليومي المتوقع من النفط في نهاية عام 2000م حوالي مليون برميل.".
  والآن نعود الى تصريحات ما بعد 1995م 
- العام 1996، 15 من شهر أكتوبر نشرت صحيفة الثورة الرسمية خبرا عن تدشين رئيس الجمهورية للمرحلة الأولى لإنتاج النفط من حقول جنة.
ويشير الخبر الى أن  وزير النفط، أكد بالمناسبة أن (844 )مليون برميل، هو حجم المخزون النفطي في قطاع جنة، مع تأكيده بأن الاستكشافات مستمرة. وعلى ذمة ماورد في الخبر، فإن الوزير أكد أيضا أن  إنتاج هذا القطاع سيساهم في تحسين الوضع الاقتصادي وتحسين دخل الفرد اليمني.

أما صحيفة سبتمبر وحول ذات المناسبة فقد نسبت لـ "العطار"  تصريحات يقول فيها : بأن الإنتاج الأولي لحقل جنة النفطي هو ( 15) ألف برميل،  وسيرتفع إلى 72 ألفاً أوائل عام 1998م. ..!!
- العام 1997م : أوردت صحيفة سبتمبر الصادرة بتاريخ 26 يونيو، خبرا يقول بأن " أكثر من 1.7 مليار ريال هي إيرادات شركة النفط اليمنية بحضرموت من يناير إلى مارس 1997م." لاحظ أن هذا الرقم فقط لثلاثة اشهر، وفقط لشركة النفط بحضرموت..!!

- العام : 1999م : في يوم 26 سبتمبر، أكد محمد الخادم الوجيه – وزير النفط.. لـ(ملحق النفط والغاز) الصادر عن صحيفة 26 سبتمبر "أن عمليات الاستكشاف تنبئ عن الكثير من مكنوز الأرض اليمنية وهناك العديد من النتائج التي تبشر بوجود النفط في أكثر من قطاع يتوقع أن تدخل مرحلة الإنتاج خلال الفترة القادمة.."

- ولذات الملحق أكد الدكتور وليد جزراوي – المدير التنفيذي لشركة كنديان اوكسيدنتال بتروليم يمن في حوار صحفي أن إنتاج شركته من النفط في حقل المسيلة، تزايد منذ تصدير أول شحنة في سبتمبر 1993  بشكل مضطرد حتى وصل عام 1999 إلى 210 آلاف برميل باليوم كما تزايدت الاحتياجات النفطية بصورتها الإجمالية إلى أن بلغت عام 1999 (800) مليون برميل. (لاحظ أن هذه الأرقام الكبيرة من حقل واحد فقط ..!!)

وأكد في الحوار، أن اليمن بلد واعدة بالثروات النفطية،  وأنها – في معظمها - لم تستكشف بعد ، مشيرا الى أنه حاليا تجرى دراستها بعمليات استكشاف مكثفة ..!!

وفي 14 أكتوبر، من نفس العام، أجرت صحفية 26 سبتمبر لقاءا صحفيا مع وزير النفط – حينها - محمد الخادم الوجيه، وأكد في الحوار، أنه تم اكتشاف النفط في حقل رقم 32 ، مؤكدا أن البدء في تصديره سيبدأ بداية العام  2001م ، وقال أن هناك  اكتشافات لحقول أخرى، لكنها لم تطور على أسس تجارية، لا فتا أن ذلك قد يحدث خلال أشهر قليلة. وقال أن ارتفاع سعر البرميل الى (15) دولار – حينها – سينعكس في تحسين مستوى معيشة المواطنين..!

- وفي العام 2000م  نسبت صحيفة 26 سبتمبر في 3 فبراير، لنائب وزير النفط، تصريحات أفاد فيها أن معدل الإنتاج في عام 99 19م، بلغ 428 ألف برميل يوميا، وكالعادة لفت الى أنه ً "سيرتفع قريباً بعد دخول حقلين جديدين مرحلة الإنتاج "
- وفي  21 سبتمبر من نفس العام، أكد وزير النفط، لصحيفة سبتمبر، على توسيع الاستكشافات النفطية في المياه الإقليمية اليمنية
- وفي 23 نوفمبر، نشرت الصحيفة ذاتها خبرا يتحدث حول تدشين إنتاج 8 آلاف برميل جديدة من القطاع 32 بحضرموت، قالت أنه سيرتفع إلى 25 ألف برميل يومياً في وقت لاحق.
- وفي نهاية العام وبالتحديد في 7 ديسمبر نشرت صحيفة الثورة الرسمية خبرا هاما في الصفحة الأولى، عبارة عن تصريحات للمهندس نبيل القوسي – رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط،  إبرازت فيه العنوانين التالية : -
- 90% من مساحة الجمهورية قابلة للاستكشافات النفطية.

- احتياطي اليمن من النفط 5.7 مليار برميل و 16 ترليون قدم مكعب من الغاز.
وفي الخبر أكد القوسي على اكتشافات نفطية قال أنها (مبشرة) في قطاع (s1) بمنطقة دامس، اكتشفتها شركة فينتج الأمريكية. وأضاف بأن تلك النتائج قد ظهرت من خلال اختبار البئر الاستكشافية الأولى في قطاع (النعيم / 1) وتم بعدها حفر ثلاثة آبار أخرى بنفس القطاع وأظهرت نتائج مبشرة تبعث الطمأنينة على ما تختزنه الأرض اليمنية من ثروة نفطية وأشار إلى أن إنتاج اليمن من النفط قد وصل إلى 440 ألف برميل يومياً من خمسة قطاعات هي قطاع 18 بمأرب والجوف وقطاع 14 بالمسيلة وقطاع 5 بمنطقة جنة وقطاع 10 شرق شبوة وقطاع 4 بمنطقة عياد.
   كفاية
* في هذا العدد نكتفي عند هذا الحد، لنواصل في الأعداد القادمة – بإذن الله -  سرد بقية التصريحات وتناقضاتها خلال الفترة ( 2000 – 2007). ومعها سنعقد مقارنات بين الأرقام المتناقضة ، التي أدلى بها المسئولين، للصحافة حول الإنتاج المحلي للبراميل النفطية في اليوم، والسنة، والإيرادات الناجمة عنها بتناقضاتها، وعدم عقلانيتها، مع التمعن في تصريحات المسئولين، التي لحقت تصريحات الرئيس بعد عام 2005م، وناقضتها كليا من حيث أنها تثبت زيادة الإنتاج والإيرادات، والبشائر التي ما زالوا "يغمسوننا" بها من شهر الى آخر حتى اليوم..!!

وحتى يحين الخميس القادم.. علينا أن نفكر جديا فيما يحدث من استغفال رغم ما تمنحنا الديمقراطية من قوة لرفضه والحصول على حقنا، في الوقت الذي تحصل فيه الشعوب الخليجية على حقها القادر على إبقائهم برخاء، رغم انعدام تلك الديمقراطية، التي باتت تستخدم كقوة للإبقاء على الاستبداد المشرعن..

 لعل أغلبنا اليوم، يحلم بالحصول على فيزة مغادرة الى تلك الدول والممالك، والأمارات والسلطنات، التي حافظت على كرامة أبنائها، وجعلتهم يمنحونها ولاء، وحبا، أنعدم في الجمهوريات الشمولية.
------------------------
يناير 2008


الجمعة، 4 يناير 2008

اليمن.. أجندة 2008م السياسية



استحقاقات ما بعد النضال السلمي، وقبل انتخابات 2009م
 
 
- عبد الحكيم هلال
   a.hakeem72@gmail.com
  
64imag
-
 حينما استقبلنا العام الفائت 2007م، كنا لتونا قد خرجنا من عام حافل بالإستحققات السياسية، كان أهمها الانتخابات الرئاسية والمحلية (20سبتمبر 2006). مثلت فيها الانتخابات الرئاسية مؤشراً تحولياً هاما لما بعدها من استحقاقات، ليس لكونها كشفت معظم أوراق أطراف العمل السياسي في البلاد (سلطة ومعارضة) أثناء خوضهما أشرس منافسة انتخابية على المقعد الأول في السلطة، إنما أيضاً لكونها وضعت الحزب الحاكم ورئيسة، رئيس الدولة، في وضع لا يحسد عليه أمام الجماهير التي اعتقدت أنه يجب إتاحة فرصة إضافية للرئيس وحزبه – ربما تكون الأخيرة – من أجل تنفيذ وعوده الانتخابية من أجل “يمن جديد”..

- لقد بدا الأمر جاداً هذه المرة عقب أن قررت المعارضة توسيع أفق الديمقراطية وولوج دائرة الصراع في العمق (لا كما اعتادت على المناورة عن بعد والبقاء في الأطراف خوفا من الأنقلاب على التحول الديمقراطي). حينها فقط ظهرت على وعود الرئيس وحزبه نبرة مختلفة، أشبه ما تكون بـحشرجات المذنب الذي يلتمس “التوبة الأخيرة”..!!

وحين استقرأت الصحوة – بداية العام المنتهي 2007م – الآراء حول استحقاقاته كعام جديد، كان سلطان البركاني – الذي ظل يشغل موقعه كأمين عام مساعد لقطاع الإعلام في الحزب الحاكم حتى الأسبوع الماضي، ومن ثم تحول لقطاع السياسة -  يتحدث عن عام خارق “سيشهد تحولات نوعية كبيرة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية..” وأكد فيما أكد أنه سيكون العام الذي “يوضع فيه برنامج الرئيس الانتخابي موضع التنفيذ، من بداية العام..” !!

بيد أن الجماهير شهدت – طوال العام - ندوات مختلفة كرسها حزب الرئيس لمناقشة برنامجه. وقبل أن يغادرنا العام (الذي أعتبره البركاني – ضمن تلك التصريحات – أنه “سيكون، بالنسبة للرئيس والمؤتمر، ليس بمثابة اختبار فقط، بل أنه سيكون دالا على المصداقية وعنوان للمستقبل”..!!).. قبل أن يغادرنا بأشهر قليلة، بدء الرئيس التفكير بالانتقال الى خطوة تالية، بتشكيله “لجنة تنفيذ برنامج الرئيس”. وعلى مدى تلك الأشهر المتبقية لم تنجز اللجنة سوى بضعة اجتماعات وتصريح واحد أكتشف فيه رئيسها أن المعارضة تتآمر على برنامج الرئيس وتعمل على إعاقته عبر المظاهرات والأعتصامات..!! وهو ما أعتبره البعض تذرعاً لم يتضمن جديداً سوى الإعلان المبكر لفشل محتوم. وهو كذلك بسبب ما اعتبرته المعارضة منذ سنوات بـ “انعدام الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاحات”.

 وعلى ذلك يمكن اعتبار تصريحات البركاني اللاحقة – ضمن استقراء العام الماضي – بتشديده على “ضرورة تنفيذ تلك الإصلاحات”، على أنها  مجرد تهويمات مكررة لا غير..!! حتى وإن أعتبرها “القضية الرئيسية للحزب الحاكم، والتي يجب أن تتجه إليها جميع الجهود والطاقات للعمل على تحقيق الطموحات التي حملها البرنامج” بل إنه زاد أن أعتبرها “تمثل كل الضرورة لبناء الوطن اليمني”..!!

على أن السخرية التي حافظ عليها الرجل، حين سألته عن آليات التنفيذ – قبل عام – قال دون تردد “أن جميع الآليات الخاصة بالتنفيذ قد أعدت وستكون جاهزة للتنفيذ في كافة المجالات. وإن كانت القضية الاقتصادية تمثل المرتبة الأولى في الاهتمام، والتي يدخل فيها تحسين المستوى المعيشي للمواطنين والتوجه نحو المشاريع المولدة للدخل ، الخالقة للنمو الاقتصادي”..!!

- الواقع أن مزيد من التدهور لحق بالوطن والمواطن، في الاقتصاد قبل السياسة. في مضاعفة عجز المواطن عن شراء حاجياته الأساسية من الغذاء، قبل تفجر الاحتقانات. في فشل المعالجات الحقيقية للمشاكل، قبل فشل الحوارات السياسية.

- السياسي المستقل علي سيف حسن، كان رابع أربعة سياسيين تم استقرائهم بداية العام الماضي ( بقية الأربعة هم : عبد الوهاب الأنسي، عن الإصلاح، وياسين سعيد نعمان عن الإشتراكي) وقد أعتبر السياسي المستقل أن “المحك” الحقيقي سيكون خلال الأشهر الثلاثة الأولى، فإما “أن ينطلق قطار التغير أو نتعثر”..!! ولقد اتضح جلياً أن قطار التغيير الذي كان الرجل يأمل انطلاقه، تعثر، وأضافت اليه السلطة استحقاقات إضافية باتت تجرجرها معها بصعوبة، حتى ولجنا هذا العام الجديد 2008م على أحمال ثقيلة
 
   2008م أجندة استحقاقات إضافية
- إضافة الى ما سبق الإشارة إليه من استحقاقات متنوعة في كافة المجالات، راكمتها السلطة على الجميع منذ أعوام دون تقديم الحلول المناسبة لها، أو حتى جدية الحوار حول التوافق عليها، فقد رحلت لنا الى عامنا هذا أجندة سياسية ثقيلة، قد لا يتمكن الجميع على حلها. وفي حالة أن استمرت السلطة على ذات المنهج السياسي الشمولي، فمن الممكن أن تدخل البلاد في أزمات إضافية أشد قد لا يحمد عقباها.

وتتمثل تلك الأجندة بالاستحقاقات التالية :-
- القوانين : انتهى العام الماضي على خلافات حادة حول تعديلات مجموعة قوانين، كانت أشدها حول تعديلات قانون الانتخابات. ففي حين تؤكد المعارضة على أن مشكلتها الحقيقية تتمثل في قانون الانتخابات وتعتبر أن إصلاح العملية الانتخابية، البوابة الأولى للوصول الى الإصلاح السياسي الوطني الشامل. تصر السلطة على عدم تحقيق تلك التعديلات على طريقة المعارضة. وتتهم المعارضة السلطة رغبتها بالاستمرار في السيطرة على اللجنة العليا للانتخابات، من خلال رفض فكرة التوازن فيها. حيث أن المعارضة تعتبرها الحكم الفصل المحايد في حل الخلافات بين الجميع، وتشدد على أن إجراء تعديلات في القانون يجب أن يكون توافقياً لمصلحة الجميع وليس لمصلحة حزب بعينه. بينما يرفض الحزب الحاكم الفكرة ويسعى لفرض أعضاء اللجنة  من خلال الميكانيكية العددية في مجلس النواب..!!

وعلى تلك الخلافات أنهى المؤتمر الحاكم حواره مع أحزاب اللقاء المشترك، بطريقة مفاجأة، بعد أن قدمت هذه الأخيرة مقترحاتها، بحسب ما نصت عليه شروط عودة الحوار الموقعة في 8/11/2007م. وأعلن المؤتمر – بعد أيام - أنه سيشكل اللجنة العليا للانتخابات، مستخدما قوته العددية في المجلس النيابي، وهو ما رفضته المعارضة، وهددت بتصعيد رفضها وتجميد عضوية كتلها البرلمانية في المجلس إن أصر الحاكم على قراره.

وبحسب التوقيت وانتهاء الفترة القانونية للجنة الانتخابات الحالية، فإن هذه القضية ستمثل المعركة الأولى خلال فترة انعقاد مجلس النواب القادمة والتي ستبدأ هذا الشهر.

أما بقية الأجندة القانونية فهي وإن شملت تعديلات قوانين عدة، غير أن المؤشرات الأولية تؤكد أن الخلافات حولها لن تكون كبيرة، وإن ظهرت بعض المؤشرات الخلافية حول بعض التفاصيل البسيطة. تلك القوانين أشارت إليها اتفاقية بنود الحوار الموقعة بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك في 16/6/2007م ويمكن الإشارة إليها أجمالا كالتالي :- 
- الإصلاحات الدستورية :  وهي الإصلاحات التي تدخل تحتها إصلاحات النظام الانتخابي محل الخلاف الذي اشرنا اليه، الى جانب تطوير العمل البرلماني من خلال نظام الغرفتين .

- تطوير نظام السلطة المحلية وانتخابات رؤساء المجالس والتقسيم الإداري. وقد أعدت وزارة الإدارة المحلية مشروعا بتلك التعديلات ستقدم الى مجلس النواب هذا العام لإقرارها، ومن المتوقع أن تشتعل الخلافات حول بعض النقاط مثل آلية انتخاب المحافظين ومدراء المديريات.

- القوانين الخاصة بالحقوق والحريات: وتشمل قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية – وقانون الصحافة والمطبوعات - وتطوير القوانين الخاصة بالتعبيرات السلمية - وقانون النقابات ومنظمات المجتمع المدني. وهي منظومة قوانين هامة ضمن استحقاقات الديمقراطية الفعلية، ويدور حولها جدل حاد منذ سنوات، ويبدوا أنها لن تمر بسهولة.

- والى جانب ما تضمنته وثيقة بنود وقضايا الحوار، هناك قضية أخرى تتمثل بمبادرة الرئيس حول تغيير شكل النظام الرئاسي الحالي من نظام رئاسي برلماني، الى نظام رئاسي فقط. وهي القضية التي أثارت جدلا واسعاً عقب أن أعلنها الرئيس في أحد خطاباته قبل نهاية العام الماضي بأشهر قليلة. ويتضح من خلال بعض تصريحات المعارضة وما تنشره صحافتها أن تلك الفكرة مرفوضة من حيث المبدأ كونها تزيد من تكريس صلاحيات الرئيس التي تعتبرها المعارضة إحدى المشاكل القائمة في الوقت الحالي بالرغم من أن النظام الحالي مختلط، إذ كيف سيكون الوضع في حالة النظام الرئاسي، الذي لا يصلح تطبيقه بالأساس إلا في مجتمعات ديمقراطية متقدمة، يسيطر فيها حكم القانون لا عرفه أو مزاجه..!!
 
 الإعداد لانتخابات 2009م 
- ربما كانت الأنظار جميعها (سلطة ومعارضة) تترقب في الوقت الحالي، انتخابات البرلمان المتوقع إجرائها في 27 ابريل 2009م القادم. والتي ستبدأ مرحلة الأعداد لها هذا العام، بل أنها قد بدأت بالفعل بالخلاف حول اللجنة العليا للانتخابات، وتعديلات القانون الحالي. وفي حالة أن تم التوافق على تشكيل أعضاء اللجنة ستدخل أطراف العملية السياسية في حوار آخر الى جانب تعديلات القانون، ومن أهم تلك الخلافات قضية تصحيح سجل الناخبين الحالي، وتشكيل اللجان الانتخابية، وإجراءات تسجيل الناخبين والطعون والدعاية الانتخابية وتحييد المال العام… الخ، من المواد التي قدمت أحزاب المشترك تعديلاتها قبل أشهر ونشرت معظمها عبر الصحافة التابعة لها.

ومن المتوقع أن يشهد هذا العام معارك واسعة حول تلك الإعدادات المختلفة لانتخابات 2009م، حيث تؤكد المؤشرات على نية المعارضة خوض المنافسة بقوة، مستندة على قوة الشارع التي يعكسها تذمر الناس من زيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والحقوقية. وقد يزيد من قوة المواجهة إدراك الحزب الحاكم لتلك النقطة التي تصب في مصلحة المعارضة، وبالتالي سيعمل قدر استطاعته في السيطرة على اللجنة العليا للانتخابات ولجانها الفرعية واستمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه تحت سيطرته..!! المؤشرات التي انتهى إليها العام الماضي، وما تلاها بداية هذا العام، تؤكد تقاطع الطرفين وتبشر بمعارك أكثر حدة يرفع من توقعاتها إصرار المعارضة هذه المرة على تصحيح أوضاع النظام الانتخابي المختلة. وهي هذه المرة يبدو وكأنها لا تنوي التراجع أو تقديم التنازلات كما كانت تفعل طوال الفترة الماضية، إذ باتت تؤمن هذه المرة أن الأوضاع لم تعد تحتمل تأجيل التحول الديمقراطي الذي يبدأ بتغيير مهم وواسع على مستوى النظام الانتخابي القائم.  
 
   صعدة + القضية الجنوبية 
- تدخل القضيتان العام الجديد بظروف مختلفة عن الأعوام الماضية. فالحرب في صعدة التي بدأت عام 2004م، فشلت فيها كافة الوساطات الداخلية والخارجية. كان آخرها الوساطة القطرية التي كان الجميع يؤمل عليها إنهاء المواجهات. و تشير الأخبار خلال الأيام الماضية، أن الحوثيين أعادوا ترتيب أوضاعهم وخططهم ليعودوا الى المعركة بقوة. وبالجملة قد يوحي استمرار المواجهات منذ العام 2004م الى ضعف وفشل الجيش في القضاء على مجموعة قليلة من المواطنين. وهو الأمر الذي كانت تخشاه السلطة منذ شرارة الحرب الأولى. ولعل أكثر ما يخشى في معاودة تلك الحرب من جديد هو توسعها أكثر من ذي قبل إن صدقت التهديدات الأخيرة للقائد الميداني عبد الملك الحوثي. إن تم ذلك أمام عجز السلطة من الوصول الى حلول نهائية عبر معاودة الوساطة القطرية من جديد، فإن الأمر سيسوء، على السلطة وستدخل معها الوطن في أتون أربعة صراعات متداخلة : الحوثيون في صعدة، وأبناء الجنوب في المناطق الجنوبية (الذين يسعون الى مواصلة نضالهم السلمي ضد السلطة، وقد أضافت نتائج العام الماضي وبداية هذا العام، الى مطالبهم، مطالب إضافية، تتمثل بمحاسبة القتلى الذين زاد عددهم في أحداث 13 يناير الماضية). الى جانب المعركتين الأخيرتين اللتين يتوقع أن تخوضها السلطة مع المعارضة من جهة حول النظام الانتخابي وبقية القوانين والإعدادات الانتخابية، والأخرى مع المواطنين وبقية المحافظات بسبب تدهور الأوضاع، والتي بدأت مؤشراتها تظهر على السطح في محافظات مثل “مأرب، والجوف، حجة، تعز”، الى جانب مطالب بعض المديريات في صنعاء وغيرها من المناطق المختلفة حول بعض القضايا الأمنية والاختطافات، والتقطعات، والثأرات.. الخ

وتطل القضية الجنوبية بقرونها الكبيرة والمتشعبة هذا العام على أثر أخطاء السلطة التي وقعت بها العام الماضي مع الفعاليات السلمية المختلفة والتي راح ضحيتها حوالي 8 أفراد وعشرات الضحايا. وزادت معها حدة المواجهات الإعلامية من قبل المعارضة الجنوبية في الخارج، وهو الأمر الذي يضاعف أعباء السلطة سيما مع انتهاجها منهجاً سلبياً فيما تعتبرها حلول للقضية.
 
   عودة الإرهاب
بعدأن كان يعتقد أن اليمن سيطرت قبضتها على تنظيم القاعدة منذ ما بعد كول وليمبورج، ودخولها معهم في مواجهات واسعة استمرت سنوات، أفضت الى ما يشبه الصلح بين السلطة وقيادات التنظيم في اليمن. بدا العام الماضي وكأن السلطة لم تفي بوعودها كاملة مع أفراد التنظيم الذي أعلن عودته الى مواجهة ظلم وجبروت السلطة سيما في تعذيب أفراد التنظيم في السجون. وكان أن أعلن التنظيم مسئوليته عن مقتل 8 سياح من الأسبان في مأرب (2 يوليو 2007م)، وهي العملية التي شكلت صدمة ومفاجأة كبيرة للسلطة ورفعت الضوء الأحمر مع أفراد التنظيم، فأعلنت السلطة بعدها بأيام عن مقتل المصري “بسيوني” في صنعاء، وبعدها اغتيال أربعة من القاعدة في مأرب قالت أنهم ضالعون في التخطيط للحادث.

هذا العام وقبل أيام قليلة من حادثة مقتل البلجيكيين في دوعن حضرموت الأسبوع الماضي، كانت القاعدة هدت باستهداف مصالح غربية في اليمن انتقاماً لأعضائها المساجين و نشرت وكالة رويترز ذاك التهديد.
 
  ضغوطات وخلافات داخلية
وفي كل الأحوال، يتوقع المراقبون أن تزيد السلطة هذا العام من صناعة الأزمات تحت ضغط كل تلك الاستحقاقات المطلوب منها استيعابها بإيجابية، الى جانب ضغوط الخلافات الشديدة التي طالت المؤتمر الحاكم وظهرت بشكل واضح هذه الأيام بين قياداته، بعد أن تفاعلت على مستوى تبادل الاتهامات خلال العام الماضي. وقد يرى البعض أن تلك الخلافات تنبئ بدنو الأجل، حتى بات بعض أولئك يقدمون أنفسهم كأشخاص آخرين قادرين على أن يكونوا حلاً للمستقبل.

ويتحتم على الحزب الحاكم أن يقوم بمهامه بطريقة مختلفة هذا العام حتى يتجاوز تلك الأزمات التي يدخل البلاد فيها عاما بعد آخر، وتنعكس على بنيته الداخلية كتنظيم قادر على تقديم الحلول وتنفيذ برنامج انتخابي تم صياغته بمبالغه كبيرة لكسب الأصوات لا قوة الفعل.
------------------------
يناير 2008


الخميس، 29 نوفمبر 2007

إرهاق وطني


door

 
- إرهاق.. يمتص منك أفضل جزء من حياتك.. شبابك الذي يتفلت منك خارج قدرتك على تذوقه..!

- إنها حياة تعيسة تلك التي تسيطر على الكون الذي تحتويك تفاصيله المملة. ما الذي يمكنك تغييره في وطن تكتشف بعد ثلاثة عقود من عمرك فيه، أنه يتوجب عليك أن تتوقف عن الحركة في اتجاه الحياة..!!

- لم يعد بينك وبين هذا الوطن علاقة التربة والنبتة. لا تخشى من هذا الحديث اللا وطني أو تقلق قلقك حول: ماذا سيقول عنك المستفيدون منه..!! فأنت يأكل منك روعة شبابك، بحثاً عن تكاليف المؤجر النزق، وحليب “علاء” الذي لا يحب شيئا كالبكاء. و”رغد” التي تحلم بـ” سيكل “صفاء وريهام. وكلما أخذتها لزيارتهم ترفض أن تعود إلا بوعد آخر لشراء مثله..!! لقد بت مدين لها بألف وعد وألف حق من حقوق الطفولة.

- وأنت ماذا تفعل لقضاء ديونك!! منذ الصباح تخرج وتعود متأخراً وتسهر حتى أذان الفجر.. ثم لا تستطيع سوى أن تخرس صراخ المؤجر، لتهرب من زقاق الى آخر من نظرات البقال المليئة بالشك والريبة و… الاستجداء !!

لماذا تخاف من تهمة اللاوطنية؟ من سيتهمك بها غير أولئك الذين يأكلون حقك وحق أولادك.بغير حق؟ من غيرهم تفوح رائحة الحياة البذخة من كل تفاصيلهم.!! من غيرهم؟ ما حيَت مطاعم حده الأنيقة إلا بهم.

وأنت يكفيك المرور بالقرب لتتفتق أحلامك بالثورة ضد الظلم والفقر وحياة التعساء.

- من هو الوطني في وطن لا يقبل بمساواة الجميع؟ في وطن منهوب.. وناهبوه هم فقط من ينشرون فكرة الوطنية؟
- هم المستفيدون منه فقط.. تستهويهم فكرة حب الوطن وتخوين الآخرين. أما أنت فلماذا تحب وطن ليس لك مذ كنت طفلا، ومذ مر منك شبابك مرور الكرام.. وحتى اللحظة.

- أحلم بوطن آخر وخذ مكانك بين طوابير السفارات الطويلة الى وطن لم تولد فيه لكنه يحترم تعبك ويقدر أن تسعى لتنال منه ما يمكنك أن تكتشف عبره أنك فقدت الكثير قبل أن تصل اليه.
-----------------------------
نشرت في صحيفة رأي –الثلاثاء 29 نوفمبر2007م

السبت، 20 أكتوبر 2007

اليمن .. لماذا يتهرب الحزب الحاكم من الحوار؟


يفضل الحزب الحاكم أن يزيد من سوء ملفه في التحاور من أجل مصلحة الوطن، على أن يعيد الثقة به كمدرك لسوء ما أوصلتنا اليه سياساته الخاطئة ووصوله الى التوبة السياسية التي تجب تصرفاته الحمقاء.
من سيضمن الجلوس مع المؤتمر الشعبي الحاكم على طاولة واحدة للحوار؟ إنه حزب لا يستحي أن يصرخ عاليا وعلى الملا "أن الحوار لا يعني له شيئاً إن لم يكن في مصلحته فقط..!!". ولسان الحال –دائماً- أبلغ من لسان المقال. أليس هذا ما يقوم به المؤتمر الحاكم منذ قيام الوحدة وحتى الآن؟

حتى وإن وقف الرئيس أمام لجنة حزبه العامة – وأمام الأعلام بالأحرى - أواخر أغسطس الماضي ليفتخر أن حزبه قائم أساساً على قاعدة الحوار منذ تأسيسه في  1982. في فترة كان هو الأحوج فيها للحوار مع الأحزاب السرية، إذ لم يكن قد مر على اعتلائه كرسي الحكم سوى سنوات أربع تقريباً.

أما اليوم فهو نفسه الرئيس الذي وقف داعياً ومباركاً للحوار، بين حزبه والأحزاب العلنية الممثلة بمجلس النواب، لكنه كان أول من غدر بها وأعلن موت الحوار الجاد القائم على أساس الشراكة الوطنية والتنموية، ليعلن عن حوار مستنسخ وهزيل مع الأحزاب المفرخة.. تلك التي يدعمها من ميزانية الشعب، ليدعوها في أي وقت وحين لمباركة مبادراته والاستعراض بها كدمى وعرائس لهز الرأس والتصفيق. إنه يعلن صراحة أن الحوار المطلوب اليوم هو حوار يقوم على أساس المصلحة الخاصة لا العامة والوطنية. وذلك أمر يتضح من خلال وضع المبادرة الرئاسية في كفة، وفي الكفة الأخرى السير على هدى بنود اتفاقية وضوابط الحوار الموقع عليها منتصف يونيو الماضي، وذلك بحسب تصريح مصدر في أمانته العامة - مطلع أكتوبر الحالي- مفاده أن "لا حوار إلا بالحوار حول مبادرة الرئيس أولاً". وهذا الاشتراط يلغي مبدأ الحوار الذي يجب أن لا يقوم على الاشتراطات المسبقة ذات طابع الفرض بالقوة لا التحاور والتفاهم.

هاهو لقد أصبح لدى الحزب الحاكم ملفاً سيئاً مليئاً بالغدر عند مفترق الطرق "كلما بدا له الأمر غير مجدياً أو سيترتب على وفائه تقديم تنازلات لمصلحة التحول الديمقراطي وإصلاح العملية الديمقراطية".

هذا الملف السيئ جعل أحزاب المشترك تفكر كثيرا وتختلف فيما بينها بالنسبة للموافقة بالدخول من جديد في حوار مع الحزب الحاكم حينما دعا أمينه العام عبد القادر باجمال - بداية هذه السنة- أحزاب المشترك لحوار جديد. لكنها - وكما أوضح عبد الوهاب الأنسي ( أمين عام الإصلاح) في لقائه مع صحيفة الخليج الإماراتية أواخر شهر رمضان- اعتقدت أن إعلان الرئيس رعايته للحوار في خطابه بمناسبة الذكرى الـ17 للوحدة اليمنية، ربما سيضفي على الحوار جدية. وظهر رأي في المشترك يعتقد أنه "..ربما ما وصلت إليه الأوضاع من ترد قد نبه القيادة السياسية وجعلها تقوم بواجبها إزاء هذه القضايا وعدم ترك الأمور تسير كما هي بما سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.." وعلى هذا الأساس رجحت كفة الرأي القائل بعودة التحاور مع الحزب الحاكم، على أساس الرأي القائل " أن الدور الذي يمكن أن يقوم به الرئيس يلعبه كرئيس للبلد وليس رئيساً لحزب." بحسب الأنسي لصحيفة الخليج.
  مسيرة حافلة بالتنصل وعدم الوفاء 
إذا ما أردنا التطرق الى الأساليب ومسار الحوارات التي كان الحزب الحاكم يستخدمها كورقة "إلهاء" و"تمويه" منذ ما بعد الوحدة فإن الأمر سيطول. وسيكون مملاً التذكير بتلك المحطات التي كانت أحد نتائجها حرب صيف 94م، بعد مماطلته تنفيذ ما جاء في وثيقة العهد والاتفاق.

ولعل من المناسب البدء بالحديث عن تاريخ المؤتمر الحاكم مع الحوار للفترة بعد تلك الحرب وبالتحديد منذ عام 1996م، حين اختلف مع الإصلاح شريكه في الحكم وقتذاك على أسلوب إدارة العملية الانتخابية للعام97م، ودخل الإصلاح في حوار مع "مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة" في أغسطس وتوصل معها الى صيغة باسم" برنامج العمل المشترك" لضمان حيادية اللجنة العليا للانتخابات، ولجنة شئون الأحزاب، وضمانة تطبيقها للدستور والقانون، والعمل على تحقيق تكافؤ الفرص أمام الأحزاب، وتحييد مؤسسات الدولة والمال العام، والوظيفة العامة، وضمان توفير رقابة محايدة دولية ومحلية. وكعملية تكتيكية لقتل الحوار بين الإصلاح وتلك الأحزاب عمد المؤتمر الى الدخول في حوار مع الحزب الاشتراكي، مستغلاً حاجة الحزب لإعادة ممتلكاته ومقراته المنهوبة بسبب تلك الحرب، وكان الغرض من هذا الحوار تفتيت وحدة المعارضة وإثارة التهم فيما بينها لإفشال تماسكها. وفي 2 سبتمبر 96م اتفق المؤتمر والاشتراكي على تشكيل لجنة حوار، و أصدر الرئيس ما سمي بمبادرة (النقاط السبع) من أجل حل الأزمة بين المؤتمر والاشتراكي، واشتملت المبادرة على إعادة مقرات الحزب ألاشتراكي وممتلكاته، وإعادة موظفيه(مدنيين وعسكريين) الى وظائفهم، وعودة النازحين من الخارج، وتصحيح الإجراءات الانتخابية، بالإضافة الى مقترح خاص بشأن التنسيق بينهما في الانتخابات. غير أن هذا الحوار فشل بسبب مماطلة المؤتمر الشعبي العام في التنفيذ، وحين أدرك الحزب الاشتراكي عدم الجدية في تنفيذ تلك الاتفاقات قرر عبر لجنته المركزية في مارس 1997م ، مقاطعة الانتخابات. بل كان المؤتمر أثناء حواره مع الاشتراكي قد طالب بعودة حواره مع الإصلاح بغرض الإيقاع بينه ومجلس التنسيق حين خرج الحزبان باتفاق في 25 يناير 1997م سمى بـ "اتفاق التنسيق" الذي نص على تصحيح الخروقات التي حدثت أثناء عملية القيد والتسجيل، ووضع الضمانات القانونية لسير الانتخابات. وكان الإصلاح قد أدرك اللعبة، وأشترط في الحوار إدخال أحزاب مجلس التنسيق المعارض، ليتم التوصل جماعيا الى اتفاق سياسي في 2 مارس من نفس العام، حول الضمانات الدستورية والقانونية لأجراء الانتخابات. لكن وكالعادة لم ينفذ الحزب الحاكم من تلك الاتفاقية إلا ما كان يرى أنها لن تضر مصالحه الخاصة، وتنصل عن تنفيذ ما يخص تصحيح مسار العملية الإنتخابية والتحول الديمقراطي بشكل عام. 

وبالمثل تعامل الحزب الحاكم مع أحزاب المشترك قبيل انتخابات سبتمبر 2006م. إذ وبعد خمسة أشهر من الحوار بين الطرفين كان المؤتمر الحاكم يسعى خلالها لاستنفاذ الوقت الى حين انتهاء اللجنة العليا للانتخابات من جداول القيد والتسجيل – إذ كانت حينها هي أكبر مشكلة قائمة بينهما - دعا الرئيس الى حوار تحت رعايته وتقدم بمبادرة من "سبع" نقاط. غير أن المشترك رد على تلك المبادرة برسالة بعثها للرئيس بتاريخ 12/05/2006م. أوضح خلالها رؤيته حول المبادرة الرئاسية نقطة بنقطة. وطالب ضمن الرسالة بضرورة "توفير شروط أفضل لممارسة المواطنين لحقوقهم الانتخابية كخطوة أولية وأساسية في تصحيح الأوضاع.." وهو الأمر الذي اعتبرت الرسالة فيه أن المشترك وجه مساعيه مع الرئيس ومع قيادة المؤتمر الشعبي العام " نحو توفير ظروف أفضل لإقامتها، وتأمين سمات الحرية والنزاهة لها، وجعلها خطوة مهمة نحو تحقيق التراكم الديمقراطي المفضي الى إنضاج التجربة السياسية اليمنية وانتزاع اعتراف الآخرين بتطورها بدلاً من ملاحظاتهم على تراجعها أو عجزها عن التقدم الى الأمام."

 وأوضحت الرسالة الكثير من الإختلالات التي تعيق عملية التحول الديمقراطي مطالبة بضرورة إصلاحها أولاً، لتنتهي المشاورات في 18 يونيو 2006م الى توقيع اتفاق سمي بـ"اتفاق المبادئ" تحت الرعاية المباشرة له من رئيس الجمهورية، بشأن إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وعده المشترك قاعدة هامة للوفاق الوطني يجب التمسك به..!!

وعلى اتفاق المبادئ لم يمر حتى شهران لتعلن أحزاب المشترك في بلاغ صحفي لها صادر بتاريخ 7 أغسطس 2006م عن جملة المخالفات الكبيرة التي طالت الاتفاق من جهة الحزب الحاكم واللجنة العليا للانتخابات، وتطرقت الى كل المماطلات والمخالفات نقطة بنقطة للبنود الموقع عليها، ومع أنها في نهاية البلاغ هددت بالعودة الى هيئاتها القيادية لتحديد الموقف النهائي من الانتخابات، إلا أن المصلحة الشخصية للحزب الحاكم والخوف من الجدية التي ظهرت عليها لمعارضة في دخول الانتخابات والمنافسة بقوة، جعلته يفضل عدم التجاوب مع التهديد بتدارك الأخطاء وتصحيحها، ولم يلتفت الى الأمر ولسان حاله يقول "ليتها تقاطع.. ليتها تقاطع".
 الهروب مبكراً .. لماذا؟ 
لعل ما حدث مؤخراً من هروب عن الحوار الأخير الذي دعا اليه أمين عام المؤتمر عبد القادر باجمال بداية العام وتبناه الرئيس منتصفه وتم التوقيع على ضوابطه في 16 يونيو الماضي، يعد تطوراً في مراحل الغدر والخديعة من قبل المؤتمر الحاكم كونه جاء باكراً على موعد الانتخابات القادمة (ابريل 2009م). وقد تكون الإحداث الأخيرة والمتأزمة التي تمر بها البلاد سرعت من عملية التنصل، وهو جاء هذه المرة تنصلاً عن بنود وضوابط الحوار الذي لم يبدأ بعد حول قضايا مصيرية حددتها تلك الإتفاقية..

هناك من يعتقد أن المؤتمر الحاكم أصبح يتخذ قراراته بالتبعية للرئيس بتخبط وعشوائية تحت وقع صدمتين قويتين : الأولى الصدمة التي تلقاها من الرئيس نفسه بإعلان مبادرته دون أن يطلع اللجنة العامة عليها مسبقاً. أما الثانية كردة فعل لموقف المشترك الرافض لأسلوب طرح المبادرة خارج طاولة الحوار. لتصبح ردة الفعل المؤتمرية لا تعدوا عن كونها محاولة إنقاذ لمبادرة الرئيس من "الموت السريري" الذي وضعها فيه المشترك برفضه الحضور لتمثيل دور "المستمع"،"الخانع"، واعتبارها لم تأت بجديد خارج ما هو محدد في بنود وضوابط الحوار. وكان الأمر الذي زاد من مواتها هو عدم تجاوب المجتمع المدني معها على مدى الأسبوع الأول من طرحها. وهو الأمر الذي تنادت له اللجنة العامة لاحقاً في اجتماع خاص لتدارك الموقف وإنقاذه ونتج عن الاجتماع قرارات صبت جميعها في إطار أحياء المبادرة عبر تنفيذ فعاليات مختلفة بدأت بتوجيه الأوامر لمنظمات المجتمع المدني التابعة له لإصدار بيانات تأييد وانتهت بعقد لقاء موسع لتلك المنظمات بمحافظة تعز غرمت ميزانية الدولة بسببه مبلغ (40) مليون ريال بدل مواصلات وحضور وأتعاب وإعداد وتجهيز ومصلحة خاصة للمنظمين والمعديين والداعيين .. الخ.

وهناك آخرون ينظرون الى التخلي المبكر عن الضوابط، أنه أمر مخطط له من قبل الطرف المؤتمري المتضرر من الحوار، والذي كان يحاول أثناء فترة الحوار إفشاله عبر تصريحات ساخنة كنا نقرئها ونسمع بها حينذاك. ولعلنا أدركنا حينها الخلافات التي ظهرت بين أمين عام المؤتمر عبد القادر باجمال – الذي كان يقود الحوار مع المشترك- وبين بعض القيادات المؤتمرية النافذة التي كانت ترى فيما تم التوصل له من نقاط هامة في الحوار ومطالب المشترك الوطنية أنها ناجمة عن قوة حقيقية نابعة من حذر شديد في عدم الوقوع مجددا في الأخطاء التي مرت بها خلال التجارب الحوارية السابقة. ولعل تلك الخلافات المؤتمرية – المؤتمرية كانت هي الأخرى مستوعبة داخلياً في إطار تبادل الأدوار، للوصول الى نهاية مشابهة لهذه النهاية الدراماتيكية.

إن بنود الحوار والضوابط التي تم التوقيع عليها منتصف يونيو الماضي بقلم باجمال وخمسة أحزاب ممثلة بمجلس النواب كانت هي الأخرى – مبدئياً- مباركة من قبل الرئيس ولجنته العامة ومحتفى بها من قبل وسائل الأعلام الحزبية والحكومية والأهلية. غير أن التفحص الدقيق لتلك البنود والضوابط تثبت حقيقة الاستفادة من التجربة الانتكاسية التي كانت تمنى بها أحزاب المعارضة عقب كل حوار.. وهذا بحد ذاته مضافاً اليه عوامل أخرى دخيلة على الجو السياسي العام كقضية الجنوب والفشل المعترف به من قبل الحزب الحاكم في إدارة شئون البلاد، ربما تكون قد غيرت من موازنة المعادلة التي حسبها الحزب الحاكم أثناء توقيعه الاتفاق.. الأمر الذي جعله يتنصل باكراً عن عهد وقعه أمينه العام تحت إشراف أوروبي ودولي متابع ومشترط لتقديم الدعم بتنفيذ تلك الإصلاحات. (وللعلم فإن توصيات الإتحاد الأوروبي التي رفعها حول الانتخابات الأخيرة - ولم ترق للحزب الحاكم ووسائل إعلامه الخاصة والحكومية - تعتبر أحد الأساسيات الموقع عليها ضمن بنود الحوار وضوابطه وهي توصيات تدعو الى إصلاح آليات النظام الانتخابي الحالي، وهو -ربما- الأمر الذي زاد من قتامة المشهد السياسي لدى تلك القيادات المؤتمرية الحريصة على المصلحة الشخصية على حساب مصلحة الوطن والتجربة الديمقراطية).

وبين تلك الآراء يظهر رأي آخر يقول بنظرية "كسب مزيد من الوقت" بإدارة البلاد عن طريق "افتعال الأزمات" ولفت الانتباه عن الضرر الحقيقي المحدق بالبلاد. إذ في نهاية الأمر يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الحزب الحاكم سيعود من جديد بعد فترة تكون قريبة من الانتخابات بمعاودة طلبه مواصلة الحوار ، وهو ما لن يرفضه المشترك كونه ما يزال بعد كل ما جرى يعتبر الحوار الأسلوب الحضاري الأمثل لإنقاذ البلاد والسير في عملية التحول الديمقراطي حسب ما تضمنته بياناته الأخيرة حول الأزمة وتصريحات قياداته. ما لم فإن الأزمة ستزداد تفاقماً إن لم يعد الطرفان للحوار على أساس البنود والضوابط الموقع عليها، سيما وأن خيار المقاطعة بدأ يلوح من الآن إن لم يوافق الحزب الحاكم على إصلاح آليات النظام الانتخابي. وإن كان الأنسي – أمين عام ألإصلاح- قد أعتبر في لقائه مع صحيفة الخليج أن مثل هذا القرار " ليس من السهل اتخاذه على عجالة، خاصة كجهة وأقصد بها “اللقاء المشترك”، الذي يتعامل مع القضايا بجدية وبتضحية كبيرة." غير أنه لم يقل أن التضحية الكبيرة ربما تكون بعدم الاستمرار في المهازل الانتخابية التي يرفض المؤتمر العمل إلا عن طريقها لضمان الفوز والسيطرة.

ومع ذلك فقد أكد الأمين العام للإصلاح أن عدم وجود أي مؤشر جاد لدى السلطة للتعامل مع القضايا الوطنية بحرص "لا يعني أننا لا نستطيع أن نتحرك أو أنه ليس لدينا مجال للعمل إلا من خلال التفاهم مع السلطة." مشيراً الى الاستمرار في برنامج النضال السلمي للمشترك الذي بدأه ميدانياً قبل أشهر.

        والسؤال هو : ما الذي يقف وراء إصرار الحزب الحاكم تمرير مبادرة رئيسه بالقوة ضارباً عرض الحائط بآخر ثقة منحته إياها أحزاب المشترك بالجلوس على طاولة واحدة لمناقشة قضايا الوطن المصيرية؟
  ملحق تساؤلات 
ويأتي هذا السؤال تابعاً لعدة تساؤلات منها : لماذا كل هذه الاستماتة خلف مبادرة قال الرئيس نفسه أنها جاءت ملبية للكثير من نقاط برنامج الإصلاح السياسي والوطني لأحزاب اللقاء المشترك..!! أي : لماذا لم يترك للحوار أن يتواصل ويتم إدراج هذه النقاط طالما أنها متفق عليها سلفاً؟ هل يريد الرئيس أن يبدوا هو صاحب الحلول المناسبة في ظل ما تمر بها البلاد من أزمات؟ أم أنه يريد أن يقتل بقية البنود المتفق عليها في الاتفاقية الموقع عليها مع أحزاب المشترك، ويتنصل بالتالي من أهم النقاط وهي : الحديث عن إصلاح النظام الانتخابي أولاً كما يفضل المشترك والاتحاد الأوروبي؟ أم أن الهدف الرئيسي من كل هذه المناورات هو تصفير العداد والبدء باحتساب فترتي الرئاسة من جديد؟ كما أصبح يعتقد الكثير من المراقبين والمتابعين المحليين والدوليين..!! لا سيما وان أحزاب المشترك ترفض هذا المبدأ من أساسه، وبالتالي فإن مواصلة الحوار معها لن يكون مجدياً طالما وأنها لن تتخلى عن قناعتها تلك..!!

الخميس، 18 أكتوبر 2007

اليمن.. اقحام الأستثمار في الصراعات السياسية


في حقيقة أن السلطة تفضل سهولة المغالطات على الأصلاح
  
- كان الأمر في بدايته مجرد كلمات تخرج هكذا كتوابع في الخطابات دون تركيز.. أما اليوم فقد أصبح ذلك يتكرر ويُركز عليه كشيء مهم يمكن الحديث عنه لتوجيه تهمة التخطيط ضد مصالح الوطن.

مؤخراً وجد الرئيس تهمة "إعاقة الاستثمار" كما لو كانت ستجدي لإيقاف العجلة الشعبية التي دارت ضد سياساته وحزبه الخاطئة. ترى هل يؤمن أن هذا هو الطريق الصحيح لإصلاح الأخطاء..!!

- قال أن الغرض من الاعتصامات والمسيرات وما يرافقها من أعمال هو الحيلولة دون تحقيق أهداف البرنامج الانتخابي وإعاقة الاستثمارات. لكنه ربما أغفل عن قصد ما هي تلك الأعمال التي ترافق المسيرات والأعتصامات، ومن الذي يقوم بها؟؟ . وحتى تتضح الصورة سيكون على الرئيس واجب التفريق في خطاباته –وخصوصاً أمام الشباب الذين حدثهم عن حزبه المستخلص من كل شيء وتجاربه العريقة في استقطاب قيادات الأحزاب وأصحاب التجارب والنفوذ -  أن يوضح لهم الفرق بين الديمقراطية التي من أهم آلياتها الدستورية السماح بالاعتصامات والمسيرات كتعبير عن رفض السياسات الخاطئة - هذا إن كان يؤمن بأن الاعتصامات والمسيرات مشروعة بحكم الدستور والقانون - وبين النظام الاستبدادي الذي يقمع تلك الفعاليات بالجيش، ولا مانع من القتل لإخمادها. ذلك واجب رئاسي وأمر مهم مع علمي أن الشباب اليوم أكثر إدراكاً لهذا الفرق حيث وجد من بينهم من تحول الى ضحية لتلك الأساليب، من موتى وجرحى ومعتقلين.
  أيهما اصح لمستقبل آمن..!!
- ذكر الرئيس برنامجه الانتخابي وربطه بالاستثمار كأهم مقومات التنمية وإتاحة الفرص لتوظيف الشباب وإنقاذهم من غول البطالة والفقر. وفيما كنا نعتقد أن تنفيذ البرنامج سيكون عبر إصلاح الأوضاع وتقويم الإختلالات. أو بتهيئة مناخ الأستثمار كما أفضت نتائج وتوصيات مؤتمر الأستثمار العظيم الذي عقد في صنعاء في الربع الأول من هذا العام. لم نكن نعرف أن مطالبة المواطنين ومعهم المعارضة بتصحيح الإختلالات هو السبب الرئيسي لفرار المستثمرين. ما كان يعتقد هو العكس: أن المطالبة بتصحيح الأوضاع الخاطئة وإرجاع الأراضي المنهوبة لأصحابها سيعمل على استقرار الأوضاع المضطربة وبالتالي يضمن المستثمر أن أرضه لن تنهب من قبل متنفذ أو لن "ينكع" اليه مسئول مطالباً بحقه في الشراكة لتأمين استثماره..!!

- ليس هناك من لا يدرك أن تصحيح الأوضاع المختلة اليوم سيكون ثروة للمستقبل. لأن ذلك سيؤدي حتماً الى عودة الحقوق الى أصحابها وبالتالي يخلوا المستقبل من احتمالات الثورات الحقوقية، لتظل الأوضاع مستقرة دون أن يعكر صفوها احتقان يفضي الى زعزعتها. أليس ذلك بديهياً. بينما أن استخدام الإبر المهدئة دون العلاج الكلي سيزيد من احتقان المرض وعودته بألم أقوى.
  أصل الحكاية
- في خطابه الشبابي طمأن الرئيس المستثمرين وقال لهم عودوا إلينا ووعد بحمايتهم وتقديم التسهيلات لهم. هذا أمر في غاية اللا منطقية. كان عليه أولاً أن يطمئنهم فعلياً عن طريق اتخاذ قرارات حاسمة تنفيذية – وليست ورقية فقط أو خطابية – بإعادة أراضي المستثمرين الذين نهبت في عدن وصنعاء والحديدة وحضرموت وغيرها. كم مستثمر عرفنا أنه تجرأ وناشد رئيس الجمهورية بتخليصه من المتنفذين الذين نهبوا أرضه. في مؤتمر الأستثمار، حضر بعضهم وتحدث بشجاعة عن مثل تلك الأمور قال أحدهم أنه يمتلك أوامر من محافظ محافظة عدن لم يعترف بها الأقوياء وأنه منذ العام 1990م في المحاكم يبحث عن حل لمشكلته. آخر أختتم مناشدته لفخامة الرئيس بالقول" وحيث أن تماطل الجهات المعنية في تنفيذ التوجيهات لا يخدم حركة الاستثمار ولا يشجع المستثمرين في إقامة مشاريع تخدم الوطن والمواطن".

 وماذا بشأن المستثمر في أرضية سوق الخضار بعدن التي استحوذ عليها المؤتمر الحاكم، بعد أن اشتراها المستثمر ولديه الوثائق كاملة..!! حتى اليوم ما زال يبحث: إما عن حقه أو تعويضه.  بل ماذا بشأن لغز المنطقة الحرة. والفساد الإداري الذي رافقها من قمة الهرم الحكومي حتى قدميه. كم بلغت توجيهات الرئيس التي لم يعرها المتنفذون أدنى أهمية، حتى أعتقد بعض أصحاب تلك الأوامر والتوجيهات بوجود شفرة بينية. إذ من سيصدق أن أوامر رئيس الجمهورية تجد صعوبة في التنفيذ..!!
   مشكلة الأراضي أولاً
- لقد أكدت المعلومات التي تضمنها تقرير غرفة العمليات بوزارة المغتربين تناولته وكالة (سبأ) هذا العام، أنه ومن بين أكثر من 115 شكوى وقضية تلقتها وزارة شئون المغتربين من المغتربين اليمنيين في مختلف بلدان الهجرة والاغتراب تتعلق بمشاكلهم داخل الوطن وخارجه من منتصف ابريل وحتى نهاية يوليو من العام الجاري (2007م), كانت 75% منها عبارة عن شكاوي تتعلق بقضايا الاعتداءات على استثمارات وأراضي وممتلكات المغتربين في مختلف محافظات اليمن. تنوعت بين الاعتداء على الاستثمارات والأراضي والممتلكات الخاصة وقضايا الإرث والمتوفيين في الخارج والمساجين بالإضافة إلى قضايا أخرى, واحتلت المرتبة الأولى قضايا الاعتداءات على استثمارات وأراضي وممتلكات المغتربين بنسبة 75 % .

للأسف الشديد لم يقل التقرير الحكومي أن النشاط السياسي الديمقراطي سبباً ولو ثانوياً في إعاقة الأستثمار.
وكما أكد محمد اليدومي –نائب رئيس الهيئة العليا للإصلاح في كلمته الأسبوع الماضي، في المقر الطلابي للإصلاح بصنعاء، أن الأستثمار لم تكن مشاكله آنية بفعل النشاط السياسي المعارض وإنما تتجذر تلك المشاكل عميقاً في أسلوب النظام التطفيشي القائم معظمه على تقاسم الشراكة مع المستثمرين لحماية استثماراتهم.
  الحرية السياسية كالحرية الاقتصادية
- وحتى نكن أكثر وعياً لموضوع الأستثمار، فإنه بحاجة الى  الحرية السياسية كحاجته الى الحرية الاقتصادية، أو القوانين المنظمة للاستثمار. فالمستثمر الذي يجد أن حرية الرأي والتعبير بشتى وسائلها الدستورية، عالية في بلد ما، يدرك تماماً أن استثماره سيكون بأمان وليس العكس. نعم ليس العكس. لأنه حينما يشعر أن السلطة تستخدم الرصاص والقنابل في تفريق المتظاهرين سيكون عليه التفكير بما سيحل به إذا حاول أن يعتصم أو يدعو أهله ومناصريه لمسيرة سلمية من أجل التعبير عن الظلم الذي ربما قد يطاله من قبل متنفذ كبير في الدولة يستولي على استثماره أو يعقه عن تنفيذه..!! وستكون حاجته أشد للحرية السياسية حينما تصل قضيته الى المحكمة ويستغل النافذ سلطته عبرها. لأنه حينها لن يستطيع عمل شيء سوى الاعتصام السلمي والتعبير عن الظلم الذي طاله.  

وباختصار شديد فإن المستثمر يفضل البيئة الحرة الشفافة حتى يستطيع الدفاع عن استثماراته، ويهرب من البيئة المعتمة وغير الواضحة أو تلك التي تعتمد على الأستقواء بالسلطة والجيش في ظل غياب الآليات المناسبة لمواجهتها.
- أواخر السنة الماضية زار اليمن أحد أهم الخبراء الأمريكان هو مارشال ستوكر نائب مدير مركز الحرية الاقتصادية العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية وتحدث في تصريحات نشرها موقع "نيوز يمن" الإخباري حول مخاطر ومعوقات الاستثمار في اليمن.

يقول ستوكر: إن المستثمر حينما يريد اتخاذ قرارا بوضع استثماراته في أي دولة ينظر إلى مستوى الخطر، ودائما ما يجذبه عندما تكون المخاطر قليلة والعائدات كبيرة.

ومع أنه في سياق حديثه أمتدح وجود حرية سياسية لكنه أعتبر بالمقابل انخفاض الحرية الاقتصادية. وتدل تصريحاته على أهمية ترافق الحريتان، فإن انخفضت إحداهما كانت مخاطر الأستثمار كبيرة. وتحدث الخبير عن بعض المخاطر تكمن "في إمكانية أن تصادر الحكومة منشأتك". والبنك الدولي هو الآخر أرجع الاستثمار في اليمن إلى عدم استقرار الاقتصاد الكلي والأعباء الضريبية والقانونية إلى جانب ضعف الحكم المتمثل في الفساد وخدمات البنية التحتية غير الكافية.
 الاستقرار السياسي جزء من أجزاء المناخ
- تلك أجزاء من المشكلة وليست المشكلة كلها، ولمزيد من التوضيح أن المشكلة الإدارية للدولة تقف خلف طرد الأستثمار وليست الأنشطة السياسية الحرة التي تعد محفزة للاستثمار وليس العكس.

تقرير البنك الدولي للعام الماضي 2006م عن ممارسة أنشطة الأعمال في العالم لـ (175) دولة يدرسها التقرير، منح بلادنا درجة مقدارها (118) درجة في مؤشر "حماية المستثمر" بنقص (4) درجات عن العام السابق (2005م). وتقول التقديرات أن المستثمر بحاجة الى (100) يوم للحصول على إذن للبدء في المشروع وهو رقم عالي جداً مقارنة بدول أخرى يحصل فيها المستثمر على ذلك الإذن خلال ساعات أو بضعة أيام.

- ولو فرضنا جدلاً أن ما ذهب اليه الرئيس بالقول أن الفعاليات السياسية وما ترتب عليها من إجراءات مضادة من النظام أثرت على الاستقرار السياسي. فإن علماء الاقتصاد في تعريفهم لمناخ الأستثمار لم يقتصروا على هذا الأمر كمسبب أوحد لهروب الأستثمار بل ذكروا عدة مسببات في إطار التعريف. فالمناخ الاستثماري يعرف على أنه مجموعة الظروف والسياسات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر في ثقة المستثمر وتقنعه بتوجيه استثماراته إلي بلد دون أخر, وهذه مسألة تتفاعل فيها العوامل الموضوعية والنفسية والتشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية.

والسؤال هنا : هل قامت حكومة الحزب الحاكم بإصلاح مناخ الأستثمار على الأقل عند بقية العوامل الأخرى.؟

- ذلك أمر. الأمر ألآخر: ولو كانت التهمة التي يحاول النظام إلقائها على المواطنين الثائرين ضد سياساته وظلمه "شبه" حقيقية فلماذا يتم الإعلان بين يوم وآخر – هذه الأيام بالذات - عن زيادة حجم المستثمرين الذين يريدون الأستثمار في البلاد..!! وللإجابة قد نقول بالمقابل – استناداً الى التهمة الرئاسية- أن هؤلاء إما ترتبط استثماراتهم بقوى في السلطة أو أنهم أغبياء لا يفهمون..!! أو أن هناك أمر آخر لا يستبعد في ظل نظام تطغى مصالح أشخاصه على مصلحة الوطن. ذلك الأمر أن قيادة النظام بتركيزها خلال الفترة الأخيرة، على مثل تلك الخطابات ربما كان الغرض منه الإيعاز للمستثمرين الجادين بضرورة الخوف والقلق والتراجع عن الأقدام. بهدف أن تخلوا الساحة الاستثمارية لجهات محددة لا يستبعد أن تكون مقربة أو مملوكة لمقربين. وبذلك وبدلا من ترك الساحة للمنافسة واختيار الأفضل يكون الأمر مبرراً، حتى لا يضطر الى إعاقتهم بطرق أخرى ربما تؤدي الى فضائح جديدة حول طرد المستثمرين، والتي سمعنا بجزء منها ولم نسمع بأكثرها مما يتم تداوله سراً منذ فترة.
  من المستفيد من الأستثمار؟
- ليس هناك مجال للمزايدة أمام تلك الحقائق البديهية التي يحاول الرئيس وأركان حكمه تظليل الشعب عنها باتهامات مخترعة بين الحين والأخر.. فتارة تسيطر تهمة "أعداء الوحدة والوطن" وتارة "مخالفة الدستور والقانون" وأخرى "الارتهان للخارج"، ورابعة "استهداف البرنامج الانتخابي للرئيس".

- قال الرئيس في خطابه أمام الشباب مخاطباً الباحثين عن حقوقهم : دعوا المستثمرين يعملون ليحصل الشباب على فرص التوظيف وتحسين دخولهم..!!  وكأن الأستثمار سيحل اليوم كافة العقد والمشاكل التي ظل النظام يفرزها طوال ما يقارب من ثلاثة عقود. أو حتى لنقل طوال عقد ونصف على الأقل. لو كان الأمر كذلك فعلينا أن ننظر الى الأستثمار القائم طوال هذه المادة - لنترك ما سيأتي جانباً – ماذا سنجد؟ لماذا لا تكشف الدولة بالأرقام كم حجم العمالة اليمنية المفروضة بالقانون على الشركات النفطية وغيرها؟! وكم هي على أرض الواقع؟ لماذا وعد الرئيس أبناء شبوه وحضرموت والمهرة في مهرجاناته الخطابية أنه سيحلل العمالة اليمنية بدلاً عن العمالة الأجنبية في شركات النفط.؟ حتى اليوم لم يقم بالأمر بعد مرور أكثر من عام. لماذا تنتج مشاكل بين الحين والآخر بين شركات النفط وقبائل شبوة بسبب العمالة؟ ألا يدرك الرئيس أن الحقائق الموجودة تقول أن تلك الشركات النفطية بالتخصيص تستقدم حتى الطباخين والسائقين والحراس والمنظفين ووو..ألخ من خارج اليمن؟ لدينا كشوفات لتلك الشركات بالاسم والمهنة والراتب والجنسية..!! لم تبلغ العمالة اليمنية في تلك الشركات حتى 10% رغم أن العقود المبرمة معها تقول أن الوظائف التخصصية النادرة هي فقط من يحق للشركات استجلابهم..!! إن كان للدولة كشوفات أخرى عليها أن تعلنها للعامة. 

- أما العائدات التي تجنيها اليمن من الاستثمار الحاصل حالياً فلا يستفيد منها إلا القليل. مع أن دول أخرى معروفة. بها من الأستثمار أقل ما في اليمن وعدد سكانها أكبر الا أن خير الأستثمار وصل الجميع بشكل إصلاحات حقيقية في البنية التحتية والعمالة وغيره.
  بين يدي الرئيس للإصلاح
- وطالما تحدث الرئيس عن الأستثمار أولا، فإن هذا يجعلنا نطرق باب إصلاحه من كافة النواحي وليس فقط من ناحية المهاترات السياسية وتسجيل الأهداف. نحن بحاجة أولا الى تنفيذ توصيات مؤتمر فرص الأستثمار. كإصلاح البنية التحتية من طاقة ومياه ومباني وطرق ووو..ألخ ثم أننا بحاجة الى إصلاح التشريعات القانونية. وتخفيض الضرائب والجمارك على المستثمرين وعدم فرض إتاوات مانعة للمستثمر من إدخال رجله الى البلد. والتخلص من هيمنة النافذين على رقاب المستثمرين ومحاكمتهم أو على الأقل محاكمة بعضهم حتى يرتدع بقيتهم. إصلاح القضاء بشكل سليم حتى يطمأن المستثمر ان لا سلطة لأحد عليه. الشروع جدياً بالقضاء على الفساد ومحاكمة أول دفعة من الفاسدين علنياً كخطوة مشجعة لاستجلاب ثقة المستثمر والمواطن على السواء.

ومن الأشياء المهمة إتاحة مزيد من الحريات السياسية وإبعاد الجيش عن الصراعات السياسية. وإعادة الحقوق المسلوبة من المواطنين حتى تنتهي مظاهر القلق السياسي ويعم الاستقرار. فرض ألأمن العام على كافة مناطق الجمهورية لمواجهة الإرهاب وحماية المستثمرين والسياح. التسريع في الحكم المحلي بدلا من الإعلانات والمراوحة بالتصريحات والوعود.  

إن كافة تلك القضايا مهمة لتكون بيئة الاستثمار سليمة، صحيحة تجذب إليها المستثمرين لا سيما وأن التقارير والتصريحات الدولية المبنية على دراسات تقول أن الأستثمار في اليمن سيكون خصب إذ صلحت السياسات العامة والقوانين والبيئة الاستثمارية.

- إن أهم طرق الحل تكمن دائماً بالتخلي عن المغالطات التي بفعل الإعلام والأتباع تتحول الى حقائق لدى من خطط لها.. لكنها تقود دائما الى طريق معاكس تماماً للحل. حينها سيتحتم على الرئيس وحزبهً مضاعفة خطوات العودة لأدراك الوقت قبل فواته.
  بانتظار وعد الأرض والسكن
 - التقى الرئيس بالشباب في عدن وقال لهم كلاماً كثيراً عن الوطن والوحدة والتصرفات الهوجاء للمعارضة وأصحاب الحقوق. وختمها بذات الوعود الوردية التي يكررها بين سنة وأخرى " توزيع الأراضي الزراعية والأراضي السكنية للشباب". ذلك أمر جيد، نحن بانتظار تحققه بين كل إعلان وآخر. وما يعزينا هذه المرة الأمل بأن يكون الأمر جاداً. إذ لم يعد الوقت يكفي للوعود الوردية في خضم الألم الذي نعانيه يوماً بعد آخر وهو يزداد بفعل استغلال أصحاب العقارات السكنية لارتفاع الأسعار وغياب القانون. بل كلما أعلنت الحكومة أنها سترفع مرتبات الموظفين – حتى وإن لم تفعل ذلك صراحة - يهرع المؤجر لأخذ نصيبه منها..!! 

- نتمنى.. بل يفترض أن لا يتحول المشروع الى مشكلة جديدة، بتخصيصه من مشروع عام لشباب  الوطن الى مشروع خاص لشباب حزب بعينه. فهناك إشاعات يصدرها بعض من أعضاء الحزب الحاكم أن قوائم بالأسماء سجلت مسبقاً لمنحهم أراض زراعية وسكنية كمكافأة لهم على مجهودهم في الانتخابات الأخيرة وكدافع للارتباط والاستمرار. تلك ستكون جريمة مخالفة لحقيقة أن صراع الأحزاب في الانتخابات هو صراع على  كفاءة إدارة السلطة والثروة للجميع، وليس لفئة تمكن من السيطرة على الوظيفة العامة أو تستحوذ على مساحة الحياة والأرض. 

يكفي أن الفهم الخاطئ للديمقراطية جعل من الأحزاب الحاكمة في الوطن العربي تعتبر المال العام والجيش قطاعاً خاصاً لها. بينما أن  الفرق بين الحزب الحاكم والمعارضة في حقيقة الديمقراطية في الأنظمة الغربية أن الحزب الحاكم يصبح أكثر تحملاً لمسئولية إدارة السلطة لجميع المواطنين. تخيلوا لو كان أمر الديمقراطية أن من ينجح يملك الوطن. من سيترك الأخر لينجح. قطعاً: لا أحد.
------------------
أكتوبر 2007