السبت، 9 يوليو 2011

كوابح التحول السياسي




مع ان الدولة في اليمن انهارت سريعا، إلأ أن الثورة مازالت تخوض تعقيدات الخطوة الأخيرة..ثمة عوامل داخلية واخرى خارجية تحول دون تلك الخطوة، وفيما يتهم البعض أمريكا قيامها بدور الشرير، هناك من يرى أن السعودية لم تقرر بعد تخليص اليمنيين من الشر المحدق بهم..وتبدو نذر التصعيد كأنها تستعد لمرحلة يقول فيها الحسم المسلح كلمته الأخيرة..


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
اليمن كدولة بمفهومها العام المرتكز على الاشتغال في توفير متطلبات البعدين الداخلي والخارجي لم تعد قائمة اليوم. فهي داخليا باتت عاجزة عن توفير أبسط متطلبات الحياة العامة (بعد اقتصادي)، كما أنها فقدت السيطرة على معظم الرقعة الجغرافية داخل حدود سيادتها (بعد جيوبوليتيكي)، وهي أيضاً لم تعد تعمل كحامية للمجتمع (بعد عسكري)، وفي أهم الأبعاد السياسية لم تعمل الدولة كمحايد مستقل لحل النزاعات الداخلية. بل أدهى من ذلك أنها تعمل عمدا ضدا على ذلك كله.

وفي بعدها الخارجي، أثبتت الدولة قدرتها وكفاءتها في تدهور العلاقات الدبلوماسية والسياسية المبنية على تبادل المصالح مع دول المحيط الإقليمي والعالمي، فباتت تشكل قلقا وخطرا على مصالح معظم تلك الدول، عوضا عن انها فقدت ثقتها خارج حدودها، وفشلت تكرارا، امام الخارج، في إثبات إمكانية نجاح التعامل معها كدولة بحاجة للمساعدة من أجل النهوض الذي يمثل فوزا لتلك الدول في سبيل التنفع من جهة الإبقاء على مصالحها ومصالح حلفائها في أمان.

إن ذلك كله قد تواتر على مدى سنوات العقد الأخير، وتعاضد ليجعل من مسألة التخلص من شخوص الدولة في مستوياتها الحاكمة العليا متطلبا حتمياً، وفقاً للقاعدة التشريعية الشهيرة: «ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه»، وعطفا على القاعدة الطبية – ذات البعد السياسي – القائلة: بضرورة «التضحية بالأم لإنقاذ الجنين».

• أمريكا الطيبة في دور الشرير
لقد سارت الأمور على ذلك النحو. غير ان المعطيات التي نقف أمامنا اليوم تبدو وكأنها وضعت البلاد في حالة جمود سياسي، ولكن مع تحفز كبير للتأثير أو التأثر بأي فعل قد يساهم بإنعاش ذلك الجمود، وكل يتوخى تحقيق ما يعتقد انه يبارك ويتوافق مع توجهاته.

فثمة ثورة شبابية سلمية متواصلة منذ ما يقارب الستة أشهر، وبالجوار القريب منها معارضة حصيفة تواصل الحرص على دأبها في مسك العصا من المنتصف، ما بين تشجيع وتحريك الفعل الثوري وبين الميل إلى التفاوض بحثا عن حل سياسي أقل كلفة في الوقت الذي تحرص فيه على مسايرة المجتمع الدولي المؤثر متوخية كسب صديق مستقبلي فاعل.

وبالمقابل، ثمة رئيس مصاب من المرجح ان يتأخر استشفاؤه خارج البلاد لمدة طويلة، فيما تسيطر أسرته على مقاليد الحكم نيابة عنه بدون صفة شرعية. يأتي ذلك في الوقت الذي يواصل فيه المجتمع الدولي سياسته - القلقة والمقلقة في آن وغير الواضحة - سعيا لإحداث انتقال للسلطة بشكل سلمي آمن.

ولأنه غير قادر على إيصال أو توضيح مقاصده الكلية من تلك التحركات لكافة الأطراف، يضع المجتمع الدولي – وبالتحديد أمريكا - نفسه في موضع التشكيك والنقد من الجميع. فهو أمام شباب الثورة متهما بكونه يقوم بتحركات تسعى للقضاء على أهداف الثورة، وهو أمام المعارضة غير قادر على إنفاذ وعوده بشأن نقل السلطة، وبالأرجح فهو متواطئ مع ما تبقى من النظام.

كما وبالمقابل، لم يسلم من انتقاد ونقمة أسرة صالح وآلته الإعلامية. ومؤخرا انتقد العميد يحيى صالح، ابن شقيق الرئيس، وأركان حرب الأمن المركزي الولايات المتحدة كونها ترتكب «خطأ بمساندة أي تغيير في اليمن». بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الامريكية الأحد. وقبله كان عبده الجندي، نائب وزير الإعلام يتهم أمريكا حين اعتبرها المتسبب الرئيسي في أزمتي الوقود والكهرباء المتفاقمة في اليمن، كونها قتلت الشيخ جابر الشبواني، نائب محافظ مأرب، إثر هجمة نفذتها طائرة بدون طيار أمريكية في مارس الماضي، ما جعل والده وقبيلته يفجرون أنابيب النفط في المحافظة ويستهدفون أبراج الكهرباء. بحسب تصريحات نقلتها واشنطن بوست الأمريكية عن الجندي الخميس الماضي.

• ما وراء الأكمة
تتجه أنظار الجميع صوب أمريكا، كمتهمة أكثر منها باحثة عن حل. فماذا يعني ذلك؟ هل فعلاً أن هذه الدولة العظمى، المؤثرة في سياسات العالم وخصوصا الشرق الأوسط، لا تستطيع إلا ان تمارس دور «الشرير»، حين يتعلق الأمر بمصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي؟

في الواقع من المرجح أن تحصد الإجابة بـ«نعم» النسبة العظمى. كون ذلك يأتي في إطار النظرة النمطية العامة القائمة على أساس ان معظم أبناء الوطنين العربي والإسلامي مسكونون بنظرية المؤامرة. هذا جانب. اما الجانب الآخر فيتعلق بالإجابة على التساؤل التالي: ما الذي يجعل من دولة «امبريالية» كأمريكا تعمل على اساس «برجماتي» بحت من أجل مصالحها الخاصة، ما الذي يجعلها تتخلى عن حليف مهم قدم لها الكثير والكثير طوال عمله كرئيس للجمهورية على مدى 33 سنة؟ وفي السياق أيضا: فيما لو صح أن أمريكا قررت التخلي عن حليفها، فلم لا تساند الثورة وتسير مع توجهات الشعب اليمني أفقيا وليس دائريا أو رأسيا؟

للتحقق من ذلك، علينا أن لا نهمل المعطى الخارجي وتأثيره مع المعطيات السياسية الداخلية، إذ يتوجب علينا استحضارها جميعا ووضعها في سياق تعقيدات المعادلة القائمة في الوقت الراهن، حتى نتمكن من تقرير الحكم النهائي بناء عليها.

تؤكد البرقيات الدبلوماسية الأمريكية السرية التي سربها موقع ويكليكس مع أواخر العام المنصرم أنه وخلال السنوات الاخيرة، التي سبقت اندلاع الثورة، لم يكن المحيط الإقليمي العربي، ومعه المجتمع الدولي (الأمريكي بشكل خاص)، المتأثرين بفضاضة المناورات السياسية القاتلة، لم يكونوا بأولئك المتواطئين مع منظومة الحكم العليا في البلاد، بقدر ما كانوا متواطئين أكثر مع مصالحهم، خشية تأثرها لما كان من الممكن أن تترتب عليه أي مواجهة سياسية/دبلوماسية مباشرة غير حميدة مع تلك المنظومة المتسمة بعقلية عسكرية بيروقراطية ممتزجة بعقلية قبلية تقليدية متخلفة.

وهنا، يبرز المثال الأكثر تأثيرا، وهو: مسألة التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب. كلا الدولتين المعنيتين بشكل مباشر في هذا الملف، وهما أمريكا وحليفتها الاستراتجية المملكة العربية السعودية أدركتا إشارات مقلقة بخصوص ملف محاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي لم يكن مصادفة أن يتخذ من اليمن مقرا له، ومنها استطاع توسيع نطاق عملياته المتجاوزة للحدود والعابرة للقارات. وبالمثل لم تكن مصادفة ان تحدث كل تلك العمليات الإرهابية النوعية وبهذا الكم الكبير، المتقن والمقلق، عقب حقيقتين لافتين. الأولى: اكتشاف حقيقة أن النفط اليمني بدأ ينضب منذ العام 2005. اما الأخرى: ارتفاع حجم المساعدات العسكرية والتنموية المقدمة من المجتمع الدولي وبالأخص منها: أمريكا والسعودية.

لقد كشفت وثائق ويكيليكس أن القيادة السعودية لم تعد تثق بتصرفات ونوايا الرئيس صالح، ومثلها معظم قيادات دول الخليج. كما كشفت ان الجانب الامريكي بات مدركا لحقيقة تواطؤ صالح مع بعض اهم قيادات القاعدة المطلوبة دوليا.

وإن ذلك كله جعل الجميع يؤمن ان «صالح» يستخدم فزاعة تنظيم القاعدة بمثابة الحصالة الذهبية التي تبقي على تدفق الدعم الخارجي بشكل متواصل. يأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه تلك البرقيات السرية ان صالح يستخدم الدعم وقوات مكافحة الإرهاب المدربة امريكيا وأسلحتها المتطورة في مواجهة خصومة.

لكن، ومع ذلك كله، فقد كان من الواضح جدا أن أكبر وأهم دولة عظمى التي نصبت نفسها للقيام بمهام «شرطي العالم القوي» لا تمتلك الخيار المناسب والناجع لمواجهة مناورات صالح الشرهة، إلا خياراً واحداً اعتبرته الأنسب: الحصول منه على الضوء الأخضر لتنفيذ عملياتها في اليمن دون قيد أو شرط. وكان لها ما طلبت باعتباره الحل الأضمن لها – على الأقل في الوقت الراهن – لإنجاز مهمتها بشكل سريع في القضاء على خطر القاعدة في اليمن بنفسها، مستخدمة قوتها الجوية الضاربة.

لكنها – مثلها مثل حليفتها المملكة – لم تكونا على ثقة كاملة أن الحل النهائي لمشكلة القاعدة سيقتصر على ذلك النحو أو تلك العمليات الخاطفة فقط. وزاد من تعزيز ذلك لديها ذلك الأفق الرحب والحركة الواسعة التي ظهر عليها التنظيم الإرهابي مؤخراً بقوة أكبر وتقنية اشد خطورة.

• حاجة الحل الخارجي لتحرك داخلي 
لقد كان صالح يقوم بمناوراته تلك مع الأقوياء، ربما واثقا أنه لن يطاله شيء من غضبها طالما كان اشد ثقة بامتلاكه الورقة السحرية: تنظيم القاعدة. اضف إلى ذلك أنه أحاط عرشه بسياج عسكري عائلي بيروقراطي منيع. كما ان فكرة استخدام الخارج للمعارضة الداخلية كورقة ضغط تعدو أشبه بالمستحيل طالما ظل قادرا على زعزعة ثقة الخارج بقدرات هذه المعارضة على الفعل، وأنه في بلده الأقوى من الجميع، والأقدر دون غيره على فعل كل شيء.

إن هذه الحقيقة هي ربما ما حدت بأمريكا والمملكة تفضيل مواصلة التعامل مع هذه الحقيقة كأمر واقع وبالتالي مسايرة مناورات صالح، غير أن الأولى قررت الدخول في محاولة جريئة لتعزيز قوة المعارضة عبر الوقوف إلى جانبها في وقت مبكر، وعلى سبيل المثال: القيام بتدريب قياداتها في العمل السياسي والحملات السياسية والانتخابية ومكافحة الفساد والضغط والتأثير وغيرها. وكذا الوقوف إلى جانب مطالبها في إصلاح وتسوية ميدان العملية الديمقراطية ودعمها من أجل إحداث تغيير جذري للنظام وكذا دعم مطالبها بضرورة إجراء انتخابات نزيهة من شأنها إضعاف سيطرة صالح وأسرته ومقربيه على مقاليد السلطة.

وربما من المناسب هنا الإشارة إلى بعض الخطوات السابقة للجانب الأمريكي حول تحول موقفه من الرئيس صالح. وفي هذا المقام نعيد التذكير بجزء من مضون إحدى البرقيات المسربة التي رفعت من سفارة واشنطن في صنعاء (2005 - يونيو) فقد أوصى نائب السفير نبيل خوري حينها وزارة خارجيته باستغلال تواجد صالح في واشنطن خلال الزيارة القادمة المرتقبة له إلى العاصمة الأمريكية لحضور اجتماع قمة الثمانية هناك للضغط عليه وإقناعه بعدم إعادة ترشيح نفسه لدورة انتخابية أخرى في 2013. ولإنجاح الضغط نصح باستخدام ورقة المحافل الدولية كقمة الثمانية. لقد كان نائب السفير الأمريكي مدركا نوايا صالح التي عرف واشتهر بها في التخطيط لإعادة ترشيح نفسه. وحتى مع أن فترته الرئاسية المحددة بالدستور ستكون قد انتهت مع انتخابات 2006، إلا أنه سيتمكن من ذلك عبر إحداث تعديلات جديدة على الدستور.

لكن أمريكا، أيضا، ربما كانت تدرك جيداً أن الملف الذي يجمعها مع رجل مثل صالح على درجة بالغة من الحساسية، وعليه فإن أي خطأ بسيط قد يشعر معه صالح بالتوجس من الموقف الأمريكي قد يكلف ثمنا باهظا.

لدى الولايات المتحدة تجربة مريرة مع حلف النيتو في يوغسلافيا حين لم تنجح في إخضاع الديكتاتور الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش للإرادة الدولية عبر الضربات الجوية المتواصلة التي استمرت لأكثر من شهرين، ليخرج منها بطلا قوميا أكثر من قبل. لكن عشرة أيام من ثورة شعبية عارمة عقب انتخابات مزورة عام 2000 كانت كفيلة للإطاحة بالديكتاتور القوي. وقيل حينها ان المجتمع الداخلي - الشعب الصربي - كان قد نضج بعد أن ساعده المجتمع الدولي على ذلك عبر فرض خيار الديمقراطية، فيما كانت القوة الدولية العنيفة قد فشلت في السابق لأن المجتمع الداخلي لم يكن حينها قد نضج بعد.

لقد ادركت أمريكا اهمية ان ينضج المجتمع الداخلي اولا حتى ينجح التغيير. وهي لذلك ربما لم تكن تعول بعد على نضوج المجتمع الداخلي في اليمن، ليكون قادرا على إحداث التغيير المطلوب. بيد ان تلك النظرة إن لم تكن قد تغيرت بعد، فإنه يتوجب تغييرها اليوم بعد كل هذا الصمود الأسطوري لشعب أثبت أحقيته بالتغيير.

• نجاح الثورات بمساعدة المجتمع الدولي 
مع ما سبق، يبقى أمر التغيير منوطا بالزمان والمكان، ونوع وطبيعة النظام، والتعقيدات الداخلية.

في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية المفتوحة، تسهل عملية التطويع والإصلاح. لا يتطلب الأمر أكثر من استخدام أدوات الفعل الديمقراطي المتوفرة بدءاً بحرية التعبير والنقد لتدارك الأخطاء، ومرورا بالضغط وتقديم مقترحات التعديل إن تطلب الأمر لتدارك انهيار الدولة، وانتهاء بتغيير الرأس إن استمر الفشل.

أما الدول ذات الأنظمة المغلقة فليس ثمة من طريق للتغير غير طريق الثورة. إنه في الواقع الخيار الوحيد المتاح لذلك. وسواء طال الوقت أم قصر، فإن شعوب تلك الأنظمة تكون على موعد مع التغيير القسري. وتتضاعف فرص حدوث ذلك أكثر بداية عندما تزال الغشاوة وينقشع الضباب. وإذ ذاك لا يكون اوضح لدى الشعوب – عند هذه اللحظة التاريخية الفاصلة - أن ليس ثمة ما هو أسهل من أن تصلح أوضاع البلاد، غير أن من يديرون الأمر إما عاجزون، وإما أنهم يفضلون عدم حدوث ذلك. ويزداد الأمر أكثر حينما يترافق الأمر مع تزايد الاختلال في ميزان العدالة الاجتماعية حين يزداد من في السلطة والحكم وذووهم غنى، فيما تزداد غالبية الشعب بؤسا وشقاء.

على انه، وفي مثل هذا الواقع السياسي الدولي الجديد المفتوح يبدو أمر الثورات في المجتمعات المغلقة على شعوبها أقدر على الفعل وتحقيق الإنجاز عما كانت عليه الثورات في السابق. فاليوم من السهل ان يتحقق النجاح بمساعدة المجتمع الدولي، إن لم يكن تحت غطاء الالتزام الأخلاقي ومبادئ الشرف العالمية التي تشجع وتحض وتدعم رغبة الشعوب في إحداث التغيير من اجل حياة كريمة، فإنه قد يأتي عبر مسألة التدخل حفاظا على المصالح الدولية، التي أصبحت اليوم تتأثر بحدوث أي اضطرابات في أي دولة.

في الواقع، ليس الأمر بهذه الكيفية على الدوام، فثمة استثناءات بسيطة من الواضح انها ترتبط بأولويات المصالح الدولية وأهمية دول الأقليم المحيطة بهذه الدولة أو تلك، أضف إلى ذلك مستوى التعقيد الداخلي لها.

لقد أنجزت الثورتان التونسية والمصرية أهدافهما سريعا، بينما يوما عن آخر يتعقد المشهد في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين. ومع أن المجتمع الدولي ساعد على تسريع إنجاز الثورتين في تونس ومصر عبر الدبلوماسية الناعمة، باستخدام قوته التأثيرية على المؤسسات التي يتواجد فيها كمؤثر، وفاعل قوي على مدى سنوات خلت، إلا ان تلك الدبلوماسية الناعمة يبدو أنها واجهت عقبات كبيرة في ليبيا لينتقل معها إلى خيار القوة العسكرية، فيما انها [تلك الدبلوماسية الناعمة] يبدو أنها مازالت اليوم تواجه عقبات كبيرة ومعقدة في اليمن، ومتأنية – إن لم تكن متعمدة - في سوريا، ربما تحت أسباب التخوف من تأثر المحيط.

• خصوصية الثورة اليمنية
غير أن الثورة في اليمن، مع ما حققته من إنجازات جوهرية حتى اليوم، إلا انها توقفت عند عتبات الخطوة الأخيرة بانتظار ما ستسفر عنه محاولات فك الجمود السياسي القائم. وفيما يبدو أن مثل هذا الجمود له أسبابه المعقدة. بعضها داخلية وأخرى خارجية.

داخليا، يمثل انهيار الدولة أحد تلك الأسباب، من حيث أن هذا الانهيار السريع كشف تضعضعا في البناء التحتي والمنظومي لأجهزتها المختلفة، الأمر الذي أدى إلى بروز جزء خاص من القوة العسكرية كقوة مؤثرة وحيدة ومعيقة للتحول، فيما كان يفترض في دولة سليمة ان تعمل تلك القوة على حماية أي تحول منطلقه إرادة الشعب.

ومن المعيقات الاستثنائية أن يأتي العامل الخارجي كمكمل للعامل الداخلي ذاته. فالقوة العسكرية الضاربة التي عمل المجتمع الخارجي على بنائها تأتي في المقام الأول كمعيق للتحول. والمفارقة الكبيرة هنا أن هذه القوة (التي كان لها دور الحسم البارز في ثورتي تونس ومصر)، عبر – ما يقال – تأثير المجتمع الدولي، إلا أننا نجد هذا المجتمع نفسه يقف في دور العاجز أمام إيقاف هذه المؤسسة المهمة عن ممارساتها القمعية، والتي تحول دون إحداث التحول بأبسط التكاليف. ذلك مع أنها حظيت بعروض وشروط لم يحظ ولن يحظى بها أي نظام أو مؤسسة تقوم بما قامت به هذه.

وخارجيا، يأتي الدور السعودي المؤثر، والذي يتردد انه لم يحسم قراره بعد فيما يتعلق بنقل السلطة بطريقة آمنة في اليمن. وثمة من يقول إن خلافا لم يحسم بعد بين السعودية والإدارة الأمريكية في هذا الشأن. لدى السعودية تخوفات مستقبلية مؤسسة على التباينات الإيدولوجية مع معظم – إن لم يكن كل – مكونات المعارضة اليمنية، التي من المتوقع أن تؤول إليها قيادة الدولة.

امام حليفها الأمريكي تتذرع السعودية بتخوفها من ملف القاعدة، الذي من الممكن أن يهمل في حال وصول المعارضة للسلطة. ولذلك يعتقد ان زيارة مساعد وزيرة الخارجية الامريكية الأسبوع الماضي إلى اليمن، جاءت لأخذ ضمانات من المعارضة، وتجديد الضمانات السابقة من السلطة في مسألة الالتزام بمكافحة الإرهاب. وفعلا لقد حصل الرجل على وعود تطمينية من الطرفين. وهذا ما أكده في المؤتمر الصحفي الذي عقد في السفارة على هامش الزيارة. وقال إن وجهته القادمة ستكون الرياض، ما يعني إبلاغها بالنتائج الإيجابية التي حصل عليها، وبالتالي تدارس خطة عملية نقل السلطة في اليمن وتشكيل حكومة وحدة وطنية، يتلوها إجراء انتخابات رئاسية سريعة ثم التوافق على إجراء تعديلات دستورية وانتخابات نيابية.

لكن، ومع ذلك، لم يند أي فعل عملي حتى الآن من الجانب السعودي يطمئن الشعب اليمني، وعوضا عن ذلك، برزت تسريبات تقول إن صالح قرر العودة للإشراف بنفسه على عملية نقل السلطة وإجراء الانتخابات، وبحسب التسريبات فإن ذلك سيتطلب إنجازه وقتا طويلا ما بين خمسة إلى ثمانية اشهر، وهو ما سيعني – بحسب التسريبات – بقاء صالح رئيساً طوال تلك الفترة!

هذا الأمر، ربما، هو ما حدا بالمعارضة إلى أن تبدأ تصعيدها مؤخرا بإعلان مشروعها لتشكيل ما يسمى بالمجلس الإنتقالي الذي يواجه رفضا قويا من قبل القوى والأطراف الإقليمية والدولية.

يأتي ذلك في ظل مواصلة بقايا النظام من أبناء وأشقاء صالح تصعيدهم العسكري في محافظة تعز، ومديريات أرحب، نهم والحيمة بمحافظة صنعاء، بطريقة يراد منها التأكيد على بقائهم وتمسكهم بالخيار العسكري لحسم الأمور.

وعليه، فإنه ما لم يقم المجتمع الدولي بممارسة ضغط حقيقي تعمل لإيقاف الجرائم المسلحة، مع الإيفاء بوعوده المتكررة والتسريع بنقل السلطة، فإن الأمور تبدو وكأنها مرشحة للتصعيد أكثر. لاسيما وأن فترة الكمون الحالي قد تتحول من مرحلة التخلص النهائي من المواجهات إلى مجرد مرحلة استرخاء استعدادا لما تتطلبه المرحلة القادمة من مواجهات فاصلة قد يكون للخيار العسكري فيها كلمة الفصل الأخيرة. 

الأحد، 3 يوليو 2011

أولويات المرحلة الراهنة بين نقل السلطة واختلال ميزان العدالة


المصدر أونلاين ينشر إحصائية خاصة بالمجازر التي أرتكبها النظام خلال الفترة: فبراير – يونيو 2011

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
بعد مجازر كثيرة طالت معارضيه، تعرض الرئيس صالح وأركان نظامه - مطلع هذا الشهر (3 يونيو) - لحادث اعتداء أرسله مباشرة – بعد يومين - ومجموعة كبيرة من المسؤولين الحكوميين لتلقي العلاج في المملكة العربية السعودية. 

ومنذ ذلك الحين طفت على السطح، وسيطرت على الحالة اليمنية أربع قضايا زادت من غموض وتعقيدات المشهد اليمني. هذه القضايا قد تبدو - في سياقها النظري العام - كسلسلة واحدة مترابطة ومتكاملة بحيث لا يمكن حل المشكلة اليمنية بتجاوز أي منها.

لكنها في سياقها التفصيلي، عمليا، يمكننا القيام بذلك إذا ما أولينا المصلحة العامة للبلاد جزءاً من نظرتنا، مستشعرين خطورة المرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد. وبالتالي ترتيب أولوياتنا العملية بحسب الأهمية مع تأجيل النظر بما يمكن تأجيله.

هذه القضايا هي: طبيعة وملابسات الحادث، عودة الرئيس صالح، نقل السلطة بطريقة آمنة، وتشكيل مجلس انتقالي. قد يكون من اللازم هنا لفت الانتباه إلى أن القضيتين الأوليين تأتيان ضمن أولويات النظام والأسرة الحاكمة وأنصار الرئيس أكثر من غيرهم، بينما الثالثة تتعلق أكثر بأولويات المعارضة والمجتمع الدولي، وتبقى الأخيرة كجزء مهم في اعتبارات وأولويات شباب الثورة.

وهنا من شأننا أن نلاحظ بسهولة أن كل طرف من تلك الأطراف يغني أكثر على ليلاه وفقا لما سبق. فالنظام وأنصاره لا يستهويهم أي حديث آخر أكثر من حديثهم عن: ضرورة كشف ملابسات الحادث والجهة التي تقف وراءه، وأن الرئيس سيعود قريبا، وبالتالي لا يمكن التوصل إلى أية حلول أو الحديث عنها في ظل غيابه. بينما تتحدث المعارضة بنفس النغمة التي يتحدث بها المجتمع الدولي بضرورة البدء بنقل السلطة فورا. ولا يسأم شباب الثورة من الحديث عن ضرورة تشكيل مجلس انتقالي لإدارة البلاد.

بل يمكننا بسهولة اكتشاف أن أسرة الرئيس اعتلت الحكم بدون أي سند قانوني إلا التذرع بالحادث وحتمية عودة عائل الأسرة قريبا، فصار دأبها التنقل بين الحين والآخر، ودون كلل أو ملل، بين تلكما القضيتين، للتهرب من المستحقات الأساسية لإنقاذ البلاد.

ومؤخراً، وبعد أن بات الحديث عن عودة صالح خلال أيام أمرا مستهلكا وإمعانا زائدا في استغباء الشعب والمجتمع الدولي، عوضاً عن كونه قد بات أمراً تنعدم فرص تحققه نظرا لما تؤكده الحقائق الدامغة وفقاً لمعظم التصريحات التي تؤكد صعوبة حالته الصحية..هاهم إثر ذلك الإدراك، باتوا يتحدثون – في الآونة الأخيرة - عن ضرورة الانتهاء من التحقيقات والتوصل إلى معرفة ملابسات الحادث والجهة التي تقف وراءه كأولوية تدخل في إطار ما يسمى بتنقية الأجواء وإزالة عناصر التوتر.

وإذا ما تركنا بقية القضايا الثلاث الأخرى وركزنا على هذه القضية بقليل من التفصيل، فسيمكننا بداية التأكيد على أنها لا تمثل بأي حال من الأحوال أولوية مهمة لما يجب أن تسير عليه الإجراءات المستحقة لتخليص هذا البلد من مخاطر المرحلة الراهنة التي تكتنفه وتنبئ بكوارث أشد خطورة من المحتم أنها تفضي إلى التدمير الكلي للمنظومة السياسية والقانونية للبلاد، وتفجير الوضع الاقتصادي المتضعضع، وتشظية النسيج الاجتماعي الذي قد يمكننا القول إنه وبطريقة مفاجئة وغير متوقعة ظل متماسكا حتى الآن على ما تكتنفه من شروخ وتصدعات. وتاليا سيمكننا الحديث عما تستحقه القضية فيما لو اعتبرنا أن هذا المطلب هو عين الحق والصواب.

• الوقوف عند حادث النهدين
من الصحيح القول إن حادث تقجير جامع النهدين ليس بالأمر الهين الذي يمكن تجاوزه هكذا دون التوقف عند ملابساته وكشف من يقف وراءه، لكنه في نهاية الأمر لا يمثل تلك الأولوية التي يمكن تقديمها على أولوية التسريع بنقل السلطة لما تمثله هذه الأخيرة من أهمية أكثر. ذلك لكون التأخير في إحداث مثل هذا الإجراء قد يقضي على الفرصة الأكثر مواتاة الآن من اجل إنقاذ ما تبقى من اليمن، والشروع في الترميم والبناء. بل أكثر من ذلك، فإن الإصرار على ضرورة التوقف عند جزئية الحادث من شأنه أن يعقد الحل أكثر من حله.

وحتى مع ما كشفته التحقيقات الأولية من أن الحادث نتيجة عملية داخلية أكثر منه هجوما خارجياً فإن ذلك التعقيد قد يتأتى من خلال استنهاض الصراعات الداخلية ومحاولة تفجير الوضع الذي لم يتزحزح بعد بعيداً عن فوهة البركان.

ومع أن مثل هذا الإفراد الجزئي لهذه القضية قد يمثل تجاوباً مع رغبة التمويه التي قصدها وهدف ذلك الطرف جرنا إليها والتوقف عندها وعدم مجاوزتها لما هو أهم وأولى: التسريع بنقل السلطة. إلا أن حسم هذا الجزء قد يمثل أهمية لتجاوزه نهائيا، من جهة، ومن جهة أخرى فإن حمل هذا الحادث إلى الواجهة والإصرار عليه، يوفر الفرصة لحمل بقية الحوادث الأخرى التي رافقت مسيرة الثورة إلى الواجهة أيضا ومساواتها بمتطلبات الطرف الذي يسعى لاستثمار القضية لمصلحته. وهذا ربما ما سيتوجب علينا التركيز عليه هنا أكثر من غيره.

وكما ارتأينا أن نهمل ونضع جانبا الحديث عن تفاصيل بقية القضايا الأربع، على أهميتها، فربما علينا أيضا أن نتجنب الغوص في تفاصيل حادثة النهدين وما سيترتب على نتائجها من عواقب غير مستحسنة للطرف الآخر. مركزين على هدفنا الرئيسي الأخير الذي يقول بضرورة حمل قضايانا المشابهة ووضعها في سياق المطالب ذاتها.

• وضع الحوادث كلها على طاولة واحدة
إن التحقيق في مقتل 11 مواطنا بينهم نسبة كبيرة من الحرس الشخصيين للرئيس، وإصابة 124 آخرين بينهم الرئيس نفسه ومعه عدد كبير من المسؤولين اليمنيين، هو أمر ضروري ومهم، غير انه وبالمثل أيضا يجب أن يكون التحقيق في مقتل ما يقارب الـ 500 مواطن يمني، وإصابة الآلاف من أفراد الشعب اليمني، واختطاف وتعذيب المئات، هو الأخر بدرجة الأهمية ذاتها إن لم يكن أعظم منها.

وكما أنه ليس ثمة فرق عند الله بين دم مخلوقاته البشرية التي خلقها من طينة واحدة، فإنه أيضا ليس ثمة عدالة أو قانون على وجه الأرض يقول بأهمية وضرورة التحقيق بمقتل إنسان، وتجاهل وإهمال التحقيق بمقتل أشباهه من بني آدم، إلا أن تكون عدالة وقانون الغاب الذي تنادت البشرية منذ قرون كثيرة على محوه من الذاكرة الإنسانية.

وإذا كنا اليوم جميعاً مناصرين للرئيس ونظامه، ومناهضين له، ندعو إلى ضرورة استكمال التحقيقات في حادث جامع النهدين، فإن الضرورة ذاتها تستوجب منا جميعا أن نضع حوادث ومجازر قتل المعتصمين والمناهضين للنظام على طاولة التحقيق ذاتها.

وهذا المطلب إن لم يتم إنجازه بالكفاءة ذاتها ولجان التحقيق ذاتها، فإن نتائج التحقيقات التي ستفضي لها حادثة جامع النهدين – أياً كانت – لن تمثل إرادة العدالة الإلهية التي هي من إرادة الشعوب. وأخشى القول – وهو الحق – أن ثمة شيئا ما سيترتب عن تلك التحقيقات ما لم تتساوَ المهام والإجراءات فيما يتعلق بتلك الحوادث التي طالت أفراد الشعب.

بدءاً من مجازر عدن الأولى (16- 19 فبراير)، وما تلاها، مروراُ بمجزرة جمعة الكرامة (18 مارس)، ومحرقة تعز (29–30 مايو)، وانتهاء – وربما ليس كذلك – بمجازر الحصبة وأرحب وغيرها، بحسب التسلسل الزمني للجدول المرفق، مع ملاحظة أن هذه الإحصائية لا تعتبر نهائية وإنما مجرد اجتهاد أولي منا تم جمعها من أرشي المصدر أونلاين، مع اعتقادنا أن ثمة منظمات تمتلك ما هو أفضل وأكثر ثقة من هذا.

وإذا كانت حادثة دار الرئاسة حتى الآن يكتنفها الغموض والكثير من الروايات فإن تلك الحوادث والمجازر الأخرى معلومة لدى الجميع تلك الجهات والأيدي التي نفذتها.

على أن كافة الحوادث والقضايا بحاجة إلى محقق محايد، حتى يعتمد على نتائجها لإحقاق العدالة. ذلك أنه إذا أسند الأمر – في قضية النهدين – إلى من يخططون لاستغلال الحادث للإبقاء على سلطتهم المنتهية، فإن الأمر ذاته لن يختلف عن إسناد الأخرى لمن يرغبون في التخلص من جرائمهم ، ليس فقط التي من شأنها أن تنزع عنهم تلك السلطة، بل وتوصلهم إلى حبل المشنقة.

• معادلة حذرة للغاية
إن الفرصة التي يقدمها أولئك المتمسكون بضرورة الانتهاء من التحقيق بشأن حادث دار الرئاسة لذوي الشهداء والمكلومين على أحبائهم وفلذات أكبادهم من البسطاء لتبدو اليوم أكثر مواتاة فيما لو أراد المجتمع الدولي الوسيط الباحث عن مصالحه أن يثبت صدق مقاصده أمام الثوار المتشككين من تحركاته.

وإذ يبدو بلوغ ذلك في اللحظة الراهنة أمرا صعباً، فإن نجاح المجتمع الدولي في الضغط على بقايا النظام لإعادة ترتيب أولوياتهم، بالتسريع بنقل السلطة فوراً، كأحد أهم الأولويات لإنقاذ البلاد، قد يشفع له أمام الشعب - وبضمنهم ذوي الشهداء والثوار الذين اقسموا على عدم نسيان تلك الدماء الزكية الطاهرة - بأن يجعلهم ذلك يتعاملون معهم بالمثل. والمثل هنا هو: تقديم أولويات إنقاذ البلاد بتأجيل أولياتهم بأخذ حق شهدائهم.

وما لم تكن المعادلة على هذا النحو، أخذاً بالاعتبار عامل الزمن، فإن الرياح من المرجح أنها ستأتي بما لا "تشتهي السفن".
للحصول على جدول يتضمن إحصائية بالمجازر التي أرتكبها النظام خلال الفترة: فبراير – يونيو 2011، اضغط على الرابط :




الأربعاء، 22 يونيو 2011

نظرة سريعة في ما وراء زيارة فلتمان وخيارات الحل الأمريكي في اليمن وفقاً للمبادرة الخليجية



من عبد الحكيم هلال في 22 يونيو، 2011‏، الساعة 11:31 مساءً‏

من خلال لقاءات فلتمان مع السلطة والمعارضة، ربما بات من الواضح أن الحل الأمريكي لا يمكن أن يتجاوز المبادرة الخليجية كخيار تعتقد أمريكا أنه الحل الأنسب في ظل هذه الظروف التي تمر بها اليمن.

أما الرؤية الأمريكية في هذا الجانب فتكشف لنا الأني:-

- ان حالة صالح الصحية صعبة فعلا، بيد أن خيار نقل السلطة وفقاُ للدستور (المادة 116) إلى النائب، أمر غير ممكن في ظل هذه الظروف التي يسيطر فيها الجيش بقيادة أسرة صالح على مقاليد السلطة كورقة 
قوية تمنحهم إمكانية التفاوض على صفقة سياسية أخرى غير مسألة الدستور الذي لا يوضح المدة التي يتوجب فيها نقل السلطة في حالة فراغها لأي ظرف. فهنا سيكون طرح الأسرة الإنتظار حتى يعود الرئيس في اي وقت حتى وإن كان بعد ستة أشهر على سبيل المثال. وذلك مالم يكن هناك خيار آخر يضمن لهم الخروج الأمن والمقنع، ربما.

وعليه ستكون المبادرة الخليجية هي الحل الأقرب لصفقة من المعتقد أنها ستكون مقبولة الآن لدى صالح واسرته ورؤوس حكمه. والسبب في ذلك هو : أن هذا الحل قد يحمل في طياته حقيقتين. الأولى - ربما - أن مسألة تأخر عودة صالح مع بقاء الأوضاع على حالها المتجه بشكل سريع نحو إنهيار الدولة، إلى جانب الأبقاء على التوتر الحاصل الآن، قد يؤدي إلى نتائج وعواقب سيئة للغاية لن يستطيع اي طرف التحكم بها. 

الأمر الأخر: أن المبادرة ستضمن الجزء المهم في الصفقة كونها ستمنح صالح وأسرته ومقربيه الضمانات اللازمة لخروج آمن، وربما يلحق ذلك حوافز أخرى دولية واقليمية تتعلق بالمسائل المالية. بعكس لو طبق الدستور الخالي من أي ضمانات أو حوافز من هذا القبيل.

وهو ما قد يعني أن الأمريكان يقدمون أنفسهم كحريصيين على مستقبل صالح وأولاده. في الوقت الذي يضمنون فيه عدم تعرض مصالحهم للخطر في حالة أنهيار الدولة ونشوب الفوضى. اضف إلى ذلك أن المبادرة تمنح بقايا النظام فرصة أضافية للبقاء لمدة اضافية (ربما 3 اشهر).

على أن هذه تبقى مجرد إحتمالات حتى تتضح الحقيقة خلال الايام القادمة

ما يمكن أن يكون خلاصاً من الانهيار الكبير


ثمة عواقب غير سارة في المشهد السياسي جلبتها تعرجات السياسة الصماء لكنها أيضا قد تجلب الانعتاق في لحظة ما يكون قد بلغ منا اليأس مبلغه


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال

حقاً لقد أنجزت الثورة اليمنية الكثير من مقاصدها، ولم تتبق سوى الخاتمة. ولكثير ما أعجزت الخاتمة، ليس أفضل وأبدع المؤلفين والكتاب والأدباء والمخرجين فحسب، بل دهاه وعباقرة السياسة أيضا.


وإذا كانت الخاتمة عند غير الساسة قد تعني في الغالب نهاية الشيء، فإنها عند هؤلاء قد تعني العكس تماما. إذ ليس ثمة نهاية أبداً للفعل السياسي، بل هناك نهاية لمرحلة ما، لتبدأ مرحلة أخرى. وإذن فالخاتمة هنا تعني في واقع الأمر: البداية الحقيقية للتحول من مرحلة الحدث أو الفعل السياسي (وهو هنا الفعل الثوري) إلى مرحلة ما بعده، والتي غالباً ما يتم تشبيهها بـ: مرحلة جني الثمار. فإما أن يكون الحصاد حلواً وإما أن يكون مراً. وكلا النتيجتان تعتمدان على ما سار عليه الفعل تخطيطاً وتنظيماً، بل ومراعاة لعوامل الزمان والمكان وملامسة الاحتياجات الطبيعية.


والآن، لقد أنجزت الثورة الكثير، فيما ما زلنا جميعاً نترقب الخاتمة. وعليه سيبدو التريث والتأني للتفكير بخاتمة مناسبة للفعل السياسي موجباً عند الساسة أكثر من غيرهم لتأكيد تحقق الأهداف وتثبيت إنجازات المرحلة السابقة (المخاض الثوري). على أن الأمر هنا سيكون متلازماً بالضرورة مع الحرص على توجيه خط الثورة ووضع اللمسات الأولى لمعالم المرحلة القادمة. إنها معالم الدولة الحديثة التي ثار من أجلها الشعب وقدم أغلى ما لديه في سبيلها.

الانفجار الذي رحّل صالح، حمل معه شظايا عدة 
لخمسة أشهر خلت هتفنا في وجهه: ارحل. لكنه رفض أن يسمعنا، ولم يلب نداء أصحاب الأرض الأصليين، وملاك السلطة الحقيقيين، بل صرخ في وجههم: لن أرحل. أرحل إلى أين..! أرحلوا أنتم..!


اعتبر كل شيء في هذا البلد –التي كانت توصف بأنها سعيدة- ملكه وأسرته، وكل ما دونهم مجرد عملاء ومتآمرين. وطوال الـ33 سنة التي سمحنا له بالبقاء فيها حاكماً علينا، جوعنا ليتسنى له أن يستولي على ثرواتنا، ويا لتعاستنا حين أفلح بأن يشتري بالقليل من أموالنا بعضاً منا. ومع أنه لم يقم بأكثر من إعادة بعض ما نهب لبعض من الشعب، إلا أنه نجح في الإبقاء على أولئك لمواصلة حمل صورته تحت حرارة الشمس كمقدس لا يمكن التفكير بإسقاطه إلى الأرض. ولو أنهم أدركوا أن لم يكن بينهم وبين أن يستعيدوا كامل حقهم سوى أن يصبروا أياماً قليلة لفعلوا..


أيام قليلة تفصلنا حتى يكتمل نصف عام على انطلاق الثورة. وحقاً، لقد أنجزنا الكثير، لكن الخاتمة، التي ما زلنا بانتظارها، تضعنا أمام مفترق طرق عدة. احترنا جميعا، ومن حولنا العالم، إذ تهنا وعجزنا أيها نسلك..!


بطريقة مفاجئة، لم تكن في حسباننا، رحل من كان يرفض الرحيل. لكن ذلك الانفجار المجهول الذي أجبره على الرحيل، عوضاً عن أن يفتح لنا الطريق، فتح أمامنا مفترق طرق عدة: فإلى الواجهة قذف الانفجار بالنجل الأكبر للرئيس -والذي كان أبوه تعهد أنه لن يورثه- ليرثنا عنوة، ويبسط (يسكن) بجسده وجيشه على "بيضة" السلطة خوفاً على ضياع تركة أبيه. فإما عودته، وإما أخذ ما يعتبره حقه في التركة. وثمة شظية أخرى رمت بنائب الرئيس -الذي يفترض أن يخلفه دستورياً– في إحداثيات أخرى ومتغير جديد. ولكن يا للحسرة، ما زال يفضل مواصلة القيام بدور "الكمبارس" بعد أن ألفه وأستحوذ عليه.


وفي الطرف المقابل، مست الشظايا جسد أحزاب المعارضة، التي يبدو أنها لا ترى من السياسة ما هو أبعد من قاعدة "السلامة"، والإبقاء على "شعرة معاوية" -تحت رهبة الخوف من أن تركها أشبه بنزع صاعق القنبلة- لتواصل القيام بدور الـ"بيج براذر" أو بالأحرى "المهتاما غاندي" وإن بنسخة عصرية محدثة.


وباتجاه هذا الطرف الآخر أيضاً، ثمة شظايا مباغتة طالت ائتلافات شباب الثورة. وإذا بهم -في الوقت الذي كانوا اعتقدوا فيه أن الانفجار فتح باباً واسعاً أمامهم، وليس ثمة ما يمنعهم من دخوله سوى أن يرغبوا بذلك- يواجهون ستاراً وحاجزاً خفياً يحول بينهم وبين تحقيق تلك الرغبة.


وفي الوسط، ثمة شظايا خلقت بقع سوداء أمام المجتمع الدولي، ورسمت هالة ضبابية على موقف دول الخليج. وإذ اعتقد الوسطاء الغربيون أن الحل لإنقاذ مصالحهم، من بين يد الحليف المتقلب، بات اليوم أقرب إليهم من أي وقت مضى، إذا بكل تلك المياه الضحلة (مواقف الأطراف السياسية الداخلية، لاسيما جيش الورثة) تصعد من قعر البركة الراكدة لتشوش عليهم الرؤية، وتعيق تحركاتهم.

أحجار الرئيس التي رمى بها في الطريق
إذن، تكشف لنا تعرجات البيئة السياسية أن ما يمكن أن نراه أفقاً جديداً للحل، يمكن أن يكون سراباً في لحظة ما. وفي اليمن العصي على الفهم أصلا، قد يبدو ذلك أكثر شبهاً بثقب كوني أسود يبتلع كل ما حوله. حتى ليكاد للمتابع الجزم على هذا النحو: أن الأمر في اليمن سيان. وليس ثمة ما يمكن اعتباره أفقاً جديداً، سواءً كان محور المشكلة اليمنية موجوداً في الداخل، أم رمت به الأقدار –بدون إشعار- خارج الحدود لينام في غرفة العناية المركزة، طالما ظلت تلك الأحجار الكثيرة والكبيرة، التي ظل يرمي بها في الطريق على مدى ثلاثة عقود ونيف، تقوم بالمهمة التي رميت لأجلها.


إنها أحجار سائلة في نظر الخصوم، لكنها "كريمة" تعمل عمل السحر في نظره وأتباعه. وتلك ترتيبات وإجراءات مسبقة حرص على التخطيط لها ليس فقط ليبسط نفوذه على الحياة العامة والسياسية ماداً رجليه دون أن يبالي، بل لمثل هذا اليوم الأسود أيضا.


وتلك الأحجار على شاكلة: إسناد قيادة الجيش والأمن العام والسري للأسرة، بناء حزب خاص يعتمد أساسا على رئيسه، ويجب أن يكون عاجزاً لأن يتحول إلى حزب حقيقي بدونه. نائب بحركة محدودة جداً، يتوجب عليه أن يألف وتسيطر عليه فكرة كونه نائبا ضعيفاً منعدم التأثير على الأحداث، زائد على الحياة السياسية، وأكثر ما يمكن عمله عند تعرضه للضغوط: الانكفاء والتهديد بمغادرة العاصمة. ودستور بمعاني فضفاضة تمنحه قدرة التلاعب بتفسير نصوصه بالطريقة التي تناسبه حينما يرغب هو بذلك. حليف دولي يمسك بيده فزاعات إرهاب يمنحها الحياة متى ما أراد لينزعها متى شاء..الخ


ووسط ذلك كله كان لابد أن ترمى مجموعة أخرى من الأحجار وتوضع في طريق أهم مؤسستين مركزيتين مؤثرتين في أي دولة: المؤسسة التمثيلية (مجلس النواب والمجالس المحلية)، والمؤسسة الحزبية (الأحزاب السياسية). لإضعافها وجعلها في الهامش حتى يتسنى السيطرة على الحياة العامة بكافة تفاصيلها دون أن يتعرض الزعيم أو سدنة النظام القائم لأي اعتراض يتسم بالقوة يكون من شأنه عرقلة رغباته وأحلامه.


وفيما تعتبر المؤسسة العسكرية هي المؤسسة المركزية الثالثة ضمن المؤسسات المهمة والمؤثرة في أي دولة. فقد تم تشويه هذه المؤسسة، بتقوية الأجزاء الخاصة والتابعة في ولائها للرئيس نفسه عبر تعيين أبنائه وأبناء أخيه وأشقائه على رأس أهمها ليعمل بعد ذلك على تعزيز القوة الضاربة لتلك الأجزاء فقط على حساب إضعاف بقية الأجزاء التي في الجيش بداية، وتاليا على حساب تهميش وإضعاف بقية المؤسستين المركزيتين الأخيرتين.


الأمر الذي، وبحسب رالف م. غولدمان، مؤلف كتاب "من الحرب إلى سياسة الأحزاب..التحول الحرج إلى السيطرة المدنية"، يبقي على فرص نشوب حرب أهلية قائماً بأكثر توقعية. إذ أنه ولكي تتخلص أي دولة من الحروب الأهلية، كان يفترض أن توضع المؤسسة العسكرية في المرتبة رقم (3) من حيث ترتيب الأهمية والتركيز ومنحها القوة التأثيرية.


حيث يقول المؤلف أنه وفي مرحلة معينة من مراحل العملية التطويرية، تعبر هذه المؤسسات الثلاث بنجاح ما أسماها بـ: مرحلة "تحول حرجة" في علاقتها بعضها ببعض. ونتيجة لذلك "يعاد تنظيم تأثير هذه المؤسسات الثلاث. فالمؤسسة العسكرية تحتل تبعا لذلك مرتبة ثانوية بعد أن كانت تحتل المرتبة العليا، أما نظام الأحزاب فإنه يحتل المرتبة العليا بعد أن كان يحتل مرتبة ثانوية. وهكذا تتحقق سيادة المجتمع المدني على المؤسسة العسكرية".

في السياسة.. ثمة أمل في الأفق البعيد
لكن، ومع ذلك كله، فتعرجات السياسة أيضاً وتقلباتها، تلك التي تضرب بيدنا في السراب كلما اعتقدنا أننا أقرب من الخاتمة المرجوة، هي نفسها تلك التعرجات والتقلبات يمكنها أن تمنحنا أملاً ببلوغ الخاتمة التي نسعى إليها. وربما يكون ذلك في اللحظة ذاتها التي نعتقد فيها أن ما نراه في الأفق ليس سوى سراب.


ما يتعين علينا فقط، أنه وإلى جانب ضرورة توخي الحذر عند المنعطفات الكبيرة، علينا أيضاً أن لا ننساق مع المثاليات الزائدة، في الوقت الذي لا ننشغل فيه بالضجيج والصراخ المرتفع عن التركيز الفعال واستلهام الحكمة، التي وحتى يتسنى لنا بلوغها سيتعين علينا الإمعان في تتبع منتهى الأفق البعيد، فهناك قد نجد ما يمكن أن نبني عليه حياة جديدة لأمل جديد بعد أن كاد ينتكس ويذوي في لحظة يأس داخل أرواحنا المرهقة عطفا على استبداد وسواس قهري زرعته آلة إعلامية تمارس التضليل في أرض خصبة تضج برأي عام يتسم بالغوغائية القاتلة.


بكل سهولة يمكننا أن ننظر إلى النصف الأعلى من الكأس لنقلب المعادلة ضداً على ما سبق ونحول الشظايا الجارحة إلى بلسم والأحجار التي تسود طريقنا إلى لآلئ مضيئة تنير لنا الطريق.


بدون تفاصيل، هكذا علينا بداية أن ننظر إلى الأمور بشكل إيجابي:
- الجيش الذي يتسنمه أفراد الأسرة، تقوده عقول شابة، ضحلة الخبرة، ولم تختبر في الملمات والدروب العصية. ما سيعني أنها قد تحبك خاتمتها بكلتا يديها.


- أجزاء الجيش الأخرى، تلك التي همشت في السابق، تشكل محور توازن رعب بخبرتها وقدراتها التخطيطية العسكرية، ما سيجعلها أقدر على إفشال أي توجه عنف يمكن أن تبدأه القوة الأسرية المتضعضعة أساساً بسبب غياب الجزء الأهم من جسدها، وهو الرأس.


- النائب الذي حددت مهامه وأضعفت شخصيته بعمد، إن لم ينتهز فرصة استعادة شخصيته المشوهة أمام الشعب، فإن تصرفات الأولاد الهوجاء المتزايدة، من شأنها أن تجبره على أحد أمرين. إما أن يتخلص من عقدته في لحظة ما يبلغ فيها نقطة "التحول الحرج" لاسيما إن وجد دعما شعبيا وسنداً دولياً. وإما أن يرديه المارد الذي يسيطر على أعماقه، للتخلي وترك مهامه. وهنا ستعمل تلك الصفات التي غرست فيه عنوة عمل الضد حين يترك مهامه مغادراً إلى مسقط رأسه.


- الحزب الحاكم الضعيف الذي تعمد إبقاءه ضعيفاً، هو الآخر، سينعكس ضعفه ليعمل كسلاح مضاد، بالعجز عن اتخاذ ذلك القرار الأنسب الذي يفترض أن يجعله حريصاً على عدم انهياره كلياً، والتفكير بالإبقاء على نفسه حزباً مؤثراً في المرحلة القادمة الجديدة والحتمية.


- إلى جانب ذلك كله، فثمة عامل آخر مهم، هو: تحركات المجتمع الدولي الحريص على نقل السلطة بشكل سلمي وسريع. حتى وإن كان ذلك نابعاً بالأساس من حرصه على ألا تتضرر مصالحه في حال نشوب حرب أهلية.


- وبالنسبة لأحزاب المعارضة، فمن المهم النظر إلى أن تخوفاتها من سحب صاعق القنبلة، هو بالأساس لمصلحة بلوغ تلك التحولات بطريقة أقل كلقة.


- وبالمثل، فرهبة شباب الثورة جراء ضعف خبرتهم وحيلتهم السياسية، وخشيتهم من الانتقال إلى الخطوة التالية لعدم قدرتهم – ربما - على التنبؤ بعواقب ما سيقدمون عليه (تشكيل المجلس الانتقالي)، هو الآخر يصب في مصلحة بلوغ التحول المطلوب دون عواقب قد تؤخر الإنجاز.


وفي المجمل: علينا أن نؤمن أن أحد تلك التوقعات إن لم يكن مجموعة منها في إطار تكاملي، ستعمل عملها عاجلاً أم آجلاً. خصوصاً أن البلد يتجه بشكل جلي ومخيف نحو الانهيار الكلي. سياسياًً، اقتصادياً، اجتماعياً.. ما يعني أن التحول سيكون حتمياً في أي لحظة.


على أن طبيعة هذا التحول وشكله المستقبلي من الصعب التنبؤ به. وهو كما قد يتكهن البعض أنه لن يكون في نهاية المطاف إلا لمصلحة البلد، إلا أن تكهنات أخرى تعتقد أنه قد يكون توجهاً فوضوياً، لن يستطيع أحد السيطرة عليه، ما لم تقف جميع الأطراف المؤثرة على قدر من المسئولية من خلال عقد صفقة سياسية، لا يخسر فيها أحد.


صفقة تكسب فيها الثورة بتحقيق أهم أهدافها وفقاً لأولوياتها الأكثر أهمية مع التنازل عن بعض المثاليات بالتمسك بحديث "الشرعية الثورية" كمقدس. في الوقت الذي يمكن أن يحصل فيه الآخرون على ما يمكن أن يسمى في الصفقات التجارية بـ "تجنب الخسارة الكلية".


وهنا علينا أن نختتم بهذه العبارات الذهبية التي تخاطب طرفي النزاع بحقائق أكد عليها غولدمان، مؤلف الكتاب –سابق الذكر:


"وكما سيؤكد لنا تاريخ أي شعب من الشعوب، فإنه ليس من السهل إيجاد قواعد يتوصل بموجبها إلى قرارات يجمع عليها الشعب. إن قواعد اتخاذ القرار الأولية توضع عادة في مكانها المناسب في ظروف نشوء الحرب أو الثورة أو اندلاع التمرد، حيث تكون النخب منقسمة فيما بينها انقساما حادا، وحيث يبلغ الشك بخصوص دوافع كل طرف من الأطراف أعلى درجاته. وتتسبب ظروف الانقسام هذه في الانكفاء المتكرر إلى الحرب وتكتيكات العنف الأخرى. ولنلاحظ كم من الثورات "أكلت أبناءها" وكم من الإمبراطوريات تحللت بسبب فشل قادتها في تحديثها لتواكب عصرها بحيث تستطيع قواعد اتخاذ القرار الجماعي تلبية طموحات الأجيال الجديدة، أو تحقيق آمال الشعوب التي هزمت حديثا".


ويضيف "إن العنف يفرخ العنف. والمؤسسات السياسية القوية والفعالة هي وحدها التي تبدو قادرة على لجم مثل هذه النزاعات واستبدالها بإجراءات تقود إلى الثقة ونبذ العنف والتكامل السياسي. إن لدى بعض المؤسسات السياسية قدرة كبيرة أكثر من غيرها، على وضع حدود لنزاع النخب العنيف، وتقليص حجم الشكوك والأخطار، وما تتسبب به النزاعات التي تحدث من خسارات".