مع ان الدولة في اليمن انهارت سريعا، إلأ أن الثورة مازالت تخوض تعقيدات الخطوة الأخيرة..ثمة عوامل داخلية واخرى خارجية تحول دون تلك الخطوة، وفيما يتهم البعض أمريكا قيامها بدور الشرير، هناك من يرى أن السعودية لم تقرر بعد تخليص اليمنيين من الشر المحدق بهم..وتبدو نذر التصعيد كأنها تستعد لمرحلة يقول فيها الحسم المسلح كلمته الأخيرة..

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
اليمن كدولة بمفهومها العام المرتكز على الاشتغال في توفير متطلبات البعدين الداخلي والخارجي لم تعد قائمة اليوم. فهي داخليا باتت عاجزة عن توفير أبسط متطلبات الحياة العامة (بعد اقتصادي)، كما أنها فقدت السيطرة على معظم الرقعة الجغرافية داخل حدود سيادتها (بعد جيوبوليتيكي)، وهي أيضاً لم تعد تعمل كحامية للمجتمع (بعد عسكري)، وفي أهم الأبعاد السياسية لم تعمل الدولة كمحايد مستقل لحل النزاعات الداخلية. بل أدهى من ذلك أنها تعمل عمدا ضدا على ذلك كله.
وفي بعدها الخارجي، أثبتت الدولة قدرتها وكفاءتها في تدهور العلاقات الدبلوماسية والسياسية المبنية على تبادل المصالح مع دول المحيط الإقليمي والعالمي، فباتت تشكل قلقا وخطرا على مصالح معظم تلك الدول، عوضا عن انها فقدت ثقتها خارج حدودها، وفشلت تكرارا، امام الخارج، في إثبات إمكانية نجاح التعامل معها كدولة بحاجة للمساعدة من أجل النهوض الذي يمثل فوزا لتلك الدول في سبيل التنفع من جهة الإبقاء على مصالحها ومصالح حلفائها في أمان.
إن ذلك كله قد تواتر على مدى سنوات العقد الأخير، وتعاضد ليجعل من مسألة التخلص من شخوص الدولة في مستوياتها الحاكمة العليا متطلبا حتمياً، وفقاً للقاعدة التشريعية الشهيرة: «ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه»، وعطفا على القاعدة الطبية – ذات البعد السياسي – القائلة: بضرورة «التضحية بالأم لإنقاذ الجنين».
• أمريكا الطيبة في دور الشرير
لقد سارت الأمور على ذلك النحو. غير ان المعطيات التي نقف أمامنا اليوم تبدو وكأنها وضعت البلاد في حالة جمود سياسي، ولكن مع تحفز كبير للتأثير أو التأثر بأي فعل قد يساهم بإنعاش ذلك الجمود، وكل يتوخى تحقيق ما يعتقد انه يبارك ويتوافق مع توجهاته.
فثمة ثورة شبابية سلمية متواصلة منذ ما يقارب الستة أشهر، وبالجوار القريب منها معارضة حصيفة تواصل الحرص على دأبها في مسك العصا من المنتصف، ما بين تشجيع وتحريك الفعل الثوري وبين الميل إلى التفاوض بحثا عن حل سياسي أقل كلفة في الوقت الذي تحرص فيه على مسايرة المجتمع الدولي المؤثر متوخية كسب صديق مستقبلي فاعل.
وبالمقابل، ثمة رئيس مصاب من المرجح ان يتأخر استشفاؤه خارج البلاد لمدة طويلة، فيما تسيطر أسرته على مقاليد الحكم نيابة عنه بدون صفة شرعية. يأتي ذلك في الوقت الذي يواصل فيه المجتمع الدولي سياسته - القلقة والمقلقة في آن وغير الواضحة - سعيا لإحداث انتقال للسلطة بشكل سلمي آمن.
ولأنه غير قادر على إيصال أو توضيح مقاصده الكلية من تلك التحركات لكافة الأطراف، يضع المجتمع الدولي – وبالتحديد أمريكا - نفسه في موضع التشكيك والنقد من الجميع. فهو أمام شباب الثورة متهما بكونه يقوم بتحركات تسعى للقضاء على أهداف الثورة، وهو أمام المعارضة غير قادر على إنفاذ وعوده بشأن نقل السلطة، وبالأرجح فهو متواطئ مع ما تبقى من النظام.
كما وبالمقابل، لم يسلم من انتقاد ونقمة أسرة صالح وآلته الإعلامية. ومؤخرا انتقد العميد يحيى صالح، ابن شقيق الرئيس، وأركان حرب الأمن المركزي الولايات المتحدة كونها ترتكب «خطأ بمساندة أي تغيير في اليمن». بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الامريكية الأحد. وقبله كان عبده الجندي، نائب وزير الإعلام يتهم أمريكا حين اعتبرها المتسبب الرئيسي في أزمتي الوقود والكهرباء المتفاقمة في اليمن، كونها قتلت الشيخ جابر الشبواني، نائب محافظ مأرب، إثر هجمة نفذتها طائرة بدون طيار أمريكية في مارس الماضي، ما جعل والده وقبيلته يفجرون أنابيب النفط في المحافظة ويستهدفون أبراج الكهرباء. بحسب تصريحات نقلتها واشنطن بوست الأمريكية عن الجندي الخميس الماضي.
• ما وراء الأكمة
تتجه أنظار الجميع صوب أمريكا، كمتهمة أكثر منها باحثة عن حل. فماذا يعني ذلك؟ هل فعلاً أن هذه الدولة العظمى، المؤثرة في سياسات العالم وخصوصا الشرق الأوسط، لا تستطيع إلا ان تمارس دور «الشرير»، حين يتعلق الأمر بمصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي؟
في الواقع من المرجح أن تحصد الإجابة بـ«نعم» النسبة العظمى. كون ذلك يأتي في إطار النظرة النمطية العامة القائمة على أساس ان معظم أبناء الوطنين العربي والإسلامي مسكونون بنظرية المؤامرة. هذا جانب. اما الجانب الآخر فيتعلق بالإجابة على التساؤل التالي: ما الذي يجعل من دولة «امبريالية» كأمريكا تعمل على اساس «برجماتي» بحت من أجل مصالحها الخاصة، ما الذي يجعلها تتخلى عن حليف مهم قدم لها الكثير والكثير طوال عمله كرئيس للجمهورية على مدى 33 سنة؟ وفي السياق أيضا: فيما لو صح أن أمريكا قررت التخلي عن حليفها، فلم لا تساند الثورة وتسير مع توجهات الشعب اليمني أفقيا وليس دائريا أو رأسيا؟
للتحقق من ذلك، علينا أن لا نهمل المعطى الخارجي وتأثيره مع المعطيات السياسية الداخلية، إذ يتوجب علينا استحضارها جميعا ووضعها في سياق تعقيدات المعادلة القائمة في الوقت الراهن، حتى نتمكن من تقرير الحكم النهائي بناء عليها.
تؤكد البرقيات الدبلوماسية الأمريكية السرية التي سربها موقع ويكليكس مع أواخر العام المنصرم أنه وخلال السنوات الاخيرة، التي سبقت اندلاع الثورة، لم يكن المحيط الإقليمي العربي، ومعه المجتمع الدولي (الأمريكي بشكل خاص)، المتأثرين بفضاضة المناورات السياسية القاتلة، لم يكونوا بأولئك المتواطئين مع منظومة الحكم العليا في البلاد، بقدر ما كانوا متواطئين أكثر مع مصالحهم، خشية تأثرها لما كان من الممكن أن تترتب عليه أي مواجهة سياسية/دبلوماسية مباشرة غير حميدة مع تلك المنظومة المتسمة بعقلية عسكرية بيروقراطية ممتزجة بعقلية قبلية تقليدية متخلفة.
وهنا، يبرز المثال الأكثر تأثيرا، وهو: مسألة التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب. كلا الدولتين المعنيتين بشكل مباشر في هذا الملف، وهما أمريكا وحليفتها الاستراتجية المملكة العربية السعودية أدركتا إشارات مقلقة بخصوص ملف محاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي لم يكن مصادفة أن يتخذ من اليمن مقرا له، ومنها استطاع توسيع نطاق عملياته المتجاوزة للحدود والعابرة للقارات. وبالمثل لم تكن مصادفة ان تحدث كل تلك العمليات الإرهابية النوعية وبهذا الكم الكبير، المتقن والمقلق، عقب حقيقتين لافتين. الأولى: اكتشاف حقيقة أن النفط اليمني بدأ ينضب منذ العام 2005. اما الأخرى: ارتفاع حجم المساعدات العسكرية والتنموية المقدمة من المجتمع الدولي وبالأخص منها: أمريكا والسعودية.
لقد كشفت وثائق ويكيليكس أن القيادة السعودية لم تعد تثق بتصرفات ونوايا الرئيس صالح، ومثلها معظم قيادات دول الخليج. كما كشفت ان الجانب الامريكي بات مدركا لحقيقة تواطؤ صالح مع بعض اهم قيادات القاعدة المطلوبة دوليا.
وإن ذلك كله جعل الجميع يؤمن ان «صالح» يستخدم فزاعة تنظيم القاعدة بمثابة الحصالة الذهبية التي تبقي على تدفق الدعم الخارجي بشكل متواصل. يأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه تلك البرقيات السرية ان صالح يستخدم الدعم وقوات مكافحة الإرهاب المدربة امريكيا وأسلحتها المتطورة في مواجهة خصومة.
لكن، ومع ذلك كله، فقد كان من الواضح جدا أن أكبر وأهم دولة عظمى التي نصبت نفسها للقيام بمهام «شرطي العالم القوي» لا تمتلك الخيار المناسب والناجع لمواجهة مناورات صالح الشرهة، إلا خياراً واحداً اعتبرته الأنسب: الحصول منه على الضوء الأخضر لتنفيذ عملياتها في اليمن دون قيد أو شرط. وكان لها ما طلبت باعتباره الحل الأضمن لها – على الأقل في الوقت الراهن – لإنجاز مهمتها بشكل سريع في القضاء على خطر القاعدة في اليمن بنفسها، مستخدمة قوتها الجوية الضاربة.
لكنها – مثلها مثل حليفتها المملكة – لم تكونا على ثقة كاملة أن الحل النهائي لمشكلة القاعدة سيقتصر على ذلك النحو أو تلك العمليات الخاطفة فقط. وزاد من تعزيز ذلك لديها ذلك الأفق الرحب والحركة الواسعة التي ظهر عليها التنظيم الإرهابي مؤخراً بقوة أكبر وتقنية اشد خطورة.
• حاجة الحل الخارجي لتحرك داخلي
لقد كان صالح يقوم بمناوراته تلك مع الأقوياء، ربما واثقا أنه لن يطاله شيء من غضبها طالما كان اشد ثقة بامتلاكه الورقة السحرية: تنظيم القاعدة. اضف إلى ذلك أنه أحاط عرشه بسياج عسكري عائلي بيروقراطي منيع. كما ان فكرة استخدام الخارج للمعارضة الداخلية كورقة ضغط تعدو أشبه بالمستحيل طالما ظل قادرا على زعزعة ثقة الخارج بقدرات هذه المعارضة على الفعل، وأنه في بلده الأقوى من الجميع، والأقدر دون غيره على فعل كل شيء.
لقد كان صالح يقوم بمناوراته تلك مع الأقوياء، ربما واثقا أنه لن يطاله شيء من غضبها طالما كان اشد ثقة بامتلاكه الورقة السحرية: تنظيم القاعدة. اضف إلى ذلك أنه أحاط عرشه بسياج عسكري عائلي بيروقراطي منيع. كما ان فكرة استخدام الخارج للمعارضة الداخلية كورقة ضغط تعدو أشبه بالمستحيل طالما ظل قادرا على زعزعة ثقة الخارج بقدرات هذه المعارضة على الفعل، وأنه في بلده الأقوى من الجميع، والأقدر دون غيره على فعل كل شيء.
إن هذه الحقيقة هي ربما ما حدت بأمريكا والمملكة تفضيل مواصلة التعامل مع هذه الحقيقة كأمر واقع وبالتالي مسايرة مناورات صالح، غير أن الأولى قررت الدخول في محاولة جريئة لتعزيز قوة المعارضة عبر الوقوف إلى جانبها في وقت مبكر، وعلى سبيل المثال: القيام بتدريب قياداتها في العمل السياسي والحملات السياسية والانتخابية ومكافحة الفساد والضغط والتأثير وغيرها. وكذا الوقوف إلى جانب مطالبها في إصلاح وتسوية ميدان العملية الديمقراطية ودعمها من أجل إحداث تغيير جذري للنظام وكذا دعم مطالبها بضرورة إجراء انتخابات نزيهة من شأنها إضعاف سيطرة صالح وأسرته ومقربيه على مقاليد السلطة.
وربما من المناسب هنا الإشارة إلى بعض الخطوات السابقة للجانب الأمريكي حول تحول موقفه من الرئيس صالح. وفي هذا المقام نعيد التذكير بجزء من مضون إحدى البرقيات المسربة التي رفعت من سفارة واشنطن في صنعاء (2005 - يونيو) فقد أوصى نائب السفير نبيل خوري حينها وزارة خارجيته باستغلال تواجد صالح في واشنطن خلال الزيارة القادمة المرتقبة له إلى العاصمة الأمريكية لحضور اجتماع قمة الثمانية هناك للضغط عليه وإقناعه بعدم إعادة ترشيح نفسه لدورة انتخابية أخرى في 2013. ولإنجاح الضغط نصح باستخدام ورقة المحافل الدولية كقمة الثمانية. لقد كان نائب السفير الأمريكي مدركا نوايا صالح التي عرف واشتهر بها في التخطيط لإعادة ترشيح نفسه. وحتى مع أن فترته الرئاسية المحددة بالدستور ستكون قد انتهت مع انتخابات 2006، إلا أنه سيتمكن من ذلك عبر إحداث تعديلات جديدة على الدستور.
لكن أمريكا، أيضا، ربما كانت تدرك جيداً أن الملف الذي يجمعها مع رجل مثل صالح على درجة بالغة من الحساسية، وعليه فإن أي خطأ بسيط قد يشعر معه صالح بالتوجس من الموقف الأمريكي قد يكلف ثمنا باهظا.
لدى الولايات المتحدة تجربة مريرة مع حلف النيتو في يوغسلافيا حين لم تنجح في إخضاع الديكتاتور الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش للإرادة الدولية عبر الضربات الجوية المتواصلة التي استمرت لأكثر من شهرين، ليخرج منها بطلا قوميا أكثر من قبل. لكن عشرة أيام من ثورة شعبية عارمة عقب انتخابات مزورة عام 2000 كانت كفيلة للإطاحة بالديكتاتور القوي. وقيل حينها ان المجتمع الداخلي - الشعب الصربي - كان قد نضج بعد أن ساعده المجتمع الدولي على ذلك عبر فرض خيار الديمقراطية، فيما كانت القوة الدولية العنيفة قد فشلت في السابق لأن المجتمع الداخلي لم يكن حينها قد نضج بعد.
لقد ادركت أمريكا اهمية ان ينضج المجتمع الداخلي اولا حتى ينجح التغيير. وهي لذلك ربما لم تكن تعول بعد على نضوج المجتمع الداخلي في اليمن، ليكون قادرا على إحداث التغيير المطلوب. بيد ان تلك النظرة إن لم تكن قد تغيرت بعد، فإنه يتوجب تغييرها اليوم بعد كل هذا الصمود الأسطوري لشعب أثبت أحقيته بالتغيير.
• نجاح الثورات بمساعدة المجتمع الدولي
مع ما سبق، يبقى أمر التغيير منوطا بالزمان والمكان، ونوع وطبيعة النظام، والتعقيدات الداخلية.
في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية المفتوحة، تسهل عملية التطويع والإصلاح. لا يتطلب الأمر أكثر من استخدام أدوات الفعل الديمقراطي المتوفرة بدءاً بحرية التعبير والنقد لتدارك الأخطاء، ومرورا بالضغط وتقديم مقترحات التعديل إن تطلب الأمر لتدارك انهيار الدولة، وانتهاء بتغيير الرأس إن استمر الفشل.
أما الدول ذات الأنظمة المغلقة فليس ثمة من طريق للتغير غير طريق الثورة. إنه في الواقع الخيار الوحيد المتاح لذلك. وسواء طال الوقت أم قصر، فإن شعوب تلك الأنظمة تكون على موعد مع التغيير القسري. وتتضاعف فرص حدوث ذلك أكثر بداية عندما تزال الغشاوة وينقشع الضباب. وإذ ذاك لا يكون اوضح لدى الشعوب – عند هذه اللحظة التاريخية الفاصلة - أن ليس ثمة ما هو أسهل من أن تصلح أوضاع البلاد، غير أن من يديرون الأمر إما عاجزون، وإما أنهم يفضلون عدم حدوث ذلك. ويزداد الأمر أكثر حينما يترافق الأمر مع تزايد الاختلال في ميزان العدالة الاجتماعية حين يزداد من في السلطة والحكم وذووهم غنى، فيما تزداد غالبية الشعب بؤسا وشقاء.
على انه، وفي مثل هذا الواقع السياسي الدولي الجديد المفتوح يبدو أمر الثورات في المجتمعات المغلقة على شعوبها أقدر على الفعل وتحقيق الإنجاز عما كانت عليه الثورات في السابق. فاليوم من السهل ان يتحقق النجاح بمساعدة المجتمع الدولي، إن لم يكن تحت غطاء الالتزام الأخلاقي ومبادئ الشرف العالمية التي تشجع وتحض وتدعم رغبة الشعوب في إحداث التغيير من اجل حياة كريمة، فإنه قد يأتي عبر مسألة التدخل حفاظا على المصالح الدولية، التي أصبحت اليوم تتأثر بحدوث أي اضطرابات في أي دولة.
في الواقع، ليس الأمر بهذه الكيفية على الدوام، فثمة استثناءات بسيطة من الواضح انها ترتبط بأولويات المصالح الدولية وأهمية دول الأقليم المحيطة بهذه الدولة أو تلك، أضف إلى ذلك مستوى التعقيد الداخلي لها.
لقد أنجزت الثورتان التونسية والمصرية أهدافهما سريعا، بينما يوما عن آخر يتعقد المشهد في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين. ومع أن المجتمع الدولي ساعد على تسريع إنجاز الثورتين في تونس ومصر عبر الدبلوماسية الناعمة، باستخدام قوته التأثيرية على المؤسسات التي يتواجد فيها كمؤثر، وفاعل قوي على مدى سنوات خلت، إلا ان تلك الدبلوماسية الناعمة يبدو أنها واجهت عقبات كبيرة في ليبيا لينتقل معها إلى خيار القوة العسكرية، فيما انها [تلك الدبلوماسية الناعمة] يبدو أنها مازالت اليوم تواجه عقبات كبيرة ومعقدة في اليمن، ومتأنية – إن لم تكن متعمدة - في سوريا، ربما تحت أسباب التخوف من تأثر المحيط.
• خصوصية الثورة اليمنية
غير أن الثورة في اليمن، مع ما حققته من إنجازات جوهرية حتى اليوم، إلا انها توقفت عند عتبات الخطوة الأخيرة بانتظار ما ستسفر عنه محاولات فك الجمود السياسي القائم. وفيما يبدو أن مثل هذا الجمود له أسبابه المعقدة. بعضها داخلية وأخرى خارجية.
داخليا، يمثل انهيار الدولة أحد تلك الأسباب، من حيث أن هذا الانهيار السريع كشف تضعضعا في البناء التحتي والمنظومي لأجهزتها المختلفة، الأمر الذي أدى إلى بروز جزء خاص من القوة العسكرية كقوة مؤثرة وحيدة ومعيقة للتحول، فيما كان يفترض في دولة سليمة ان تعمل تلك القوة على حماية أي تحول منطلقه إرادة الشعب.
ومن المعيقات الاستثنائية أن يأتي العامل الخارجي كمكمل للعامل الداخلي ذاته. فالقوة العسكرية الضاربة التي عمل المجتمع الخارجي على بنائها تأتي في المقام الأول كمعيق للتحول. والمفارقة الكبيرة هنا أن هذه القوة (التي كان لها دور الحسم البارز في ثورتي تونس ومصر)، عبر – ما يقال – تأثير المجتمع الدولي، إلا أننا نجد هذا المجتمع نفسه يقف في دور العاجز أمام إيقاف هذه المؤسسة المهمة عن ممارساتها القمعية، والتي تحول دون إحداث التحول بأبسط التكاليف. ذلك مع أنها حظيت بعروض وشروط لم يحظ ولن يحظى بها أي نظام أو مؤسسة تقوم بما قامت به هذه.
وخارجيا، يأتي الدور السعودي المؤثر، والذي يتردد انه لم يحسم قراره بعد فيما يتعلق بنقل السلطة بطريقة آمنة في اليمن. وثمة من يقول إن خلافا لم يحسم بعد بين السعودية والإدارة الأمريكية في هذا الشأن. لدى السعودية تخوفات مستقبلية مؤسسة على التباينات الإيدولوجية مع معظم – إن لم يكن كل – مكونات المعارضة اليمنية، التي من المتوقع أن تؤول إليها قيادة الدولة.
امام حليفها الأمريكي تتذرع السعودية بتخوفها من ملف القاعدة، الذي من الممكن أن يهمل في حال وصول المعارضة للسلطة. ولذلك يعتقد ان زيارة مساعد وزيرة الخارجية الامريكية الأسبوع الماضي إلى اليمن، جاءت لأخذ ضمانات من المعارضة، وتجديد الضمانات السابقة من السلطة في مسألة الالتزام بمكافحة الإرهاب. وفعلا لقد حصل الرجل على وعود تطمينية من الطرفين. وهذا ما أكده في المؤتمر الصحفي الذي عقد في السفارة على هامش الزيارة. وقال إن وجهته القادمة ستكون الرياض، ما يعني إبلاغها بالنتائج الإيجابية التي حصل عليها، وبالتالي تدارس خطة عملية نقل السلطة في اليمن وتشكيل حكومة وحدة وطنية، يتلوها إجراء انتخابات رئاسية سريعة ثم التوافق على إجراء تعديلات دستورية وانتخابات نيابية.
لكن، ومع ذلك، لم يند أي فعل عملي حتى الآن من الجانب السعودي يطمئن الشعب اليمني، وعوضا عن ذلك، برزت تسريبات تقول إن صالح قرر العودة للإشراف بنفسه على عملية نقل السلطة وإجراء الانتخابات، وبحسب التسريبات فإن ذلك سيتطلب إنجازه وقتا طويلا ما بين خمسة إلى ثمانية اشهر، وهو ما سيعني – بحسب التسريبات – بقاء صالح رئيساً طوال تلك الفترة!
هذا الأمر، ربما، هو ما حدا بالمعارضة إلى أن تبدأ تصعيدها مؤخرا بإعلان مشروعها لتشكيل ما يسمى بالمجلس الإنتقالي الذي يواجه رفضا قويا من قبل القوى والأطراف الإقليمية والدولية.
يأتي ذلك في ظل مواصلة بقايا النظام من أبناء وأشقاء صالح تصعيدهم العسكري في محافظة تعز، ومديريات أرحب، نهم والحيمة بمحافظة صنعاء، بطريقة يراد منها التأكيد على بقائهم وتمسكهم بالخيار العسكري لحسم الأمور.
وعليه، فإنه ما لم يقم المجتمع الدولي بممارسة ضغط حقيقي تعمل لإيقاف الجرائم المسلحة، مع الإيفاء بوعوده المتكررة والتسريع بنقل السلطة، فإن الأمور تبدو وكأنها مرشحة للتصعيد أكثر. لاسيما وأن فترة الكمون الحالي قد تتحول من مرحلة التخلص النهائي من المواجهات إلى مجرد مرحلة استرخاء استعدادا لما تتطلبه المرحلة القادمة من مواجهات فاصلة قد يكون للخيار العسكري فيها كلمة الفصل الأخيرة.