الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

الخطاب العيدي لصالح .. الحل الذي يعمق الخلاف


عبد الحكيم هلالa.hakeem72@gmail.com

كان يمكن تجاهل خطاب علي عبد الله صالح بمناسبة عيد الفطر بوضعه في سياق خطابات الرؤساء المناسباتية لشعوبهم، لو لا أن اليمن تمر بحالة خطيرة وحرجة للغاية منذ قرابة 7 أشهر. فهنا لم يعد الأمر مجرد عادة دءوبة في تدبيج الخطابات الرسمية، بل يدخل في سياقات الفعل السياسي.


رئيس مازال يستشفى خارج بلده منذ ثلاثة أشهر، وشعب ثائر يطالبه بالبقاء هناك رافضا عودته. شعب مر عليه شهر رمضان وهاهو العيد يهل عليه وهو مازال معتصما في الساحات حتى تتحقق آماله وطموحاته.


هنا، وفي ظروف كهذه، سيكون من الغباء تجاهل خطاب رئيس قاد بلده إلى حالة هيجان ثوري. تفرض المسالة متابعته والتمعن فيه، علنا نجد فيه مخرجا يلبي الطموح، ربما. وربما على العكس يعمق الخطاب الحالة ويزيدها تعقيدا.
في أي مسار نحى خطاب الرئيس العيدي؟
الخلاصة تقول بالمسار المعقد، بيد أن للتفاصيل إيحاءات أخرى.


• تهدئة منقوضة
مع أن صالح حاول هذه المرة – وإلى حد ما – تجنب الانزلاق في هاويته العدائية المعتادة، من خلال محاولته تطبيع خطابه المكتوب بطابع تصالحي أكثر من عدائيته المشهودة، بالمقارنة مع معظم خطاباته السابقة طوال فترة مسار الثورة، إلا أنه كان من السهل جداً ملاحظة ذلك التناقض القادم مما يمكن وصفها بـ "مغناطيسية" الطبع التسلطي الذي تفرضه ذهنية لاشعورية لمن ظل ممسكا بزمام السلطة لأكثر من ثلاثة عقود.


لقد أمتزج ذلك التناقض التصالحي عند الحديث عن "المرحلة الخطيرة" وما تتطلبه من ضرورة "أن يجلس الجميع على طاولة الحوار ومواصلته من جديد بروح وطنية جديدة تأخذ العبرة من كل ما حدث.."، مع العدائي المنجذب بمغناطيسية الحدة اللفظية القابعة في ذهنية لاشعور تسلطي عميق وقديم، بوصفه خصومه بـ" القوى الظلامية المتخلفة.." و"المتخلفة"، و"الانقلابيين الواهمين وأصحاب الفكر الضال والعقيدة السقيمة، الذين يعتقدون بأن ذلك هو طريق وصولهم إلى السلطة لا قدر الله.."..الخ


في حين بدى ذلك التناقض منوطا بأمر واحد لا أكثر: الاستماتة في مواصلة محاولات التشبث بالسلطة أكبر مدة زمنية، يعتقد أن تلك المناورة ستمكنه من انتزاعها.


• بازار، مطعمات عاطفية، روحية، وحاجات بشرية
كانت الرسالة واضحة إذن. ولذلك فقط، حتى، عمد إلى تطعيم خطابه بالمعززات المكرورة التالية:-
- استثارة العواطف: باستجلاب ما يمكن وصفه بـ"الإرث التاريخي" لحكمة اليمنيين، وامتلاكهم المعرفة الصحيحة والدقيقة للمصلحة العليا للشعب والوطن، وتمتعهم بكل القدرات والطاقات..، وذوي الضمائر والعقول، وشعب الحكمة والإيمان..، وغيرها، من أوصاف ونعوت كثيرة وكبيرة توزعت وتنوعت في مناحي شتى من الخطاب


- مخاطبة الضمير الوطني والروحي(الديني): من خلال محاولته ربط الأحداث وحلولها بيقظة الضمير الوطني وباستثمار روحانية شهر رمضان الكريم، وفضائل العيد..الخ


- استحثاث الرغبة الإنسانية في العيش الآمن والكريم: حاول أن يسوغ مبدأ الحوار – الذي تنكشف لاحقا طبيعته المتحيزة لخيارات التشبث بالسلطة- بوصفه حلا من شأنه أن يحافظ على وحدة اليمن وحريته وديمقراطيته وأمنه واستقراره، "وكل ما يطمح إليه الشعب وفي مقدمته الشباب، من التطوير والتغيير واجتثاث الفساد وكل أسباب الصراع والاحتراب".


- مخاطبة القلق الخارجي: وذلك باعتباره أن الحوار الوطني الشامل يهدف فيما يهدف إلى "مكافحة الإرهاب واستئصاله من الأرض اليمنية باعتباره من أخطر التحديات التي تواجه الأمن والاستقرار والبناء والتنمية في الجمهورية اليمنية.."

• ما وراء ذلك كله
أشرنا سابقا إلى أن تلك اللغة التصالحية، بداية، وتاليا إنزلاقاتها العدوانية، أحيانا، إلى جانب مرفقات الخطاب التعزيزية، كل ذلك ما كان له إلا أن ينكشف أمام الحقيقة الواضحة التي ارتكزت عليها معظم بنود الخطاب كرسالة رئيسية، وهي: مواصلة المناورة كمحاولة، أثبتت رواجها بشكل جزئي، للتشبت بالسلطة أكبر فترة زمنية ممكنة، وليس إلا ذلك ما بدى أكثر جلاء.


وإن أمر كهذا بدى واضحا، وإن كان قد ظل يمنحه غطاء يسميه دائما بـ"الحفاظ على الشرعية الدستورية". إنها تلك الشرعية التي – ومن وجهة نظر مخالفة ومعارضة دائما – تجعله رئيسا غير شرعي وفقا لمسوغات وشروحات قانونية لكثير ما أمكن تأويلها على ذلك النحو المتعارض مع رغبة وأهداف الرئيس نفسه.


وعلى سبيل التوضيح، هنا، يتطرق الخطاب إلى تلك "الأولويات في إنجاز الخطوات القادمة انطلاقاً من احترام الدستور والامتثال لواجبات صيانة الشرعية الدستورية".


كما أن استثارة العاطفة بالحديث عن امتلاك اليمنيين للمعرفة والمصلحة العليا للشعب والوطن..الخ، ذلك كله يقود – في نظره - إلى المسار ذاته: المساعدة في الوصول "إلى كل ما هو مطلوب وفق برنامج زمني للتنفيذ الدقيق والإنجاز العظيم وبحيث يتطابق مع المدة المحددة للإجراءات القانونية والدستورية المطلوبة.."


بل أنه يتحدث أيضا عن الرؤية الواضحة "التي تم إعلانها والتزمنا بها في مبادرات سابقة بما في ذلك المبادرة الخليجية وجهود وبيان مجلس الأمن والسير نحو إنجاز الاستحقاقات القانونية والدستورية المؤجلة في أقرب وقت ممكن والترتيب لإجراء الانتخابات العامة الحرة والمباشرة لرئيس الجمهورية الجديد".


• لا معنى لمعاني الفضائل دون جوهرها
ذلك هو دأبه المستمر ذاته في تحقق نفاذ رغبته القديمة – مرتكز الخلاف – ضدا على رغبة الشعب المطالب برحيله الفوري، وتجنبا لتحقيق رغبة المعارضة الرافضة لأي حوار قبل تحقيق انتقال فوري للسلطة. إنه يعزز تعميق الخلاف من حيث أنه يواصل الاستماتة بالحديث عبثا عن رغباته هو، خياراته ونظرته هو لما يجب أن يكون عليه الحل: بقائه على رأس السلطة حتى 2013، تحت غطاء "احترام الدستور الامتثال لواجبات صيانة الشرعية الدستورية". هذا يتناقض مع جوهر الدعوة بضرورة أن "يجلس الجميع على طاولة الحوار ومواصلته من جديد". مثل هذه الدعوة لا مجال للقبول بها ووضعها في سياق الحل. ذلك أن ابسط متطلبات التفكير المنطقي، تحتم النظر في التساؤلين التاليين: لم خرج الشعب إذن؟ وعند أي نقطة توقف الحوار السياسي؟ هل ثمة إجابة أخرى، غير المطالبة بالرحيل وتسليم السلطة فورا؟


يقول في خطابه انه "فوض اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام بالتواصل مع قيادات أحزاب اللقاء المشترك ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وسفراء الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي"


حسنا، ولكن لماذا؟ يجيب: "لوضع الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية والتوقيع عليها دون تسويف أو تأخير". عن أي آلية يتحدث الرجل؟ أجزم أنه يدرك تماما أن ليس ثمة آلية تنفيذية أكثر وضوحا مما تضمنته المبادرة الخليجية بوضوح: الاستقالة وتسليم السلطة للنائب خلال شهر، تجرى بعدها انتخابات بعد شهرين. فهل هناك وضوحا أكثر من هذا؟ الآن لم يتبقى سوى التوقيع عليها دون تسويف أو تأخير. هذا فقط ما يريده الشعب اليمني لتحقيق طموحاته التي قال في خطابه انه حريص على إنفاذها. وما ليس واضحا هو: لم يتم هذا حتى الآن؟


دون ذلك، يصبح الحديث المطعم والمطرز بمعاني وفضائل العيد: التسامح والالتقاء والتفاهم والحوار والتصالح وإصلاح ذات البين داخل الأسرة اليمنية الواحدة، حديث "حق أريد به باطل"، بل هو حديث مجرد من جوهره، لمصلحة المعنى المعاكس الذي تبرز منه مساوئ النفس المتسلطة، نفسية الديكتاتور غير السوية. إنها نفسية طاغية مصر الأشهر، فرعون الذي قال لشعبه: (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) - غافر29 . وقال لملئه: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي). القصص: 38. هو إذن منطق الطغاة في كل زمان ومكان مهما اختلفت المواقف والأحداث. وتلك (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) – الفتح 23.


لكن المفارقة التي يتوجب أن يعلمها الرئيس اليوم، هي أن فرعون كان قد "استخف قومه فأطاعوه"، والشعب اليمني اليوم قال كلمته الفصل رفضا لمثل هذا الاستخفاف. وأن أهم القيم التي تعلموها في مدرسة رمضان هي قيم الصبر والوحدة الشعورية بالهدف والمصير المشترك والتحرر من متعلقات الضعف الدنيوية والتخلص من جاذبية الأرض لقول "كلمة حق عند سلطان جائر" بوصفها أعظم الجهاد عند الله.


الخميس، 11 أغسطس 2011

هل اليمن على أعتاب حل سياسي أم مجرد سراب ومواصلة لمناورات عقيمة؟


أحداث وتصريحات الأسبوع الأخير انطوت على فعل سياسي متخم بالتوقعات والاحتمالات نحو ما يشبه الانفراج..

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مع نهاية الأسبوع المنصرم، باغتت الحالة اليمنية الراكدة ما يمكن أن نطلق عليها مبدئيا «تموجات سياسية» يفترض أن تساعد على زحزحة وتحريك الجمود الذي قيد الفعل السياسي طوال الشهرين الماضيين إلا من بعض التململات التي لم تسفر حتى الآن عن شيء ذي بال.

الخميس الماضي صادف الرابع من شهر أغسطس، ما يعني انقضاء 60 يوما على مغادرة علي عبدالله صالح البلاد لتلقي العلاج في العاصمة السعودية. ومع هذا التاريخ ظهر بعض القانونيين ليتحدثوا عن انتهاء شرعية الرئيس بعد غيابه عن اليمن لشهرين كاملين ما يدل –حسب تصريحات تداولتها الصحافة- على «عجزه عن ممارسة مهامه وخلو المنصب كما نصت المادة 116 من الدستور اليمني، وهذا يعني -وفقا لقانونيين- ضرورة أن يدعو نائبه الذي تولى السلطة آليا خلال تلك الفترة طبقا للمادة الدستورية إلى انتخابات رئاسية.

تفسير المادة على هذا النحو، لقي معارضة من جانب السلطة كون صالح - في نظر وزير الشئون القانونية- ليس بـ«عاجز»، فهو «ما زال يمارس عمله أثناء تواجده في الخارج»، والدليل الذي استند عليه الوزير هو «استقباله لمساعد الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان» في الرياض بتاريخ 10 يوليو.

لكن المحامي خالد علي الماوري، المحامي أمام المحكمة الاستئنافية باليمن، عارض تصريحات الوزير الحكومي تلك، وقال في تصريحات لوكالة أنباء (شينخوا) الصينية: «بأن مهام الرئاسة لا تتمثل في استقبال أشخاص في زيارات شخصية وهو في المشفى، لأن مهام رئيس الجمهورية تعني إدارة البلاد بكامل شئونها والإشراف عليها ولها مقرات رسمية بمعنى أن يدير البلاد من القصر الجمهوري أو دار الرئاسة».

الجدل حول هذا الأمر بدا وكأنه توقف عند تلك التصريحات وردة فعل السلطة. لم تتبعه تحركات عملية يمكن أن توحي بأن المعارضة تأبه بتفسيرات القانونين تلك. ربما بسبب أنها تعتبر –بشكل مسبق– أن شرعية الرئيس انتهت فعلا مع انطلاق الثورة الشعبية، وأن ذلك تعزز مع قتل النظام لشعبه إلى جانب فقدانه السيطرة على أجزاء من البلاد مع عجزه الواضح عن إدارة شئونها العامة فيما عدا تمسكه بشرعية القوة العسكرية ضد المناهضين له، وحتى هذا يتم عبر ما تبقى له من جيش تمسك بزمامه عائلة صالح.

غير أن واقع الحال -بالنسبة للنظام- ربما كان على العكس من ذلك. حين بدا النظام وكأن قلقا ما يراوده من تفسيرات القانونين تلك! إذ يعتقد البعض إلى أنه عمد إلى اتخاذ بعض التدابير التي ربما اعتقد أنها قد تسعفه في تجنب أي تحرك قانوني يصب في اتجاه الدعوة إلى تطبيق تلك الإجراءات الدستورية وفقا للمادة 116. إحدى تلك التدابير ربما، كانت قبل أمس الأحد (7 أغسطس) حين أعلن عن خروج صالح من مستشفاه إلى مقر الضيافة الملكية السعودية لقضاء فترة نقاهة. وهو تدبير من الواضح –كما يعتقد هؤلاء- أن توقيته يوحي بمحاولة إعاقة أي إجراء قانوني وفقا لتلك التفسيرات. ولذلك، ربما، كان من اللازم تعزيز الأمر من خلال تأكيد الخبر الرسمي على أن الأطباء «سمحوا له بمغادرة المستشفى للنقاهة على أن يعود إليه بين الحين والآخر للمراجعة والمتابعة وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة». حيث يعتقد أن المقصود من وراءه إخراس المدعين بـ«حالة العجز».

عودة حديث العودة
ربما كان من اللافت تجنب الخبر الرسمي التطرق أو حتى الإشارة إلى عودة صالح إلى اليمن. ربما –من زاوية لغوية بحتة- لكون ذلك أمرا مفروغا منه. أو ربما أن الحديث عن الخروج من المشفى كان كافيا ليوحي بما بعده من لزومية أمر العودة. ومع ذلك، فربما -من وجهة نظر سياسية– أمكن البعض من التشكيك من حيث أن إغفال حتى تحديد فترة زمنية للعودة، هو أمر مثير للريبة، لاسيما وقد عودتنا التصريحات الرسمية على تحديد العودة بأيام قليلة، بل إنها قد دأبت على تكرار ذلك منذ اليوم الأول لخروجه من البلاد، مع أنه حتى لم تكن هناك أية مؤشرات أو دلائل على عكس ما هي عليه اليوم، أكثر من أي وقت مضى.

وإذا ما تركنا جانبا جدل الشرعية وانتهاءها، وركزنا على مسألة ما سيترتب على إعلان الخروج من إمكانية العودة أو عدمها مع إمكانية أن يحدث أحد الأمرين ولكن في إطار التوصل إلى حل من عدمه. وعليه، ربما كان من اللازم علينا ربط الأحداث والتصريحات وفقا لتسلسلها الزمني بهدف التقرير أو بالأحرى التوصل إلى ما يمكن أن يكون الأكثر احتمالية.

وهنا يبرز لنا أمران. الأول: عودة الحديث عن المبادرة الخليجية بشكل لافت بوصفها الحل الأنسب، مع ما يرافق ذلك من حرص رسمي على ربط الأمر بتحركات ومساعي الأمم المتحدة الأخيرة في اليمن. الأمر الآخر: التسريبات الأخيرة حول وجود ضغوطات على صالح تهدف إلى أحد أمرين: منعه من العودة إلى البلاد، أو تؤخر ذلك إلى فترة زمنية مناسبة يكون خلالها قد تم التوصل إلى حل.

المبادرة الخليجية
قبل الدخول في جدل المادة (116) من الدستور وانتهاء شرعية الرئيس، بيوم واحد، والإعلان عن خروجه من مشفاه بأيام قليلة، تناقلت وسائل إعلامية معلومات تفيد باستدعاء الرئيس لمستشاره السياسي الدكتور عبدالكريم الإرياني الذي قيل إنه قطع إجازته الصيفية في أوروبا ليصل إلى الرياض بصورة مفاجئة. حينها أفادت المعلومات أن الإرياني التقى بالدكتور عبداللطيف الزياني –أمين عام مجلس التعاون الخليجي– لمناقشة تفعيل المبادرة الخليجية والبدء بتنفيذها.

والاثنين، نسبت وكالة الأنباء الفرنسية، لمصدر يمني في الرياض، تأكيده «أن المستشار السياسي للرئيس عبدالكريم الإرياني التقى صالح في قصر المؤتمرات لأكثر من 24 ساعة».

بعدها، وقبل يوم من إعلان خروج الرئيس، كان الدكتور أبو بكر القربي –وزير الخارجية– يتحدث في حوار مع قناة السعيدة اليمنية عن أن الحل في اليمن يجب أن يكون سياسيا لا عسكريا، وأن «المبادرة الخليجية ما تزال تمثل أرضية للحوار لإنهاء هذه الأزمة» من حيث أنها «تمثل أهدافا أساسية محددة للحفاظ على أمن ووحدة واستقرار اليمن وخطوة عملية بدءا بتشكيل حكومة وصولا إلى انتخابات».

اللافت هنا، أن تصريحات الوزير القربي تلك، تأتي بعد أيام قليلة من تصريحات سابقة لرويترز (الأربعاء: 27 يوليو) كان اعتبر فيها أن المبادرة الخليجية حددت جدولا زمنيا «غير واقعي» لنقل السلطة. وقال «هذا الجدول الزمني ثبت أنه صعب التنفيذ..». مع أنه نفى أن يكون الرئيس قد ألغى الاتفاق (المبادرة الخليجية)، قائلا: «كل ما في الأمر أن الجدول الزمني للتنفيذ يحتاج إلى إعادة النظر».

وبمقارنة تلك التصريحات، مع وضعها في إطارها الزمني، يتضح لنا الاحتمالية التالية: أن نظام صالح يسعى إلى تسويق فكرة جديدة تلتزم أهداف ومبادئ المبادرة الخليجية العامة، ولكن مع إجراء تعديلات جوهرية على خطواتها التنفيذية، وفقا لنقاشات سابقة تمت مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. وتكشف التسريبات أن على رأس تلك التعديلات إبقاء الرئيس صالح «رئيسا فخريا» مع نقل صلاحياته لنائبه تستمر مدة زمنية أطول مما حددته المبادرة الخليجية (60 يوما)، هذه المدة قد تصل إلى نهاية العام الحالي (2011)، وربما أطول من ذلك.

هذا ما رفضته المعارضة سابقا أثناء حواراتها مع النائب ومع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. غير أن تصريحات نسبت للسفير الأمريكي الجمعة، كشفت عن وجود مفاوضات خاصة بين النائب وقيادة المشترك، وقال إن «هناك إشارات ايجابية».

وكانت صحيفة الشرق الأوسط السعودية قد أشارت الاثنين -على لسان مصادر أمريكية- إلى أن التوقيع على المبادرة الخليجية سيتم «مع تعديلات لها صلة بتوقيت الانتخابات، وتقديم ضمانات لعائلة صالح». ومع أن تلك المصادر لم تحدد توقيت التوقيع عليها من قبل صالح، إلا أنها قالت: إنه ما دام قرر البقاء في السعودية، لا بد أن يوقع عليها.

لم يتضح بعد طبيعة تلك المفاوضات أو ما هي تلك المؤشرات الإيجابية، غير أنه، إذا ما صحة الرواية، فمن المرجح أن يكون الطرفان قد توصلا إلى قاعدة مشتركة حول تمديد الفترة الزمنية التي يفترض أن يستمر فيها النائب قائما بأعمال الرئيس لإجراء التعديلات الدستورية المطلوبة والإعداد للانتخابات الرئاسية. ولكن حتى إن حدث ذلك فسيبقى من الصعب التكهن أن تقبل المعارضة بقاء «صالح» رئيسا فخريا طوال تلك المدة، إلا إن حصلت المعارضة على صيغة أخرى على شاكلة: بقائه خارج البلد طوال تلك الفترة، وهذا قد لا يكون واردا من جهة الرئيس نفسه. أو ربما تحديد صلاحياته المفترضة بوضعه الجديد بحيث لا تؤثر على العملية السياسية القادمة. أو ربما أي صيغة أخرى تبرر قبول المعارضة بالحل، دون أن يؤثر ذلك على علاقتها بالشارع الثوري أو يضعها موضع الريبة والشك.

جديد عودة صالح
مع تلك الأحداث والتصريحات، ربما بات أمر التوقيع على المبادرة الخليجية هو الأمر الأكثر توقعا، ولكن وفقا لصيغة أخرى، من الواضح أن ثمة مفاوضات إيجابية حول طبيعتها. يبقى ما هو الجديد في إمكانية عودة الرئيس من عدمه في ظل تلك التصريحات وما يعتمل في الدهاليز السياسية؟

الأحد الماضي (7 أغسطس) أعلن خروج الرئيس من مشفاه إلى قصر المؤتمرات المخصص لإقامة ضيوف الرياض من قادة الدول للنقاهة. ومع أن مثل هذا الخبر سيعني –إلى حد كبير– أن العودة إلى اليمن باتت قريبة جدا، إلا أن حرص الخبر الرسمي على تجنب الإشارة من قريب أو بعيد لأمر مثل هذا، قد يحمل دلالات هامة لاسيما إذا ما ربطنا ذلك بالتصريحات التي أعقبت إعلان خروجه، سواء من جهة مسئولين غربيين أم يمنيين.

حتى الآن، ربما كان من الواضح بمكان استبعاد عودة الرئيس، وإن لم يكن ذلك بشكل نهائي فمن المؤكد أن تتأخر تلك العودة بحسب ما يفرضه التوقيت الزمني للتوافق النهائي وربما أيضا: البدء بتنفيذ أهم ما يتوافق عليه على الأرض.

فيما يتعلق بالفرضية الأولى، وهي عدم العودة بشكل نهائي، صحيفة الشرق الأوسط الصادرة من لندن، نسبت -أمس الاثنين- لمسئول أمريكي تأكيده «أن صالح استقر على البقاء في السعودية». وهو الأمر ذاته الذي أكدته –في نفس اليوم- مصادر يمنية لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية. ونسبت الوكالة لمسئول يمني مقرب من صالح قوله «إن الرئيس رضخ على مضض للضغط الأمريكي السعودي للبقاء في الرياض». أما الاحتمال الآخر وهو تأخر العودة، فقد أضاف المسئول اليمني الذي تحدث للوكالة شريطة السرية لحساسية الأمر قائلا: «سيواصل الإصغاء إليهم إلى أن يتحسن بشكل كامل من جروحه ثم بعد ذلك سيقرر ما سيقوم به».

قد يكون من المؤكد أن الضغوط التي تعرض لها صالح مؤخرا، أفضت إلى التوصل إلى صيغة جديدة تجمع بين المشتركات الرئيسية مع بعض التنازلات الطفيفة يقدمها الطرفان وافق عليها الرئيس وبانتظار موافقة المعارضة. وأفادت أنباء أن الإرياني متوقع عودته إلى اليمن خلال أيام لمناقشة الأمر مع بقية الأطراف المعنية حول تلك الصيغة المدعومة سعوديا وأمريكيا وأوروبيا. وعليه توقعت مصادر أن يعود جمال بن عمر، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى صنعاء خلال أسبوعين للإشراف على الحوار وإطلاقه بين كافة الأطراف السياسية بعد أن يكون قد مهد لهذه العملية بعودة الدكتور عبدالكريم الإرياني إلى اليمن وطرح الصيغة المقترحة للحل. وفي السياق تحدثت معلومات صحفية أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي في مدة زمنية مداها الـ15 من الشهر الحالي.

ما بين توقيع الاتفاقية والعودة
السؤال المقترض هنا: ما الذي استجد لتحدث تلك التغيرات بتلك الصورة الفجائية؟ الإجابة على هذا السؤال ستكون افتراضية إلى حد ما من جهة أن مضمون السؤال نفسه افتراضي كون محتواه يرتبط أصلا بافتراضية أن تكون هناك تغيرات قد حدثت بالفعل على تلك الشاكلة. بمعنى آخر: ما سبق الحديث عنه ليس سوى مجرد احتمالات بناء على دلالات ومؤشرات قد تكون الحقيقة إحداها وقد لا تكون.

ومع ذلك، سيمكننا مواصلة الأمر نفسه وبالطريقة نفسها المستقاة من ربط الأحداث والمواقف مع التصريحات ودلالاتها ومؤشراتها الممكنة. وعليه إذا كان عرف بأن الرئيس قد أحجم عن توقيع المبادرة الخليجية لثلاث مرات في لحظاتها الأخيرة، فما الذي يضمن أن تكون هذه المرة مختلفة عن سابقاتها؟ كما وعلى النسق ذاته ما الذي سيجعل صالح يرضخ هذه المرة لضغوطات فشلت في السابق لإبقائه خارج البلاد؟ وهو الذي رسم علامات تعجب كبيرة على وجه مستشار أوباما للإرهاب حين أصر عليه أن عودته إلى اليمن أمر ضروري للإشراف على نقل السلطة؟

ومع أن تلك التساؤلات قد تبدو جدية إلا أن الجديد –هنا- ربما يكون موصولا بعدة حقائق. منها على سبيل المثال، والأهمية: بلوغ حقيقة أنه لم يعد رئيسا مرحبا به لدى المجتمع الدولي. صحيح أن تلك حقيقة قديمة أمكن بلوغها بعد شهرين أو ثلاثة تقريبا من الثورة، لكن الصحيح أيضا أن معالمها قد تغيرت بشكل أكثر جلاءً. فالمعلومات التي نشرتها الصحافة مؤخرا تحمل دلالات ومعاني أخرى أكثر وقعا على رئيس غير مرغوب، حيث رفضت ألمانيا طلبا باستقباله كرئيس جمهورية لمواصلة العلاج، ولم يكن أمامها إلا مواجهته بحقيقة أنه أصبح مواطنا عاديا سيمكن لأي منظمة أو مؤسسة حقوقية في ألمانيا أن تتلقف تواجده هناك لرفع قضية ضده وتنجح في محاكمته بسهولة.

يقال إن بريطانيا هي الأخرى أبلغته الأمر ذاته على طلب مماثل، وفقا لمصادر دبلوماسية غربية أخبرت قيادات في المعارضة. وإذا كان يمكن وضع مثل هذا الأمر الذي لم ينشر حتى الآن في أي وسيلة إعلامية كسابقه، في خانة التشكيك، فإن ما نشر عن رد روسي مماثل –وإن بطريقة أكثر تأدبا– سيمثل حقيقة مؤلمة أشد وقعا من سابقاتها، كون روسيا كانت هي البلد الأكثر رفضا لسياسة نظيرتها اللدودة (أمريكا) في التعامل مع الربيع العربي.

وإذا صحت تلك الروايات التي لم يرد حتى الآن أي نفي أو تكذيب لها من جهة الدول الغربية المعنية، فإن ذلك أمر سيترتب عليه مخاوف جدية من مستقبل سيكون ليس محفوفا بالمخاطر وحسب، بل لا معنى له أن يظل رئيسا غير معترف به من دول ذات شأن. الأمر الذي سيعني –في الوقت ذاته-حتمية التعامل معه كمجرم حرب فيما إذا قررت الأمم المتحدة فتح الملف. حتى الآن تقول التسريبات إن مبعوث الأمم المتحدة أخّر رفع تقريره المفترض بشأن زياراته إلى اليمن بطلب غربي يتوخى من ورائه إتاحة الفرصة للتوصل إلى حل سياسي. وثمة حقيقة لم تتأكد بعد مفادها أن ملف هذا المبعوث الأممي يحمل في طياته عدم رضى من مواقف وسلوكيات النظام الحالي -بحسب ما أكدته مصادر قالت إن مبعوث الأمين العام «بن عمر» أبلغ مسئولين يمنيين أنه لن يتواني في تضمين حقيقة ما توصل إليه أثناء لقاءاته بالمسئولين اليمنيين من أنه ليس ثمة نوايا حسنة لحلحلة الوضع، ذلك إن لم يسارع هؤلاء في إصلاح نواياهم، محذرا من أن أي تأخير في إجراءات نقل السلطة من شأنه أن يؤدي إلى كارثة ستكون عواقبها وخيمة جدا.

يأتي ذلك في ظل تصريحات لحقوقيين يمنيين مطلعين ومتابعين، أكدوا فيها أن بعثة مفوضية حقوق الإنسان التي وارت اليمن قبل أسابيع ستقدم تقريرها النهائي للمفوضية خلال أسبوع. وقالت المصادر إن التقرير يتضمن اتهامات لمسئولين حكوميين يتوجب محاكمتهم في قتل المتظاهرين السلميين.

ولكن، مع توقيت ظهور تلك الإيحاءات بالتوصل إلى حلول، ومع تلك التصريحات القائلة بقبول صالح فكرة عدم العودة، فربما سيتوجب تأخير تقديم تقريري مبعوث الأمين العام وبعثة مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ليتسنى النظر في نتائج المرجوة من التوقيع والشروع في إجراءات نقل السلطة.

لذلك، يعتقد البعض أن ما يحدث ويعتقد أنه مقدمة لانفراج، قد لا يعدو عن كونه مواصلة المناورات من قبل السلطة، وهو أمر لا يتفق معه الكثيرون بعد كل تلك الحقائق والمستجدات السابقة. وإذا كانت بعض دول أوروبا قد أعلنت صراحة عدم اعترافها بصالح كرئيس جمهورية، يكفي لإيقاف أساليب المناورات القديمة، فإن تقريري الأمم المتحدة سيظلان مفتوحين كضامن للتنفيذ.


الأربعاء، 3 أغسطس 2011

رمضان..الفرصة التي لم يغتنمها الرئيس صالح


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال

ظلت العادة في شهر رمضان المبارك أن يهل علينا كل عام حاملا معه ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد الغذائية. غير انه هذا العام هل علينا وقد حمل معه – إلى جانب تلك العادة بشكل مضاعف وغير مسبوق عن سابقه- متغيرات جوهرية أخرى.


على أن من أهم المتغيرات الواضحة التي أختلف فيها شهر رمضان الحالي هي حلوله هذه المرة والبلد يمر بحالة ثورية عارمة مازال فيها الكثير من أبناء الشعب يواصلون سكنهم في الخيام المنصوبة – منذ قرابة ستة أشهر - في مختلف شوارع محافظات الجمهورية، عازمين على ألا يغادروها إلى منازلهم أو يجدوا طعم الراحة - النسبية أصلا - قبل تحقق الأهداف التي خرجوا لأجلها. ويأتي على رأسها في الوقت الراهن: استكمال ما تبقى من مهمة التغيير بإسقاط «بقايا النظام العسكري العائلي».


وكعادته التي دأب عليها في مثل هذه المناسبة من كل عام، قدم الرئيس صالح - الذي مازال يواصل تلقي العلاج في الرياض منذ قرابة شهرين من إصابات مختلفة طالته مطلع يونيو الماضي جراء محاولة اغتيال – خطابا للشعب اليمني بمناسبة حلول الشهر الفضيل.


وفي الواقع كان يمكن لصالح أن ينتهز هذه الفرصة للظهور مجددا للمرة الثالثة، ليلقي خطابه ذاك أمام عدسات كاميرا القناة الفضائية، بدلا من الاقتصار على تفضيل نشره مكتوبا عبر الوكالة الرسمية وبقية الصحف التابعة للنظام. ومرد ذلك يرجع إلى الحقيقة القائلة: أنه إذا كان قد فضل أن يظهر مرتين بغير مناسبة ملزمة – ربما سوى القول أنه مازال على قيد الحياة وقادرا على تحريك لسانه وبعض الأجزاء من جسده درءا للإشاعات فقط - فإن تفويت هذه الفرصة المناسباتية العظيمة وتفضيل النشر المكتوب، ربما يحمل دلالات ما، قد تكون بينها تعزيز المقولات التي تحدثت عن تدهور حالته الصحية مؤخرا لاسيما عقب مغامرته التي إصر فيها على الظهور تلفزيونيا – مخالفا نصائح أطبائه - لمرتين متقاربتين زمنيا لكن من الواضح أنهما كانتا متباعدتين في التوقيت الفعلي للتسجيل.


وأي يكن الأمر، فإن مضمون الخطاب الأخير الذي نشر بالمناسبة، كان من اللافت اختلاف الكثير من محتواه عن خطابات المناسبة ذاتها للأعوام السابقة، ولكن، في الوقت الذي ظلت فيه معظم عناصره السياسية وواقع الحال اليمني، تتشابه مع معظم خطاباته السياسية الأخرى خلال فترة الأعوام الخمسة الأخيرة. وفيما عدى بعض العبارات التي تدل على حداثته وتواكبه مع الحالة اليمنية الجديدة، لم يتخلف مضمون الخطاب الرمضاني الأخير بالمقارنة مع الكثير من تلك الخطابات – السياسية - القديمة التي ألقيت خلال مناسبات مختلفة على مدى السنوات الأخيرة من حكمه، ولا سيما تلك التي تلت انتخابه في العام 2006.


• تقسيم مضامين الخطاب 
وإذا كان من الإنصاف القول أنه وكعادته في هكذا مناسبة رمضانية (خطاب رمضان الماضي أنموذجا) خرج خطاب هذا العام من كونه خطابا بمناسبة الشهر الفضيل فقط إلى خطاب سياسي صرف، يمكن القول أنه أنسحب أكثر مع الواقع الراهن للبلاد تحت الاستجابة الضرورية لقوة جاذبية هذا الواقع المتضعضع أكثر من أي وقت مضى، وتحول معظمه من كونه موجها لعامة الشعب اليمني بمناسبة الشهر الفضيل، أو كما يفترض، إلى كونه خطابا سياسيا موجها بالأصل وبالمقام الأول لقادة المعارضة، والجماهير الشعبية الثورية الغاضبة ثانيا، مع عدم إغفاله مجموعة من الإيحاءات التي تخاطب الخارج.


وتتأكد مثل هذه الملاحظة بالمقارنة مع خطاب المناسبة ذاتها للعام الماضي والذي ركز فيه على قيم الشهر الفضيل الروحانية أكثر من تركيزه على الحالة العامة، السياسية والاقتصادية، التي كانت تمر بها البلاد حينئذ. بل يمكن القول أن الحالة الاقتصادية، في الجزء الثاني من الخطاب (أي بعد الإستطراد طويلا بالحديث عن رمضان وفضائله وقيمه) برزت بصورة اكبر من الحالة السياسية التي أقتصرت على الحديث حول جزئيتين لا اكثر هما: مواصلة الحوار مع المعارضة، ومحاربة الإرهاب.


ومع ذلك، إلا أنه – في واقع الحال - كان من السهل ملاحظة التشابه الكبير، الذي تضمنت معظم محاور الخطاب الأخير، مع الحالة اليمنية المضطربة المتشابهة خلال السنوات الخمس الأخيرة.


وللتوضيح يمكننا هنا تقسيم مضمون الخطاب إلى قسمين، على النحو التالي:-
القسم الأول: مضامين شملت فضائل وقيم الشهر الكريم، تضمنتها الديباجه والمقدمة، وأخذت حيزا أقترب من نصف الخطاب.


القسم الثاني: مضامين سياسية تخاطب الحالة اليمنية المتعلقة بجزئيات اقتصرت أجزاء يسيرة منها - بعد المقدمة مباشرة - على مخاطبة الحالة الاقتصادية، لتفرد بقية المساحة لمخاطبة الواقع السياسي العام الذي ركز على الخلاف مع المعارضة والثوار، ممتزجا بإيحاءات للأطراف الخارجية.


وعليه، يمكننا، أيضا، تقسيم هذا القسم إلى محورين.
الأول: مضامين قصد بها المعارضة وشباب الثورة.
والآخر: مضامين تضمنت رسالة ثنائية مزجت بين المعارضة والأطراف الخارجية.
وذلك على النحو التالي:-
المحور الأول: مع أن هذا المحور حاز على النسبة العظمى من الخطاب، كونه – كما يوحي - يعد الهدف الرئيسي من الخطاب نفسه، ومع أنه أمكن ملاحظة أن عناصره بدت وكأنها تخاطب الحالة اليمنية الحديثة، إلا أنها لم تكن مختلفة كثيرا عن الحالة اليمنية القديمة المتشابهة خلال نصف العقد الأخير..


وهذه المضامين هي:-
- الدعوة إلى الحوار على أساس الثوابت الوطنية والدستور.
- التهدئة ونبذ العنف والتطرف والتخريب.
- التغيير عبر صناديق الاقتراع. وضرورة تجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر القواعد الدستورية والديمقراطية. (وهذه لوحظ تكرارها في أكثر من موضع، ما يوحي أنها كانت هي المحور الرئيسي في مضمون الخطاب).


- عدم التفريط بالوحدة وضرورة الدفاع عنها، متعهد بالدفاع عنها بكل ما يستطيع
- أنتقد إشاعة الفوضى وزيادة معاناة المواطن عبر حرمانه من سبل العيش ومقومات الحياة العامة الضرورية.
- الحث على دعم ومساندة المساعي الوطنية الجادة والمسئولة لتحقيق وفاق وطني شامل ترضى عنه وتلتزم به كافة الأطراف السياسية للخروج من المحنة السياسية القائمة ومعالجة كافة القضايا والمشكلات وتحقيق التغيير المنشود في النظام السياسي.


- استنكار أساليب التصفيات الجسدية للمنافسين السياسيين واعتبارها متخلفة ولا أخلاقية وستفضي إلى المزيد من التعقيد وتفاقم الأزمة


المحور الثاني: مضامين تضمنت رسالة ثنائية بمحاولة الإيحاء بتوجيه الخطاب للداخل اليمني، لكنها تضمنت بدرجة رئيسية توجيه رسالة خارجية تخاطب المجتمع الدولي.


وهنا يمكننا القول أن مثل هكذا مضامين اقتصرت على النقطتين التاليتين:-
- الدعوة إلى ضرورة الالتزام بالمبادرة الخليجية وبيان مجلس الأمن كأرضية للحل.
- توجيه الشكر والتقدير للجهود التي بذلها ويبذلها الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي والأصدقاء الأمريكيون ودول الاتحاد الأوروبي والأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة.

• بعض الحقائق في العمق
ما سبق كان بمثابة إيجاز سريع لأهم محاور مضمون الخطاب. أما إذا غصنا عميقا في محتوى بعض جزئيات الخطاب، فيمكننا أن نقف أمام بعض الدلالات على النحو التالي:-
- أن تشابه معظم مضامين الخطاب مع معظم مضامين تلك الخطابات السياسية القديمة (لاسيما خلال نصف العقد المنصرم)، كما لاحظنا عاليه، قد لا يعني سوى أمر واحد، هو: أن هذا النظام آسن، عجز عن حللحة تلك القضايا بطريقة راشدة كان يمكن معها عدم الوصول إلى هذه الحالة الخطيرة التي بلغتها البلاد اليوم.


- كما أن تكرار الحديث عن تلك القضايا اليوم، وبنفس العقلية القديمة يعني أن النظام لا يمتلك ادوات جديدة للحل من شأتها ان تتناسب مع الحالة الراهنة التي بدت وكأنها "مستعصية" أو بالأحرى أقرب إلى هذا الوصف.


- إغفال الخطاب الأخير لقضية هامة مثل محاربة الإرهاب، وبشكل واضح ولافت، على عكس رمضان السابق، مع أن وضع القاعدة اليوم اشد وطئة من أي وقت مضى، قد يوحي إلى مغزى معين يتعلق بمحاولة تجنب "الطبخة" التي فاحت رائحتها مؤخرا.


- في سياق الخطاب حاول الرئيس توجيه رسالة لبعض الأطراف الخارجية التي لم يسمها حين وجه إليها تهمة زعزعت الأمن والاستقرار اليمني. ففي سياق حديثه عن الحفاظ على الوحدة اليمنية والدفاع عنها بكل ما يستطيع، أشار إلى ما أسماها بـ"المؤامرات" الداخلية، و"التحريضات والإغراءات" عن طريق ما اسماهم "بعض الحاقدين في الخارج على الأمن والاستقرار في بلادنا". وهو تلميح يحمل دلالات مستبطنة، ربما الواضح منها – بحسب المعطيات – الإشارة إلى تلك الرغبة الخارجية الملحة التي تسعى بعض الأطراف الخارجية المؤثرة تحقيقها من خلال الإصرار على ضرورة تسليم السلطة ونقلها إلى النائب بشكل سريع وبدون مماطلة.


ويمكن أن يعزز هذا الأمر الإشارة إلى تلك التسريبات الأخيرة التي تتحدث عن ضغوطات غربية تجبر الرئيس على عدم العودة إلى اليمن مع ضرورة موافقته التوقيع على نقل السلطة وفقا للمبادرة الخليجية من مقره في الرياض. يأتي ذلك مع تصريحات وزير الخارجية اليمنية الأخيرة – أثناء لقائه في لندن بمندوبة الإتحاد الأوروبي – والتي تحدث فيها عن صعوبة تنفيذ المبادرة الخليجية وفقا لمقترحاتها الزمنية، مع التأكيد على أن الرئيس لن يترك السلطة إلا عبر الدستور والانتخابات. وهي رسالة واضحة جاءت محتوية ردا على بعض ما يدار من وراء الكواليس. وعلى سبيل المثال: منها ما سبق الإشارة إليه حول رغبة الوسطاء والحلفاء نقل السلطة بشكل فوري، يضاف إليها ما روجت له بعض وسائل الإعلام مؤخرا عن رفض دول مثل ألمانيا وبريطانيا طلبا إستقباله كرئيس جمهورية لديها وذلك عطفا على طلب رئاسي للموافقة على مواصلة العلاج لديها، حيث كان الرد بعدم قدرتها إلا التعامل معه كمواطن وليس كرئيس جمهورية.


كما أن الحديث عن المبادرة الخليجية وربطها ببيان مجلس الأمن مع اعتبارهما أساسا وأرضية للحل، ربما يأتي في الإطار ذاته. من حيث محاولته توجيه رسالة للخارج مفادها القبول مبدئيا بنقل السلطة، ولكن بهيئة جديدة تمزج بين المبادرة ومساعي مجلس الأمن، المحددة لآليات هذا النقل. وبالطبع فتلك الآليات تنسجم مع توجهات الرئيس نفسه كونها تمنحه - بعد موافقته نقل السلطة إلى نائبه - وقتا زمنيا طويلا للبقاء في السلطة كرئيس شرفي حتى إجراء انتخابات 2013 الرئاسية. وهو ما ترفضه المعارضة والأطراف الخارجية التي تطالب بنقل السلطة بشكل سريع دون تلك الإضافة التي لا سوى استمرار الأزمة والإبقاء على الاضطرابات مفتوحة.


• خاتمة
وأخيرا، يمكن لفت الانتباه إلى أن شخص مثل صالح، وقد بلغ هو وأوصل البلاد إلى هذا الواقع الاقتصادي المتدهور، وتلك الحالة السياسية المزرية وغير المرغوبة لأي شخص عاقل – بعد 33 عاما من الحكم - عوضا عن حالته الصحية الصعبة، كان يتوقع منه أن يستغل مثل هذه المناسبة الفضيلة لإعلان الحل الوحيد الذي تنتظره البلد: الإعلان عن نقل السلطة بطريقة سلمية وآمنة تجنب الشعب اليمني المزيد من الويلات التي تنتظره إذا ما أصر على العودة لمواصلة سياساته الهدامة تلك.


كان يمكنه القيام بهذا الأمر، متمثلا عبارته الواردة في مقدمة الخطاب والتي قال فيها "إن هذا الشهر المبارك بأجوائه الروحانية والإيمانية يمثل فرصة لمراجعة النفس والعودة إلى الله.. ومحطة لتنقية الروح والسمو بها عن أغراض هذه الدنيا الزائلة.."


لكنه لم يفعل، من حيث أنه وكالعادة لم يقصد بعباراته تلك إلا غيره.
قال تعالى في سورة البقرة: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد".

الأربعاء، 27 يوليو 2011

ما حقيقية ما يجري في عدن وأبين ؟!


ثمة مجموعة من المعطيات من شأنها تأكيد أن ما يحدث في المحافظات الجنوبية لا علاقة له بتنظيم القاعدة

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مؤخرا، طغى صوت الرصاص والمدافع في محافظة أبين والعمليات المفخخة في محافظة عدن على صوت المتظاهرين الثائرين سليما ضد "صالح" ونظامه الأسري في مختلف محافظات الجمهورية.

إذن، لقد وجد نظام يحتضر منفذا صغيرا يعتقد أنه سيساعد في تأجيل إعلان وفاته وإن لفترة ما. وربما سيتمكن من سبر أغوار اللعبة العالمية وينجح في إطالة أمد المعركة والتشبث بها كطوق نجاة محتمل لتفادي تلك السهام المصيبة التي رمت بها الثورة السلمية، طالما وقد اهتزت السنارة وابتلعت أمريكا طعم تنظيم القاعدة.

الأحد، حقق ما يسمى بتنظيم القاعدة نجاحا آخر، يضاف إلى نجاحاته الكثيرة خلال فترة زمنية مداها الشهران الماضيان. وأعلن أمس الأول أن تسعة جنود قتلوا في محافظة عدن إثر عملية قيل إنها انتحارية منسوبة لتنظيم القاعدة، فيما أصيب أكثر من 23 آخرون. فيما تفيد أنباء رسمية أن عدد الجنود القتلى أربعة فقط، و21 مصابا.

العملية التي تمت بانفجار سيارة مفخخة –وفقا لمصادر أمنية رسمية- كانت استهدفت ناقلة جنود، يتبعون اللواء 31 مدرع أثناء خروجها من بوابة معسكر الدفاع الجوي (معسكر أبو حربة) بمديرية المنصورة. ويقال إن الرتل العسكري الذي استهدف كان في طريقه إلى محافظة أبين للانضمام إلى قوات الجيش (اللواء 25 ميكا) التي تقاتل أعضاء القاعدة هناك.

وتشهد محافظة أبين، منذ أواخر مارس الماضي، مواجهات مسلحة تخوضها قوات تتبع الجيش، مع عناصر متشددة، يقال إنها تتبع تنظيم القاعدة. ومؤخرا أعلن أن قبائل من المحافظة انضمت مع الجيش لمقاتلة المسلحين المتشددين.

ومع أن مواقع تتبع الحكومة أعلنت عقب الحادث أن العملية نفذها انتحاري يتبع تنظيم القاعدة، وصفته بـ "أحد عناصر الإرهاب والتطرف من تنظيم القاعدة"، إلا أن الخبر الرسمي نفسه نسب في نهايته لمصدر أمني في محافظة عدن قوله " إن التحقيقات جارية لمعرفة هوية الانتحاري والجهة التي تقف وراءه، ووراء هذا الهجوم الغادر".

عمليات مفخخة في عدن
بحسب مجموعة أخبار منشورة خلال فترة الشهرين الماضيين، فقد شهدت محافظة عدن مجموعة عمليات فخخت فيها سيارات لمسئولين عسكريين وأجنبي. حيث قتل مسئول الإمداد والتموين في اللواء 31 مدرع العقيد مطيع السياني الذي انفجرت سيارته بعبوة ناسفة في مديرية البريقة في 13 يونيو الماضي، تلاه بعد عشرة أيام فقط انفجار سيارة مفخخة أخرى (في 24 يونيو) استهدفت تجمعاً لآليات عسكرية في جولة كالتكس بمديرية المنصورة.

وبعدها بأيام قتل العقيد خالد الحبيشي، وهو قائد إحدى كتائب اللواء 31 مدرع إثر انفجار عبوة ناسفة زرعت داخل سيارته في أحد شوارع مديرية المنصورة. والأربعاء الماضي قتل الخبير البريطاني الملاحي ديفيد موكيت بعد انفجار سيارته بعبوة ناسفة زرعت في سيارته في أحد شوارع مديرية المعلا.

حتى الآن لم تسفر التحقيقات عن أية نتائج فيما يتعلق باستهداف تلك القيادات العسكرية التي تتبع معظمها اللواء 31 مدرع بقيادة اللواء الركن مهدي مهدي مقولة، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية. وهي المنطقة العسكرية الوحيدة التي لم تعلن دعمها للثورة الشعبية السلمية التي انطلقت مطلع فبراير من العام.

على أن الجزء المشترك في كافة تلك العمليات، أن تنظيم القاعدة ظل هو المتهم الوحيد من قبل أجهزة السلطة، وعلى رأس تلك التهم محاولتها السيطرة على محافظة أبين بعد سيطرتها على العاصمة (زنجبار).

لكن، وإذا كان من المقبول القول إن العمليتين الانتحاريتين (الأخيرة، وتلك التي استهدفت الآليات العسكرية في 24 يونيو) يمكن نسبتها لتنظيم القاعدة كون المنفذ –كما يقال– لقي حتفه فيها وتناثرت أشلاؤه، وهو الطابع السائد الذي يرمز إلى عمليات القاعدة، ليس في اليمن وحسب إنما في جميع أنحاء العالم، فإن العمليات الناجمة عن زراعة عبوات ناسفة (التي لا يموت فيها المنفذ) من شأنها أن تثير الشك، لاسيما وأنها تتطلب تخطيطا وإعدادا ومتابعة ودقة عالية، ناهيك عن حاجتها لمنفذين متفرغين قادرين على الرصد والتحرك بحرية كاملة، وهو ما نعتقد –على الأقل حتى الآن– أن تنظيم القاعدة مازال يفتقده في محافظة مثل محافظة عدن المحاصرة بسياج أمني مع انتشار كبير فيها لقوات الأمن.

أضف إلى ذلك، أن تنظيم القاعدة لم يعرف، لا يكاد يعرف أنه قام بعمليات من هذا النوع في اليمن. ذلك أن معظم عملياته اتسمت اما بتنفيذ هجوم من على بعد باستخدام قذائف محمولة، وإما عبر مواجهات مسلحة واقتحام لمقرات ومؤسسات حكومية، وإما عبر التخطيط لكمائن، أو عبر تنفيذ عمليات انتحارية بسيارات مفخخة.

وما يرفع من منسوب التشكيك والاشتباه بكون تنظيم القاعدة يقف وراء تلك العمليات، عدم إصدار التنظيم –حتى الآن- بيانا يعلن فيه تبنيه لها كما درجت عادته حتى في أبسطها. وقد اعتاد التنظيم إصدار مثل تلك البيانات في مدة زمنية قد تطول أحيانا إلى أسبوعين أو أكثر بقليل، لكنه غالبا ما يصدرها خلال أسبوع واحد، فيما شهدت بعض بياناته استثناءات حين تم إصدارها خلال فترة زمنية أقل بكثير لم تتجاوز اليومين. والسبب في ذلك، كما أبان في أوقات سابقة على مواقعه الإلكترونية، أنه غالبا لا يصدر بياناته –لاسيما في تلك العمليات الصغيرة التي لا تخطط من القيادة العليا للتنظيم- إلا بعد أن يقوم بالتأكد من صحتها من الميدان عبر آلية خاصة به تستغرق تلك المدة الزمنية وأحيانا قد تطول.

كما أن هناك سببا آخر، يعود إلى أن بعض العمليات يقوم بتنفيذها عناصر لا يتبعون تنظيم القاعدة لكنهم قد يتبعون جماعات مناصرة أو مؤيدة لفكر ومنهج القاعدة الجهادي، وهذا الأمر يتطلب التأني والمشورة الداخلية حول إمكانية تبني مثل تلك العمليات –وخصوصا بعد حصوله على تفويض بالتبني من الجهة المنفذة- ما قد يؤخر من عملية صدور البيان.

لكن تنظيم القاعدة –وهذا أمر آخر مهم- لا ينتهج سياسة التبني فقط، بل أيضا يصدر بيانات ينفي فيه علاقته بالعمليات التي تنسب إليه دون أن يكون له علاقة بها. كما حدث مع عملية تفجير نادي الوحدة بعدن في بيانه الصادر في (13 أكتوبر 2010). وهذا ما يجعلنا بالمقابل نشكك ونعتقد باحتمالية أن تكون تلك العمليات الأخيرة المنسوبة إليه، هو فعلا من قام بها، إلا أن ظروفا ما حالت دون إعلان تبنيه لها حتى الآن. ويمكن أن يدخل بضمنها العمليات المسلحة الأخيرة بهدف السيطرة على أبين (حتى الآن لم يصدر تنظيم القاعدة بيان تبن أو نفي لما ينسب إليه من تلك العمليات المسلحة في مديرية زنجبار بمحافظة أبين).

لكن الأمر الأكثر تأكيدا في ذلك كله، أن القاعدة لا تغفل عن إصدار بيانات التبني لعملياتها، على أن هناك استثناءات أخرى قد تفرض عليه منع إصدار البيان لظروف ما، قد تكون أمنية في معظمها، لكنها في نهاية الأمر تصدره وإن لاحقا. أحيانا يحدث ذلك بضمه في إطار تسجيل صوتي أو وثائقي يتبنى مجموعة من العمليات القديمة والحديثة مع تفاصيلها: كما حدث في التسجيل الوثائقي المرئي الصادر في نوفمبر 2010 تحت عنوان "ردع العدوان"، والذي فصل عمليات التنظيم خلال الفترة من 9 رمضان، وحتى منتصف شوال الماضي.

والملاحظ في هذا الفيلم أن القاعدة تبنت مجموعة عمليات سردتها وفقا لتقرير مفصل بالتاريخ، مع أنها لم تكن قد أصدرت بيانات سابقة بتبنيها.

تغيير قواعد اللعبة مع الحلفاء
ظل نظام الرئيس صالح يولي تنظيم القاعدة اهتماما خاصا مبعثه الأساس الاهتمام الدولي به منذ تبنيه تفجير البارجة الحربية الأمريكية (كول) في العام 2000، ليرتفع هذا الاهتمام أكثر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك. وعقب اندماج فرعي التنظيم السعودي واليمني تحت قيادة واحدة مطلع 2009، حظيت اليمن بالمزيد من الاهتمام من قبل المجتمع الدولي، بشكل خاص أمريكا والجارة السعودية.

خلاصة ذلك أن الرئيس صالح استطاع أن يقدم نفسه شريكا وحليفا مهما في محاربة القاعدة بعد أن دفع ضريبة ثمينة بالتخلي عن السيادة الوطنية مانحا الأمريكان صلاحيات واسعة للتدخل في محاربة القاعدة وفق اتفاقيات سرية تمكنهم وتتيح لهم استخدام كافة المحيط الجغرافي اليمني، البري والمائي والجوي، مقابل منحه الدعم المالي واللوجيستي مع تشكيل وحدات يمنية لمحاربة الإرهاب برعاية وتدريب أمريكي إلى جانب تحديث الآلة العسكرية اليمنية الرثة.

لكن، وإلى جانب مجموعة عوامل تتعلق بأسلوب تعامل الرئيس وتلاعبه مع الحلفاء، جاءت الثورة الشعبية اليمنية السلمية، لتحصر "صالح" في دائرة أكثر ضيقا إذ أضعفت قدرته في السيطرة على الحكم. الأمر الذي غير المعطيات لدى الحلفاء الذين يدركون حجم المخاطر التي ستنجم عن الإطاحة بالحليف الاستراتيجي، إلا أن إدراكهم لحجم المخاطر التي قد تنجم عن تشبثه بالسلطة ستكون أكثر كارثية.

وبناء على المعطيات الميدانية، عرف الحلفاء الغربيون والخليجيون أن سقوط صالح بات أمر حتميا، وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا، فتحولوا وفق ذلك إلى انتهاج سياسة واقعية تمكنهم من حجز المكان المناسب لدى الفاعلين الجدد في المشهد اليمني القادم.

ما زالت ضمن الأوراق  
لقد بدأ الحلفاء بإعلان التخلي التدريجي عن حليفهم اليمني اللعوب والمهدد بزوال حكمه. لكن الرئيس ونظامه كان ما يزال ممسكا بخيوط اللعبة الدولية فعمد إلى معاودة اللعب عليها بطريقته محاولا استثارة مخاوفهم عبر تسليم محافظة أبين للمسلحين المتشددين. بدأ ذلك في 28 مارس الماضي حين انسحبت قوات الأمن وحراسة مصنع ذخيرة في مديرية خنفر –محافظة أبين، ليستولي عليها المتشددون الذين يعتقد أنهم يتبعون تنظيم القاعدة بصورة أو بأخرى. 

بعدها، استغرق الأمر قرابة شهرين آخرين للتخطيط من أجل تنفيذ الخطوة التالية. وفي 28 –29 مايو، بدأ الانسحاب الثاني للجيش من عاصمة محافظة أبين (زنجبار) وتسليمها للمتشددين الإرهابيين الذين كانوا قد حصلوا على الذخيرة من الانسحاب الأول إلى جانب الفترة المناسبة للتدريب دون أية مضايقات من أحد ليبدءوا بتنفيذ المرحلة التالية: السيطرة على العاصمة وإعلان أبين "إمارة إسلامية". خلال يومين تم لهم ذلك دون مقاومة من أحد.

المتشددون الذين خلقوا لهم اسماً جديدا هو "أنصار الشريعة" ساروا وفقا للمخطط وكادوا أن يحصلوا على فرصتهم لتنفيذه بكل سهولة لولا أن قيادة اللواء 25 ميكا لم تنصع لأوامر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية (وهي المنطقة العسكرية التي ينضوي في إطارها)، حين دعته للانسحاب وتسليم المعسكر ومعداته للمسلحين.

ومؤخرا استطاع المسلحون المتشددون محاصرة اللواء (25) ميكا الذي لم تجد استغاثته نفعا في وصول الدعم العسكري لفك الحصار عنه مع المدد الغذائي الذي يحتاجه. لكن قبائل تابعة للمحافظة قررت مؤخرا مؤازرة وحدات الجيش الصامدة في الدفاع عن المحافظة ليتم خلال اليومين القليلين الماضيين الإعلان عن إحراز نصر وتقدم في مواجهة المسلحين وطردهم من بعض المواقع التي كانوا سيطروا عليها.

في تلك الأثناء أفادت تقارير صحفية - عظمها أمريكية– أن الولايات المتحدة تشارك في الهجوم ضد الإرهابيين في أبين عبر شن هجمات بين الحين والآخر تنفذها طائرات أمريكية بدون طيار أسفرت بعضها عن مقتل بعض قيادات القاعدة، بحسب ما أعلنته السلطات اليمنية التي قالت إن بينهم "عائض الشبواني"، فيما أعلن -في وقت سابق- عن نجاة "فهد القصع" القيادي في التنظيم المدرج اسمه ضمن قائمة تضم أهم (10) مطلوبين أمريكيا.

التشكيك في طبيعة المواجهات
لم تتأكد حتى الآن دقة تلك المعلومات، لكن الأمر الأكثر وضوحا هنا هو أن الإدارة الأمريكية تبدو سعيدة جدا بهذه الفرصة الأخيرة التي مكنتها من المشاركة في استهداف تنظيم القاعدة. وقبل أسابيع –24 يونيو، مع اشتداد المواجهات في أبين– كتب مدير معهد سياسيات الأمن الوطني في جامعة "جورج واشنطن" دراسة مطولة أوصى فيها إدارة أوباما باستغلال هذه الفرصة المناسبة في اليمن للقضاء على تنظيم القاعدة. وكان اعتبر أن الوضع غير المستقر الذي تمر به اليمن حاليا يمثل فرصة مناسبة لإنجاز هذا الهدف، أفضل من الوضع السابق الذي كانت عليه اليمن، كما لن يكون الوضع القادم أفضل مع طول الفترة الزمنية التي سيستغرقها إعادة بناء اليمن لتستقر من جديد، وبالتالي معاودة الهجوم على القاعدة. فحينها سيكون التنظيم –في نظر الكاتب– قد حصل على وقت كاف للتخطيط والمبادرة. 

في الواقع ثمة تشكيك كبير في أن ما يحدث في أبين هو مواجهات مع تنظيم القاعدة الحيقيقي. وأنه ليس سوى تنظيم قاعدة آخر من صنيعة السلطات.

صحيح أن هؤلاء المسلحين المتشددين أقوياء جدا، لكن معظم الأنباء الواردة من سكان محليين في المحافظة يجزمون أن هؤلاء هم فعلا قوة أخرى. وهي قد تعمل بالفعل وفق أجندة القاعدة الجهادية لكن قياداتها قديمة معروفة وأنشئت في المحافظة منذ زمن طويل تحت نظر السلطة. بل هناك من يؤكد أن تلك القيادات حظيت بدعم ورعاية حكوميين سابقا ولاحقا. وهي قوة ظلت متواجدة ومندمجة –في أحايين كثيرة- مع المجتمع المحلي وتعمل بحرية كاملة ولها معسكرات ومناطق معروفة للسكان منذ فترات طويلة. وقالوا إنها ظلت تظهر بشكل واضح لتقوم بممارسات متطرفة، ومن ثم تختفي -بين الحين والآخر- لتعود مرة أخرى كلما لزم الأمر. لكن ومع ذلك، كان من الممكن ملاحظة أن وجوها جديدة انضمت إليها لترفع من عددها، لاسيما خلال الأشهر القليلة الماضية. بحسب تصريحات عبر الهاتف لمصدر محلي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

ويزداد الأمر وضوحا –ربما- عند الحديث عن أعداد قتلى المسلحين الذين تعلنهم الجهات الرسمية بين الحين والآخر. وهي أعداد تفوق الإحصائيات السابقة لتنظيم القاعدة التي زعمتها الجهات الرسمية في تصريحات سابقة ومكررة. وقال المحلل اليمني المتخصص في شؤون القاعدة "سعيد عبيد" لوكالة رويترز إنه أحصى حوالي 300 من متشددي القاعدة تفيد المزاعم بمقتلهم منذ مطلع العام وهو نفس عدد أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذين تقول الحكومة إنهم يعملون في اليمن.

لكن ماذا يعني أن تورد السلطات الرسمية أسماء لقيادات معروفة في تنظيم القاعدة، قالت إنهم لقوا حتفهم في الهجمات الجوية الأخيرة، بينما أن بعضهم نجا منها؟ وبصيغة أخرى: هل يعني ذلك أن القاعدة تشارك فعلا في أبين؟

يعتقد مراقبون أن تلك التصريحات ليست سوى محاولة يائسة هدفها الإيحاء بأن تنظيم القاعدة هو الذي يعمل هناك، لاسيما بعد أن أثيرت شكوك كبيرة أن العملية برمتها عبارة عن لعبة مرتبة قامت بها السلطة لتسليم المحافظة للمتشددين بغية مخاطبة مخاوف أمريكا. وبالتالي القول إن غياب صالح يعني "سيطرة القاعدة" على البلاد.

ويلقى مثل هذا التشكيك أذانا صاغية، ليس فحسب لكون إعلان الوفاة جاء مباشرة عقب الضربة الجوية (أمر مثل هذا يتطلب وقتا للتأكد منه بحسب طبيعة المواجهات لاسيما في الضربات الجوية)، بل لكون القيادي في القاعدة "عائض الشبواني" الذي قالت السلطات إنه لقي حتفه الأربعاء الماضي (20 يوليو) كانت قد أعلنت مقتله في وقت سابق ضمن غارة جوية في يناير كانون الثاني 2010م. كما أن المدعو "عواد الشبواني" الذي قالت إنه قتل إلى جوار "عائض" الأربعاء في أبين، كانت قد أعلنت عن مقتله هو الآخر في 2009م.

مؤامرات واتهامات 
لم يكن ما سبق فقط هو مبعث التشكيك الوحيد في طبيعة المواجهات في أبين، وكنه الجهة التي تسعى للسيطرة على المحافظة، بل ثمة أمر لا يمكن أن يداخله الشك بأن الأمر يسير وفق مخطط تقف وراءه السلطة لغرض في نفسها (هذا الغرض سبق وأن أشرنا إليه وهو: مخاطبة مخاوف الغرب من قوة القاعدة وتصاعدها لاسيما بعد غياب صالح).

فاللواء 25 ميكا الذي وضع نفسه في موقف المدافع عن المحافظة رغم التوجيهات والأوامر التي تلقاها بالانسحاب، تكشف قياداته عن وجود مؤامرة لتسليم السلطة للمتشددين. حيث كشف مسئول عسكري كبير في هذا اللواء، في تصريحات أدلى بها السبت الماضي لموقع «المصدر أونلاين»، أن هناك «تواطؤاً ومؤامرة ضد اللواء".

واتهم قائد المنطقة الجنوبية اللواء مهدي مقولة وقيادات بوزارة الدفاع بالضلوع فيها بهدف إسقاط محافظة أبين بأيدي مسلحين متشددين. وقال المسئول العسكري الذي تحدث عبر الهاتف طالبا عدم الكشف عن اسمه "إن الإمدادات العسكرية والغذائية التي طلبها اللواء من قيادة المنطقة الجنوبية لم تصل حتى الآن". بل أكثر من ذلك، كشف عن تلقيهم أوامر عليا تأمرهم بالتوقف عن مواجهة المسلحين، وقال "على العكس لقد طلب منا ترك المعركة وعدم مواجهة المسلحين"، مؤكدا أنهم وخلال هذا الشهر فقط طلب منهم مرتين "تسليم اللواء بعتاده وتجهيزاته العسكرية والأفراد إلى المسلحين... الانسحاب وإخلاء الموقع وتركه للمسلحين".

بل يقول المسئول العسكري إن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية التي يتبعها هذا اللواء، كان قد رفض قبل أسبوعين طلبا تقدمت به أمريكا إلى الحكومة اليمنية أعربت فيه عن استعدادها لتعزيز اللواء (25) بالمواد الغذائية والعتاد العسكري الذي كان من ضمنه "طائرات مروحية".

ومع أنه أكد بعض المعلومات التي قالت إن ثمة ألوية عسكرية أرسلت للوقوف معهم، إلا أنه أوضح أن تلك الألوية" لم تستطع دخول مدينة زنجبار.."، مبينا أنه "كلما اقترب الحسم جاءت أوامر بالتراجع والانسحاب إلى الخلف".

وبحسب موقع المصدر أونلاين، فإن تصريحات المسئول العسكري هذا تزامنت مع دعوات قبائل أبين وجهتها لقيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة والمنطقة الجنوبية وطالبتها بـ"الكف" عن ما أسمته بـ"التآمر على اللواء"، كما طالبتها بـ"الوفاء معه وإلى ضرورة الحسم السريع".

تساؤلات معلقة
وإلى جانب ذلك كله، تبقى ثمة أسئلة ملحة يتوجب البحث عن إجابة لها، على شاكلة:
- لماذا لم تشارك وحدات مكافحة الإرهاب التي دربتها أمريكا في المعارك في أبين حتى الآن؟ مع أنها –كما قيل– شاركت في حملات أخرى ليس لها علاقة بمهامها التي أنشئت ودربت لأجلها؟

- لماذا لم يقو عود القاعدة إلا في إطار ومحيط المنطقة العسكرية الجنوبية التي تعتبر هي المنطقة الوحيدة التي لم تعلن تأييدها للثورة الشعبية السلمية؟

- لماذا بدأت القاعدة بالظهور والتصاعد في محافظة أبين لاسيما بعد أسابيع قليلة من تعيين اللواء صالح الزوعري -نائب وزير الداخلية- محافظا للمحافظة؟

وسيكون من المهم هنا الإشارة إلى أن الزوعري، عين في هذا المنصب الجديد في 3 مارس، أي قبل أسابيع ثلاثة تقريبا من استيلاء المسلحين المتشددين على مصنع الذخيرة في المحافظة في 28 مارس.

ويذكر أن الزوعري كان عين مشرفا على الحملة الأمنية العام الماضي 2010م ضد عناصر تنظيم القاعدة في مدينة لودر بمحافظة أبين, ومشرفا على الخطة الأمنية لبطولة خليجي 20 نهاية العام 2010).

وفي الأخير ثمة سؤال يفرض نفسه يتعلق بالهجوم الأخير –الأحد الماضي– على ناقلة الدبابات العسكرية التي كانت متجهة إلى أبين لدعم اللواء 25 ميكا، وهو:

- من أبلغ الإرهابي منفذ العملية أن حاملة الدبابات تلك ستخرج في مثل ذلك الوقت الباكر (8 ونصف صباحا) ليكمن لها جوار بوابة المعسكر؟