الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

اليمن .. سيناريوهات ما قبل جلسة مجلس الأمن



إسلام أون لاين - كتب:  رشاد الشرعبي 2011-11-14 17:35:33


تتجه اليمن نحو مرحلة جديدة من الصراع بين الرئيس علي عبد الله صالح وقوى الثورة المطالبة بسقوط نظامه، بعد وصول الجهود السياسية إلى طريق مسدود، بطرحه لتعديلات جديدة على المبادرة الخليجية، مع اقتراب موعد تقديم ممثل أمين عام الأمم المتحدة الذي يزور صنعاء، تقريره إلى مجلس الأمن في 21 نوفمبر المقبل.
وتوقع مراقبون سياسيون وصحافيون تحدثوا لـ"إسلام أون لاين"، ألا يوقع صالح على المبادرة الخليجية، بعد طرحه لمطالب جديدة، من بينها إبقاء نجله وأبناء شقيقه في مناصبهم الأمنية والعسكرية، وهو الأمر الذي يرفضه شباب الثورة، بمن فيهم أحزاب اللقاء المشترك التي وقعت على المبادرة الخليجية كطرف.
في هذه الأثناء، كشفت مصادر رسمية في العاصمة اليمنية صنعاء، أن الرئيس علي عبد الله صالح، فوض نائبه عبد ربه منصور هادي، بتشكيل حكومة جديدة، على أن تؤدي الحكومة اليمين الدستورية أمام نائب الرئيس، في خطوة وصفت بأنها "ضمن صلاحيات الرئيس التي يكلف بها النائب، بموجب المبادرة الخليجية".
وقال نائب وزير الإعلام، عبده الجندي، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، إن الحكومة اليمنية عازمة على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014، الذي يدعو للحوار بين الحكومة والمعارضة لتسوية الأزمة اليمنية، كـ"وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة"، وأضاف أنه "على القيادات المعارضة العودة من رحلتها المكوكية لتنفيذ ذلك القرار."

 جولة المعارضة
 في سياق متصل، ذكرت مصادر في المجلس الوطني لقوى الثورة، أن الجولة التي نفذتها قيادة المجلس في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي من المتوقع أن تختتم اليوم الإثنين في الرياض، كان لها أثر كبير في توضيح موقف المعارضة، وتقديم صورة أوضح لقيادات تلك الدول، وهو ما حشر صالح ونظامه في زاوية ضيقة، ودفعه للخروج بموقف ضعيف من خلال مطالبه بتعديلات جديدة.
وقالت تلك المصادر لـ"إسلام أون لاين" إن صالح كان عازماً على الاستمرار في مراوغته وممارسة أسلوبه المعتاد في تضييع الوقت، والتلاعب بالوعود والأعذار للتحايل على المجتمع الدولي، وتجاوز الثلاثين يوما التي منحها قرار مجلس الأمن رقم 2014 لتقديم التقرير.
 وأضافت "ولولا أنه شعر بتضييق الخناق عليه، بوصول ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر لإنهاء مراسم توقيع صالح على المبادرة، ومن ثم توقيع الآليات التنفيذية لها التي تم الاتفاق بشأنها بين المعارضة ونائب صالح ومستشاره السياسي، قبل عودته المفاجئة من الرياض، ما جعله يظهر حقيقة موقفه الرافض للتوقيع على المبادرة، وإعلان مستشاره الإعلامي عدم وجود أي اتفاق بشأن الآليات التنفيذية، عكس تأكيدات نائبه وبن عمر والسفراء الغربيين ومسؤولين خليجيين".
  
لا ضمانات أممية
 ووفق المصادر، فإن صالح عاد إلى طرح ضرورة بقاء صلاحياته الرئاسية إلى ما بعد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على النقيض مما تم الاتفاق عليه برعاية ممثل الأمم المتحدة وسفراء أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، بنقل صلاحياته كاملة لنائبه أمين عام حزبه الحاكم عبد ربه منصور هادي.
وذكرت المصادر لـ"إسلام أون لاين" أنه إضافة لذلك، فقد تراجع صالح عن النقطة الخاصة بإعادة هيكلة الجيش والأمن خلال فترة الأشهر الثلاثة المقررة للإعداد للانتخابات، وزاد على ذلك بالاشتراط بإبقاء أقاربه في قيادة وحداتهم العسكرية والأمنية، التي تتهمها قوى الثورة والمنظمات الحقوقية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتطالب بتقديم قادتها للعدالة الدولية.
وأصدر مجلس الأمن الدولي في 21 أكتوبر الماضي، قراراً دعا فيه صالح إلى توقيع اتفاق توسطت فيه دول مجلس التعاون الخليجي، ويقضي بنقل صلاحياته إلى نائبه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ومن المتوقع أن يقدم جمال بن عمر تقريراً إلى مجلس الأمن يوم 21 نوفمبر الجاري، أي بعد شهر من صدور القرار، لإطلاع المجلس على الأوضاع في اليمن، ومدى استجابة الأطراف للقرار الدولي.

ليس جاداً
 من جهته، يرى مدير تحرير صحيفة الصحوة الناطقة بلسان أكبر أحزاب المعارضة اليمنية، راجح بادي، أن مستجدات الساحة اليمنية منذ قدوم السيد جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة إلى صنعاء الخميس الماضي، تؤكد بجلاء أن لا توقيع على المبادرة الخليجية من قبل الرئيس صالح قبل 21 نوفمبر الجاري، رغم التفاؤل الذي أبداه الكثير من الدبلوماسيين الغربيين في صنعاء خلال الأسبوع الماضي.
ويضيف بادي في تصريحه لـ(إسلام أون لاين) أنه "لعل أبرز ما يؤكد عدم جدية الرئيس في التوقيع على المبادرة، هو الأنباء التي صارت مؤكدة حول طلبه إدخال تعديلات جديدة على الآلية التنفيذية والتي سبق أن تم الاتفاق عليها بين السلطة والمعارضة برعاية المبعوث الأممي جمال بن عمر".
ويشير إلى أن ما يؤكد ذلك أيضاً "هو التصعيد العسكري الخطير في مدينة تعز، وضرب الأحياء السكنية المأهولة". وواصل "وأعتقد أن الحديث الفرنسي والبريطاني عن عقوبات شخصية على رمز النظام، هو رسالة واضحة له، وهي تأتي ربما بسبب معلومات مؤكدة لدى المجتمع الدولي حول أن النظام غير جاد في التوقيع على المبادرة، وأنه تراجع عن وعوده بالتوقيع عليها، بحسب ما أعلن سابقا".
ويختتم بادي "أعتقد أن خطورة هذا التهديد وجديته، ناجمتان عن كونه صادرا عن بريطانيا، وهي الدولة التي تولت صياغة قرار مجلس الأمن بشأن اليمن، وهي المكلفة أيضا بصياغة أي قرار آخر حول اليمن".
  
ما قبل 21 نوفمبر
الكاتب والمحلل السياسي عبد الحكيم هلال، في حديثه لـ"إسلام أون لاين"، يقدم ثلاثة سيناريوهات متوقعة، لما سيحدث "قبل انتهاء فترة الشهر المحددة في قرار مجلس الأمن 2014 والمخصصة لرفع التقرير الأولي للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص تنفيذ القرار الأممي".
ويسرد هذه السيناريوهات "الأول: التوقيع على المبادرة الخليجية – قبل 21 نوفمبر - تنفيذا لقرار مجلس الأمن"، ويعتبره أفضل سيناريو وأقلها كلفة، "إلا أن تحققه متوقف على زوال بعض العقبات التنفيذية".
ويشير إلى وجود "خلافات ما زالت قائمة - سواء من جهة المعارضة أم من داخل النظام نفسه- حول هوية الشخص الذي يجب عليه التوقيع، هل هو صالح أم نائبه؟ إذ إن هناك رأيا داخل المعارضة يطالب بأن يتم التوقيع من جهة الرئيس نفسه، طالما أنه قد عاد إلى البلاد".
ويضيف "وحتى لو تم الاتفاق على أن يوقع النائب، فإن هذا سيتطلب أولا أن يصدر صالح قرارا واضحا بتفويض نائبه بكافة الصلاحيات، وبحيث يتضمن هذا القرار ما يؤكد على أن التفويض يجب أن يكون غير قابل للنقض".
ويتابع:" ومن جهة أخرى، أعتقد أن قبول النظام بالتوقيع النهائي، سواء من الرئيس أو نائبه، سيكون هو الآخر مشروطا، أولا بالتوقيع على آلية التنفيذ من قبل المعارضة، وهذا بدوره سيكون مرتبطا بموافقة المعارضة على التعديلات الجديدة، والتي كشف أن الحزب الحاكم أقر إدخالها مؤخرا".
ويؤكد هلال أن هذا يجعلنا نقول إن تحقق هذا السيناريو سيكون بحاجة إلى واحد من أمور ثلاثة، هي: أولا، إما إرادة سياسية من قبل النظام، وإما – وهذا ثانيا – أن تقبل المعارضة بتقديم تنازلات إضافية، أما الأمر الثالث، فأن يمارس المجتمع الدولي المزيد من الضغوط، والتهديدات خلال هذه الفترة، كالتهديد بفرض عقوبات رادعة ومؤثرة، من شأنها أن تجبر صالح على التوقيع، من دون أية اشتراطات. وربما سيكون الأمر الأخير الأكثر ترجيحا، لا سيما أن الأمرين السابقين، ثبت – خلال التجربة الماضية – صعوبة حدوثهما.
ويرى هلال أن التصريحات الأخيرة لوزير خارجية فرنسا، والسفير البريطاني في صنعاء، بأنه ستتم مناقشة خيار فرض عقوبات، ربما تأتي في هذا السياق. وعليه يمكن القول إن القرار الأخير لوزراء خارجية جامعة الدول العربية بشأن سوريا، قد يساعد بشكل كبير على تحقق هذا السيناريو.
لكن السيناريو الثاني، وفق الكاتب عبد الحكيم هلال، هو أن تستمر المماطلة والتعنت من قبل صالح، سعيا لكسب بعض الوقت، ومن أجل فرض المزيد من الشروط، كأن يشترط صالح الموافقة على إدراج شرط جديد ضمن الآليات التنفيذية، يفرض من خلاله القبول ببقائه في السلطة بشكل رمزي خلال الفترة الانتقالية والتي تحددها الآلية بثلاثة أشهر، حتى الانتخابات الرئاسية القادمة.
ويضيف "ومن المعروف أن المعارضة وشباب الثورة يرفضون حتى مناقشة هذا الأمر، ما سيعني – فيما لو أصر صالح على هذا الشرط – تصعيد الأمور، وبالتالي المزيد من التطويل وبقاء الحالة على ما هي عليه لفترة أطول"، لكنه يرى ان هذا السيناريو هو " أقل خطورة من السيناريو الثالث، لاسيما إذا ظل الشباب المعارض في الساحات، يفضلون خيار السلمية، والصبر، وعدم الانجرار إلى العنف، رغم الانتهاكات المتواصلة التي يتعرضون لها".
بالنسبة للسيناريو الثالث، فيرى هلال أنه "انفجار الأوضاع على شكل حرب أهلية شاملة. وهو يمثل أسوأ السيناريوهات المتوقعة"، ويرجح وقوعه "فيما لو فشل سيناريو التوقيع، وفي حال لم يصعد المجتمع الدولي من الضغوطات والتهديد بالعقوبات المؤثرة والقاسية، فإن انفجار الأوضاع نحو حرب أهلية سيكون أمرا واردا".
ويربط ذلك الانفجار العسكري المتوقع مع أمرين: "تصاعد منسوب الاحتقانات، والتي لم يتورع النظام عن تكريسها عبر انتهاكات يواصل ممارستها في مناطق مختلفة، خاصة تعز، وأرحب، ونهم، وغيرها، أو يفقد شباب الثورة صبرهم وينجروا نحو ما يريده النظام، لاسيما إذا شعروا أن المجتمع الدولي فشل عن قسر صالح ونظامه على التوقيع، وطالت فترة اتخاذ الإجراءات العقابية الرادعة، والتي يفترض اتخاذها من قبل مجلس الأمن ضد النظام، بمجرد انتهاء فترة الثلاثين يوما المحددة في قرار مجلس الأمن".
-----------------------------------------------------
هذه المادة نشرت في موقع إسلام أونلاين بتاريخ: 14 - 11 - 2011
على الرابط :
http://www.islamonline.net/ara/article/1304971065960

الخميس، 10 نوفمبر 2011

كيف يمكن إزاحة ديكتاتور متشبث بالسلطة؟



* عبد الحكيم هلال
ثمة ديكتاتور، وعلى حين غفلة، أستلم السلطة، ليصنع بالبلد ما يشاء، ثم وبعد ما يقارب الثلث قرن، وحين تسنى له أن يحولها إلى ما يشبه "الإمبراطورية العائلية الخاصة"، هاهو يطلب منه بكل سهولة: التخلي عن كل ذلك بـ"توقيع"..!
هل من الممكن أن يقوم "طاغية" ما، بتوقيع قرار رحيله بنفسه، عما بات يؤمن أنها إمبراطوريته الخاصة – هكذا بكل سهولة؟
وحتى مع عدم معرفتي بالكيفية التي أنتزع فيها - على مر التاريخ - جزء كبير من الطغاة من كراسي عروشهم، وفصلوا عن سطوتهم وجبروتهم، إلا أني أؤمن أن مثل هذا الذي ننتظر – وينتظر العالم معنا – حدوثه، هنا في بلادنا، ما حدث قط مع "طاغية"..!.
ربما يتوجب علينا أن نضع الظروف التي نمر بها بعين الاعتبار من باب الحرص، فقط، أن لا نجافي بعض ما قد يتشابه مع الحقائق التاريخية.
يعتقد المفكر الفرنسي "أتين دي لابويسيه" (1530م -1562م) في رسالة كتبها لأحد أصدقائه تحت عنوان: «مقالة في العبودية المختارة»، أن هناك ثلاثة أصناف من الحكام الطغاة، الصنف الثالث منهم هو "الحاكم الذي ولاه شعبه الحكم". ولنقل أنه الصنف الذي نعيشه اليوم - بغض النظر عن اختلافنا حول ملابسات الطريقة التي تولى فيها "صالح" السلطة، بداية، أو حتى نزاهة الإنتخابات التي أبقته في السلطة مؤخرا.
المهم، هنا، أن لابواسيه - في هذا الصنف - يؤمن "..أنه ما أن يرى نفسه (أي الطاغية) يرتقي مكاناً يعلو به الجميع، وما أن يستغويه هذا الشيء الغريب المسمى بالعظمة، حتى يعقد النية على ألا ينزاح من مكانه قط.."
مثل هذه الحقيقة، لا غرو، أنها تسري على معظم، إن لم يكن جل، الحكام العرب، وغيرهم في العالم الثالث، الذين تحولوا إلى رؤساء وزعماء استثنائيين حين فرضوا أنفسهم على شعوبهم بكل الطرق والأساليب الممكنة، وتجاوزوا ببقائهم في السلطة أكثر من عقدين، وثلاثة عقود..! ليس ذلك فحسب، بل باتوا لا يتورعون عن المجاهرة "المثيرة للاشمئزاز" بتوريث العرش – وفي أغلب الظن، أن يحدث مثل هذا: من بعد توقف قدراتهم العقلية والجسدية.
والآن، وبعد أن بلغ الطغيان مبلغه، وبلغت القلوب حناجر الشعوب العربية المقهورة، هلت شمس الربيع العربي لتقول قولتها، وكانت النتيجة أن: فر زين العابدين (تونس) إلى منفاه الإجباري، وترك حسني مبارك (عرش مصر) عنوة منتظرا مصيره الأخير على محفة المرض في المحكمة، وقتل قذافي (ليبيا) بصورة بشعه..فيما ما يزال عبق الحرية يفوح في الأرجاء تحمله رياح التغيير بانتظار أن تحط رحالها في المحطة القادمة، هناك في مكان ما في دول عربية أخرى بينها بلادنا: اليمن. 
لكن، صالح، ما زال يعبث ولما ينتهي بعد من عبثه..!
-         إن ما يغريه في المواصلة لهذا العبث، ليست القبيلة التقليدية أو قلة الوعي الشعبي لليمنيين، كما كان يروج له عقب سقوط أول رمزين من رموز الحكام العرب، الطغاة المستبدين، العسكريين. لا، إنه لم يكن ذلك، ليس بعد أن أثبتت القبيلة مع مختلف شرائح هذا الشعب وعيا سياسيا، بنضالهم السلمي، وجلدا وصبرا، ومنهجا حداثيا، فاق التوقعات.
-         كما أنها ليست القوة العسكرية الغاشمة التي مازال يمتلكها، ويستخدمها للذوذ عن عرشه، وحراسته وعائلته وزبانيته، ولضرب أبناء تعز، أرحب، نهم، ومعارضيه في حي الحصبة بأمانة العاصمة. فمثل تلك القوة، هي الأخرى لم تثني إصرار المستهدفين بها. لا هنا، في اليمن، كما أثبتت الوقائع والأحداث اليومية المتواصلة، ولا هناك في سوريا التي لا يمر يوما واحدا دون أن تحصد العشرات من أبناء الشعب. إنها – أبعد من ذلك - لم تحجم أو تمنع الليبيين من قبل. ولا وجه للمقارنة بين قوة صالح وقدراته، مع ما كان يمتلك الراحل "القذافي" من قوة عسكرية رادعة، قدرات أعظم، سطوة، جبروت وقسوة..
-         إنها، أيضا، ليست السياسة، أو الذكاء، أو الاستشارات الحصيفة..الخ. فأين ذكاء صالح من مبارك – أستاذ الزعماء العرب في التخطيط، التلاعب، الخداع والمكر..
الواقع أن صالح حظي بفرص جمة، متتالية، لم يحظى بها أي من سابقيه، مكنته من البقاء والاستمرار ومواصلة العبث.
ولقد كان لموقع اليمن الإستراتيجي والحساس في المنطقة، دورا رئيسيا في حصوله على معظم تلك الفرص، ترافق ذلك، مع ضعف وعشوائية وتخبط في حكم البلاد، الأمر الذي جعل مساحات كبيرة نائية تخرج عن سيطرة السلطة المركزية، ما حول اليمن إلى مقر مناسب لتنظيم القاعدة يفزع ويثير هلع القريب والبعيد.
ومذاك، حين جلب هذا الوضع المتدهور أعين الغرب واهتمامهم، أدراك صالح أن الأمر يستحق الخوض في لعبة: فتح "الحصالة" مقابل "الأمن". ومع الدولارات الكثيرة والتجهيزات والمعدات العسكرية الأمريكية التي تدفقت بغزارة، طور "صالح" اللعبة حين فتح شهية واشنطن لبسط نفوذها على أجواء، مداخل ومخارج هذا الموقع الإستراتيجي. وحصلت أمريكا على صفقة السيطرة تلك مع السماح لجنودها "رسميا" – حسب برقيات السفارة الأمريكية المسربة عبر موقع ويكيليكس - بالحضور والانتشار، وباتت قادرة على التحرك ومراقبة السواحل اليمنية، الطويلة، والهامة، والتي تسابق عليها الأوروبيون وغيرهم من الدول العظمى للحضور فيها تحت ذريعة "مكافحة القرصنة"، ولكن بصورة غير "رسمية" وعن بعد.
في الأثناء، استطاعت الجارة السعودية أن تتخلص من قلقها الكبير وطردت عناصرها الإرهابية الكبيرة خارج حدودها إلى اليمن. وطالما ظل الوضع هنا غير مستقر فذلك على ما يبدو سيكون هو المناخ المناسب لبقائهم وبالتالي طردهم لفكرة عودتهم من حيث أتوا.
إن "صالح"، الذي ساعد على إنجاح الصفقة، مقابل خدمة سلطته وبقائه أكثر كحليف مهم وأكثر ليونه مع رغبات واشنطن في بسط سيطرتها ونفوذها على أجواء وسواحل المنطقة الحساسة التي تمر منها وعبرها نسبة كبيرة من الطاقة العالمية، هو نفسه الذي أصبح التاج الملكي السعودي – الحليف الإستراتيجي الأهم لواشنطن – يرغب باستمراره (حتى مع وجود رفض من أطراف في العائلة المالكة لسياسته الابتزازية وعدم جديته - بحسب ويكيليكس) ليس إلا لمنع نجاح ثورة يعتقد أنها ستكون وبالا على الإقليم الذي تقبع اليمن في ذيله الجنوبي. والأمر هنا ربما يتعلق بأحد أمرين: أما خوفا من انتقال العدوى، وإما أنه خوفا من أفكار وهيئة القادمين المتوقعين إلى السلطة. وهناك من يرجح كلا الأمرين معا.
وعلى هذا النحو، أعتبر البعض أن المبادرة الخليجية – بصيغتها الأولية (أبريل) جاءت لتمنح صالح طوق النجاة، بعد ما كان قد بدأ نظامه يدخل فيما يشبه بعاصفة الانهيار عقب جمعة الكرامة (18 مارس).
وفي الوقت الذي كان الهدف منح الأمل لصالح، فقد كان، ربما أيضا، يراد عبرها وضع المعارضة في موقف حرج. نجح الهدف الأول، لكن الثاني لم يحرز حين لم ترفض المعارضة المبادرة، لكنها وضعت شروطها وتعديلاتها عليها، ولم تستطع أكثر من نجاحها في تلبية بعض من أهم مطالب الثورة، في إطار المبادرة.
 بعدها، وحين بدى – على الأرجح - أن الأمر يخرج عن السياق المطلوب، لجأ صالح إلى التلاعب بالوقت: يوافق، ثم يرفض ليوافق مجددا حتى يرفض أخرى. ولثلاث مرات متفاوتة ظل يقوم بذلك على مدى الشهرين وبضعة أيام التي تلت جمعة الكرامة، استعاد فيها أنفاسه مع مدد لوجستي عابر للحدود. ويعتقد بعض السياسيين أنه وحين شعر الرجل بضوء اخضر من الجهة التي بدأت تدرك أن بنود المبادرة تخرج عن سيطرتها بعد التعديلات النهائية، قام بعملته تلك حين جهر صراحة برفضه التوقيع مع احتجاز الدبلوماسيين العرب والغربيين - الوسطاء – في السفارة الإماراتية (22 مايو).

وفيما يعتقد أنه ربما بسبب إدراك دول غربية أخرى بما يحاك في اليمن بعيدا عن مصالحها وشعورها بأن الضغط المطلوب على صالح ليس بالمستوى المطلوب لكونه حليفا مهما حقق رغبات دول أخرى على حسابها في المنطقة النفطية الهامة، فقد لوحظ أنها بدأت في رفع وتصعيد حدة خطابها وتصريحاتها ضد صالح. الأمر الذي – ربما - وضع واشنطن والدول المتبنية للمبادرة في موضع حرج لتعمل على محاكة التصعيد على استحياء.
وفي الواقع، ربما جاء حادث النهدين ليمنح صالح، إحدى تلك الفرص. فبحسب دبلوماسي غربي في اليمن، كان للحادث تأثيرا كبيرا ساعد على تخفيف حدة المواقف والضغوط الغربية إزاء صالح.
لكن الأمر بدء بعد أسابيع ينحو منحا مغايرا، بعد أن رأت واشنطن – وربما دول أوروبية – إشارات إيجابية من نائب الرئيس باعتباره الرجل الأنسب في هذه الفترة لخلافة صالح من حيث إمكانية إعتباره الحل التوافقي الأنسب، وهذا يتوافق مع بعض الرغبات الإقليمية والدولية في بقاء حزب صالح وبالتالي إمكانية كبيرة في بقاء بعض المسئولين المطلوب بقائهم في السلطة خلال المرحلة القادمة. وهو سيلبي تلك الرغبات، ورغبات مجاورة أيضا، من حيث إعاقة نقل السلطة كليا إلى المعارضة التي مازالت موضع تخوف عند البعض فيما لو استفردت بالسلطة كليا.
بعدها أنتقل الصراع السياسي من التوقيع على المبادرة الخليجية كمطلب رئيسي وحيد، إلى صراع حول الآليات المرافقة التي طالب الحزب الحاكم بها – مستغلا مستجدات حادث النهدين – ودخول الأمم المتحدة في الوساطة. ليظل الشد والجذب يراوح بين تعديل وآخر، وإشكالية توقيع النائب وتفويضه، ليأخذ الأمر شهرين آخرين إلى جانب شهر الجمود الذي تبع حادث الرئاسة.
لكن، عودة صالح مجددا إلى صنعاء، بدت وكأنها الحجر التي ألقيت على المياه الراكدة لتمنع الرؤية. وقد اعتبرت تلك العودة على أنها مثلت إحباطا لشبه الاتفاقات التي أبرمت حول آلية التنفيذ.
بعدها كان لدول مؤثرة في الإتحاد الأوروبي دورا مهما في قيادة المجتمع الدولي إلى رفع ملف اليمن إلى مجلس الأمن واتخاذ قرار دولي يرغم صالح على توقيع المبادرة (في 21 أكتوبر).
في هذه الأثناء، فقد صالح أحد الامتيازات التي تمنحها المبادرة حين أكد قرار مجلس الأمن توصيات مفوضية حقوق الإنسان بخصوص عدم منح أي حصانة  لكل من ارتكب وتورط في الجرائم الإنسانية.
وكالعادة، أعلن النظام ترحيبه بالقرار الدولي، لكنه لم يتخذ أي خطوة متقدمة تثبت إنصياعه لمقررات المجتمع الدولي الملزمة. وعدى الإعلانات المتكررة لصالح ومسئولي نظامه أنه سيوقع المبادرة بناء على قرار مجلس الأمن، إلا انه وحتى الآن ما يزال الأفق ملبدا بالغيوم ولم يتقرر بعد الموعد المحدد للتنفيذ.
والأربعاء ظهرت تصريحات عبر مسئولين في النظام أنه لن يتم التوقيع قبل أن يتفق على آلية التنفيذ.
لكن الوقت يمر سريعا، وقرار مجلس الأمن يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقريره بعد 30 يوما من إصداره، وعليه لم يتبقى سوى 10 أيام فقط. ويعتقد أن تصريحات صالح ومسئولين في نظامه – بخصوص الموافقة على التوقيع - أنها تندرج في إطار محاولة  لملاحقة هذه الأيام المتبقية قبل رفع التقرير الأولي للامين العام.
لكن صالح قد يفقد امتيازات أخرى في حال واصل تلاعبه. ومؤخرا أطلق وزير الخارجية الفرنسي تصريحات توحي بمثل ذلك، حين أكد أن الإتحاد الأوروبي سيناقش مسألة تجميد أرصدة صالح وأسرته ومسئولين مهمين في نظامه. وقال أن إتخاذ عقوبات أخرى ضد النظام ستناقش أيضا في الاجتماع القادم (الأثنين).
 وإذا ما حدث ذلك فعلا، فإنها ستكون الجزء المهم من الإجابة على التساؤل الوارد في المقدمة: هل من الممكن أن يقوم "طاغية" ما، بتوقيع قرار رحيله بنفسه، عما بات يؤمن أنها إمبراطوريته الخاصة – هكذا بكل سهولة؟
 إذ أن إجراءات صارمة وجدية من المجتمع الدولي ضد صالح – على تلك الشاكلة بداية – هي من ستجبره على أن يقوم بذلك. وأفضل ما سيمكنه القيام به في مثل هذه الحالة، أن يمنح نائبه تفويضا كاملا بالتوقيع، ليجنب نفسه التوقيع على ترك إمبراطوريته.
أما في حال لم يحدث ذلك، فعلى المجتمع الدولي، فقط، أن يرفع من وتيرة الضغط عبر آليات الأمم المتحدة المتاحة أو حتى باتفاقات ثنائية في حال عرقلت آليات مجلس الأمن.
ويأتي بضمن تلك الإجراءات المطلوبة، رفع ملف صالح والمسئولين معه على الانتهاكات والقتل إلى محكمة الجنايات الدولية، وإصدار قرار يجعله مطلوبا للمحاكمة الدولية.  
وعلى الإتحاد الأوروبي، إذا قرر فعلا أن يقوم منفردا بتلك الإجراءات، عليه أن لا يخشى مما سيحدث لاحقا فيما لو صدرت مثل تلك القرارات. فما قد حدث حتى الآن لن يكون أسوء مما سيحدث، والشعب اليمني قادر على مواجهة النتائج المترتبة عن أي تحركات وقرارات دولية جدية تتجه نحو تحقيق تطلعاتهم التي من أجلها تركوا منازلهم منذ عشرة أشهر ليقطنوا في الشارع ويصبروا على كل تلك الجرائم التي تنتهك بحقهم والعقاب الجماعي الذي يواجهونه كل يوم. 
--------------------------------------------
نشرت المادة في صحيفة الصحوة الأسبوعية الخميس 10 نوفمبر 2011

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

حرب صالح المعلقة


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال

قال أحد مستشاري الرئيس الذين خبروا تصرفاته وطباعه إن ردة الفعل الطبيعية للرئيس صالح حينما يكون في موقف الضعف تأتي عبر الهجوم. فبحسب إحدى البرقيات الدبلوماسية التي نشرها موقع ويكيليكس مؤخراً، وتطرقت لقضية إطلاق صالح لسراح جمال البدوي في 2007، (والبدوي يعتبر أحد أهم المطلوبين أمريكياً بتهمة كول) كشف أحد مستشاري الرئيس، في لقاء جمعه مع السفير الأمريكي، أن صالح أدرك لاحقاً – بعد الضغوطات الأمريكية - فداحة الخطأ الذي ارتكبه، بإطلاق سراح البدوي، مؤكداً أن تصرفاته (أي الرئيس) في الاجتماع الأخير كشفت ردة فعله الطبيعية (وهي الهجوم) دائماً، عندما يجد نفسه في موقف ضعيف. بحسب ما أوضحت البرقية على لسان المستشار. (والاجتماع المشار إليه في حديث المستشار يقصد به اجتماع سابق بأيام، ضم صالح والسفير الأمريكي بخصوص إطلاق سراح البدوي).

 وحين تحدث علي صالح قبل أيام (وتحديدا: السبت 8 أكتوبر) انه سيغادر السلطة بعد أيام، كان كثيرون يرونها مناورة مفضوحة لتثبيط تحركات المجتمع الدولي وعمل مغناطيس في طريق مجلس الأمن يعيق مواصلة إجراءاته لإصدار قرار بشأن اليمن.

هذا التفسير كان يبدو هو الأقرب للواقع كون التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من ذيوع خبر تحركات ثلاث دول دائمة العضوية (هي: أمريكا، بريطانيا، وفرنسا) لمناقشة مشروع قرار حول اليمن يصدره المجلس خلال أيام.

ومع أن الرئيس في خطابه ذاك كرر مقولة أنه جاء حاملاً غصن الزيتون، وحمامة السلام، إلا أن قواته، بعدها بأيام (مساء الأحد الماضي)، شنت حرباً ليلية شرسة ضد مناوئيه في الحصبة، ومدينة صوفان، والفرقة الأولى مدرع، استخدمت فيها المدافع الثقيلة، والصواريخ، والطيران – بحسب بعض الروايات. ووفقاً لمعظم وسائل الإعلام المحلية –غير الرسمية – والخارجية، فقد عاشت صنعاء أسوأ لياليها منذ تسعة أشهر.

• غالباً ما تكون الحقيقة بخلاف التصريح 
بالنسبة لي، كنت أتحدث بشكل شبه دائم عن طبيعة خطابات الرئيس بوصفها النقيض العملي السلوكي لما يند عنه من تصريحات. وحتى لا أجافي الواقع، يمكنني التريث قليلاً لأقول إن هذا يصدق مع معظم خطاباته وليس جميعها. ولدينا أمثلة خصبة تدعم ذلك، موزعة على مدى سنوات حكمه. وعلى سبيل المثال - وهو الأبرز دائماً – فهو حينما كان يتحدث عن إجراءات حكومية شديدة لمنع ارتفاع الأسعار، كانت الأسعار ترتفع مباشرة في اليوم التالي لخطابه! أما حينما كان يتحدث عن السلام وضرورة الحوار ونبذ العنف والتخلي عن السلاح، أو عن قرب التوصل إلى إيقاف الحرب في صعدة، كانت الأيام التالية تنذر بمعارك أشد ضراوة.

وعلى مدى سنوات الحوار الطويلة مع المعارضة، فإنه حينما كان يتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق، مطعّماً حديثه بوصفه المعارضة «الوجه الثاني للسلطة»، وضرورة أن يشارك الجميع في بناء الوطن، كان ذلك يعد مؤشراً لتصاعد حدة الخلاف بين الطرفين.

وبالمقابل، فإن تصريحاته التهديدية، الساخنة، المتحدية، والمشبعة بالقوة والغرور والضرب بيد من حديد، وحروب ومواجهات والتهديد بأن الدماء ستسيل إلى الركب..الخ. كانت تعني، في معظم الأحيان، مقدمة للتهدئة، وسيادة الحوار والسلم والأمان. غالباً ما كانت تقف وراء تلك التصريحات النارية شخصية ضعيفة ومنهزمة. وهو في مثل هذه المواقف، كان غالباً ما يحاول تقمص دور الرجل القوي والشجاع، ليخفي حقيقة ما هو عليه ساعتئذ الرجل الضعيف في داخله، الخائف، الواقع في ورطة كبيرة يخشى نتائجها.

وفي موقف كهذا يروقني إيراد المثل الشهير«الكلاب التي تنبح لا تعض». هذا هو منطوق المثل القادم من التراث الجنوب أمريكي على ما أعتقد، أما المفهوم العام فيتبين من نقيضه: احذروا دائما أن تباغتكم الكلاب الهادئة.

ولطالما حملت السياسة معاني غير نبيلة، كالخسة والنذالة والمكر والخداع. فهدوء وسكينة الحكام – لاسيما الطغاة منهم – في مواجهة العواصف والاضطرابات والخصوم..الخ، قد تشي بخديعة ما. أو أن ثمة أمراً جللاً وخطيراً قادم سيتوجب الحذر منه. أما صراخهم المرتفع فيكشف أنهم لا يمتلكون شيئا يقومون به للمواجهة سوى الصراخ. تذكروا صراخ القذافي في أنه سيعمل على تطهير ليبيا من الثوار«بيت بيت، ودار دار..» وصولا إلى «زنجة زنجة»..والحقيقة على الأرض الآن: أنهم هم اليوم من يبحثون عنه وأولاده «زنجة زنجة» لتطهير ليبيا منهم.

أما السوريون فعليهم فعلا أن يحذروا هدوء «الأسد» المقل في خطاباته، الموغل في قتله ومخططاته الإجرامية. لا يتحدث الأسد كثيرا، لا يهدد شعبه بالقتل والتطهير، لا يقول إن الدماء ستسيل إلى الركب..لا ..لا.. لكنه يقوم بكل ذلك فعلا، بل وأكثر مما يجب.

الحالة اليمنية تختلف كثيرا عن الحالتين الليبية والسورية، سواء على مستوى بعض سلوكيات وتصرفات قمة النظام، وانهياره العملي، أو على مستوى ما وصلت إليه حالة الثورة الشعبية السلمية من تقدم كبير، ونزول الثوار إلى الشوارع والتخييم في أكثر من 17 ساحة في مختلف المحافظات.

• لماذا الحرب الآن؟
في الواقع، ربما كان خطاب الرئيس بتسليم السلطة بعد أيام، فعلاً، مناورة حقيقية أمام ضغوطات المجتمع الدولي، غير أنه لاحقاً، باستخدامه القوة والعنف المفرط ضد خصومه، قد يوحي بعكس ذلك تماما. لكن هناك من ما زال يعتقد أن استخدام القوة والعنف، هو الآخر، حتى، لا يخرج عن إطار المناورة ذاتها. من حيث أن صالح إنما أراد بهذا العنف أن يوصل رسالة مفادها: إن مزيدا من الضغط، في اتجاه إصدار قرار دولي يفرض التوقيع على المبادرة الخليجية، والذي قد يقضي بالضرورة على تلك المساعي الأخيرة في فرض مزيد من الاشتراطات ترافق التوقيع عليها (آلية التنفيذ)، لن يعني سوى الإعلان عن انتهاء خيارات السلم وضبط النفس التي كانت تتيحها الدبلوماسية. يأتي هذا، في الوقت الذي لا يفتأ يكرر فيه حديثه عن استعداده للتوقيع على المبادرة الخليجية وتسليم السلطة (كما جاء في آخر خطاب له، الأحد الماضي أمام أجهزته الأمنية)، وقبل ساعات قليلة فقط من إمطار منطقة الحصبة، وحي صوفان، ومقر الفرقة الأولى بالقذائف الثقيلة والصواريخ.

وفيما يرى البعض، أنه لم يعد أمام صالح مزيد من الخيارات، أو كثير من الوقت لخوض مناورات جديدة، كون المجتمع الدولي، كما المحلي والإقليمي، بات يدرك تماما حقيقة تصرفاته وأساليبه ومناوراته وخدعه تلك. لاسيما بعد أن نقض كافة الوعود والعهود التي أبرمها مع الجميع دون استثناء. إلا أن هناك من يعتقد أن لجوؤه للقوة في ظل تضييق الخناق عليه، إنما جاء على خلفية نصيحة غير صادقة بأن قرار مجلس الأمن المتوقع لن يشكل خطرًا كبيراً على مخططاته الانتقامية ومساعيه العنيفة في فرض سياسة الأمر الواقع. والاستشهاد المناسب هنا تقدمه حرب صيف 1994، التي فرض فيها الأمر الواقع على قرارات مجلس الأمن. ناهيك عن ضمان فيتو دولتين دائمتي العضوية هما روسيا والصين.

• ما وراء مخطط الحرب وإفشاله
لكن ثمة أمراً آخر لا يخرج عن سياق البحث في تفسيرات هذه التطورات، على ضوء تغييرات المشهد اليمني الأخير، والتي ربما يرى البعض عدم توافقها – منطقيا – مع تصاعد الضغوطات الدولية. وفي هذا السياق، يرى البعض، أن استخدام صالح للعنف، في مثل هذا التوقيت المعقد، إنما أراد من خلاله جر الطرف الآخر، وبشكل خاص، الفرقة الأولى مدرع، بقيادة علي محسن، إلى مربع الحرب الشاملة. ما سيعني دخول البلاد في حالة حرب، وبالتالي احتمالية القضاء على فكرة الثورة السلمية التي تحظى بدعم المجتمع الغربي، الخائف أصلا – وخصوصا أمريكا – من فكرة الحرب تحت مخاوف توفير المناخ المناسب والحرية الكاملة لتحركات تنظيم القاعدة. حينها سيكون الحديث عن ضرورة التوقيع على المبادرة الخليجية عبر قرار من مجلس الأمن أمراً عبثياً أمام ما يجب انتظار ما ستفرضه سياسة الأمر الواقع.

وإن تفسير تراجع حدة الهجوم الحكومي المسلح في اليوم التالي، يمكن إرجاعه بسبب عدم انجرار الفرقة، أو آل الأحمر ومناصريهم، للرد على ذلك العدوان. وسمعنا تصريحات تؤكد هذا الأمر، وتتحدث عن اعتداء من طرف واحد. ما قد يعني أن المخطط ربما يكون قد تعقد، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه قد توقف بشكل نهائي. بقدر ما قد يعني التريث إما أمام دراسة النتائج التي أسفر عنها الهجوم سلبا أو إيجابا، وبالتالي تغيير أساليب المعركة بهدف إنجاح المخطط، وإما إنها تنظر في ردود الفعل الدولية، والتي غالبا ما تبدأ بتوجيه رسائل بصورة شخصية.

قد يكون الأمر غير هذا وذاك تماما إذا ما تحدثنا عن تنامي رفض داخلي لمنهجية الحرب ونتائجها المدمرة، في إطار «حمائم» الحزب والنظام نفسه. علينا أن لا نغفل مثل هذا الأمر. الذي يعتقد انه كان ضمن أسباب الضغط التي أرضخت صالح لقبول الدخول في حوار سياسي يجنب الحزب نهاية مأساوية، ويحافظ على مصالحهم الشخصية في المستقبل. وهنا علينا أن نذكر بتلميحات الرئيس، حين قال مخاطبا خصومه: «وكما تحدثتم في مقايلكم وفي جلساتكم أنكم ستجتثون المؤتمر الشعبي العام وقياداته كما اجتثوا حزب البعث في العراق»، مضيفا أن هذا الأمر«سيبدأ تدريجيا بالرئيس وعائلته ..». في خطابه أمام أعضاء من مجلسي النواب والشورى (السبت 8 أكتوبر). هذه التلميحات من الواضح أنه هدف بها بعث مخاوف من يطالبون باستقالة الرئيس مقابل تجنب الانهيار الكلي للحزب والنظام.

• ولكن ما التالي؟
وفي حال لم تشهد البلاد تطوراً وانفراجاً في التحركات السياسية بحيث إما أن تفضي تلك التحركات إلى تطمين النظام، أو حتى تضعه أمام حقيقة ما سيجنيه من انعكاسات سالبة بسبب ما أقدم عليه، فإننا قد نشهد عودة الهجوم في أي لحظة.

وإذا كان علينا أن نفترض أن قوات صالح قررت معاودة اعتداءاتها على خصومه في الفرقة وقبائل آل الأحمر، في إطار مخطط وقرار نهائي وأخير ضد تحركات المجتمع الغربي، وجناح الحمائم في الحزب الحاكم، فإن السؤال هنا سيكون: ما نوع الانتصار الذي يفترض أن يتحقق من تلك الحرب؟

خصوصاً إذا أيقنا أن اجتثاث الفرقة وقبائل آل الأحمر لن يعمل على القضاء على الثورة ويمنعها من تحقيق أهدافها ومطالبها بإزالة النظام، بقدر ما سيزيد ذلك من إصرارها على المضي قدماً وبوتيرة أكثر من ذي قبل.

أضف إلى ذلك؛ أن صالح وأفراد أسرته من قيادات الجيش وأعوانهم لن يكونوا سوى أمراء حرب، لا قادة دولة مستقرة.
-------------------------
نشرت المادة في صحيفة المصدر في العدد (187) الثلاثاء 18 أكتوبر 2011

الجمعة، 14 أكتوبر 2011

دراسة جديدة للباحث الأمريكي جريجوري جونسون عن: إعادة ضبط السياسية الأمريكية تجاه اليمن


جونسون: على إدارة أوباما إزاحة أبناء صالح وأقاربه من السلطة كي تنجح عملية التحول السياسي في البلاد


- ترجمة خاصة: عبدالحكيم هلال
أكدت دراسة حديثة انه يتوجب على الإدارة الأمريكية أولاً العمل مع شركائها في دول الخليج – وخصوصا المملكة السعودية - على إزالة العائق المتمثل بأبناء صالح وأولاد أخيه من الطريق حتى يتسنى لها النجاح في مساعيها لإحداث التحول السياسي في اليمن.

وقالت الدراسة التي أعدها الباحث الأمريكي جريجوري جونسون: «إنه لمن المستحيل أن تمضي اليمن قدماً طالما ظل أبناء صالح وأولاد أخيه في وضع يستطيعون فيه إحباط الصفقات التي يرون أنها غير مناسبة لهم»، مضيفة «وعليه، يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها في الخليج لإزالة هذا العائق من الطريق حتى ينجح التحول السياسي».

وقدّم الباحث المتخصص بالشأن اليمني، عدة نصائح في هذا الجانب، قائلاً إنه يتعين على الإدارة الأمريكية البدء بممارسة الضغط على الأولاد للتنحي عن السلطة وذلك عبر استخدام عدة خيارات منها التحذير الأولي بقطع أموال المعونات العسكرية الأمريكية، إلى جانب تحذيرهم بأنهم سيكونون مستهدفين بشكل مباشر بعقوبات الأمم المتحدة في حال رفضهم التنحي وعدم الموافقة على إعادة تشكيل الجيش.

الدراسة نشرت باللغة الإنجليزية على الموقع الخاص بـ«مجلس العلاقات الخارجية»، الأمريكي، بتاريخ 27 سبتمبر الماضي. وقام المصدر أونلاين بترجمـة خاصة لها ونعيد نشرها فيما يلي:

إعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاه اليمن
بقلم: غريغوري جونسون *
تنزلق اليمن باتجاه مستقبل مجهول وخطير. وفي أوائل يونيو 2011، كان الرئيس علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد للسنوات الـ 33 الماضية، قد نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال. وفي اليوم التالي غادر إلى المملكة العربية السعودية لتلقي علاج طبي طارئ، حيث بقي هناك لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يعود بصورة مثيرة وغير متوقعة إلى صنعاء الأسبوع الماضي.

وأثناء غيابه، انتقل نجل صالح البكر، أحمد، والرباعي من أبناء أخيه إلى القصر الرئاسي، الأمر الذي ينذر بنشوب حرب مفتوحة في حال ما لو كان هناك تحرك في اتجاه إحداث عملية انتقال سياسي. وكان قد اصطف ضد صالح وورثته تحالف مزعج من الخصوم السابقين كما وتخلى عنه مجموعة من الجنرالات والذين يتفقون جميعاً على نقطة واحدة ووحيدة فقط: لا يمكن لصالح أن يكون رئيسا للبلاد بعد الآن.

وتقريباً نصف عدد الجيش النظامي انشق تحت قيادة على محسن الأحمر، الجنرال الذي ينتمي لقبيلة صالح نفسه. ومع ذلك إلا أن الأمر يعتبر ابعد بكثير من كونه معركة ذات شقين بين رفاق السلاح القدامى. فقد استغلت جماعات مسلحة عديدة تمزق سلطة الدولة إلى ما هو أبعد من أجندتها الطائفية الخاصة. ففي الشمال، بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية، عزّز الحوثيون من سيطرتهم على مساحات شاسعة من الأرض. وفي المحافظات الجنوبية في أبين وشبوة، أثار مقاتلون لهم ارتباط بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) موجة هلع مخيفة، باجتياحهم المدن والقواعد العسكرية. ولم تكن أي من فصائل الجيش مستعدة لمواجهة المسلحين بعزيمة وبشكل مفتوح خوفاً من إنهاك أنفسهم قبل حرب أهلية محتملة.

وفي خضم هذا المزيج الضبابي من المصالح المتنافسة، ظلت سياسة الولايات المتحدة تسير على غير هدى [عائمة]. وبتركيزها على الخطر الذي يشكله تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة، كثفت إدارة أوباما الغارات الجوية وضربات الطائرات بدون طيار بشكل كبير في اليمن. وفي أحسن الأحوال، فإن التكتيك المتأخر هذا صمم من أجل الإبقاء على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خارج التوازن حتى يتمكن الجيش اليمني من مسك زمام المبادرة.

إن القوة الجوية وحدها لا تكفي لهزيمة القاعدة في جزيرة العرب. وفي الواقع، فإن قاعدة جزيرة العرب قد تزداد قوة فعلا نتيجة للضربات. إلا أن أكثر ما يبعث على القلق، أن يعتبر هذا بمثابة المكسب الثاني لتنظيم القاعدة في البلاد. وكانت المكاسب التي تحققت في عامي 2002 و2003 قد ذهبت هباءً بفعل سنوات من الإهمال عندما تأرجحت سياسة الولايات المتحدة من أزمة إلى أخرى دونما وجود نظرة بنيوية شاملة. وما هو مطلوب الآن في اليمن هو أن يعاد ضبط الاستراتيجية بحيث تحقق الأهداف الثلاثة التالية: البدء بعملية انتقال سياسي فوري من القمة، مهاجمة المنابت [الجذور] الداعمة لتنظيم القاعدة في اليمن، وتعبئة مجلس التعاون الخليجي (GCC) لتنشيط الاقتصاد اليمني الفاشل.

• التحدي في اليمن
على مدى العقود الثلاثة الماضية حكم الرئيس صالح اليمن من خلال إشغال جماعات المعارضة المختلفة ضد بعضها البعض. إن هذا النموذج من الحكم الاستبدادي وشبكة الرعاية [المحسوبية]، والتي يكافئ من خلالها حلفاء صالح بينما يتم مضايقة خصومه، قد أدى إلى تنفير فئات كبيرة من السكان. وبحلول عام 2004، ساعد [هذا النموذج من الحكم] في إثارة ثورة عشائرية في الشمال. كما أن الفساد المستشري وسوء الحكم ساهما أيضا في نشوء حركة انفصالية في الجنوب في السنوات الثلاث التالية، وأبعد من ذلك ساهم أكثر في تقويض الاقتصاد اليمني الهش على الدوام.

وعلى الرغم من أنها أدركت هذه المشاكل، إلا أن الولايات المتحدة كانت تهتم في المقام الأول بالتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة – وهو التهديد المسلح الذي كان يقلق صالح والحكومة اليمنية بدرجة أقل من غيره. وقد اعتمدت واشنطن بشدة على الغارات الجوية والطائرات بدون طيار، التي تحد من الخطر المباشر على موظفي الخدمة الأمريكيين، ويمكن انجازها بتكلفة أقل من الوسائل العسكرية التقليدية. لكن مثل هذا النهج كان له عيوب جوهرية: فالصواريخ الطائشة وسقوط ضحايا من المدنيين ساعدا على خلق جيل جديد من المقاتلين أكثر تطرفا، كما وأقنعت الكثيرين بأن اليمن - مثل العراق وأفغانستان – تعتبر في الوقت الراهن بمثابة المسرح الشرعي للجهاد.

• عناصر إستراتيجية ذات نطاق أوسع 
وبالنظر إلى المشاكل المتداخلة والعميقة في اليمن، فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تكون واقعية حول ما يمكن إنجازه هناك. وبسبب الموارد المحدودة والشهية الشعبية المغلقة أمام أية أعباء سياسية خارجية إضافية تزيد من إنهاكها في هذا الوقت، فإنه يتعين على الولايات المتحدة الاستفادة من قوة ونفوذ الجهات الإقليمية الفاعلة، وبدرجة رئيسية المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من أن العلاقات مع المملكة باتت أكثر تعقيدا منذ بداية الصحوة العربية، إلا أنه ما يزال هناك مجالا للتعاون بخصوص اليمن.

وفيما يشبه - إلى حد كبير - علاقة الولايات المتحدة مع المكسيك، فإن المملكة العربية السعودية تنظر إلى جارتها الجنوبية باعتبارها مصدرا لعدم الاستقرار ولمشاكل محتملة خلال السنوات القادمة. وكما يمثل وجود يمن غير مستقر تهديدا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة، فإنه يمثل تهديدا اكبر بكثير بالنسبة للمملكة العربية السعودية تواجه مخاطر أكبر بكثير.

وما زالت المملكة على استعداد لحماية رهاناتها، إلا أن هناك إدراكاً متزايداً داخل الرياض أنه على الرغم من عودة صالح إلا أنه لن يكون قادراً على إعادة توحيد البلاد. وانه كلما طالت مدة بقاء صالح رئيسا للبلاد، كلما ازداد وضع اليمن سوءاً.

إن كلاً من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تتفقان إلى حد كبير حول المشاكل الرئيسية في اليمن: الحاجة الملحة لإحداث عملية الانتقال السياسي، خطر تنظيم القاعدة، والتهديد المتفاقم للاقتصاد اليمني الهش. وإن أياً من الولايات المتحدة أو السعودية لن تكونا قادرتين من القضاء على التحدي الذي تواجهه اليمن إذا عملتا بشكل منفرد، غير أنهما ستكونان قادرتين على المساعدة في كبح الانهيار المتواصل للبلاد فيما لو عملتا مع بعضهما بعضاً.

• مرحلة التحول السياسي
إنه لمن المستحيل أن تمضي اليمن قدماً طالما ظل أبناء صالح وأولاد أخيه في وضع يمكنهم من إحباط الصفقات التي يرون أنها غير مناسبة لهم. وعليه، يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها في الخليج لإزالة هذا العائق من الطريق حتى يتسنى لها النجاح في إنجاز التحول السياسي.

في العام الماضي، خصصت الولايات المتحدة 75 مليون دولار لمساعدة قوات مكافحة الإرهاب اليمنية في إطار وزارة الداخلية كما قدمت المزيد من الملايين لوحدات أخرى، بما فيها تلك التي تقع تحت قيادة نجل صالح البكر. وعليه، ينبغي على الولايات المتحدة، بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، إبلاغ أحمد وأبناء عمومته بأن هذه الأموال إلى جانب الموارد المالية التي تقدمها دول مجلس التعاون الخليجي، سيتم قطعها، وكذا تحذيرهم بأنهم سيكونون مستهدفين بتطبيق عقوبات الأمم المتحدة إذا لم يتنحوا ويوافقوا على إجراء إعادة الهيكلة في الجيش وتشكيل مجلس عسكري انتقالي. كما وينبغي لهذا التحذير أن يعرض على ثلاث مراحل. أولا، سيتوجب على الولايات المتحدة، بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية، إيصال رسالة بشكل شخصي تتضمن عرضا بخروج مشرف [يحفظ ماء الوجه] ولكن مع التأكيد لأقارب صالح المباشرين بأن الإجراءات التأديبية [العقابية] ستتخذ في حال رفضهم التنحي.

وإذا فشل هذا الأمر، فحينها سيكون من اللازم تحذيرهم بشكل علني. وأخيرا، إذا كانوا ما زالوا يرفضون التنحي، فإنه ينبغي أن تقطع أموال المساعدات كما ينبغي للعقوبات أن تجد طريقها للتنفيذ. إن أحمد وأبناء عمومته يعتمدون اعتمادا كبيرا على المال لتأمين الولاء الدائم للقوات التابعة لهم. ومن دون ذلك، فإن العديد من أفراد الحرس الجمهوري سينضمون إلى التحالف المناهض لصالح.

وإنه في حال ما إذا لم ينجح أسلوب التنسيق في قطع النقود والعقوبات، فينبغي على الولايات المتحدة انتهاج سياسة العزل القسري [الإجباري]. ولكي تنجح، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة إلى سحب من تبقى من حلفاء صالح المحليين المهمين– مثل أعضاء البرلمان، الوزراء، وشيوخ القبائل - من خلال الضغط إلى جانب الإغراءات إلى أن يتم عزل صالح وعائلته المقربين بشكل كلي.

• مهاجمة جذور تنظيم القاعدة 
لم يسبق على الإطلاق أن واجهت المؤسسات الفرعية التابعة لتنظيم القاعدة الهزيمة عبر استخدام القوة وحدها. وإن المرة الوحيدة التي تم فيها تفكيك مؤسسة فرعية تابعة للتنظيم بنجاح كانت في المملكة العربية السعودية، في الفترة من 2003 إلى 2006، عندما انقلب السكان على الجماعة الإرهابية.

ولتكرار النجاح ذاته في اليمن، فإن الولايات المتحدة بحاجة لأن تتشارك مع حكومات كل من اليمن والمملكة العربية السعودية في التصدي للدعاية المضللة [البروباجندا] التي يقوم عليها تنظيم القاعدة. وسيتوجب على واشنطن والرياض محاولة إثارة الجدل العام حول أفكار تنظيم القاعدة وأساليبها، بأن تلفت انتباه الجمهور إلى حقيقة أن الجماعة تعمل على قتل المدنيين وتنتهك المعايير الإسلامية بشكل متواصل. إن تجربة الرياض تقوم على أساس استخدام القوة الناعمة لإضعاف القاعدة في المملكة العربية السعودية وإن معرفة مسؤولين يمنيين بالساحة المحلية سيكون أمراً حيوياً من شأنه أن يضمن عدم استبدال المتطرفين بالسرعة نفسها التي يقتلون بها. ومن جانبها، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تشارك بفريق صغير من الدبلوماسيين الناطقين باللغة العربية ذوي الخبرة في شؤون اليمن.

وجنباً إلى جنب مع زملائهم السعوديين واليمنيين، ينبغي على صانعي السياسة الأميركية إنشاء مركز مشترك للتوعية العامة [الشعبية]. المركز سيسعى إلى حرمان تنظيم القاعدة من واحدة من دوافعه الرئيسية: الإصرار على امتلاكه الحق العام بدون منازع. وفي الوقت الراهن، لا يوجد كيان في اليمن يتحدث باللغة العربية ضد تنظيم القاعدة، وهو ما يعني أن المنظمة قادرة على صياغة رسالتها الجماهيرية دون منافس. وإن مركز العمل المشترك سيعمل على جعل إسم تنظيم القاعدة كمرادف للإرهاب في اليمن كما هو الحال في الولايات المتحدة.

• صندوق خاص 
كما سيتوجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تشارك مع دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء صندوق خاص من أجل المساعدة على استقرار الاقتصاد اليمني وتوفير المساعدة الإنسانية في أعقاب رحيل صالح. وإن رأس المال الأولي للصندوق، والذي يتوقف على ترك صالح لمنصبه، يجب أن يبدأ بأكثر من ملياري دولار تقدم من دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت تعهدت بها في مؤتمر لندن عام 2006 لكنها لم تقدم بسبب المخاوف من الفساد.

كما يجب أن يكون هذا الصندوق تحت رئاسة مدير الصندوق العربي، مع جميع البلدان المانحة والمؤسسات الممثلة في المجلس. إن هذا من شأنه أن يفعل كثير من أجل القضاء على العشوائية التي تواجه المانحين بسبب فشل التنسيق، والذي غالبا ما أعاق الكثير من الجهود في هذا الجانب في السابق. وبمجرد استقرار الاقتصاد، فإن تركيز الصندوق يجب أن يتحول إلى تمويل الاستثمارات طويلة الأجل والتي تهدف إلى خلق فرص العمل والتدريب التقني.

إن أياً من هذه التوصيات لن تعمل على تحويل اليمن بشكل خارق إلى ديمقراطية نموذجية بين عشية وضحاها، ولكن بالعمل مع بعضنا البعض سوف نكبح الانحدار المتسارع للبلاد نحو الانهيار، وسنحرم تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتشددة من فرصة استغلال الاضطرابات للقيام بأعمال من شأنها أن تهدد أمن الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.

وعلى أية حال، كلما انزلقت اليمن إلى مزيد من الفوضى تضاءلت فرصة تطبيق هذه التدابير [الإجراءات] بشكل أسرع.

------
*غريغوري دي جونسون باحث متخصص في الشأن اليمني وهو زميل سابق في برنامج فولبرايت (Fulbright) في اليمن، وحالياً مرشح لدرجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون.
- المادة نشرت في صحيفة الصحوة (الخميس 14 أكتوبر 2011) بالتزامن مع موقع المصدر أونلاين