الجمعة، 12 أكتوبر 2007

اليمن..جبل الطير يتفجر.. وحوار مخيط بـ"صميل"


انتقلت مرحلة الحوار بين المختلفين السياسيين في بلادنا من الحوار الجاد الى ما يمكن أن يطلق عليه - في ظل ما يحدث حالياً – بـ"الخوار"..

فمن الطاولات والكراسي المتجاورة الى الصحف والتصريحات المتباعدة. ومن تربع باجمال - أمين عام المؤتمر الحاكم – لرئاستها، الى تسيد المصادر الإعلامية والمقربة من اللجنة العامة..!!
هكذا انفرطت المسبحة لتكشف عن هشاشة تأكيدات الرئيس المستمرة في خطاباته (كانآخرها خطابه الأخير بمناسبة ذكرى الثورات اليمنية) بأنه لا غنى عن الحوار باعتباره  الوسيلة الوحيدة لمواجهة كافة الإشكاليات.

- لماذا لم يلبي اللقاء المشترك دعوة الرئيس للاستماع الى مبادرته الأخيرة؟ تقول تصريحات المؤتمرين.
- لماذا لم يلتزم المؤتمر بضوابط الحوار الموقع عليها في 16 يونيو2007م؟ ترد تصريحات المشترك.

نعم هناك اختلافات ساقتها مبادرة الرئيس الأخيرة في وضع نحن بأمس الحاجة فيه الى الحوار إن على مستوى إتمام الاتفاقات السابقة، أو على مستوى ما أستجد.
ليست الصحافة مكانا جيداً للحوار حول قضايا الوطن المصيرية. إنها على العكس  تصنع مناخاً حاراً يفسد كل شيء.
  جبل الطير.. الطبيعة تحذر
الوطن على صفيح ساخن.. وهناك على جزيرة "جبل الطير" سبقت الأرض وأفرغت حممها البركانية.. وكأنها ترشدنا الى شدة المصير المحتوم لكل شيء يغلي ولا يجد متنفساً لتصريف حرارته.

من حسن حظ الرئيس أنه شاهد من علو حمم الانفجار حين تواجه شدة الحرارة شدة الضغط عليها. ولعل الأمر مر عليه وكأنه مجرد منظر مبهر من على طائرة لا تتسع الى جواره إلا لصديق ومرافق وطيار. لكن.. ماذا لو أن الصديق كان له من العلم ما ينظر به الى المستقبل؟ أيتمعن ويتساءل: لماذا الآن بعد هدوء دام لمئات السنوات؟ ولماذا أحياناً يشعر العلماء بنشاطات البراكين لكنهم أبداً لا يستطيعون تحديد ساعة انفجارها؟ كم مرة خدع هدوء بركان متابعيه لينفجر دون سابق إنذار؟ ما وجه التشابه بين ما يحدث في الطبيعة وما يحدث في النفس والمجتمع؟ هل ترشدنا الطبيعة لشيء ما؟ لماذا الآن ينفجر بركان ظل هادئاً لقرون؟ محض مصادفة.!! ربما. وربما لا.

فسر جيولوجيون الأمر أن ما حدث سيعمل على زحزحة الجزيرة العربية الى شمال شرق. وإن صدقوا فإن ذلك يعني أن الطبيعة – حتى - تنفجر لتغيير من أوضاعها الجغرافية. ويشير البعض الى أن انفجار بركان قد يكشف عن ثروات معدنية كبيرة. وهذا أيضاً قد يدخل في معنى أن الانفجار يوصل الى تحسين الأوضاع المعيشية.

قد يكون ذلك برمته غير مهم وإن كانت الأرض   تسبق الإنسان في كل شيء (ربما لأنها خلقت قبله وبالتالي حسب المثل الشائع : أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة).
المهم أن الإنفجارات تحدث دائماً عندما يعيش كلٌ من الضغط والحرارة في مكان واحد ويرفض كل منهما أن يتحاور مع الآخر. ويساعد على تسريع الانفجار وجودهما في مناخ حار متزايد. أما إذا تحاورا وخرجا بصيغة مشتركة يقتنع بموجبها الضغط أن يتراجع الى الخلف ويسمح لذرات الحرارة أن تتحرر بهدوء فإنها حتما ستتبخر في الهواء. على الضغط أن لا يستمع الى صوت القوة عندما يواجه اشتعالا شديدا في مساحة ضيقة لا توجد فيها خيارات متعددة. عليه أن لا يندفع في الاتجاه المضاد لحركة الذرات المثارة.

كأن ذلك يقول: على الحزب الحاكم كما على المشترك أن ينظرا الى المناخ الحار من حولهما وضيق المساحة التي يتحركان فيها. الحرارة تزداد يوماً بعد آخر، هذا شيء معلوم. وهناك تراجع طفيف لحركة الضغط الى الخلف (معالجة وإصلاحات) لكنه يترافق مع فترات من الحركة في الاتجاه المعاكس(قتل، حبس، تضييق).

الصحافة غالباً تساعد في تسخين الأجواء وتجعل من الجو حارا معظم الوقت، فتزداد الحرارة ويزداد الضغط فتقل مساحة الحركة وفي أي لحظة قد يحدث الانفجار عند النقطة الحرجة.

كل شيء موزون بدقة وحكمة الاهية بالغة. ما يحدث في الطبيعة يحدث في النفوس والمجتمعات.
كل الحوارات السابقة لم تنجح لكنها ربما تكون قد منحت الأحزاب ما يمكن تسميته بقوة الإصرار على تصحيح خطوات التجربة الأخيرة. وهذا بحد ذاته جعلها في حالة مثارة من الحذر والخوف من الوقوع في الخطأ. وبالمقابل كان يتم مواجهتها من الحزب الحاكم بالقوة العددية والقوة المادية والقوة العسكرية.

اليوم دخلت عوامل جديدة يجب على الطرفين التنبه لها كـ "قوة الشارع" و "قوة الجوع" و"قوة الحقوق"، و"قوة الوعي".
ليس الحاكم وحده المعني بالحذر وحسن التعامل، فالمواجهة إن وصلت نقطتها الحرجة ستصيب حمم الانفجار كل من في مدى قوته.
  دعوة الى الحذر
هذا صحيح. المعني بالدرجة الأولى هو الحاكم، وعليه أن يتخلى عن خطاب الأستقواء.. سواء بنتائج الانتخابات الأخيرة في خطابه مع المعارضة، أو بالرصاصة والمدفع والسجن  في خطابه مع جمهرة الشارع. فالأمر الأول يجب التخلي عنه لسببين: أولاً لأن الرئيس والحزب الحاكم كانا قد حصدا أصوات دوائر المحافظات الجنوبية –بحسب النتائج المعلنة-
،غير أننا اليوم نلحظ أن من خرج ليهتف بإسقاطه هم أبناء تلك المحافظات أكثر من غيرهم. وثانياً: لأن تقارير المنظمات والجهات الدولية التي راقبت الانتخابات شككت بتلك النتائج وأشارت بوضوح الى أسباب ذلك الفوز. وهو الشيء الذي يؤمن به جيداً الرئيس وقيادات المؤتمر. وإلا لم الخوف من اشتراطات إصلاح العملية الانتخابية على ضوء النقاط التي أوصت بها بعثة الإتحاد الأوروبي.؟

أما ضرورة التخلي عن الأستقواء بالرصاصة والسجن ضد جمهرة الشارع.. فذلك من الحكمة التي يجب الأفتطان إليها من خلال الأحداث الأخيرة. فالرصاص الذي قتل بعض المتظاهرين لم يمنع أو حتى يقلل لا من عدد المظاهرات ولا من عدد المتظاهرين، على العكس زاد من درجة التعاطف مع الضحايا والتعصب ضد الجلاد. ومثله السجن لم يردع أحد وأحال المسجونين الى شخصيات أسطورية ترفض الرضوخ والقبول بالذل والمهانة.
هذا ليس من عندي. على الحاكم أن يجيد قراءة النتائج كما يجيد التسبب بها.

أما المشترك فهناك أمران عليه أن لا ينجر للإستقواء بهما وإن بدا أنها ستكون مكاسب لا مضار.

الأول: أن لا يندفع وراء  موجة الغضب المنفلت أو تعزيز الفوضى الخلاقة ليستمد منها قوة يواجه بها قوة وصلف الحزب الحاكم وينتزع بواسطتها ما يعتقد أنه لا يستطيع انتزاعه منه بدونها.

الأمر الثاني: أن لا يندفع وراء ردود أفعال تدفعه للتعامل مع ما يخالف معتقداته أملا في زيادة إضعاف الحزب الحاكم بفتح مزيد من الجبهات ضده للوصول الى نفس النتيجة السابقة.

صحيح. قد تكون من الفرص النادرة للمشترك اقتناص مثل هذه الأحداث لمواجهة خصمه السياسي الذي لا يألوا جهدا من أجل تفكيكه والقضاء عليه دون النظر الى الطريقة التي يستخدمها في ذلك. وإن فعل المشترك هذه الأمور بذكاء دون أن يواجه نتائج عكسية، فإن ذلك يدخل سياسياً في المعركة التي فتحها الحزب الحاكم على مصراعيها دون ضوابط أخلاقية يلتزم بها ليجعل منها عرفا في التعامل بعين تتجاهل النظر الى المستقبل.

غير أن ردة الفعل تلك ستوقع المشترك في نفس الشراك مستقبلاً. وبدلا من أن يعمل على تصحيح الأخطاء وغرس مبادئ المعارضة الوطنية الملتزمة والفعالة في مواجهة سلطة فاسدة وفاشلة، سيعمل على توعية عكسية في المدافعة والمواجهة تلغي الحدود والضوابط وتعتمد على القنص والتثعلب.
هذه ليست دعوة للتحول الى نعامة أو عرض الخد الأيسر بعد الأيمن أو تسليم الروح الى الجوع وتحويل منظر براميل النفط التي تغادر الميناء الى مشهد غروب ممتع وشاعري.

قد تكون دعوة الى مزيد من التبصر في الاستغلال الحذر والنظر في العواقب أكثر من فرص الانتقام العمياء. النضال السلمي من أجل توسيع الوعي التراكمي هدف لا يمكن أن يخيب وإن تأخر تحقيقه.
   كلهم سواء ولكن
عدم قبول دعوة الرئيس كان خطاء، على الأقل من ناحية عدم إجابة دعوة "ولي الأمر". إنما عدم التعامل مع مبادرته ليس بالضرورة أن يكون خطاء في ظل وجود شروط وبنود لاتفاقات موقعة لم يكن قد أعلن عن توقفها بعد. وكان من الممكن الجمع بين الاثنين : حضور الدعوة وعدم التعامل مع المبادرة.

طرح المبادرة الرئاسية بهذا الشكل كان خطاء.. على الأقل من حيث عدم احترام الاتفاقات والعهود الموقعة مع "الرعية".  أنما طرح المبادرة للحوار والنقاش لكافة القوى السياسية والمنظمات المدنية ليس بالضرورة أن يكون خطاء سعياً لتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المصيرية. وكان من الممكن الجمع بين الاثنين: عرض المبادرة على طاولة الحوار، ومن ثم الاتفاق على توسيع أفق الحوار بشأنها بعد الوصول الى قاعدة اتفاق مشتركة بخصوصها.

ليس هناك مشكلة حقيقية تستدعي هذا التمترس وتبادل الاتهامات عبر الصحافة والوصول الى وضع المبادرة بكفة والحوار بكفة أخرى. ضوابط الحوار تطرقت لكل شيء وعملت حساب لكل ما يمكن أن يحدث في المستقبل، حتى الأعلام حين كاد يقضي على الحوار في بدايته، أكدت الوثيقة على ضبطه بين الجانبين وأفردت له باباً خاصاً به.
 قرار إيقاف الحوار بهذا الشكل وهذه المبررات الواهية.. قد يذهب الى إثبات اتهامات المشترك منذ بداية الحوار بوجود جناح في المؤتمر يرفض استمرار الحوار.
  تذكير ونصيحة 
في مواجهة بين الطرفين نشرت في صحيفة السياسية، عقب التوقيع على الضوابط، اتفق باجمال – أمين عام المؤتمر- والدكتور ياسين – رئيس المجلس الأعلى للمشترك- على أن الحوار هو السبيل للاتفاق. ولو لم توجد خلافات لما اجتمعوا على طاولة واحدة لحلها. بل زاد الاثنان على أن المخرج الوحيد من الوصول الى الاضطرابات والأحترابات هو الحوار. وقال باجمال أن المؤتمر الشعبي منهجه قائم أساسا على الحوار منذ تأسيسه في 1986م. ورفض ياسين الحديث عن شيء اسمه "فشل الحوار" لأن الحوار شيء مستمر ولا يمكن أن يتوقف أو يفشل.

إذن هو الحوار ولا شيء غيره يمكن أن يخرج الحزب الحاكم من مأزقه، ويحقق للمشترك أهدافه في إصلاح آليات العملية الانتخابية. وهو الذي سيخرج الوطن من الغليان والضغط والانفجار.

وليس من مصلحة الحزب الحاكم أن يثبت للشعب أنه يعمل من أجل فرد أو أسرة أو قبيلة..  ولذا لا يتوجب عليه أن يربط بين حوار لإنقاذ الوطن وتصحيح جسده الديمقراطي. وحوار لإنقاذ حزب أو شخص أو أسرة أو فئة، ويقايض هذا بذاك.
فقط على الحزب الحاكم أن يؤمن أن مصالحه الحقيقية الدائمة وليست الآنية تقع خلف:
- مصلحة أبناء الوطن- كافة أبناء الوطن دون تفريق على أساس الحزب أو المنطقة أو المذهب.

- المناخ السياسي الجيد لنمو الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
- وجود معارضة قوية تمتلك آليات مواجهة ألأخطاء والفساد.
----------------------------
أكتوبر 2007


الخميس، 4 أكتوبر 2007

اليمن .. تحويل النظام



مفارقات ومقاربات في الحلول:

 النظام الرئاسي .. تكريس سيطرة الفرد هروبا من شؤم المستقبل

  المفارقة رقم(1) 
- في نوفمبر 2005م، حين أعلنت أحزاب اللقاء المشترك مشروع الإصلاح الوطني،.. تصدرت وسائل الإعلام الحكومية مع إعلام الحزب الحاكم، حملة اتهامات كبيرة ضد "المشترك" أتهمته بالعمالة للخارج والخيانة الوطنية، وسفهت مشروع الإصلاحات واعتبرته استهدافاً للرئيس.

- اليوم وبعد عامين تقريباً، بلغت تلك الوسائل الإعلامية الحقائق التي كان المشترك ينادي بها، لكن مع إبقاء ذات التهم لصيقة بالمشترك. إذ تقول أن المبادرة التي عرضها الرئيس مطلع الأسبوع قبل الماضي تشابه الى حد كبير مشروع اللقاء المشترك في الإصلاح السياسي (ذلك المشروع الذي سُفه وأتهم بالعمالة والخيانة)..!!

الشاهد أنه وفي كلا الحالتين كان الغرض من تلك الحملات الإعلامية هو استهداف اللقاء المشترك، واعتباره خائنا ويستهدف الرئيس مباشرة.. !! مع فارق أنه في الحالة الأولى : كان خائناً وعميلا إذ بادر وقدم مشروع الإصلاح الوطني والسياسي من جهته. أما في الحالة الثانية: فهو عميل وخائن لأنه رفض دعوة الرئيس لحضور مراسم إعلان مبادرته – الشبيه الى حد ما بمشروع المشترك !! غير أنها هنا  بدت أشبه ما تكون بـ"خواطر رمضانية" حد وصف محمد الصبري – الناطق باسم اللقاء المشترك- في تصريحات لقناة الجزيرة بهذا الشأن.
 المفارقة رقم (2) 
- في نوفمبر 2005م طرح المشترك مشروعه الإصلاحي للحوار والمناقشة. وحينها رفضت دعوته تلك وقال الرئيس ما معناه أنه من حق أي طرف أن يقدم مبادراته للإصلاح السياسي غير انه ليس مفروضاً على المؤتمر "الحاكم" قبولها..!! أو مناقشتها. بمعنى واضح إعلانه رفض الحوار بهذا الشأن.

- أما اليوم فالمفارقة تكمن أن مجرد رفض المشترك لدعوة خرجت عن الاتفاق المسبق لها، جلبت عليه ويلات النظام وتلك التهم المتنوعة، مع أنه هنا لم يرفض الدعوة الى الحوار بل زاد أنه أكد عليه  وأعتبره الطريق الأسلم لمناقشة مثل هذه القضايا. ولذلك أعتبر في بيانه الأخير (الصادر صباح الاثنين الماضي) أن ما جاء في تلك المبادرة الرئاسية "احتوته قضايا مطروحة على أجندة الحوار وقد تم التوقيع عليها في الوثيقة التي أعلنتها الأحزاب وكل وسائل الإعلام في 16 يونيو الماضي".  وأعاد التأكيد على تمسكه بالحوار الجاد والصادق والنزيه وفي إطار القضايا والضوابط التي تم التوقيع عليها, وجدد مواقفه السابقة المطالبة بأن تقدم كل الرؤى والأفكار والمبادرات إلى طاولة الحوار, وانه يتعامل مع ما قدم أو ما سيقدم من ناحية مسئوليته الوطنية واحترام التزاماته ودفاعه عن الحقوق والمطالب الشعبية والجماهيرية.
  المفارقة رقم (3)
- في 16 يونيو 2007م وقعت أحزاب اللقاء المشترك مع الحزب الحاكم ما سمي بـ "وثيقة ضوابط الحوار" كانت خلاصة لاجتماعات مطولة توقفت ثم استأنفت بعد دعوة الرئيس الى استئنافها تحت رعايته الشخصية في خطابه بمناسبة عيد الوحدة الماضي. وفي الاتفاقية الموقع عليها ذكرت كافة بنود الحوار المتفقة، وكان المحور الثاني وهو الضوابط الناظمة للحوار وجاء في البند الأول : تقديم مواضيع وقضايا الحوار المقدمة من أيٍ من أطراف الحوار في وقت مسبق وتحديد ما يتطلب الوقوف عليه في الحوار في كل قضية أو مشروع مقدم سواءً بصورة عامة أو جزء منه يتعلق بجانب معين وإقرار ذلك وتضمينه في جدول الأعمال.

الرئيس الذي وعد برعاية الحوار كان أول المخالفين للاتفاقية إذ قدم مبادرته تلك في 25 من الشهر الماضي، بمخالفة هذه المادة ودون وضع أي اعتبار للعهد والاتفاق المبرم بين الأطراف، فيما كان يتوجب عليه التزام الضابط بتقديم أية مقترحات عبر طاولة الحوار وضمها في جدول ألأعمال..

والمفارقة هنا تكمن بأن الرئيس – الذي خالف ضوابط الحوار بطرح القضايا خارج أطرها المحددة- ليس متهما، بل أنه قدم ثورة من خلال تلك المبادرة..!! بينما أن اللقاء المشترك الذي تمسك بالضوابط ورفض مخالفتها.. متهم برفض الحوار واللا مسئولية. بل أنه وعندما أعلن المشترك حقيقة رفضه تلك الدعوة عبر بيانه الصادر بهذا الخصوص في حينه.. قيل: لماذا لم يحضر ويطرح تلك الحقائق والمبررات عبر طاولة الحوار..!!. والحقيقة أن هذا السؤال كان يجب أن يوجه الى الرئيس وليس الى المشترك. إذ كان يجب على الرئيس أن يمثل القدوة في التزام ضوابط ما يتم التوقيع عليه بين الأحزاب وطرح كافة القضايا والمواضيع التي يريد إدراجها في الحوار ضمن جدول أعمال مسبق بحسب ما نصت عليه أول مادة في تلك الضوابط.
 النتيجة 
- مما سبق يمكننا الوصول الى حقيقة أن: النظام الحاكم بوسائل إعلامه الخاصة(الحزبية) والعامة(التي يفترض أن تكون مملوكة لعامة الشعب) يتعامل مع قضايا الوطن المصيرية بـ"برغماتية" عالية..!! الى جانب انه ليس فقط يتقمص بل ويسعى الى خلق سلوكيات سياسية اجتماعية شاذة في الحياة السياسية تمثلها"الدوغمائية"، و"الديماغوجيا". وهما مصطلحان سياسيان سلبيان تفضل تتعامل بهما الأنظمة الاستبدادية الفردية، أو تلك الأنظمة التي تدعي أنها ديمقراطية لكن تفرض فيها سيطرة الحزب الواحد على مقومات الأمة وتشريعاتها بغرض تطويل أمد بقائه على رأس الحكم.  

- فالدوغمائية وهي كلمة يونانية تعني التأييد الأعمى لمبادئ مذهب أخلاقي ما أو مطالبه, بدون إمعان النظر فيها, ومن دون تفهم قيمتها الاجتماعية ومن دون دراسة الحالة الملموسة ومن دون مراعاة العواقب الاجتماعية التي قد تنجم عنها. وهي الحالة التي يفرضها النظام على الأعلام الحكومي اليومي تحت فعل الارتباط الوظيفي به. ويتجسد ذلك بعدة أمور نستشهد بآخرها هنا حينما أعتبر ذلك الإعلام أم مبادرة الرئيس عبارة عن ثورة إصلاحية. في الوقت الذي أعتبر فيه ذات الأفكار حينما جاءت من المعارضة أنها خيانة وطنية وعمالة للخارج ووو..الخ 
والدوغمائية كظاهرة اجتماعية  تميز بصورة خاصة الأخلاق المسيطرة في المجتمع الاستغلالي والتي تبذل شتى الجهود للتستر على مغزاها الاجتماعي والتي تقف ضد التقدم الاجتماعي والتمويل الثوري للمجتمع.

- أما الديماغوجيا وهي كلمة يونانية تعني شعبا أو قائدا أو سياسيا متلاعبا، وهو مصطلح يدل على التقييم الأخلاقي السلبي لنمط من الأفعال والتصرفات التي تشكل لونا من الرياء والنفاق في السياسة والتي تهدف إلى الاستحواذ على وعي الجمـاهير باسم أغراض أنانية. ومن بين أهدافها خلق الإيمان الكاذب بالإخلاص للشعب. وقد تمثل ذلك بمعظم تصرفات النظام الذي يوقع الاتفاقيات تلو الأخرى مع شركاء العمل السياسي ثم يتلاعب بها إذا ما حصحص الحق أثناء تنفيذها، وهو بأفعاله تلك لا يتوخى مصلحة الوطن بقدر ما يبحث عن مصالحة الأنانية المتمثلة بفئة بعينها على حساب الفئة العظمى من الشعب.
   أساليب ملتوية نتائجها لم تعد مجدية
إن التجارب المجتمعية السياسية تخلص الى أن أمد تلك الأساليب لا يمكن أن يكون طويلا لا سيما في المجتمعات التي تعاني من حقائق اقتصادية متخلفة تمس معيشة غالبية المواطنين. ويزداد الأمر وضوحا حينما تترافق تلك الحقائق مع أخرى تعمل على سلب حق التغيير مع تضييق حق التعبير. وبالمجمل تتكشف الحقائق سريعاً بتعطيل  الحقوق السياسية التي كانت تمثل الأمل بالتغير السلمي نحو الأفضل. فتصبح الممكنات السياسية مستحيلات بفعل تعطيل الأنظمة الحاكمة لآلياتها. وبالتالي تتساوى الخيارات لتصبح شيئا واحد يتجاوز مسميات التقديس أو ما يمكن تسميتها بالخطوط الحمراء. وتتكسر تلك الخطوط تدريجياً في العقل الاجتماعي وتتوسع أكثر كلما ازدادت حدة المواجهة بين تلك الأنظمة وشعوبها.  

- كما إن أسلوب المناورات السياسية عند مفترقات الطرق لن يكون مجدياً على الدوام، سيما إذا لم تفضي تلك المناورات الى مزيد من الوقت لحلحلة المشاكل وليس لتأخير تفاقمها وانفجارها بقوة أكبر مما كانت ستكون عليه من قبل.

حتى أن أسلوب لفت الانتباه من المركز الرئيسي الى الفروع عبر صناعة أحداث جديدة قد تساعد على قلب المعادلة من التركيز على لب المشاكل الى قشورها.. هو الآخر أسلوب ليس من شأنه أن ينجح دائما في الهروب من الالتزامات بشكل نهائي، خصوصاً تلك التي تظل باستمرار على السطح وتمس ثواني ودقائق وساعات غالبية المواطنين.

كما إن الحلول التي تأتي من أجل تسجيل المواقف ضد طرف ما دون وضع الاعتبار لجذور المشكلة وتاريخها ومترتباتها المستقبلية ستكون بمثابة زراعة الألغام في طريق العودة الوحيد.
  جوهر الحل ليس بتغير الشكل
إذا ما انتقلنا هنا الى الحديث عن مبادرة الرئيس التي لم تأت بجديد لم يأت بها مشروع المشترك من حيث الإجمال بعيداً عن التفاصيل التي ربما ستشكل نقاط خلافية إذ ما أدركنا أن القبول بوضع تلك الإصلاحات على طاولة الحوار إنما جاء من كل طرف لتحقيق مصالح بعينها. يتضح من خلال المناورة السياسية الأخيرة أن الحزب الحاكم يسعى من خلال وضع المبادرة الى الهروب من المشاكل التي صنعتها سياساته، مع حرصه الشديد بعدم التنازل عن مصالحة الشخصية التي ظل يبنيها على مدى أكثر من عقد ونصف، حتى وإن كان الحل يكمن أساساً بذلك التخلي.

خطاب الرئيس الذي أعلن فيه مبادرته للإصلاح يفسر نفسه بنفسه، فهو تحدث عن أن موجبات الانتقال الى النظام الرئاسي مؤداها أن تتحول تلك التهم - التي ترمي عليه بأسباب ارتفاع أسعار الطماطم - الى واقع، ويصبح هو المسئول الأول في كل شيء وكل تهمة.. بيد أن الإشكالية الحقيقية ليست بمعرفة من هو المتسبب في ارتفاع الأسعار هل هو الرئيس أم رئيس الوزراء أم وزير الاقتصاد أم التاجر. فهذه المشكلة حلها بسيط جداً وهو تحميل الحزب الذي يحكم تلك المسئولية. وهذا ما يفرضه المنطق وليس أكثر من ذلك ولا أقل. وفي الأنظمة البرلمانية يخضع رئيس الحكومة للمسائلة والذي غالباً ما يكون هو رئيس الحزب الحاكم. بينما في الأنظمة الرئاسية يخضع الرئيس وهو أيضا يكون رئيس الحزب الحاكم. وحتى في النظام المختلط الذي نعيشه يتحمل المسئولية الحزب الذي يحكم. هذه الأمور لا تمثل مشكلة حقيقية مستعصية الفهم. بل أن المشكلة الحقيقية تكمن بالإجراءات التي يجب أن تتخذ بشأن كل متهم سواء الحزب أو الرئيس أو رئيس الوزراء أو أو أو .. الخ. ففي كافة الأنظمة يمكن التملص والتخلص من كل التهم إذا كانت القوانين مجرد عبارات للتفاخر والتطبيق بالمزاج الشخصي أو الحزبي
. إذ لا فائدة من تغيير شكل النظام إذا كانت الثقافة السياسية متخلفة، والقوانين التي بموجبها يجب إحالة الفاسدين والمتلاعبين بمصير الشعب والأمة تحت قبضة رأس النظام. وباختصار شديد: إذا كانت المشكلة تكمن في ثقافة الأشخاص الذين يسيطرون على الحكم، فهل سيكون تغيير شكل النظام حلا؟  


وهنا يمكن التذكير بأن شارون –رئيس وزراء إسرائيل السابق- في نهاية العام 2005م حين أراد أن يحل مشكلته مع الأحزاب فكر في تغيير نظام الحكم الى نظام رئاسي ( إذ – حينها- أكد مصدر مقرب من شارون أنه معني بتطبيق نظام الحكم الرئاسي من اجل تقليص قوة الأحزاب السياسية. وقال المصدر أن شارون معني بالنظام الرئاسي لتخفيف وطأة القيود التي يفرضها البرلمان على قيادة الدولة).

وقياسا على ما سبق فإنه وعلى أرض الواقع، ما الذي سيفيد في حل مشكلة الجنوب –مثلاً- حينما يتحول النظام الى رئاسي؟ لا شيء. لأن المشكلة حلها هنا يتطلب عملا تنفيذيا يبدأ بإزالة آثار حرب 94م وليس بتغير شكل النظام..!!

إذا نستطيع القول أن أهم نقاط الخلاف في تلك المبادرة إنما جاءت لتحل مشكلة الرئيس مع حزبه وليست حلا لمشاكل الوطن المتزايدة بفعل سياسات تزايد الخطأ.!! ربما بصورة أوضح يمكن القول أن المشكلة الأساسية هي عدم وجود نظام كلي للبلاد. وبالتالي فإن ما يمهد له سيكون عبارة عن انتقال اللا نظام الى لا نظام آخر.

وعلى ذلك فإن الحل الأفضل الذي كان يتوجب المضي فيه توافقاً يتمثل أولا السير في بناء نظام برلماني حقيقي لتظهير صورة الديمقراطية أولاً ونقلها من "المزحة" السياسية الى "الفعل" السياسي عبر الفصل بين السلطات والاحتكام الى الشرعية الدستورية والقوانين النافذة فعلا لا تمثيلاً. ومن ثم وبعد ترسيخ ثقافة القانون وتظهير الديمقراطية بصورتها الحقيقية يمكن بعدها الحديث عن تغير شكل نظام الحكم كحل لابد منه لمواجهة الإشكاليات الجزئية التي تنجم تراتبية النظام البرلماني وتداخلاته. إن الحقيقة التي يعدمها بعض المهرولين تؤكد أن نظام الحكم الرئاسي لا يصلح أن يكون مثالا فعالا للديمقراطيات الناشئة ناهيك عن الديمقراطيات الكاذبة.

فالنظام الرئاسي لا يمكن أن ينجح إلا  في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكامله والتي يكون فيها مستوى النضوج والوعي السياسيين عالياً. (. ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغير الديمقراطي في الوطن العربي، بيروت، مركز الدراسات الوحدة العربية،1997).

ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون التغير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية. (يحيى الجمل،1984، 363).
 ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.
   النظام الأمريكي في واقع متخلف
دائما ما يضرب المثل بنجاح الأنظمة الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية. غير أن هذا القياس لا يستقيم دون النظر الى التجربة الأمريكية تاريخيا وثقافياً. وكما أشرنا مسبقا فإن الأمر منوط بالوعي الثقافي السياسي وترسيخ التجربة الديمقراطية كما هو الحال في أمريكا.

ولكن..دعونا نترك تلك النظريات والأفكار المعقدة حول نظام الحكم الرئاسي. ودعونا نتساير مع ما يمكننا اعتباره دائما ضرورة"الأمر واقع".. مع أن مثل هذه الضرورة غير علمية أوعملية في الأنظمة الديمقراطية التي تمكنها آلياتها من العمل ضد هذا المعنى الاستسلامي..

فلو تسايرنا مع مبادرة الرئيس برغبته تغيير شكل نظام الحكم الى رئاسي بعيداً عن الإمكانية من عدمها.. فسيتوجب علينا مع هذا الافتراض أن نتساءل : هل سيعمل هذا التغيير على إصلاح البلاد والقضاء على الازدواجية القائمة بين اتخاذ القرارات والمحاسبة الناجمة عنها؟

- وبالإشارة الى أن هناك من السلطة من يشبه مبادرة الرئيس بتحويل النظام الى رئاسي إقتداء بالنظام الأمريكي.. فهل سيقبل الرئيس بكامل شروط النظام الرئاسي أم أنه سيتخير منها المناسب لفرض مزيد من السيطرة؟ هل مثلاً سيقبل الرئيس أن يحدد مجلسي النواب والشورى ميزانية الدولة وإقرارها ومتابعة تنفيذها، ومراقبة الصرفيات بحيث لا يحق للرئيس أن يتخذ قرارات الصرف الكبرى إلا بعد موافقة المجلسين؟ وهل سيوافق الرئيس على أن تكون هناك محكمة عليا تشرف على الرئاسة والمجلسين ومحاسبتهما والفصل بينهما ويكون أعضاء هذه المحكمة منتخبون وليسوا معينين.

إن تلك الأمور هي بعض ما يستدعيه العمل بالنظام الرئاسي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات. لذلك نجد الدستور الأمريكي يجعل اختيار القضاة بالانتخاب وينص على عدم إمكانية تعديل نظام المحكمة الاتحادية العليا إلا وفقاً للأوضاع الخاصة بتعديل الدستور نفسه، وكذلك عدم إمكانية الجمع بين العضوية البرلمانية والمنصب الوزاري في مقابل عدم مسؤولية الرئيس والوزراء –سياسياً وليس تنفيذياً-ً أمام البرلمان.  وبالمقابل لا يحق للرئيس- في النظام الرئاسي الأمريكي- حل البرلمان سواء بالنسبة لمجلس الشيوخ أو لمجلس النواب، وليس للوزراء أن يحضروا جلسات مجلس البرلمان بهذه الصفه. (ثروت بدوي، النظم السياسية، القاهرة، دار النهضة العربية،1975).

 كما ويقر يقر الدستور الأمريكي بعض الامتيازات لمجلس الشيوخ يمارسها تجاه السلطة التنفيذية فيستلزم موافقة مجلس الشيوخ لتعيين بعض كبار موظفي الدولة مثل السفراء وقضاة المحكمة الاتحادية العليا وكذلك ضرورة موافقته في مسألة المعاهدات والاتفاقات الدولية. ( عبد الغني بسيوني، النظم السياسية- أسس التنظيم السياسي الدولة والحكومة الحقوق الحريات، الإسكندرية، الدار الجامعية،1985).

- وبشكل عام تقول الدراسات بأن "التجربة العالمية تدل على فشل النظام الديمقراطي الرئاسي في خلق استقرار سياسي في الدولة, ولا يمكن تعميم الحالة الأمريكية على سياقات سياسية أخرى. ففي أمريكا اللاتينية, معظم الدول التي تبنت نظاما ديمقراطيا رئاسيا انتهى بها الأمر إلى دكتاتوريات, أو أزمات سياسية وانتهاكات لحقوق الإنسان, وتشير الأدبيات السياسية التي تدرس النظام الديمقراطي وأنماطه أن النظام الديمقراطي البرلماني هو أكثر الأنظمة استقرارا بين الأنماط الأخرى" ويعتبر نجاح الديموقراطية الرئاسية الأمريكية, نجاحا خاصا ينبع من وجود «كونغرس» قوي ونوعي يراقب ويكبح جماح مؤسسة الرئاسة ووجود ثقافة سياسية متقدمة.

إن بلادنا ليست بحاجة الى نظام يزيد من استبداد الدولة ويوسع من أزماتنا السياسية ويكرس مزيدا من انتهاكات حقوق الإنسان .. على العكس من ذلك كله إننا بحاجة الى التخلص من هذه السلبيات المتجذرة في البلاد.
  نظام رئاسي .. لماذا؟
الحديث عن أن النظام الرئاسي يمكن أن يكون حلا ، يجلب معه تخمينات وتحليلات عدة في الإجابة على تساؤل : لماذا؟

إنه لمن الضروري الربط بين هذه المبادرة وأهوال المرحلة التي تقدم عليها بلادنا.
تتشبه الأوضاع في بلادنا هذه الأيام بمخاض لمولود جديد ليس بالضرورة أن يكون هذا المولود "ثورة" حمراء. ربما أنها "ثورة" برتقالية. وذلك منوط برد فعل النظام

وقد يكون الأمر قد أوصل الى أفكار عديدة لاستقبال هذا المولود من جهة النظام كطرف متسبب بالحمل، ومن جهة غالبية أبناء الوطن كطرف متحمل لتلك المخاضات.

على أن فكرة الهروب من تحمل المسئولية كعادة الطرف القوي دائماً ليست بالفكرة المجدية في مثل هذه المواجهات التي تصل نهايتها لمصلحة المجموع كقوة مقابلة في مواجهة القوة التقليدية.
وفي مثل هذا على النظام أن يتخلص من أخطائه بتصحيحها وليس بمزيد من الأخطاء.

لماذا؟ السؤال الذي يجب الإجابة عليه لمقاربة حقيقة اللجوء الى تغيير النظام الى رئاسي لمواجهة المشكلة.
 هناك من يعتقد أن ألأمر ما يزال مجرد هروباً تكتيكياً من مواجهة الأخطاء وهو ما ستسفر عنه لواحق الأيام. المثل المصري يقول"مصير الحي يتلاقى"

هناك من يرى أنها أخطاء استشارية لا تدرك الواقع وإمكانياته في استواء الفكرة وتلقيحها بشكل ناجح.
وهناك من ينظر الى الأمر بنظرة سياسية بحته، ويرى أن المعطيات الحالية تنبأ عن فشل قريب يجب محاولة توجيهه مع أقل الأضرار. فالتذمر الذي بدأ بسيطاً توسع سريعاً وقد يوصل الى نتائج فشل في الانتخابات البرلمانية القادمة، وبالتالي فإن برلمان بأغلبية معارضة ونظام غير واضح المعالم سيتسبب في إشكاليات تنفيذية ومواجهة صلاحيات بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية كطرف والمؤسسة الرئاسية طرف (النموذج الفلسطيني نموذجاً).

لذلك كانت فكرة تغيير نظام الحكم الى رئاسي واسع الصلاحيات من شأنه أن يضعف سلطة البرلمان. كما أن النظام الحالي إذا ما فازت المعارضة بالأغلبية النيابية سيوصلها الى تشكيل الحكومة فيما أن ذلك الفوز في حالة النظام الرئاسي لن يمكنها من ذلك، لأن الوزراء سيتبعون رئيس الجمهورية مباشرة.

فالأنظمة الرئاسية أنواع منها ما يؤدي إلى السلطة التنفيذية(الرئاسية) وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.

ومنها ما يدخل ضمن عيوبه إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسئول الحقيقي عن الخطأ. لا سيما في دول الديمقراطيات الناشئة التي تتعدد فيها القوانين وسيطرة مراكز القوى على مفاصلها.

ويشير الى هذا الأمر د. جهاد عودة في مقالة له بعنوان "نحو تطوير النظام الرئاسي" وهو يتحدث عن مصر (بلاده) إذ يقول :".. وبالمقابل فإننا الآن نعيش في ظل شكل من أشكال نظام رئاسي معطلة فيه آليات المحاسبة البرلمانية والمحاسبة السياسية بحيث قزمت الإرادة البرلمانية في الممارسة اليومية‏,‏ وربما هناك وقائع عديدة تشير إلي أن نظاما بهذا الشكل لا يساعد علي حياة اقتصادية وسياسية سليمة حيث إن تعطيل رئة البرلمان لا تساعد الجسد السياسي علي الصحة والحياة بقوة‏.‏" د.جهاد عودة – الحديث عن مصر مقال بعنوان "نحو تطوير النظام الرئاسي.
  الغرابة في تجديد الولاية 
على أن ما يمكن أن يخرجنا من مرحلة التفكير الى الاستغراب في مبادرة الرئيس هو الرأي الذي يقول أن الرئيس من خلال هذه المبادرة والتعديلات الدستورية يهدف الى تجديد ولايته فترات قادمة..!!

داعي الغرابة أن الرئيس قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة كان مقتنعاً بالتخلي عن ترشيح نفسه لولايته الرئاسية الحالية،وكان حينها يقول أن قراره هذا ليس مسرحية للمزايدة بل أنه أقتنع كلياَ من الجلوس على كرسي من نار. ولولا أن الشعب خرج لثنية عن قراره لكان الآن يسمع العبارة التي قال ذات لقاء أنه يحب سماعها وهي "الرئيس السابق".

---------------------
أكتوبر 2007


الأحد، 30 سبتمبر 2007

لا وقت للتلاعب بمصير البلاد


هكذا دائماً.. كلما حاول المجتمع السياسي اليمني بلوغ أجزاء مهمة – ولو كانت بسيطة- لحلحلة أوضاعه السياسية المقلقة.. يكون هناك دائما تصرفات تراجعية ينتجها الطرف المتخوف من تلك الإصلاحات السياسية.
الوقت المتبقي لإنقاذ البلاد -اليوم- لا يساعد على التلاعب وانتهاج سياسة المواربة واللف والدوران. البلاد اليوم في مفترق طرق.. إما التغيير عبر مزيد من تكثيف الثورات السلمية، أو الرضوخ لتنفيذ إصلاح سياسي توافقي ينقذ البلاد من انفجار تبدو مقدماته خطيرة ونتائجه كارثية..!!
اليوم لم تعد الحذلقة السياسية -التي دأبت على انتهاجها السلطة- مفيدة كما كانت قبل أن تسوء الأوضاع في كافة مناحي الحياة الداخلية والخارجية.. فلم يعد من الحصافة السياسية اليوم مثلا : الدعوة إلى حوار يتم التوقيع على مبادئه من قبل الأحزاب السياسية والسلطة، ثم تفرض شروطه ومواده من الأعلى على الجميع..!!
مبادئ الحوار التي اتفقت ووقعت عليها الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، وأمين عام المؤتمر في يونيو الماضي يجب الالتزام بها من قبل الجميع وهو ما كان يفترض قبل إطلاق أية مبادرة ( تعديلات دستورية وقانونية ) عبر الصحافة والأعلام، دون أن يتم التشاور بشأنها أو الموافقة عليها من قبل كافة الأحزاب الموقعة على مبادئ الحوار التي تنص على هذا الأمر.
واليوم توجب السياسة الحكيمة وليست المتهورة، لجم جماح "التوسيح" اللاقانوني للصحافة الحكومية. على الأقل يجب ذلك من باب إشعار الآخرين بحسن نية محاولة "تطبيق القانون" الذي يفرض على مؤسسات الأعلام الحكومية تمثل موقف "الحياد"، ناهيك عن ضرورة تخليها عن الكذب والافتراء المحرم شرعاً وقانوناً.
اليوم.. ليس من النباهة أن تطبل وسائل الإعلام الحكومية لتوسيع رقعة الخرق أو العمل كـ"زيت" تزيد من نار الأشتعالات والأحتقانات..!! بل على العكس يفترض عليها أن تعمل كـ"ماء" يطفي تلك الأشتعالات. وما تفرضه السياسة الحكيمة اليوم أن تخبر رؤساء ومحرري تلك الوسائل - الذين يستلمون مخصصاتهم ومكافئاتهم المبالغ بها من قوت الشعب المغلوب على أمره – أن التقرب لرأس النظام بهذه القرابين الزائفة.. ليس هذا هو التوقيت المناسب له اليوم. ذلك وإن ليس أخذاً بالاعتبار ردة الفعل الغاضبة للشعب، بل على الأقل احتراما لمسمياتها(الثورة، الجمهورية، 22 مايو، 14 أكتوبر،26 سبتمبر..) التي حلت وتحل ذكراها علينا هذه الأيام. أما إن كان الأمر مرتبط بتقديس النظام القائم على حساب عظمة الثورة (التي جاءت لتقضي على الاستبداد وتغيير مفهوم تقديس الفرد والأسرة، إلى الجمهورية ورأي الشعب )، فإن الأمر بحاجة إلى إعادة نظر يشترك فيها كافة أفراد الشعب "سلمياً"، إن لم يكن هناك إنصاف عبر القانون.
قد يكون نظام اليوم متيقناً تمام اليقين أن لا مخرج لهذه الأزمات المتلاحقة إلا بالحوار الذي يفضي إلى تنفيذ إصلاحات حقيقية على أرض الواقع من شانها إعادة الثقة بينه والشعب.. غير أن طبعه المتقلب نتيجة تخوفه من زوال الامتيازات غير المشروعة التي يهبها لنفسه.. قد تكون سبباً رئيسياً في تصرفاته غير المعقولة، والتي قد تقود إلى ذات النتيجة التي يتخوف منها لكن مع دفع الثمن غالياً من قبل الوطن والشعب.
إن رفض أحزاب المشترك اللقاء برئيس الجمهورية – الاثنين الماضي – لم يكن هدفه الأساس رفض دعوة الرئيس، لوضعه في صورة الأزمة لوحدة، بل كما أكد بيان المشترك بأن هدف ذلك هو فرض احترام الحوار ومبادئه التي تم التوقيع عليها مسبقاً في يونيو الماضي. وحين أدرك المشترك اللعبة التي حاولت أطراف في السلطة فرضها عليه بتحويل اللقاء الودي الذي دعا إليه الرئيس إلى لقاء حوار مفتوح.. توجب على أحزاب المشترك رفض الدعوة احتراما للحوار ومبادئه.. من حيث الالتزام بشفافية الاتفاقات ووضوح الدعوة إليها مسبقاً حتى لا تنكسر الجرة من جديد، وتلام المعارضة – كما هي طبيعة النظام بتوجيه الاتهامات – وسيقال أن المعارضة كانت السبب في فشل الحوار.
إن ظروف اليوم توجب ضرورة التعامل مع الحوار كضرورة وطنية ليس فقط للخروج من أزمة الاحتقانات والجوع المتكالب على الضعفاء والفقراء اليوم، بل يجب التعامل معه باعتباره ضرورة حقيقية للمستقبل متمثلا مصلحة كافة الأجيال اليمنية القادمة. وليس كما تعكسه حقائق اليوم : أن النظام يسعى لتكسب مكاسب إضافية من هذا الحوار. وقد يبدوا جليا للمتابع أنه نظام يحاول أن يجعل من الحوار تكتيك سياسي يسعى من خلاله إلى قلب المعادلة لمصلحته، في الوقت الذي تأكد أنه متهم عبر سياساته الخاطئة –التي حذرت منها المعارضة مرارا- بقيادة البلاد إلى نفق مظلم بدأ الشعب يلمح مدخله من بعيد.
غير أنه ما زال بيد الحكماء في الحزب الحاكم أن يقدموا نصائحهم لحزبهم، وإن لم يستطيعوا عبر تكويناتهم الداخلية بسبب وجود طبقة مصالحيه سميكة تحول بينهم وبين صانعي القرار، فعليهم توصيل تلك النصائح عبر الصحافة الحرة والمستقلة كما فعل بعض إسلافهم.. وبالإصرار والاستمرار، بعيداً عن اليأس، تخبرنا التجارب أنه لا بد أن ينبلج ضوء الفجر وإن تأخر الليل قليلا.

---------------------
سبتمبر 2007

الاثنين، 24 سبتمبر 2007

في ذكراها الـ(45) .. أهداف الثورة اليمنية وتقييم خط توجهها الثوري


ضد الظلم والقهر والاستبداد، قامت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م. وضد الظلم والقهر والاستبداد في أي مكان وزمان تقوم الثورات الشعبية.

لـ 45 عاما خلت تطورت الحضارة العمرانية بشكل كبير ومعها تطورت المفاهيم ربما بشكل أكبر. فالظلم الذي كان قبل 45 عاما يقوم به حاكم مطلق يحبس ويقتل وينكل لأتفه الأسباب أو بدونها أحياناً، تطور هو أيضاً ضمن سياقه التاريخي التقدمي.. بل أن الأنكى في هذا الأخير أنه يتم في ظل وجود قوانين وتشريعات يفترض أنه تم صياغتها للتخلص منه أو حتى التقليل منه. كما أن الاستبداد الذي كان نموذجاً لواقع الحال المعاش في أغلبه تحت سلاح سلطة أحتلالية جبرية خارجية تحاول الحفاظ به على بقائها، أم داخلية تجهيلية تقمع كل ما من شأنه أن يفضي الى إزاحتها.. هو الآخر تطور ليصبح مقتصراً -في الغالب- على الداخل، وإن تلبس – أحيانا- لباس الحرية والتقدمية، غير أنه أنتقل من مرحلة الفوضى الى مرحلة التنظيم المقيت والأكثر قهراً.

نجاح الثورات ليس فقط مجرد تنفيذ المرحلة الأولى منه وهو الانقلاب على الظالم المستبد فرداً كان أو أسرة أو نظام.. بل يحكم على نجاح هذه الثورة أم تلك بتحقيق الأهداف التي قامت على أساسها هذه الثورة وهو ما يسميه المفكر العربي مالك بن نبي بـ"خط التوجه الثوري" أي السير في اتجاه ما بعد الثورة وتحقيق أهدافها.
والثورة اليمنية التي قامت قبل (45) عاما على يد مجموعة متنورة من الثوار الأحرار قامت لتحقيق ستة أهداف سميت بأهداف ومبادئ ثورة الـ 26 من سبتمبر المجيدة. وإذا ما أردنا محاكمة تلك الأهداف والمبادئ للواقع اليمني بعد هذه المدة الطويلة فلن تسعفنا فترة ما بعد الثورة على مدى عقدين من الزمن لتكوين حكم منطقي عليها بسبب الاضطرابات التي لحقت بها طوال تلك المدة والتي تعاقب عليها خمسة رؤساء بعضهم لم تتجاوز فترة رئاستهم أيام والبعض أشهر ومنهم سنوات.. غير أن ما بعد تلك الفترة وحتى الآن هي المدى التي يمكن أحالة أهداف الثورة إليها لإدراك مدى تحققها أو جزء منها من عدمه لنستطيع الوصول الى تكوين راي أولي يساعدنا في الحكم على نجاح الثورة من عدمه أخذا بالقياس لخط مسارها وتوجهها الثوري الذي قامت من أجله بداية.

إن قراءة أهداف الثورة الستة وربطها بالواقع المعاش اليوم بشكل دقيق وبعيدا عن المجاملات ذات الطابع الوظائفي والتزلفي الذي يعد من أهم أسباب تقوقعنا في دائرة التخلف عن ركب دول مجاورة وغير مجاورة سبقتنا بأشهر أو سنوات، وبعضها تبعتنا بأشهر أو سنوات.. لوجدنا أن تلك الأهداف الستة ما زالت بحاجة الى جهد شعبي لفرض تنفيذ ما هو تحت الاستطاعة في الوقت الحالي.

قد تتباين الآراء حول مدى تحقق بعض تلك الأهداف بين يمني وآخر، ويظل هذا التفاوت محكوما بالفعل السياسي المسيطر بين السلطة والمعارضة. غير أن المراقب الخارجي للأوضاع اليمنية لاسيما أولئك الذين تفرض عليهم رقابتهم لهذه الأوضاع تقديم مصلحة للبلاد كالمساعدات والمنح والقروض حينما يرتبط هذا الأمر بعمل إصلاحات مشروطة.. حتما سيكون لهذا المراقب – في الغالب - تقييمه العادل، وإن كان هناك تفاوت أيضاً من جهة الى أخرى إذا ما وضعنا في الحسبان قضية تبادل المصالح التي لكل طرف فيها طريقته في الحساب ومراعاة النتائج.
وسيكون من الظلم والإجحاف القول أن اليمن لم تحقق إنجازات مشهودة طوال هذه المدة في مختلف ألأصعدة. غير أن هناك من يعتبر أن هذا التطور هو أقل بكثير مما يجب أن يكون في سياق الفترة التاريخية التطورية التي شهدها العالم  خلال النصف القرن الأخير. وأن أي نظام آخر توفرت له الظروف التي توفرت لهذا النظام، ربما كان - بوطنية مناسبة – سيقدم أكثر مما قدم للبلاد خلال هذه الفترة التي تطاول عمر جيل.

 الهدف الأول .. إزالة أم تكريس الفوارق الطبقية 
وحتى نكون دقيقين علينا أن نشير الى أهداف الثورة الستة هدفا هدفا للوصول الى معرفة نسبة نجاح الثورة قياساً بخط توجهها الثوري..  

بالنسبة للهدف الأول وهو "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات". تشير التقارير الى نسبة نجاح لا بأس بها بالنسبة للشق الأول من الهدف، لكن معظم تلك التقارير تؤكد تحول البلاد الى فرض مزيد من الفوارق والامتيازات بين الطبقات، وتقول أن حوالي(10%) من الشعب يحصل على (80%) من الثروة. بينما يتصارع الـ(90%) على النسبة المتبقية من الثروة وهي(20%). ويتضح هذا الأمر جلياً من خلال الفرز الموجود في سلم وظائف الدولة حيث يزداد الأغنياء تصاعدياً من فوق درجة و كيل وزارة. بينما يزداد الفقراء تنازليا من عند نفس الدرجة. بل أن الأشد وضوحاً هو الفرز الجغرافي لهذه الفوارق والامتيازات الطبقية مثلا بين صنعاء والحديدة أو بين صنعاء ومناطق أخرى مثل أبين ولحج وغيرها..
  الهدف الثاني.. بناء جيش لحماية مكاسب الثورة أم لحماية النظام  
يؤكد الهدف الثاني على "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها ".
والواقع أن الجيش اليمني يتم بنائه بعيدا عن الوطنية التي يعنى بها الولاء للوطن..!! ومن عاما الى آخر يتضح أن كافة مؤسسات الجيش تتحول الى مؤسسات أسرية تسيطر عليها قيادات أسرية/عصبوية/قبلية. وهي بذلك تنحرف عن هدف الثورة لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها الى حماية أسرة واحدة وحراسة مكاسبها. وقد أصبح اليوم لا يخفى على أحد أن كافة مفاصل القوات المسلحة والأمن الإستراتيجية الهامة  يقف على رأسها أحد أبناء الرئيس أو أبناء عمومته أو أولاد أبناء عمومته أو أحد أفراد الأسرة وصولا الى المنطقة والقبيلة. بل أن الرئيس نفسه كلما شعر بخطر الشعب تجاه سياسة حكومته ونظامه يلجأ الى تثوير وتحريض هذه المؤسسات ضد الشعب والأحزاب والصحافة. والتي كان أخرها الخطاب الذي ألقاه قبل أسابيع في إحدى الكليات العسكرية وحرض فيه المؤسسة العسكرية ضد المعارضة بشكل واضح.
 الهدف الثالث .. رفع مستوى الشعب اقتصاديا .. الخ
يسعى الهدف الثالث من أهداف الثورة المجيدة الى "رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً وثقافيا".
أياً كانت الأسباب فالسير بعكس هذا الهدف  هو الواقع الذي تعيشه البلاد، سيما الجانب الاقتصادي ويمكن أن يكون الجانب الثقافي أيضاً ولكن بنسبة محددة. ونشير هنا الى آخر تقرير أمريكي صدر حديثاً عن الكونجرس الأمريكي، وهو بصدد مناقشته تقديم دعم لليمن عبر صندوق تحدي الألفية.. يشير التقرير الى اليمن قائلا "..  بمصادرها الطبيعية المحدودة، ونسبة الأمية الكبيرة، والنمو السكاني المرتفع، تواجه اليمن مصفوفة تحديات تنمية مرعبة، فبعض المراقبين يعتقدون أنها واقعة تحت خطر أن تصبح دولة فاشلة في العقود القليلة القادمة. ويضيف التقرير"..حالياً، هي مصنفة في المرتبة 151 بين 177 بلدا في دليل الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية، وهي مرتبة قريبة من أفقر البلدان الصحراوية الأفريقية، إذ أن أكثر من 43 % من السكان يعيشون دون خط الفقر.."..!! أما بالنسبة للجانب الثقافي يمضي التقرير قائلا "..في اليمن تصل نسبة المتعلمين الى 49 % للذكور و33 % للإناث. وطبقاً لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن ثلث الأطفال اليمنيين لا يذهبون المدرسة الابتدائية، وسيصل الاحتياج الى أكثر من عشرة آلاف مدرسة جديدة في السنوات القادمة فقط.."..!!.

بهذا الخصوص قد يكون ماتحقق مناسباً، غير أن الحديث عن مثل هذه الفوارق في التعليم ينسب غالباً للدول المتخلفة جداً إذ أن الحديث عن ضعف التعليم هذه الأيام يعد من الأمور المهينة في العالم..!! في وقت يتحدث فيه العالم عن محو في أمية الحواسب الألية.
 الهدف الرابع .. إنشاء مجتمع ديمقراطي..
يتجه هذا الهدف نحو "إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف".

لن نتمدد كثيرا في هذه النقطة بحكم غياب توفرها فعلياً وليس نظرياً. برغم ما يشار الى أن بلادنا تعد البلد الديمقراطي من بين دول المنطقة المجاورة. سنشير هنا الى ما استخلصته الباحثة الأسترالية سارة فليبس في تقريرها الأخير المقدم الى مؤسسة "كارنيغي" في فبراير 2007م، حول تقييم الإصلاح السياسي في اليمن.. وخلصت فليبس الى أن "التغييرات التي تحققت في اليمن منذ العام 1990، لا تمثل عملية انتقال واضحة وصريحة نحو الديمقراطية، إلا أنها تتضمن عناصر من أنماط متعددة وعريضة مماثلة لها من التغيرات السياسية في العالم العربي، حيث تتسنى فرص مفتوحة وتعددية تبقى تحت السيطرة، وأنظمة يواصل تحملها، وكل هذه الأنماط تكون بمثابة عمليات مترابطة، وحيث غالباً ما تعقب فترات تخفيف حدة السيطرة، فترات من قمع الحريات..".

 وكما تحدثت بعض التقارير الدولية عن الديمقراطية اليمنية بشكل جيد قصد به التشجيع لاستمرارها على ما هي عليه من تخلف.. إلا أن الكثير من تلك التقارير أيضا أنتقد بوضوح هذه الديمقراطية ووصفها بالضعيفة وأتهمها بأنها فقط مستمرة بضغوط دولية بغرض التحصل على المساعدات التي تقدم للدول التي تقدم إصلاحات في الجانب الديمقراطي.

وأي يكن الأمر فإن الديمقراطية في بلادنا لا يمكن تجاهل وجودها لكن مع وجود تلك الممارسات    
 التي تشوهها وغالبا ما تنتج من قلق النظام على فقدان السيطرة عليها والخروج من خلالها الى خارج السلطة.
 الهدف الخامس.. الوحدة الوطنية
يتجه الهدف لـ"العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة".

ربما كان ت الجزء الأول من هذا الهدف هو الذي تحقق بشكل واضح وعكس ما يمكن الافتخار به بين العالم. غير أن الممارسات المتهورة والخاطئة منذ ما بعد حرب صيف 1994م، أوصلت هذا الهدف وبعد (17) عاما من الوحدة، الى أن يصبح مهدداً ويخشى على ثباته واستمراره بعد الأحداث الأخيرة وظهور أصوات جنوبية تنادي بالانفصال. الأمر الذي يعيد الحديث عن مدى استقرار الوحدة بعد أن كان الحديث عن ذلك من المحرمات. وبعيداً عن أسلوب التخوين والتخويف وكيل الاتهامات فالأمر قد تعاظم وأصبح يستحق النقاش وتصحيح ألأخطاء التي تطال الوحدة من أي طرف كان. وليس هناك طرف معصوم حتى وإن كان يمارس الخروقات الوحدوية بشكل غير مباشر. وطرف آخر تكال اليه الاتهامات دائماٍ حتى وإن كان يتحدث ويطالب بحقائق أعترف بها مؤخرا بعض أقوياء النظام.

وبوجه عام فإن هذا الهدف السامي المتحقق من أهداف الثورة مهدد بأن يتحول الى هدف يسعى لتحقيقه مرة أخرى إذا لم تتصرف الحكومة بعقلانية وتوازن بعيداً عن التحدي وأسلوب القوة والجبر والقهر والاستبداد الظالم.
  الهدف السادس.. احترام المواثيق الدولية..    
يعد هذا الهدف هو الأخير من أهداف الثورة السبتمبرية المجيدة، وهو أيضا من أطول الأهداف صياغة وأصعبها تحقيقاً. يدعو الهدف الى " احترام مواثيق ألأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الايجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم".

غالباً ما توصف بلادنا بأنها من أكثر البلدان مصادقة على المواثيق والعهود الدولية، لكنها من أقل البلدان عملا بها. تكاد تسمه هذه العبارة في كل مؤتمر أو ندوة تتحدث عن حقوق الإنسان والحرية العامة وحرية الرأي والتعبير والمرأة والطفولة ووو.. ألخ.

وهنا نضرب مثلا بسيطاً، حول قانون الصحافة النافذ أو مشروع القانون الجديد.. أظهر بعض القانونيين مخالفات عديدة لموادهما تتعارض مع بعض تلك المواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها بلادنا. ولن نطيل كثرا في هذا الجانب ويكفي لمن يريد المواصلة أن يطلع على مواد القوانين اليمنية ويقارنها مع تلك العهود والمواثيق. ومدى تطبيقها واحترامها على أرض الواقع.   

أما بالنسبة لمبدأ الحياد الايجابي، فإن السياسية الخارجية لبلادنا أنهكت اقتصادنا بسبب عدم السير على هدى هذا المبدأ في كثير من الأحيان. وهي حتى ألآن تعمل جاهدة على ترميم وترقيع بعض تلك السياسات المتهورة التي تم اتخاذها على مبدأ المحابة والمجاملة والصداقات الثنائية..!!

ولعل الشطر ألأخير من هذا الهدف هو الشيء الوحيد الذي تحشر بلادنا أنفها فيه حتى وإن تقدم نفسها مسخرة للعالم. مثل تقديمها مبادرات دولية لإصلاح الأمم المتحدة والجامعة العربية، القوانين النووية والمصالحات بين المتحاربين وغيرها من الأمور التي تسعى بلادنا من خلالها الى تحقيق هذا الهدف من خلال أقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم. 
  وأخيرا.. ضرورة تقييم خط التوجه الثوري
تلك هي أهداف ومبادئ ثورة 26 سبتمبر.. نجد في كل واحد منها اختلالات تنفيذية تدعونا الى مراجعة ما يمكن وصفه بنجاح الثورة اليمنية ضد الظلم والقهر والاستبداد وتبعاتها من مخلفات الأمامية البائدة. وينطلق حكمنا هذا على قاعدة النظر في "خط التوجه الثوري" للمفكر مالك بن نبي. الذي يفرض على الشعوب متابعة ومراقبة هذا الخط من الانحرافات التي قد تطاله أثناء السير في طريق ما بعد الثورة. وهذا ما نحن اليوم بحاجة ماسة اليه تقييما وتجذيراً لبناء الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون.

--------------------
سبتمبر 2007


السبت، 1 سبتمبر 2007

اليمن.. حركة الشارع والبحث عن الحقوق






حصل اليمنيون - نتيجة ضغطهم الميداني عبر الإعتصامات والمظاهرات التي شهدتها البلاد خلال الشهرين، الماضي والحالي - على بعض الحقوق التي ظلوا ينادون بها طوال سنوات خلت.
فعقب إعتصامات المتقاعدين في المحافظات الجنوبية عمل الرئيس على إصدار قرارات مختلفة من شأنها امتصاص الغضب الشعبي في تلك المناطق، وشكل لجان ميدانية وأرسل الوزراء والمسئولين لذات الغرض. وإن كان الأمر ما يزال طور المراوحة والمجاذبة بين الواقع وتلك الأوامر إلا أنها دلت على أهمية التحرك الشعبي السلمي لنيل حقوقه.
وخلال هذه الفترة حصل الموظفون والمواطنون بشكل عام على وعود رئاسية ووزارية ومحلية في تنفيذ بعض الإصلاحات، ففي تعز ونتيجة لإعتصامات المواطنين التي دعا إليها المشترك، وعد محافظ المحافظة بإصلاح الكثير من الأمور والتي كان على رأسها مشكلة الماء وهي المشكلة التي يعاني منها أبناء محافظة تعز منذ سنوات ولم يلق لنداءاتهم استجابة طوال عقد من ظهورها.
وقبيل ثلاثة أيام من تنفيذ المنظمات والنقابات المحلية لاعتصامها السبت الماضي - في نفس المحافظة - وجه الرئيس، الحكومة بصرف المرحلة الثانية من استراتيجية الأجور خلال مدة أقصاها أكتوبر القادم، وهي المرحلة التي كان يجب تنفيذها قبل مطلع هذا العام بحسب الاستراتيجية نفسها بحيث كان يجب أن ينتهى من المرحلة الثالثة هذا العام، إلا أن شيء خير من لاشيء.
ليس هذا فحسب، بل أن الضغط الشعبي جعل الرئيس يوجه بصرف ملياري دولار من الاحتياطي من أجل إصلاح الكهرباء وعمل مشاريع للعاطلين عن العمل. وإن كان هناك من يعتقد أن هذه الإجراءات والتوجيهات والقرارات ستكون مثل كافة القرارات السابقة التي تعود الشعب اليمني عليها، إلا أن استمرار الرقابة الشعبية والضغط عبر استخدام الوسائل السلمية من شأنها أن تحرج النظام أو تصل به إلى نهاية المطاف الذي يجب أن يصل إليه كل نظام يكذب على شعبه ويذيقه الويلات من الفقر والجوع والمرض في الوقت الذي يزداد فيه الفساد استشراء ويقدم أشخاص وأسماء وأساليب جديدة تضاف إلى القائمة السابقة.
على أن المعلوم والذي لا يخفى على أحد، أن بداية إصدار القرارات الإصلاحية أو لنقل الاستدراكية نتيجة لهذا الضغط الشعبي ستكون نهايته (أي تنفيذ تلك القرارات على أرض الواقع) مرتبطاً بنفس الضغط واستمراريته على نفس النسق وفي ذات الاتجاهات.
إن القرارات الأخيرة للحكومة والمتمثلة إما بصرف راتب إضافي للموظفين أو بإمهال الجهات المتخلفة عن نقل موظفيها إلى هيكل الأجور إلى نهاية هذا الشهر، أو غيرها من التي سمعناها وسنسمعها تباعا لا تكفي لأن تسكت غضبة المواطن والموظف المكتوي بنار سياسات خاطئة طالما حذر المتخصصون من نتائجها.. بل يجب أن يتلو ذلك تنفيذاً حقيقياً على أرض الواقع، مالم فإن العواقب ستكون وخيمة. فالشعب أصبح يدرك جيداً أن مزيداً من التغاضي والسكوت عن حقوقه ستؤدي إلى مزيد من انتفاخ الفاسدين وتجبر الظلمة على حساب عدد المجانيين من الشعب الذين يزداد عددهم كل يوم إلى الشارع، وعدد المنتحرين وعدد الأطفال في الجولات وعدد الباحثين عن عمالة في الخارج وغيرها من النتائج التي يدركها الناس ويعيشونها كل يوم.. ومن كل ذلك كان على من صحت ذاكرتهم وأدركوا أن هذا مصيرهم أن يستمروا في ضغطهم لاستعادة وطنهم الذين ظلوا يحلمون به طوال عقود بعد قيام الثورة اليمنية.

---------------
سبتمبر 2007